"نيويورك تايمز": بايدن سعى في جدة لإبعاد الصين وروسيا عن المنطقة
في محاولة لجعل موسكو تدفع ثمن حربها مع أوكرانيا، وإخراج الصين من صفقات التكنولوجيا في الشرق الأوسط، حاول بايدن العودة إلى التحالفات الخليجية القديمة.
كتب ديفيد سانغر وبيتر بيكر تقريراً مشتركاً من جدة في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قالا فيه إن الرئيس الأميركي جو بايدن استمر خلال لقاءاته مع مجموعة من الرجال العرب الأقوياء في السعودية في نهاية الأسبوع الماضي، في العودة إلى سبب واحد لتجديد علاقته مع حلفاء الولايات المتحدة الذين يقعون في الجانب الخطأ من الصراع الذي يصفه غالباً بأنه "معركة بين الديمقراطية والاستبداد".
وقال بايدن في جلسة السبت الماضي مع تسعة زعماء عرب في قاعة احتفالات بالفندق في هذا الميناء القديم على البحر الأحمر: "لن نغادر ونترك فراغاً تملأه الصين أو روسيا أو إيران. وسنسعى للبناء على هذه اللحظة مع قيادة أميركية نشطة وذات مبادئ".
ورأى الكاتبان أن تأطير بايدن لمهمة أميركا كجزء من شكل متجدد من منافسة القوى العظمى كان ذا دلالة. فعلى مدى عقود، كان الرؤساء الأميركيون ينظرون إلى الشرق الأوسط إلى حد كبير على أنه بؤرة للصراع وعدم الاستقرار، وهو مكان كانت الولايات المتحدة بحاجة إليه إلى حد كبير للحفاظ على تدفق النفط والقضاء على ملاذات الإرهابيين.
وأضافا: "الآن، بعد مرور أكثر من 20 عاماً على مغادرة مجموعة من السعوديين لهذا البلد لشن هجمات إرهابية ضد مركز التجارة العالمي وضرب البنتاغون، فإن بايدن مدفوع بقلق جديد: أن رقصته القسرية مع الطغاة، على الرغم من كونها مقيتة، هي الخيار الوحيد إذا كان هدفه الأكبر هو احتواء روسيا والتغلب على الصين".
"نحن نحقق نتائج"، قال بايدن ليلة الجمعة عندما خرج من لقاء مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يرى بوضوح فرصة لإعادة التأهيل الدبلوماسي بعد أن رفض بايدن مقابلته لأشهر، يتهمه بالتواطؤ في مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي.
وأشار التقرير إلى أن جهود بايدن في السعودية للتفاوض بشأن زيادة إنتاج النفط - وهو أمر يدعو إلى التنافر بما يكفي بالنسبة لرئيس جاء إلى المنصب متعهداً بالمساعدة في إبعاد العالم عن الوقود الأحفوري - مدفوعة بالحاجة إلى جعل روسيا تدفع ثمناً باهظاً لغزو أوكرانيا. حتى الآن، كان هذا الثمن ضئيلًا: لم يقتصر الأمر على استمرار الروس في تحصيل عائدات كبيرة من النفط والغاز، بل إنهم يزودون السعودية بالوقود لمحطات الطاقة - بأسعار مخفضة، حسبما أفادت رويترز أخيراً".
وأضاف التقرير: لعل أبرز ما أعلنه بايدن مع السعوديين هو الاتفاق الذي تم توقيعه ليلة الجمعة للتعاون على تقنية جديدة لبناء شبكات اتصالات من الجيل التالي 5G و6G في البلاد. المنافس الرئيسي للولايات المتحدة في هذا المجال هو الصين – وشركة هواوي، المنافس الصيني المفضل لدى الدولة، والتي حققت تقدماً كبيراً في المنطقة. كل هذا جزء من جهد أكبر لإدارة بايدن للبدء في الضغط على بكين في أجزاء من العالم حيث أحرزت الحكومة الصينية تقدماً لسنوات من دون الشعور بمنافسة كبيرة.
