انتخابات تركيا المحلية.. أهميتها في المشهد السياسي وقواعد المنافسة

الانتخابات المحلية في تركيا سترسم ملامح مستقبل البلاد السياسي لسنواتٍ مقبلة، بعد أن باتت أكبر بكثير من استحقاق محلي داخلي، ما أهميتها؟ وأين ستتركز المعارك المحورية؟

  • انتخابات تركيا المحلية.. أهميتها في المشهد السياسي وقواعد المنافسة
    انتخابات تركيا المحلية.. أهميتها في المشهد السياسي وقواعد المنافسة

يتوجّه الأتراك، يوم الأحد القادم، 31 آذار/مارس الجاري، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رؤساء بلدياتهم، في انتخاباتٍ ستؤدي نتائجها إلى إعادة هندسة السياسة الداخلية على نطاقٍ واسع، بعد إعادة تشكيل موازين القوى الحزبية على مستوى الإدارات المحلية.

وتتمثل المنافسة الأكبر ضمن هذه الانتخابات في الفوز برئاسة بلدية إسطنبول، أكبر مدن تركيا من حيث عدد السكان، والثقل السياسي، لتليها مدن أنقرة وإزمير، فما أهمية الانتخابات المحلية التركية؟

أهمية الانتخابات البلدية في تركيا

يتوجّه الأتراك للمرّة الثانية خلال أقل من عام إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رؤساء البلديات وأعضاء المجالس المحلية في انتخاباتٍ تجري مرّةً كل خمس سنوات، وتنعقد الانتخابات يوم 31 آذار/مارس الجاري، في دورتها الثالثة عشر منذ انعقادها للمرّة الأولى في العام 1963.

وتكتسب الانتخابات المحلية هذا العام أهميةً مُضاعفة لأنّها تأتي في سياقٍ ساخن أفرزته الانتخابات العامة التي هزم فيها تحالف المعارضة، وبالتالي ستكون الانتخابات الحالية محددة لأوزان الأحزاب والتحالفات وللخريطة السياسية التركية المستقبلية.

ويبلغ عدد الناخبين في الانتخابات المحلية التركية 61 مليون ناخب، بينهم مليون شاب يصوّتون للمرّة الأولى. ويختار ناخبو المدن الحضرية عمدة بلدية العاصمة، ورؤساء البلديات، ورئيس وأعضاء المجلس البلدي. بينما ينتخب ناخبو المقاطعات غير الحضرية رئيس البلدية، وأعضاء الجمعية العمومية الإقليمية، ورئيس وأعضاء المجلس البلدي.

كما تقام الانتخابات في عموم الولايات الـ81 التي تُشكل محافظات البلاد، وتجري في 30 بلدية حضرية، و51 بلدية إقليمية، و922 مقاطعة، و32 ألفاً و105 أحياء، و18 ألفاً و306 قرية.

ويبلغ مجموع رؤساء البلديات الذين سيتم انتخابهم 1393، فضلاً عن انتخاب أكثر من 32 ألف مختار. ويشارك 36 حزباً سياسياً في الانتخابات المحلية، وهي لا تشهد تحالفات رسمية بين الأحزاب السياسية، كما حصل في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتحالف يكون عبارة عن عملية تعاون مُشترك بدعمِ مُرشح الحزب في حال توافق الأحزاب.

وإضافةً للأحزاب هناك مشاركة كبيرة من المستقلين في الانتخابات. ففي إسطنبول لوحدها يُشارك 27 مرشحاً مستقلاً، وفي أنقرة 5 مستقلين، وفي باقي الولايات أيضاً.

المنافسة المحورية في الانتخابات البلدية في تركيا

واقعاً، تتقدَّم انتخابات مدينة إسطنبول الواجهة؛ إذ تنعقد عليها رهانات جميع الأحزاب. ففي الانتخابات الرئاسية، لم يتفوّق رجب طيب إردوغان على منافسه، كمال كيليتشدار أوغلو، لا في إسطنبول ولا حتى في أنقرة أو إزمير بطبيعة الحال.

وتكتسب إسطنبول مكانةً مركزية في الانتخابات المحلية. ويُشكّل انتزاع إسطنبول معيار الانتصار السياسي الحقيقي للحزبين الرئيسيين: العدالة والتنمية والشعب الجمهوري.

