"واشنطن بوست": ترامب قد يعوق الحب المتبادل بين ماسك والصين
تعتمد شركة "تسلا" بشكل كبير على الصين، سواء في التصنيع أو المبيعات. ولكن الآن بعد أن أصبح رئيسها التنفيذي يشغل منصباً رسمياً في إدارة ترامب، فقد تصبح الأمور معقدة.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تنشر مقالاً للكاتبين كاترينا نورثروب وليريك لي، تحدثا فيه عن مستقبل العلاقات بين الصين وإيلون ماسك، في ظل رئاسة دونالد ترامب.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
يحبّ إيلون ماسك الصين، والصين تبادله الحب. لكن، تولّي الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" دوراً بارزاً أو "رئيس ظلّ" في إدارة دونالد ترامب المقبلة، قد يعوق هذه العلاقة الحميمة بأجندتها الجيوسياسية. وكان إيلون ماسك قد نجح في نسج علاقة ممتازة مع الصين، إذ يعدّه كثر من رؤساء الشركات الغربيين المفضّل لديهم، ويرونه رمزاً للنجاح الريادي والابتكار التكنولوجي، وغالباً ما يحظى باستقبال مميز على السجّادة الحمراء حين يزور الصين، وهو من بين قلّة من رجال الأعمال الأجانب الذين التقوا الزعيم الصيني شي جين بينغ مرّات عديدة.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، يتفاخر الصينيون بـ "الروح الرائدة" التي تميّز ماسك، ويلقبونه بـ "الرجل الحديدي"، وهو بالنسبة لهم رجل الأعمال الذي تحوّل إلى بطل خارق في القصص المصوّرة، ويحبّون شغفه بالعمل الجاد واستعداده لمواجهة المشكلات التكنولوجية الصعبة. وكان ماسك قد قال منذ أشهر قليلة لوسائل إعلام صينية: "لي الكثير من المعجبين في الصين، وأنا من أشدّ المعجبين بالصين، والمشاعر متبادلة".
وقد أصبح ماسك نموذجاً ملهماً لرجال الأعمال الشباب في الصين. يقول الرئيس التنفيذي لشركة استشارات تسويقية في ووهان ليانغ كايلاي، كيف لاقى نادي معجبي ماسك الذي أسّسه في عام 2021، استجابة في 20 مدينة صينية جذبت عشرات الآلاف من المتابعين المتحمّسين. ويضيف كايلاي: "إذا كان عليّ اختيار أعظم شخص في تاريخ البشرية، فيجب أن يكون ماسك".
وقال الزميل في "مركز بول تساي الصيني"، في كلّية الحقوق بجامعة ييل دان وانغ، إنّ "صعود ماسك إلى الشهرة والثروة له صدى في الصين. وهذا يعود إلى فهمه القيم التي يقدّرها المجتمع الصيني، ونهجه في العمل يتّسم بالجدّية والمثابرة، ويتّسق مع ثقافة العمل الصينية المعروفة باسم (996)، حيث يعمل الموظّفون من الساعة 9 صباحاً إلى 9 مساء، 6 أيّام في الأسبوع". هذا كلّه ترك الطبقة الحاكمة في الصين، تنظر إلى ماسك باعتباره أجنبيّاً متعاطفاً يمكن الاعتماد عليه في مدح الصين، ووصفها بـ "المذهلة"، وهو يكرّر كلام بكين بشأن القضايا السياسية مثل وضع جزيرة تايوان.
لكنّ ماسك لم يتحدّث علناً كثيراً عن الصين منذ فوز دونالد ترامب في الانتخابات، باستثناء الإشادة ببرنامج الفضاء الصيني عشية الانتخابات. مع أنّ إمبراطوريته التجارية لا تعتمد على مهرجان الحب المتبادل فقط، بل لأنّ الصين هي ثاني أكبر سوق لشركة "تسلا" بعد الولايات المتّحدة، وفيها مركز أحد المصنعين العملاقين للشركة المذكورة في مدينة شنغهاي، حيث أنتجت سيّارتها رقم 3 مليون منذ أشهر قليلة. كذلك، ينتظر ماسك موافقة بكين لإطلاق برمجيّات أنظمة القيادة الذاتية الكاملة للسيّارات، وهي خطوة حاسمة لقدرة الشركة على المنافسة على حصّة في سوق صناعة السيّارات الكهربائية في الصين.
