"لوس أنجلس تايمز": بايدن يكافح لخفض التصعيد الإسرائيلي الفلسطيني
لم يرغبوا (إدارة بايدن) في التعامل مع هذه القضية، والآن عادت القضية لتؤثر عليهم".
كتبت ترايسي ويلكينسون تحليلاً في صحيفة "لوس أنجلس تايمز" الأميركية قالت فيه إنه بعد أربع سنوات من رفض الرئيس الأميركي السالق دونالد ترامب إدانة أي عمل إسرائيلي أو حتى انتقاده بشكل معتدل، تواجه إدارة الرئيس جو بايدن تصعيداً إسرائيلياً فلسطينياً مزوداً بخيارات أقل لتهدئة التوترات مقارنة بأي وقت في التاريخ الحديث. فقد أعطى ترامب تفويضاً مطلقاً لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأنصارها القوميين اليمينيين بينما قام بتهميش ومعاقبة الفلسطينيين.
ورأت الكاتبة أن هذه السياسة قللت من قدرة واشنطن على التأثير على أي من الجانبين، على الأقل حالياً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الفلسطينيين قلقون، وجزئياً لأنه بعد ترامب، فإن أي تراجع من جانب الرئيس بايدن (عن سياسات ترامب)، سيُنظر إليه في بعض الدوائر على أنه هجوم على "إسرائيل".
في الأيام الأخيرة، أعرب البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية عن "مخاوف جدية" بشأن الخطط الإسرائيلية لطرد مئات من الفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية لإفساح المجال أمام إسكان المستوطنين اليهود المتطرفين. وقال أحد البيانين: "كما قلنا باستمرار، من الأهمية بمكان تجنّب الخطوات التي تؤدي إلى تفاقم التوترات أو تبعدنا عن السلام. وهذا يشمل عمليات الإخلاء في القدس الشرقية، والنشاط الاستيطاني، وهدم المنازل، والأعمال الإرهابية". وأضافوا أن "إطلاق حماس للصواريخ على إسرائيل غير مقبول"، وهو ما أدانوه "بأشد العبارات".
يوم الثلاثاء، بعد تصاعد المواجهات بين "حماس" و"إسرائيل"، أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالاً هاتفياً بنظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي للحض على خفض التصعيد.
لغة بايدن معتدلة نسبياً
ظلت اللغة العامة لإدارة بايدن معتدلة نسبياً ولم تتناول ما يصفه الفلسطينيون بالقوة المفرطة التي استخدمتها الشرطة الإسرائيلية في إطلاق النار على المسجد الأقصى، ثالث أقدس الأماكن في الإسلام، خلال الصلاة في شهر رمضان في أواخر الأسبوع الماضي. كما قيدت "إسرائيل" وصول الفلسطينيين إلى الحرم القدس، مما زاد من حدة التوترات، وسمحت بدخول المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين الذين هاجموا الفلسطينيين.
شجّع دعم ترامب "إسرائيل" للمضي في خططها للضم الفعلي لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية، "التي كانت تزحف ذات مرة، وتتسابق الآن". يطالب الفلسطينيون بالضفة الغربية كدولة مستقلة في المستقبل، لكن "إسرائيل" نقلت عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى المستوطنات التي تقسم المنطقة إلى جيوب منفصلة إلى حد كبير.
ورأت الكاتبة أن القدس كانت دوماً هي القضية الأكثر إثارة للاشتعال. إذ يطالب الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء بالمدينة المقدسة كعاصمة لهم. وقد خالف ترامب سياسة أميركية استمرت لعقود، إذ اعترف بالقدس رسمياً كعاصمة لـ"إسرائيل" في عام 2017.
وقالت إن الخطة الجديدة لطرد الفلسطينيين من حي الشيخ جراح في القدس تتجاوز مجرد بناء مساكن لليهود وطرد السكان الفلسطينيين.
ونقلت عن دانيال كيرتزر، الذي شغل منصب السفير الأميركي لدى "إسرائيل" ومصر في ظل إدارات ديمقراطية وجمهوريّة، قوله: "إنك تغيّر (أي إدارة ترامب) وضع السياسة الأميركية بشأن القدس، وتغيّر طبيعة العلاقة والحوار مع أحد الطرفين، وتترك إرثاً. لم يرغبوا (إدارة بايدن) في التعامل مع هذه القضية، والآن عادت القضية لتؤثر عليهم".
وضع بايدن الصراع المستعصي في مرتبة متدنية في قائمة مهامه المتعلقة بالأزمة الخارجية عندما تولى منصبه، وهناك مجموعة من الأسباب التي تجعل بايدن يسير بحذر، كما يقول المحللون. إنه لا يريد أن يخوض معركة مع نتنياهو في الوقت الذي يحاول فيه بايدن التفاوض على العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، الذي تعارضه "إسرائيل" بشدة.