إذ ظلّ حزب العدالة والتنمية مُسيطراً على إسطنبول لعقدين كاملين منذ انتخابات 1999 حتى انتخابات 2019 عندما استطاع مرشّح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو انتزاعها.

ويأخذ التصويت في إسطنبول طابعاً سياسياً أكثر منه خدمياً إذ يُنظر إليها باعتبارها نموذجاً مُصغراً للدولة التركية، فهي المدينة ذات الكثافة السكانية الأعلى، ويكتسب حاكم المدينة مكانة معنوية لدى الجمهور.

وتنبع أهمية إسطنبول من الصلاحيات الواسعة الممنوحة لها في مجالات التخطيط الحضري واستثمارات البنية التحتية والنقل العام والخدمات الاجتماعية والتعليم والثقافة.

وسيكون لنتائج إسطنبول تأثير كبير على المستقبل السياسي لحزب الشعب الجمهوري، إذ ستجعل إعادة انتخاب إمام أوغلو منه الزعيم الطبيعي للمعارضة التركية وتعزز طموحاته الرئاسية، فيما ستُعدّ خسارته فشلاً سياسياً لزعيمه الجديد أوزغور أوزيل مماثلاً لإخفاق سلفه كليتشدار أوغلو في 2023، بينما سيعني فوز مرشّح العدالة والتنمية استكمال همينته السياسية.

وتشهد إسطنبول المنافسة الأشرس بإجمالي 49 مرشحاً، بينهم 22 مرشحاً حزبياً و27 مرشحاً مستقلاً، لكن السباق الانتخابي سيقتصر على مرشحي الشعب الجمهوري والعدالة والتنمية.

وأعاد حزب الشعب الجمهوري ترشيح رئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو، بينما اختار حزب العدالة والتنمية وزير البيئة والتحضر الأسبق مراد كوروم.

في أنقرة التي رشّح لها حزب العدالة والتنمية، تورغوت ألتون أوك، وحزب الشعب الجمهوري رئيس البلدية الحالي منصور ياواش. لدى كل منهما أي ألتينوك ويافاش تاريخ مشترك حيث كانا ينتميان إلى حزب الحركة القومية في الماضي قبل أن يتبنى كل منهما اتجاهاً سياسياً مختلفاً.

وتنطبق توافقات إسطنبول على أنقرة التي تقدّم للحصول على رئاستها 22 مرشحاً حزبياً وخمسة مستقلين. وفي الانتخابات البرلمانية السابقة في أنقرة في العام 2019، حقق العدالة والتنمية 32%، وحليفه الحركة القومية 10.2%. فيما حقق الشعب الجمهوري 30.8%، والجيد 13.1%.

أما في إزمير التي تُعرف بأنّها "قلعة الحزب الجمهوري"، والتي فاز فيها الحزب بأصوات ناخبي الولاية سواء في الانتخابات البرلمانية أو المحلية في السنوات الـ7 الأخيرة، فاجأت المعارضة خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة مع ارتفاع نسبة أصوات الناخبين لإردوغان إلى 33%.

وأعلن حزب الشعب الجمهوري ترشيح رئيس بلدية إزمير الحالي، تونج سويار الذي يرأسها منذ 20 عاماً، فيما أعلن العدالة والتنمية ترشيح البرلماني السابق حمزة داغ. 

يُشار إلى أنّه في انتخابات العام 2019 في إزمير حقق التحالف الحاكم 31.99% فيما حققت المعارضة 52.28%.

معارضة متفرقة الصفوف

مع اقتراب الانتخابات البلدية التركية، يخوض تحالف المعارضة الانتخابات متفرقاً بشكلٍ كبير على وقع هزيمةِ 2023، وتكاد أطرافه تخوض الانتخابات مُنفردة بعد أن طغت التباينات على الحسابات السياسية.

وأنهت أحزاب الجيد والمساواة والسعادة والديموقراطية والتقدم والمستقبل والديموقراطي، سياساتها التحالفية وفضَّلت خوض الانتخابات بشكلٍ مُنفرد ومُتنافس.

كذلك، وتعصف الأزمات بحزبي المعارضة الرئيسيين: إذ يُواجه حزب الشعب الجمهوري صراعاً على القيادة بين ثلاثة أقطاب رئيسية: الرئيس الحالي أوزغور أوزيل الذي يُواجه اختباراً لقدرته على تحقيق مكاسب سياسية للحزب، وأكرم إمام أوغلو الذي يُواجه انتقاداتٍ داخلية بأنّه صاحب القرار الرئيسي في الحزب، والرئيس السابق كمال كليتشدار أوغلو الذي يسعى إلى العودة للمشهد السياسي. 

