"وول ستريت جورنال": كيف استعاد ترامب السيطرة الكاملة على الحزب الجمهوري؟
أدّى أداء بايدن الكارثي في أول مناظرة مع ترامب إلى جعل العديد من الجمهوريين يشعرون بتحسن من أي وقت مضى بشأن احتمالات عودة مرشحهم إلى البيت الأبيض، كما أنّ محاولة الاغتيال جعلته في نظر الكثيرين في حزبه أنّه لا يمكن المساس به.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تنشر تقريراً، تتحدث فيه عن كيفية قيام دونالد ترامب باستعادة قاعدته الشعبية، وتأييد الحزب الجمهوري له.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف:
حتى قبل أن يستهدف مسلّح دونالد ترامب ليلة السبت، كان الرئيس السابق أسكت معظم منتقديه داخل الحزب الجمهوري، بينما أسكتت محاولة اغتياله الباقين.
وفي المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، هذا الأسبوع، رفعه زملاؤه الجمهوريون، وحتى منتقدوه، إلى مرتبة البطل. وضاعف ترامب شعبيته، من خلال اختيار السيناتور جيمس ديفيد فانس من ولاية أوهايو نائباً له. كما أنّ المديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا من الأثرياء، بقيادة إيلون ماسك، يغيّرون طريق ترامب أيضاً.
كل هذا يجعل من السهل أن ننسى أنّ ترامب، بعد سيطرته الكاملة على الحزب خلال فترة رئاسته، لم يكن منذ فترة طويلة على حافة خسارة كل شيء. خسارته عام 2020 أمام الرئيس جو بايدن، ورفضه قبول نتائج الانتخابات، ولومه على أعمال الشغب في الكابيتول، وما أعقب ذلك من فشل الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، أدّت كلها إلى انزلاق الترامبية إلى حالة من الفوضى، وانخفاض معدلات قبوله بصورة حادة. وتحدث القادة الجمهوريون وكبار المانحين عن طي صفحة ترامب، وبدأ حاكم ولاية فلوريدا البارع وعشرات الجمهوريين الآخرين التخطيط للترشح للرئاسة.
لكن، في هذا الوقت، جلس ترامب في مكتبه في منزله في مارالاغو في فلوريدا، الذي يشبه، إلى حد كبير، المكتب البيضاوي. وفي مكالمة هاتفية تلو الأخرى، قال لحلفائه الجمهوريين: ستؤيدونني قريباً.
أعلن ترامب ترشحه للرئاسة للمرة الثالثة على التوالي في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، بعد سبعة أيام من فشل الانتخابات النصفية. وبعد أربعة أشهر، أصبح أول رئيس سابق في التاريخ يواجه لائحة اتهام جنائية. لكنّه أعلن، مراراً وتكراراً، أنّه ضحية، فحشد قاعدته، وضغط على المؤيدين للحصول على المال، وولّد الولاء للحزب، وقام بتشكيل فريق حملة رشيق ومنضبط.
إنّ إدانة ترامب الجنائية في أيار/مايو في قضية الأموال الطائلة في مانهاتن جعلته مجرماً، لكنّها عززت جمع التبرعات أيضاً. لقد تقدّم ترامب على الرئيس بايدن في معظم استطلاعات الرأي في الولايات المتأرجحة، لعدة أشهر، وأدّى الاضطراب الحالي بشأن لياقة بايدن، عقلياً وبدنياً، إلى تثبيت التأييد لترامب وازدياده.
وبعد أن غادر ترامب البيت الأبيض، في أوائل عام 2021، واصل الحديث بقلق شديد عما قال إنّه انتخابات مزورة، متجاهلاً الواقع ونصيحة بعض المحيطين به بالمضي قدماً، أو على الأقل عدم الحديث عن الأمر كثيراً. وكثّف خطابه بشأن أعمال الشغب في الكابيتول في الـ6 من كانون الثاني/يناير 2021، وأصرّ على أنّه لم يحرض عليها، ووصف المئات من أنصاره، الذين تم اعتقالهم، بأنهم سجناء سياسيون.
