"نيويوركر": ما مصير المهاجرين المعتقلين في سجن غوانتانامو؟

في أوائل التسعينيات، كان اللاجئون وطالبو اللجوء الهايتيون محتجزين في السجن في ظروف مزرية. وتبدو تجربتهم اليوم وكأنها معاينة لما هو آت.

  • "نيويوركر": ما  مصير المهاجرين المعتقلين في سجن غوانتانامو؟

مجلة "نيويوركر" الأميركية تنشر مقالاً يتحدث عن الوضع المأساوي للمهاجرين المعتقلين في سجن غوانتانامو، وارتباطه بالسياسات الأميركية الحالية في ما يتعلق بالهجرة والتعامل مع المهاجرين غير الشرعيين.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

لا تزال نيناج راؤول تحتفظ بصور معينة محفورة في ذهنها من رحلاتها إلى القاعدة البحرية الأميركية في خليج غوانتانامو. فقد عملت نيناج، وهي المؤسسِة المشاركة والمديرة التنفيذية لمنظمة "Haitian Women for Haitian Refugees" التي تُعنى بالدفاع عن المهاجرين ومقرها بروكلين، مترجمة لطالبي اللجوء الهايتيين الذين سُجنوا في غوانتانامو في أوائل التسعينيات. وتذكر أنّ القاعدة كانت شديدة الحرارة أثناء زياراتها المتكررة إليها. ولم تكن هناك أشجار قريبة، بل صفوف من الخيام باللونين البني الفاتح والزيتوني المنصوبة على الأسمنت، وتحيط بها حظيرة مطار، ومراحيض متنقلة، وأسلاك شائكة، وأبراج حراسة. وكانت معظم الخيام تفتقر إلى التهوية، والناس محشرون فيها مثل السردين في العلبة. 

وكان بعض المعتقلين محتجزاً مع أطفاله، في حين كان آخرون منفصلين عنهم، ولم يكن هناك خصوصية في المكان. كما كان المخيم مليئاً بالفئران، والهواء مملوءاً بالذباب؛ وكان المعتقلون يتبللون داخل الخيام عندما يهطل المطر. وكانت السحالي تتجول داخل محيط السجن إلى جانب القوارض المعروفة باسم جرذان الموز والتي كانت بحجم القطط. ومؤخراً، طلبتُ من نيناج أن تشاركني ذكرياتها في ضوء التوجيه الذي أصدره دونالد ترامب في 29 كانون الثاني/يناير، والذي أمر فيه بتوسيع مركز احتجاز المهاجرين في غوانتانامو ليضم 30 ألف سرير. وقد التقط مصورون صحافيون زاروا القاعدة في ذلك الوقت مشاهد مشابهة لتلك التي تصفها نيناج. ويبدو عملهم اليوم، الذي نعرض مجموعة مختارة منه في هذا المقال، وكأنه معاينة لما هو آت.

تقع قاعدة غوانتانامو على الساحل الجنوبي الشرقي لجزيرة كوبا، وكانت الموقع الذي نزلت فيه القوات الأميركية لأول مرة خلال الحرب الإسبانية - الأميركية في عام 1898. وقد حصلت الولايات المتحدة على حق الوصول إلى القاعدة في عام 1903، من خلال اتفاقية ما بعد الحرب التي ضغطت على الكوبيين لاستئجار بعض أراضيهم مقابل حصولهم على الاستقلال. وعقب الانقلاب الذي حصل في أيلول/سبتمبر 1991 ضد أول رئيس هايتي منتخب ديمقراطياً، جان برتران أريستيد، فرّ عشرات الآلاف على متن قوارب مكتظة هرباً من الجيش الهايتي، الذي كان بعض قادته قد تدرب في الولايات المتحدة. واعتُقل مواطنون هايتيون في غوانتانامو، إلى جانب مواطنين كوبيين كانوا يسعون أيضاً إلى الحصول على اللجوء في الولايات المتحدة. وفي حين اعتُبر الكوبيون فارين من الاضطهاد السياسي، كان الهايتيون يُصنّفون بشكل عام مهاجرين لأسباب اقتصادية، الأمر الذي قلل من احتمالات منحهم حق اللجوء على الفور، إن حصلوا عليه. ولقضاء الوقت، كان المعتقلون يُحدّقون في الجبال البعيدة ويلعبون كرة القدم والدومينو. وكانوا يغنون ويصلون وينتظرون لأشهر في بعض الأحيان. 