ومن شأن فشل الحزب في الاحتفاظ بمكتسبات 2019 على الأقل أن يدخله في أزمة سياسية، ما يعمق الانقسامات والصراعات. كما تصاعد الغضب لدى بعض أعضاء حزب الشعب الجمهوري ومناصريه بسبب آلية اختيار بعض مرشحي الحزب، ووجهت اتهامات لكلٍ من أكرم إمام أوغلو، وأوزغور أوزيل بالتحيّز وعدم الشفافية في اختيار المرشحين، وظهرت مظاهر الانقسام في تنظيم مظاهرة أمام مكاتب الحزب في إسطنبول في منتصف شباط/ فبراير الماضي، وكذلك استقالة عدد من قيادات الحزب.

كما يُعاني حزب الجيد أزماتٍ داخلية تتعلق بتصاعد الانتقادات الموجهة لزعيمته ميرال أكشنار واتهامها برفض التغيير والتسبب في فقدان الحزب هويته وأيديولوجيته. لذلك، تُشكّل الانتخابات المحلية الحالية أهميةً مصيرية لمستقبل أكشنار السياسي ولتحديد مكان الحزب في العملية السياسية التركية.

عن التحالف الحاكم 

مقارنةً بتحالف الطاولة السياسية، أظهر التحالف الحاكم تماسكاً مدعوماً بالنصر الانتخابي في الانتخابات العامة 2023. إذ لم يُواجه المكونان الرئيسيان للتحالف - حزب العدالة والتنمية والحركة القومية - أيّ عقبات كبيرة في تسمية المرشحين للانتخابات المحلية، وقدما مرشحين موحدين في 30 مدينة حضرية، على أن تدعم الحركة القومية مرشحي العدالة والتنمية لمنصب عمدة العاصمة في 28 بلدية حضرية، والعكس بالنسبة لمنصب عمدة العاصمة في مرسين ومانيسا. ويتقاسم الحزبان الترشيحات في الولايات الـ51 المتبقية اعتماداً على شعبية كل منهما.

ويستهدف التحالف استعادة المدن الكبرى، بما في ذلك القوّة الاقتصادية والثقافية، مثل إسطنبول وأنقرة والمراكز الصناعية والزراعية والسياحية في أنطاليا وإزمير وأضنة ومرسين.

وعلى الرغم من ذلك، أعلن حزب الرفاه من جديد إنهاء تحالفه مع العدالة والتنمية بعد الفشل في التوصل لصيغة توافقية بسبب رفض أنصار حزب الرفاه لتشكيل تحالفات مع أحزاب أخرى، وعدم الاتفاق حول البلديات التي سيقوم كل منها بدعم الآخر فيها، وكذلك الرغبة في المشاركة المنفردة لا سيما بعد كبر حجم الحزب وتزايد أعضاءه لقرابة 411 ألف عضو.

كما أعلن حزب هدى بار إنهاء تحالفه مع العدالة والتنمية، بعد الفشل في الاتفاق والتنسيق حول البلديات التي طلب فيها رئيس الحزب الدعم لمرشحيه.

انتخابات 2019

وخلال انتخابات 2019 فاز حزب العدالة والتنمية في 15 بلدية كبرى، و24 ولاية، و535 منطقة و202 بلدة، محتلاً المرتبة الأولى بمجموع 776 بلدية.

بينما، فاز حزب الشعب الجمهوري في 11 بلدية كبرى، و10 ولايات و195 منطقة، و47 بلدة، بمجموع 263 بلدية. وفاز حزب الحركة القومية بمجموع 232 بلدية، وحزب الجيد في 25 بلدية، وحزب السعادة في 21 بلدية، وحزب الشعوب الديمقراطي في 5 بلديات. 

اقرأ أيضاً: تركيا أمام استحقاق جديد.. كيف ستغير الانتخابات البلدية المرتقبة وجهها السياسي؟

خلال أقل من عام يتوجه الأتراك للمرة الثانية إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رؤساء البلديات وأعضاء المجالس المحلية، في انتخابات تنعقد في دورتها الثالثة عشر، وتشهد أهمية مضاعفة لحسم توجهات الناخب التركي وسياسات تركيا المستقبلية.