لكنّ الأمور قد تتعقّد قريباً بالنسبة لماسك مع تولّي ترامب الرئاسة، ووعوده السياسية المتشدّدة تجاه الصين. وبالفعل، بدأت بوادر التوتّر تظهر مع إعلان ترامب عن نيّته فرض تعريفات جمركية إضافية بنسبة 10% على الواردات الصينية، ما دفع بكين إلى الردّ بإجراءات انتقامية ضدّ شركات التكنولوجيا والدفاع الأميركية. وهذه الحال سوف تضع إيلون ماسك كمالك لشركة "سبيس إكس" في موقف صعب، خاصّة وأنّ الشركة متعاقدة مع البنتاغون، وتعدّ مقاولاً رئيسياً للجيش الأميركي، وكانت قد قدّمت خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية لأوكرانيا في حربها ضدّ روسيا، وتعدّ "أداة للهيمنة الأميركية في الفضاء".
الآن، يبدو ماسك محصّناً ضدّ الانتقادات التي تواجهها شركاته في بعض الأحيان، كما أشار جوني بي، وهو مهندس برمجيات صيني من المعجبين بماسك، "من منظور تقني بحت، تعزّزت شعبية إيلون ماسك بسبب التركيز الانتقائي لوسائل الإعلام الحكومية الصينية على "الرسائل الإيجابية عن الملياردير. على سبيل المثال، أشاد مقال في صحيفة "الشعب" اليومية الناطقة الرسمية باسم "الحزب الشيوعي الصيني"، بشركة "تيسلا"، في الوقت الذي وصفت مقالة أخرى في صحيفة "بكين ديلي" الحكومية في العام الماضي آراء ماسك بشأن العلاقة بين الولايات المتّحدة والصين بأنّها" عقلانية وقيّمة".
كذلك هي منشورات ماسك المثيرة للجدل على منصّة "إكس" المحظورة في الصين، لا تمرّ عبر جهاز الرقابة في بكين، وهذا يعود جزئيا إلى التغطية الإعلامية الإيجابية التي تحيط بكلّ ما يتعلّق بماسك في وسائل الإعلام الصينية، التي تهتمّ بخياراته في الطعام وقائمة العشاء التي تناولها في أحد المطاعم الراقية في بكين خلال زياراته. وكما إيلون ماسك كذلك والدته ماي ماسك (76 عاما)، تتمتّع أيضاً بمكانة مرموقة في الصين، ولديها العديد من صفقات الترويج للعلامات التجارية مع شركات صينية. ويقول كريس صن، رجل الأعمال الذي ترجم السيرة الذاتية لإيلون ماسك إلى اللغة الصينية، "الناس يحبون ماي لأنّها ربت طفلاً ناجحاً للغاية. والعائلات الصينية تقدر تعليم أطفالها".
بلغت شهرة ماسك مستوى مرتفعاً جعل أحد الصينيين الذين يقلّدونه على "تيك توك" أن يحوز على مليون متابع، وينشر مقاطع فيديو لنفسه وهو يتحدّث بإنكليزية مكسّرة أمام سيّارة "تسلا". وفي إحدى الحلقات الشهيرة تغلب دمية تمثل ماسك وهو عاري الصدر دمية تمثل مارك زوكربيرج، في محاكاة قتال في قفص بين اثنين من أباطرة التكنولوجيا. وقد نظم نادي معجبي ماسك، الذي يتألّف في الغالب من العاملين في مجال التكنولوجيا ورجال الأعمال فعاليّات بعنوان "العثور على ماسك الصيني"، حيث يحاول أصحاب المليارات المحتملين استخلاص الدروس من المساعي التجارية للرئيس التنفيذي لشركة "تسلا".
بالطبع، هناك منتقدون لماسك في الصين. وقد وصفه أحد المعلّقين على وسائل التواصل الاجتماعي بأنّه "متحيّز"، وانتقد ميله السياسي نحو اليمين باعتباره انتهازياً، في حين أعرب آخرون عن مخاوفهم من أنّه "كاره للنساء" أو "نرجسي".
ويحذّر البعض الآخر في حال ابتعد ماسك عن حظوة بكين، فقد تتحوّل التغطية الإعلامية الحكومية الصينية بسرعة إلى تغطية سلبية. وقد تعلّمت بعض الشركات الغربية هذا الأمر بالطريقة الصعبة. وعلى مدى السنوات الأربع المقبلة، سوف تعتمد نظرة الجمهور الصيني إلى ماسك على مدى نجاح العلاقات الصينية- الأميركية في ظلّ حكم ترامب. وبصراحة، ماسك ليس السياسي الفطن الذي يعتقد.
نقله إلى العربية: حسين قطايا