وقد حدثني كارل جوست، مصور صحيفة "ميامي هيرالد" الذي سافر إلى قاعدة غوانتانامو مرتين في التسعينيات، عن تجربته قائلاً: "لقد كان هذا المكان من أكثر الأماكن عزلة على وجه الأرض. وقد شعر الناس وكأنهم سقطوا في وسط اللامكان ولولا وجود البحر، لظننت أنك في مكان ما في الصحراء". وقد سُمح لجوست والمصورين الآخرين بتوثيق المشاهد الموافق عليها فحسب، وسط حراسة مشددة؛ إلا أنّه وزملاءه المصورين الصحافيين تحايلوا على الحراس، كما قال، من خلال التركيز عن كثب على تفاصيل تجربة المعتقلين: طفل يمسك بإصبع امرأة؛ وأيدٍ متشابكة تغطي وجوهاً حزينة، وتعابير تشير إلى أنهم في مأزق خطير.

  • طفل يمسك بإصبع امرأة في سجن غوانتانامو
    طفل يمسك بإصبع امرأة في سجن غوانتانامو

وخلال رحلة لها ضمن عيادة قانونية خاصة بجامعة "ييل"، تذكر نيناج بوضوح مشهداً لم يتم توثيقه في عام 1993. فقد شاهدت معتقلين يجلسون مكبلي الأيدي والأرجل تحت أشعة الشمس الحارقة في وسط أحد الحقول. وعندما حاولت التقاط صورة، صاح بعض الحراس العسكريين المرافقين للفريق ومد أحدهم يده وحاول انتزاع الكاميرا منها. وتمكنت من التقاط صورة غير واضحة ليده وهو يمدها نحو العدسة. وكان المعتقلون، الذين كان بعضهم مؤهلاً للحصول على اللجوء ولكن مُنعوا من دخول الولايات المتحدة لأنهم مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية، يرفعون لافتات من الورق المقوى احتجاجاً على أوضاعهم ويشاركون في إضراب عن الطعام. وقال بعضهم في وقت لاحق للصحافيين الزائرين ومراقبي حقوق الإنسان، بمن فيهم القس جيسي جاكسون، إنهم كانوا يعاملون مثل أسرى الحرب. وقد ألقي بالكثير من المعتقلين في سجون تحت الأرض، وتعرضت بعض النساء للتفتيش المهبلي، كما وردت تقارير عن اعتداءات جنسية، وحوكم طبيب عسكري في البحرية بتهمة الاغتصاب. وقالت نيناج: "لقد كان مكاناً غير قانوني، ولم تكن هناك أي مساءلة".

  • رجال يقفون تحت أشعة الشمس سلاعات طويلة في سجن غوانتانامو
    رجال يقفون تحت أشعة الشمس ساعات طويلة في سجن غوانتانامو

وفي حلقة من السلسلة الوثائقية "Frontline"، التي بثتها شبكة "بي بي إس" عام 2017، قالت امرأة تدعى ماري جينارد، كانت في الرابعة عشرة من عمرها عندما اعتُقلت في غوانتانامو مع والدها: "لم تكن لدينا أي حقوق لأننا عملياً لسنا في الولايات المتحدة. لذا، فقد شعرنا وكأننا في سجن؛ وهذا ما كان عليه الأمر بالنسبة لنا".

وفي عام 1993، أمر القاضي ستيرلينغ جونسون جونيور، من المحكمة الجزائية الأميركية للمنطقة الشرقية من نيويورك، بالإفراج عن الهايتيين المعتقلين في غوانتانامو. وبعد نحو عقد من الزمن، تم سجن المشتبه بهم في هجمات  أيلول/سبتمبر الإرهابية في معتقل غوانتانامو، حيث تعرضوا لأساليب استجواب مشددة، بما في ذلك الإيهام بالغرق، وهي تقنية تعذيب وعد ترامب، عندما كان يخوض حملته الانتخابية الرئاسية في عام 2016، بإعادتها؛ إلى جانب "أساليب أسوأ بكثير".

ويذكر جوست موجة الغضب العالمية التي أثارتها صورة التقطتها عدسة مصور البحرية الأميركية الضابط شين ماكوي ونشرتها وزارة الدفاع  في عام 2002 لرجال مقيدين في أقفاص يجثون على ركبهم ومعصوبي الأعين ويرتدون زياً برتقالياً في ساحة في غوانتانامو؛ بالإضافة إلى الصور المروعة لإساءة معاملة السجناء وتعذيبهم، التي التقطها أفراد من الجيش الأميركي بابتهاج في سجن أبو غريب بالعراق في عام 2003. وقال: "في حال استمر مشروع غوانتانامو الحالي، نأمل في أن يكون هناك أشخاص، ربما من المبلغين عن المخالفات، سيخبرون أو يظهرون حقيقة ما يمر به هؤلاء المعتقلون وليس ما تريد الحكومة أن نراه".

إنّ ما تريد الحكومة إظهاره، من خلال مقاطع الفيديو والصور التي يتم توزيعها بصورة أساسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمداهمات المنازل وأماكن العمل والاعتقالات، هو الإهانة والإذلال؛ وتصوير المهاجرين غير المسجلين، بمن فيهم النساء والأطفال، كأشرار في جو من برامج الواقع الشبيهة ببرنامج "Cops". وتساعد وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة وشخصيات تلفزيونية أمثال الدكتور فيل ماكغرو في نشر الرسالة بشكل أكبر من خلال التعاون مع وكلاء إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الذين قيل لهم أن يكونوا مستعدين للوقوف أمام عدسات الكاميرا.

وفي 4 شباط/ فبراير، نُقِل 10 رجال فنزويليين مكبلين بالأغلال إلى غوانتانامو من مدينة إل باسو بولاية تكساس على متن طائرة عسكرية. وبعد أن تم تصويرهم قبيل مغادرتهم، وصفهم مسؤولون في وزارة الأمن الداخلي بأنهم "الأسوأ على الإطلاق" (وهي اللغة التي كانت تُستخدم في السابق لوصف المشتبه بهم في الإرهاب في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر)، وبأنهم أعضاء في عصابة "ترين دي أراغوا"، التي صنفتها إدارة ترامب مؤخراً جماعة إرهابية. وقالت إحدى النساء التي تعرفت على شقيقها في الصور المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي لصحيفة "نيويورك تايمز" إنه انتقل مؤخراً إلى الولايات المتحدة ولم يكن عضواً في عصابة. وعلى مدار الأسابيع التالية، تبعه 168 معتقلاً آخرين؛ وتم نقلهم جميعاً باستثناء واحد جواً من غوانتانامو إلى فنزويلا. ولم يكن لدى 51 شخصاً من الرجال المعتقلين أيّ سجل جنائي. وفي 24 شباط/ فبراير، أُفيد بأن الإدارة أوقفت خطتها لنقل المزيد من المعتقلين إلى غوانتانامو، لأن الخيام التي أقيمت لم تستوف "معايير الاحتجاز". كما تواجه الخطة عدداً من الدعاوى القضائية التي يدعمها الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (A.C.L.U). 

وبعد وقت قصير من توقيع ترامب على توجيهه بشأن غوانتانامو، أنهى وضع الحماية المؤقتة لأكثر من 300 ألف فنزويلي ونصف مليون هايتي، ما جعلهم مؤهلين للترحيل في الأشهر المقبلة. وتدرس الإدارة إنشاء مواقع احتجاز أخرى في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، بما في ذلك السلفادور، حيث يتعرض حتى القُصَّر للتعذيب والإساءة أثناء احتجازهم، وفقاً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش". وفي منتصف شباط/فبراير، تم ترحيل مجموعة من المعتقلين، بمن فيهم مهاجرون إيرانيون وهنود وأفغان وصينيون، من الولايات المتحدة إلى بنما. وقد احتُجزوا في فندق لعدة أيام ووافق معظمهم على العودة إلى بلدانهم الأصلية، لكن أكثر من 100 منهم أعربوا عن خوفهم من العودة وتم نقلهم إلى معسكر قائم مسبقاً على أطراف منطقة "داريان غاب" (Darién Gap). ومؤخراً، تقدمت مجموعة من المحامين بعريضة أمام لجنة الدول الأميركية لحقوق الإنسان نيابة عنهم، وتخطط لتقديم شكوى ضد وزارة الأمن الداخلي الأميركية. وفي يوم الجمعة، أعلنت بنما أنها ستفرج عنهم ومنحتهم تصاريح مؤقتة للبقاء في البلاد لمدة تتراوح بين 30 و90 يوماً.

علاوة على ذلك، أصبح لدى قلّة من المعتقلين في غوانتانامو اليوم القدرة على الوصول إلى الهواتف والتواصل بشكل متقطع مع المراسلين والمصورين، على عكس المعتقلين الذين كانوا في فترة التسعينيات. وقد روى بعض الأشخاص الذين تم ترحيلهم من غوانتانامو إلى فنزويلا قصصاً مألوفة عن تعرضهم للضرب على أيدي الحراس، والتفتيش العاري، والوضع في الحبس الانفرادي، ومحاولات الانتحار، فضلاً عن الإضراب عن الطعام احتجاجاً على الظروف اللاإنسانية. أما في ما يتعلق بالمحتجزين في منطقة  "داريان غاب"، فقد قال أرتيميس قاسم زاده، أحد الإيرانيين المحتجزين هناك،  لصحيفة "نيويورك تايمز": "يبدو المكان وكأنه حديقة حيوانات مع وجود أقفاص مسيجة". ومع الأسف، هذا هو بالضبط الهدف من هذه المعتقلات، كما تذكرنا الكثير من الصور القديمة للهايتيين في غوانتانامو. 

نقلته إلى العربية: زينب منعم.