وبمرور الوقت، قام المرشحون والمشرعون الجمهوريون بترداد حديث ترامب. وفي استطلاع للرأي أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، في كانون الأول/ديسمبر 2021، قال 57% من الجمهوريين إنّهم متفقون على أنّ "الانتخابات سُرقت من دونالد ترامب، من خلال تزوير الانتخابات على نطاق واسع".
وكان في وسع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين أن يمنعوا ترامب من الترشّح مرة أخرى. وكان مجلس النواب عزله، في 13 كانون الثاني/يناير 2021، بتهمة التحريض على التمرد. ولو كان مجلس الشيوخ دانه، لكان من الممكن أن يُفقده أهليته لتولي منصبه مرة أخرى. وبعد أسابيع قليلة من تركه منصبه، انضمّ ميتش ماكونيل، أكبر جمهوري في مجلس الشيوخ، والذي انتقد بشدة تصرفات ترامب، إلى جميع الجمهوريين، باستثناء سبعة، إلى التصويت من أجل تبرئته.
وبعد بضعة أشهر، واجه بايدن انتقادات شديدة بسبب تعامله مع الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان. كان ذلك بمنزلة بداية التراجع في معدلات موافقة الرئيس.
وانتقد ترامب، الذي فضّل أيضاً سحب القوات الأميركية، بايدن علناً. وعندما سُئل ترامب، عبر قناة "فوكس نيوز"، عما إذا كان يفكر في الترشح لانتخابات عام 2024، أثار الفكرة قائلاً: "ستكون (في إشارة إلى المذيع) سعيداً إذا ترشّحت، لأنني أحب هذا البلد وأكره أن أرى ماذا يحدث له".
ومع ذلك، في الانتخابات النصفية، فشل الجمهوريون في تحقيق "الموجة الحمراء" التي توقّعوها، وخسر عدد من المرشحين البارزين، الذين أيدهم ترامب. وكان الديمقراطيون حشدوا الناخبين بشأن ما حدث في الـ6 من كانون الثاني/يناير وحقوق الإجهاض.
وفي استطلاع للرأي أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، في كانون الأول/ديسمبر من ذلك العام، قال 36% فقط من الناخبين المسجّلين إنّهم ينظرون إلى ترامب بصورة إيجابية. ومن بين الجمهوريين، كان لدى 74% وجهة نظر إيجابية، مقارنة بـ 85% قبل تسعة أشهر.
وناشد بعض الحلفاء ترامب تأجيل إعلان ترشحه مرة أخرى، لكن ترامب لم يتورّع عن ذلك، فدخل قاعة مارالاغو بعد أسبوع واحد من الانتخابات النصفية، وأعلن ترشحه الثالث للبيت الأبيض. كان هدفه الوقوف أمام ما كان يُتوقع أن يكون انتخابات تمهيدية للجمهوريين مزدحمة، كما أراد منصة أكبر للتنديد بجميع التحقيقات القانونية في أفعاله، كونها ذات دوافع سياسية: جهوده لإلغاء انتخابات عام 2020، وتعامله مع الوثائق السرية، وتعاملاته التجارية في نيويورك.
كان غاضباً بسبب الاهتمام الذي حظي به حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، من الناخبين ووسائل الإعلام. كان ديسانتيس فاز للتو بإعادة انتخابه بأغلبية ساحقة، وتم ذكره بصورة متزايدة كشخص يمكنه تقديم التوجه المحافظ من دون دراما الرئيس السابق. وفي الشهر التالي، أظهر استطلاع، أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، أنّ ديسانتيس يتفوق على الرئيس السابق بأرقام مضاعفة في مباراة افتراضية.