ماذا وراء الاحتجاجات والقمع في القدس؟
وأشارت الكاتبة إلى أن بايدن عليه التوفيق بين التقدميين في الحزب الديمقراطي الذين يميلون إلى تفضيل المزيد من الحقوق للفلسطينيين والتقليديين الأكثر تأييداً لـ"إسرائيل". ويجب على بايدن كذلك أن يأخذ في الاعتبار الأغلبية الضيقة جداً للديمقراطيين في الكونغرس - أي خطوات يُنظر إليها على أنها مناهضة لـ"إسرائيل" توفر للجمهوريين نادياً آخر لمهاجمة الرئيس والحزب. بالإضافة إلى ذلك، فإن جدول أعمال سياسته المحلية مليء بالفعل بتحديات هائلة، من جائحة كورونا والتفاوتات العرقية إلى الاقتصاد والبنية التحتية.
وقال خالد الجندي، مدير الشؤون الفلسطينية الإسرائيلية في معهد الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث في واشنطن: "نهج بايدن هو العمل في أضيق الحدود للغاية. إنه لا يريد أن يزعج إسرائيل".
وقال دبلوماسيون إن المسؤولين الأميركيين أعادوا بدء الاتصالات مع الفلسطينيين، لكن الأمر سيتطلب وقتاً لإعادة الثقة التي تآكلت خلال سنوات ترامب.
وعلى الرغم من انحسار وتيرة الاشتباكات بين الإسرائيليين والفلسطينيين على مر السنين، فإن الزيادة الحالية تهدد بالتصعيد بشكل كبير من دون قيادة أميركية أكثر حسماً. فبعد أكثر من 100 يوم في المنصب، لم يعين بايدن سفيراً للولايات المتحدة لدى "إسرائيل"، وتم ترشيح الدبلوماسية المخضرمة باربرا ليف لتصبح مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ولكن لم تعقد جلسة استماع في الكونغرس لتأكيد تعيينها بعد.
ولعل الأهم من ذلك، أقفل ترامب القنصلية الأميركية في القدس التي كانت تلبّي احتياجات الفلسطينيين وألغى معظم برامج المساعدات للفلسطينيين، وحرم مسؤولي إدارة بايدن من "الأصوات والعيون على الأرض" للتواصل مع الفلسطينيين وجمع المعلومات الاستخبارية"، كما قال إيلان غولدنبرغ ، خبير في "مركز الأمن الأميركي الجديد" في واشنطن. وقال: "لقد فقدوا تلك النقاط من التأثير والنفوذ".
القيادة غائبة لدى الطرفين
وأضافت الكاتبة أن القيادة غائبة أيضاً على الأرض إذ تكافح "إسرائيل" لتشكيل حكومة بعد أربع انتخابات غير حاسمة في غضون عامين، فيما يحاكم نتنياهو بتهمة الفساد. فيما فشلت قيادة السلطة الفلسطينية المتصلبة والمنقسمة في إجراء أي انتخابات منذ عقود.
يصر مسؤولو الإدارة الأميركية على أنهم منخرطون إذ تحدث مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى نظيره الإسرائيلي، مئير بن شابات، في نهاية الأسبوع. ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نبرة سوليفان كانت صارمة وأن بن شابات استاء من التدخل الأميركي.
لكن كانت هناك علامات على أن سوليفان حقق بعض النجاح. أجّلت المحكمة العليا الإسرائيلية الحكم بشأن عمليات الإخلاء، وغيّر نتنياهو مسار مسيرة استفزازية محتملة من قبل القوميين المتدينين عبر الحي الإسلامي في البلدة القديمة.
وزعمت الكاتبية أن كل ذلك جرى قبل أن تبدأ "حماس" في قصف جنوب "إسرائيل" بالصواريخ، وردت "إسرائيل" بغارات جوية على قطاع غزة. ويزيد دور "حماس" من تعقيد أي جهود دبلوماسية لأن الولايات المتحدة تصنف الجماعة الإسلامية على أنها منظمة إرهابية.
ونقلت عن جلعاد شير، أحد كبار المفاوضين الإسرائيليين مع الفلسطينيين لسنوات، قوله إنه كان من الخطأ ألا يعطي بايدن أهمية أكبر للصراع الإسرائيلي الفلسطيني في وقت سابق، لكنه لا يزال بإمكانه ممارسة تأثير كبير، إذا قرر ذلك. وأضاف: "لا يمكن تجاوز حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني".
نقله إلى العربية: الميادين نت