وتابع الكاتبان أنه قبل ثلاثة أسابيع، في اجتماع قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، احتفل بايدن بـ"المفهوم الاستراتيجي" الجديد للتحالف الغربي الذي اعترف، لأول مرة، بالصين باعتبارها "تحدياً" منهجياً، واصفاً سياساتها بأنها قسرية وعملياتها الإلكترونية حول العالم بالضارة. تقول العقيدة الجديدة إنه إلى جانب روسيا، تحاول بكين "تقويض النظام الدولي القائم على القواعد"، وهي كلمات مشابهة لتلك التي استخدمتها إدارة بايدن في هذه الرحلة إلى "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية. وبعد تلك القمة، قال المسؤولون الأوروبيون إنهم سيركزون على صد نفوذ الصين داخل أوروبا، وعلى تقليل الاعتماد على الإلكترونيات والبرامج والمنتجات الأخرى.
ورأى الكاتبان أن الجهود الأميركية في جدة كانت مماثلة - لإظهار أن الولايات المتحدة ستساعد في صد النفوذين الصيني والروسي. فقد عرض بايدن الخطوط العريضة لـ"إطار عمل جديد للشرق الأوسط" من خمسة أجزاء يتضمن دعم التنمية الاقتصادية والأمن العسكري والحريات الديمقراطية. قال: "اسمحوا لي أن أختتم بتلخيص كل هذا في جملة واحدة: الولايات المتحدة مستثمرة في بناء مستقبل إيجابي في المنطقة بالشراكة معكم جميعاً، والولايات المتحدة لن تغادر إلى أي مكان".
وتابع تقرير "نيويورك تايمز": في غرفة مليئة بالحكام المستبدين والملوك المطلقين غير المنتخبين، حرص بايدن على حضهم على حقوق الإنسان بعد يوم من لقائه بالأمير محمد بن سلمان، الذي وفقاً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، قد أمر بعملية 2018 التي قتلت جمال خاشقجي. وقال بايدن إن حرية الاختلاف ستجعلهم أقوى وليس أضعف. ولم يشر إلى حقيقة أن التعاملات التجارية لدول الشرق الأوسط مع بكين تلوح في الأفق: إنهم يعرفون أن استثمارات الصين تأتي من دون محاضرات، ناهيك عن عقوبات لانتهاكات حقوق الإنسان. لكن بايدن حاول إثبات أن الحرية والابتكار يسيران جنبًا إلى جنب.
قال بايدن: "لقد تلقيت الكثير من الانتقادات على مر السنين. لكن القدرة على التحدث بصراحة وتبادل الأفكار بحرية هي ما يطلق العنان للابتكار".
وبحسب الصحيفة، سعى بايدن إلى طمأنة القادة العرب الجالسين حول الطاولة بأن "جهوده للتفاوض على اتفاق نووي متجدد مع أعدائهم في إيران لن يعرضهم للخطر". وقال بايدن: "بينما نواصل العمل عن كثب مع العديد منكم لمواجهة التهديدات التي تشكلها إيران على المنطقة، فإننا نتبع الدبلوماسية كذلك لإعادة القيود المفروضة على برنامج إيران النووي. ولكن مهما حدث، فإن الولايات المتحدة ملتزمة بضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي".
جاءت جلسة القمة مع مجلس التعاون الخليجي المكون من ستة أعضاء، إلى جانب قادة ثلاث دول عربية أخرى، بعد أن التقى بايدن بشكل منفصل بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، "حيث تم حبس عشرات الآلاف من السجناء السياسيين فيما يشن السيسي حملة قمع لا هوادة فيها على المعارضة". لم يعلق بايدن على ذلك عندما كان الصحافيون في القاعة في الدقائق القليلة الأولى، ولكن بدلاً من ذلك شكر السيسي على "المساعدة الرائعة" في غزة، حيث وعدت مصر بالمساعدة في إعادة الإعمار بعد الحرب القصيرة في العام الماضي بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي. قال مساعدون لبايدن إنه سثير مسألة حقوق الإنسان في مصر في السر.
وأشار الكاتبان إلى أنه في الصراع مع الصين، لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بعلاقات وثيقة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مع مصالح تجارية تدفقت على مدى عقود بعد اكتشاف النفط. ومع ذلك، فإن صد نفوذ الصين في المنطقة سيكون صراعاً صعباً، كما يقر العديد من مستشاري الرئيس بايدن. فقد حققت الصين تقدماً كاسحاً في السنوات الأخيرة. فبينما كانت أميركا تخوض حروباً في المنطقة، كانت مبادرة التنمية الصينية "الحزام والطريق" تتقدم عبر الخليج، حتى أنها شيّدت ميناء رئيسياً في الإمارات العربية المتحدة، إلى أن توقف العمل به بعد التحذيرات الأميركية للإمارات من أن الهدف الحقيقي لبكين كان إنشاء قاعدة عسكرية خفية.