وحذّر مساعدو ترامب من مهاجمة جمهوري يتمتع بشعبية مبكرة في وقت مبكر جداً، لكن ترامب تجاهلهم مرةً أخرى، ولم يكن يريد التنازل عن أي من مؤيديه لديسانتيس، الذي كان يجذب كبار المانحين، ويولّد الحماسة في الولايات الأولية المبكرة. وعدّ ترامب إعلانه المبكّر بمنزلة طلقة تحذيرية، وفقاً للأشخاص الذين تحدثوا إليه، في ذلك الوقت.
وقاكم ترامب بانتقاد ديسانتيس بسبب دعم الأخير لأطر ميزانيات الكونغرس، والتي كان من شأنها أن تغير الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، وقال إنّه لن يمس هذه البرامج.
ورفض ترامب المشاركة في المناظرات، متعللاً بتفوقه في الاستطلاع. وكان بعض المساعدين يشعر بالقلق من أنّ ذلك قد يأتي بنتائج عكسية، لكنه لم يحدث. واشتبك خصوم ترامب، في حين عرض هو برامج لفتت بعض الانتباه.
وخلال المناظرة الأولى في ميلووكي، طلب مدير قناة "فوكس نيوز"، بريت باير، إلى المرشحين أن يرفعوا أيديهم إذا كانوا سيدعمون ترامب مرشحاً للحزب حتى لو دِينَ بجريمة واحدة من التهم الجنائية التي يواجهها، فرفع ستة من المرشحين الثمانية أيديهم.
وبعد أقل من 24 ساعة من المناظرة الأولى، مثل ترامب أمام السلطات في جورجيا للرد على اتهامات بأنه أدار مشروعاً إجرامياً سعى لإلغاء فوز بايدن الانتخابي عام 2020. في تلك الليلة، نشر ترامب صورته في المحكمة، عبر تطبيق "X"، وهي أول مشاركة له في المنصة منذ أن تم حظره في أعقاب أعمال الشغب في الكابيتول، فجمعت الحملة 4 ملايين دولار عبر الإنترنت في اليوم التالي.
كان لدى ترامب هدف جريء للمؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا، في كانون الثاني/يناير من هذا العام، هو الفوز بنصف الأصوات على الأقل. ولم يحصل أحد على الإطلاق على أكثر من 41% من أصوات الحزب الجمهوري في عام تنافسي. وكان ترامب حصل على 24% فقط من الأصوات في عام 2016. وفي عام 2024، حصل ترامب على 51% من الأصوات، وهي أكبر نسبة في تاريخ المنافسة الجمهورية.
عقب ذلك، انسحب ديسانتيس، الذي احتل المركز الثاني بنسبة 21%، وأيّد ترامب على الفور. وبعد 6 أسابيع، انسحبت أيضاً حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة نيكي هالي.
وبحلول 12 آذار/مارس، كان ترامب فاز بعدد كاف من المندوبين ليصبح المرشح المفترض للحزب الجمهوري. وانتقل مزيد من المانحين من الحزب الجمهوري إلى معسكره.
إنّ إدانة ترامب، في أواخر أيار/مايو، في قضية الأموال السرية في نيويورك، جعلته مجرماً، لكنها أعطته دفعة أخرى لجمع التبرعات. وحصدت حملته ما يقرب من 53 مليون دولار في أول 24 ساعة. وفي الربع الثاني، المنتهي في حزيران/يونيو، جمع ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري 331 مليون دولار، وهو ما يتجاوز 264 مليون دولار حصلت عليها عملية جمع التبرعات المشتركة لبايدن مع اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي.
أدّى أداء بايدن الكارثي في أول مناظرة مباشرة مع ترامب إلى جعل عدد من الجمهوريين يشعرون بتحسن أكثر من أي وقت مضى بشأن احتمالات عودة مرشحهم إلى البيت الأبيض، كما أنّ محاولة الاغتيال جعلته، في نظر كثيرين في حزبه، مرشحاً لا يمكن المساس به.
نقلته إلى العربية: بتول دياب