دا سيلفا في "الغارديان": مؤتمر "COP30".. من زمن الوعود إلى زمن الأفعال
لقد ولّى عصر الخطابات الجميلة والنيات الحسنة. مؤتمر (COP30) في البرازيل سيكون للعمل، قبل أن يفقد الناس أملهم.
-
اشتعال النيران في غابات الأمازون المطيرة
الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا يكتب مقالاً في صحيفة "الغارديان" البريطانية، ينشره لمناسبة افتتاح قمة بيليم في الأمازون، التي تمهّد لانعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الثلاثين لتغيّر المناخ (COP30).
يفتتح لولا مقاله بتأكيد الانتقال من الأقوال إلى الأفعال في مواجهة أزمة المناخ، محذراً من أن التردد سيقوّض ثقة الشعوب بالنظام الدولي والتعددية السياسية. ويطرح لولا رؤية متعددة الأبعاد تربط بين البيئة، الاقتصاد، العدالة الاجتماعية، والإصلاح الدولي.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
اليوم، في منطقة الأمازون البرازيلية، تُفتتح قمة بيليم تمهيداً لانعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الثلاثين لتغيّر المناخ (COP30). لقد دعوتُ قادة العالم في الأيام التي سبقت المؤتمر إلى أن نلتزم جميعاً بالتحرّك بالسرعة التي تفرضها أزمة المناخ.
إذا أخفقنا في الانتقال من الخطب إلى الفعل، ستفقد مجتمعاتنا الثقة، لا فقط بمؤتمر الأطراف، بل في التعددية والسياسة الدولية عموماً. ولهذا السبب دعوتُ القادة إلى الأمازون: لنجعل من هذا المؤتمر "مؤتمر الحقيقة"، اللحظة التي نُظهر فيها جدية التزامنا المشترك تجاه كوكبنا.
لقد أثبتت البشرية قدرتها على تجاوز التحديات الكبرى عندما تتوحّد وتسترشد بالعلم. فقد نجحنا في حماية طبقة الأوزون، وأثبتت الاستجابة العالمية لجائحة "كوفيد-19" أن العالم قادر على التحرك بحزم عندما تتوفر الشجاعة والإرادة السياسية.
استضافت البرازيل قمة الأرض عام 1992، حيث أقرّ المجتمع الدولي اتفاقيات المناخ والتنوع البيولوجي ومكافحة التصحر، واعتمد مبادئ أرست نموذجاً جديداً للحفاظ على كوكبنا وإنسانيتنا. وعلى مدى 33 عاماً، أثمرت تلك الجهود اتفاقيات وأهدافاً مهمة للحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بدءاً من الالتزام بإنهاء إزالة الغابات بحلول عام 2030، ووصولاً إلى مضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرات.
واليوم، بعد أكثر من ثلاثة عقود، يعود العالم إلى البرازيل لمواجهة تحدي تغيّر المناخ. وليس من قبيل الصدفة أن يُعقد مؤتمر الأطراف الثلاثون في قلب غابات الأمازون المطيرة. إنها فرصة أمام السياسيين والدبلوماسيين والعلماء والناشطين والصحافيين ليشهدوا واقع الأمازون عن قرب، ليروا الغابات، وأكبر حوض نهري في العالم، وملايين البشر الذين يعيشون هناك. فلا يجوز أن تتحول هذه المؤتمرات إلى مجرد منصّات لعرض الأفكار أو اجتماعات سنوية للمفاوضين؛ بل يجب أن تكون لحظاتٍ للتواصل مع الواقع واتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة تغيّر المناخ.
ولكي نواجه هذه الأزمة معاً، نحتاج إلى موارد. ويجب أن نُدرك أن مبدأ المسؤوليات المشتركة والمتباينة يظلّ حجر الأساس غير القابل للتفاوض لأي اتفاق مناخي. ولهذا، يطالب الجنوب العالمي بفرص أوسع للوصول إلى التمويل، لا من باب الإحسان، بل من باب العدالة. فالدول الغنية استفادت أكثر من غيرها من الاقتصاد القائم على الكربون، وعليها الآن أن تتحمّل مسؤولياتها، لا من خلال الوعود فقط، بل عبر الوفاء بالتزاماتها وسداد ديونها البيئية.
أما البرازيل، فهي تقوم بدورها. ففي غضون عامين فقط، نجحنا في خفض إزالة الغابات في الأمازون إلى النصف، ما يثبت أن اتخاذ إجراءات مناخية ملموسة أمر ممكن.
وفي بيليم، سنُطلق مبادرة مبتكرة للحفاظ على الغابات: "مرفق الغابات الاستوائية للأبد" (TFFF). وتكمن أهمية هذه المبادرة في أنها صندوق استثماري لا آلية تبرعات، يهدف إلى مكافأة من يحافظون على غاباتهم ومن يستثمرون في حمايتها. إنه نهج رابح للجميع في مواجهة تغيّر المناخ. وقد أعلنت البرازيل، كنموذج يُحتذى به، استثمار مليار دولار أميركي في هذا المرفق، ونتطلّع إلى إعلانات طموحة مماثلة من دول أخرى.
كما أننا نُعدّ قدوة بكوننا الدولة الثانية التي تُقدِّم مساهمة وطنية محدَّثة (NDC). وقد التزمت البرازيل بخفض انبعاثاتها بنسبة تراوح بين 59% و67%، لتشمل جميع غازات الاحتباس الحراري وكل قطاعات الاقتصاد. ومن هذا المنطلق، ندعو جميع الدول إلى تقديم مساهمات وطنية جديدة بالقدر نفسه من الطموح، والعمل على تنفيذها بفعالية.
يُعدّ التحوّل في مجال الطاقة عنصراً أساسياً للوفاء بالتزامات البرازيل الوطنية. وتُعتبر مصفوفة الطاقة لدينا من بين الأنظف في العالم، إذ يأتي 88% من كهربائنا من مصادر متجددة. نحن روّاد في مجال الوقود الحيوي، ونُحرز تقدماً في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر.
سيكون من الضروري إعادة توجيه عائدات إنتاج النفط لتمويل انتقال طاقي عادل ومنظَّم ومنصف. ومع مرور الوقت، ستتحوّل شركات النفط حول العالم، بما في ذلك شركة "بتروبراس" البرازيلية، إلى شركات طاقة، لأن نموذج النمو القائم على الوقود الأحفوري غير قابل للاستمرار.
يجب أن يكون الإنسان في صميم القرارات السياسية المتعلقة بالمناخ والتحول الطاقي. علينا أن ندرك أن الفئات الأضعف في مجتمعاتنا هي الأكثر تضرراً من آثار تغيّر المناخ، ولذلك يجب أن تهدف خطط الانتقال والتكيّف العادلة إلى مكافحة عدم المساواة.
وينبغي ألا ننسى أن ملياري شخص لا يزالون يفتقرون إلى التقنيات النظيفة ووقود الطهو، وأن 673 مليون شخص يعانون الجوع. واستجابةً لذلك، سنُطلق في بيليم "إعلاناً بشأن الجوع والفقر والمناخ". يجب أن يرتبط التزامنا بمكافحة الاحتباس الحراري ارتباطاً مباشراً بجهود مكافحة الجوع.
ومن الضروري أيضاً المضي قدماً في إصلاح نظام الحوكمة العالمية. فالتعددية الدولية اليوم تُعاني من شلل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقد أُنشئ هذا المجلس للحفاظ على السلام، لكنه فشل في منع الحروب. لذلك، من واجبنا أن نناضل من أجل إصلاح هذه المؤسسة. وفي مؤتمر الأطراف الثلاثين، سندعو إلى إنشاء مجلس الأمم المتحدة لتغيّر المناخ المرتبط بالجمعية العامة، ليكون هيكلاً جديداً للحكم يتمتّع بالقوة والشرعية اللازمتين لضمان وفاء الدول بوعودها، وخطوة فعّالة لعكس مسار الشلل الذي يعانيه النظام متعدد الأطراف.
في كل مؤتمر مناخي نسمع وعوداً كثيرة، لكننا نرى التزامات قليلة. لقد انتهى زمن إعلانات النيّات الحسنة، وحان وقت خطط العمل. ولهذا السبب نُطلق اليوم "شرطي الحقيقة".
نقلته إلى العربية: بتول دياب.