وأضافا أنه في كانون الثاني / يناير، عقد المسؤولون الصينيون اجتماعاً افتراضياً مع مسؤولين سعوديين حول بيع المعدات العسكرية للمملكة، اعترافاً من الرياض بأن الأسلحة الصينية أصبحت الآن ذات تقنية أعلى بكثير مما كانت عليه قبل بضع سنوات فقط. (قبل عقود، اشترت السعودية بعض الصواريخ الباليستية العملاقة العابرة للقارات من الصين، مما أثار مخاوف من أنها ربما تكون بصدد استكشاف بناء أسلحة نووية، لكن هذا القلق لم يؤتِ ثماره).
وتابع التقرير: تعمل شركة هواوي على توصيل الأسلاك في المنطقة، حيث تقوم بتثبيت شبكاتها بهدوء بناءً على النظرية القائلة بأن الدولة التي تتحكم في تدفق الإلكترونات عبر الشبكات الوطنية ستسيطر بشكل استثنائي على البنية التحتية للمنطقة. وخلال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حذرت الولايات المتحدة الحلفاء من أنهم إذا وقعوا مع شركة هواوي وغيرها من الموردين الصينيين الرئيسيين، فإن واشنطن ستوقف وصولهم إلى التقارير الاستخباراتية وتحد من مشاركتهم في التحالفات العسكرية. لكن الأمر كله كان عصياً ولم تكن هناك جزرة، حيث لم يكن هناك منتج أميركي بديل لعرضه عليهم.
وأضافت الصحيفة أن ما كان يحمله بايدن في نهاية الأسبوع الماضي إلى جدة هو تقنية جديدة تسمى "أوبن ران"Open-RAN للشبكات، والتي تعمل بشكل كبير على البرامج والوصول إلى المعلومات في السحابة الالكترونية- جميع المناطق التي تتمتع فيها الولايات المتحدة بمزايا. على مدار أشهر من المفاوضات، توصل المسؤولون الأميركيون إلى "مذكرة تفاهم" ستحول السعودية بموجبها نفسها أساساً إلى قاعدة اختبار لاستخدام النظام على نطاق واسع - على الرغم من أن هواوي قد نشرت بالفعل شبكاتها في جميع أنحاء المملكة.
قالت آن نويبرغر، نائبة مستشار الأمن القومي الأميركي للتقنيات الإلكترونية والناشئة: "هذه هي فكرة المشروع. أنشئ نموذج أولي بسرعة هنا في السعودية، وأثبت أنه يعمل على نطاق واسع، وأصبح نموذجاً للمنطقة". ووصفته بأنه "مشروع عملي وقائم على الواقع".
وعندما سُئل المسؤولون السعوديون عن هذه الاستراتيجية الأميركية، بذلوا قصارى جهدهم ليقولوا إنهم لا يحاولون إبعاد الصين عن أي شيء - وأن بإمكانهم استيعاب أنظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية الغربية والصينية. وقارنت السفيرة السعودية في الولايات المتحدة، الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، وجود تقنيات متعايشة مع وجود "ستاربكس، وكوفي بين"، أو "ماكدونالدز وبرغر كنج". لكن الشبكات أكثر تعقيداً بكثير، لأنها تحتاج إلى العمل مع بعضها البعض.
يتساءل المشككون عما إذا كان تأطير الحرب الباردة للحاجة إلى إحياء التحالفات في الشرق الأوسط هو ذريعة لصفقات النفط أكثر من اهتمام حقيقي بالمشاركة العميقة.
وقال كوري شاك، مدير الدراسات الخارجية والدفاعية في معهد "أميريكان إنتربرايز" البحثي: "صحيح أن الصين تحقق بعض التقدم. لكن هذه هي النتيجة الطبيعية لاحتياجات الصين من الطاقة فيما منتجو النفط يشهدون طفرة كبيرة بسبب الغزو الروسي (لأوكرانيا)، والولايات المتحدة في عهد الرؤساء الثلاثة السابقين رفضت الرد على الهجمات الإيرانية على دول الخليج". وأضافت: "لكنها كذلك نتيجة لسياسة إدارة بايدن التي وضعت تحدي الصين كالديمقراطية ضد الاستبداد"، مما يضع السعودية في الجانب الصيني من المعادلة.
نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم