"نيويورك تايمز": تجاهل غزة أسقط الحزب الديمقراطي

إنّ استثناء القضية الفلسطينية ليس غير أخلاقي فحسب، بل إنه أمر كارثي سياسياً.

0:00
  • "نيويورك تايمز": تجاهل غزة أسقط الحزب الديمقراطي

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقال رأي للكاتب بيتر بينارت، تحدث فيه عن كيف لعبت القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين والحرب على غزة دوراً في هزيمة الحزب الديمقراطي ومرشحته كامالا هاريس بالانتخابات.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

في مدينة ديربورن ذات الأغلبية العربية الأميركية في ميشيغان، والتي دعمت جو بايدن في عام 2020، تظهر النتائج أنّ دونالد ترامب تغلب على كامالا هاريس بنحو ست نقاط مئوية.

على مدار العام الماضي، أدّت مذبحة "إسرائيل" وتجويع الفلسطينيين بتمويل من دافعي الضرائب الأميركيين وبث مباشر على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى إشعال واحدة من أعظم موجات النشاط التقدمي في جيل كامل. والنظر إلى التداعيات السياسية لغزة من خلال عدسة الهوية فقط يغفل شيئاً أساسياً. فالعديد من الأميركيين الذين حفّزهم تواطؤ حكومتهم في تدمير غزة على التحرك ليس لديهم أي صلة شخصية بفلسطين أو "إسرائيل". ومثل العديد من الأميركيين الذين احتجّوا على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو حرب فيتنام، فإن دوافعهم ليست عرقية أو دينية بل أخلاقية.

كان الغضب شديداً بشكل خاص بين الأميركيين ذوي البشرة السمراء والشباب. وكانت قد أقيمت مخيمات تضامنية مع الشعب الفلسطيني في أكثر من 100 حرم جامعي. وفي شباط/فبراير، وصف مجلس أساقفة الكنيسة الأسقفية الميثودية الأفريقية، إحدى أبرز الجماعات السوداء في البلاد، الحرب في غزة بأنّها "إبادة جماعية" وطالب إدارة بايدن-هاريس بالتوقف عن تمويلها. وفي حزيران/يونيو، حثّت الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين على وقف شحنات الأسلحة أيضاً. ووجد استطلاع رأي أجرته شبكة "سي بي إس نيوز" في حزيران/يونيو أنّه في حين أيّد معظم الناخبين الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً مبيعات الأسلحة لـ "إسرائيل"، فإنّ الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً عارضوها بنسبة تزيد على ثلاثة مقابل واحد. وبينما فضّل 56% فقط من الناخبين البيض قطع الأسلحة، كانت النسبة بين الناخبين السود 75%.

قد تفسّر أرقام استطلاعات الرأي قبل الانتخابات بعض ما رأيناه ليلة الثلاثاء. كامالا هاريس أصغر سناً بكثير من جو بايدن. ومع ذلك، تشير استطلاعات الرأي المبكرة من "سي إن إن" و"واشنطن بوست" و"فوكس نيوز" ووكالة "أسوشيتد برس"، إلى أنّها عانت من انخفاض حاد بين الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 29 عاماً مقارنة بنتيجة بايدن في عام 2020. السيدة هاريس سوداء، ومع ذلك، وفقاً لشبكة "سي إن إن" و"واشنطن بوست"، فقد كان أداؤها أسوأ قليلاً من بايدن بين الناخبين السود. يشير أحد استطلاعات الرأي، من "فوكس نيوز" ووكالة "أسوشيتد برس"، إلى أنّها كانت أسوأ بكثير.

من المؤكد أنّ العديد من الناخبين الشباب والسود كانوا غير راضين عن الاقتصاد. ربما انجذب البعض إلى رسالة ترامب بشأن الهجرة. ربما كان آخرون مترددين في التصويت لامرأة.

لكن هذه الديناميكيات الأوسع لا تفسر بشكل كامل ضعف أداء هاريس، لأنّها يبدو أنها فقدت أرضية أقل بكثير بين الناخبين الأكبر سناً والبيض. حصتها من الناخبين البيض تعادل حصة بايدن. لقد اكتسبت هاريس شعبية كبيرة بين الناخبين الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً. وهذا يعيدنا إلى دعم هاريس للحرب التي تشنها "إسرائيل" على غزة.

وعلى الرغم من الأدلة الساحقة على أنّ أكثر الناخبين تفانياً في الحزب الديمقراطي أرادوا إنهاء مبيعات الأسلحة إلى "إسرائيل"، استمرت إدارة بايدن في إرسالها، حتى بعد أن وسع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب إلى لبنان. ولم تكتف هاريس بعدم كسر سياسة بايدن، بل بذلت قصارى جهدها لجعل الناخبين المهتمين بحقوق الفلسطينيين يشعرون بعدم الترحيب. وعندما قاطع ناشطون مناهضون للحرب خطاباً لها في آب/أغسطس، قالت هاريس بحدّة: "إذا كنت تريد فوز دونالد ترامب، فقل ذلك". وفي المؤتمر الوطني الديمقراطي، رفضت حملتها نداءً من الناشطين للسماح لأميركي فلسطيني بالتحدث من على المنصة الرئيسية. وقبل أيام قليلة من الانتخابات، قال نائب هاريس بيل كلينتون لحشد من سكان ميشيغان إنّ "حماس أجبرت إسرائيل" على قتل المدنيين الفلسطينيين باستخدامهم كدروع بشرية.

كل هذا وفّر لترامب فرصة. وقد استمال الأخير الولايات التي قد تتأثر بالحرب على غزّة، حيث تعهد بمساعدة "الشرق الأوسط على العودة إلى السلام الحقيقي" وانتقد النائبة السابقة ليز تشيني، وهي جمهورية اختارتها هاريس لخوض حملتها الانتخابية، ووصفها بأنّها "صقر حرب متطرف". ومثل ريتشارد نيكسون، الذي ناشد الناخبين المناهضين للحرب في عام 1968 بوعد "بنهاية مشرفة للحرب في فيتنام"، صور ترامب نفسه - مهما كان ذلك غير صادق - على أنه مرشح السلام.

وكان المعلقون المقربون من حركة حقوق الفلسطينيين يخشون هذا السيناريو بالضبط. وحذّر المحلل الفلسطيني الأميركي يوسف منير من أنّه "ما لم تتخذ هاريس بعض الخطوات للانفصال عن سياسة بايدن تجاه إسرائيل، فإن القضية نفسها التي ساعدت في إضعاف جو بايدن الضعيف بالفعل مع قاعدته قد تضع عقبات كبيرة في طريقها إلى النصر".

ولكن الأشخاص المتحمسين لحقوق الفلسطينيين نادراً ما يشغلون مناصب مؤثرة في الحملات الديمقراطية. فعلى مدى عقود من الزمان، تعامل سياسيو الحزب وناشطوه مع النضال من أجل الحرية الفلسطينية باعتباره من المحرمات. وقد اعتادوا على عزله عن التزامهم المعلن بحقوق الإنسان، حتى في خضم ما يسميه علماء بارزون إبادة جماعية، اعتقدت هاريس أنّه من الحكمة أن تخوض الحملة مع تشيني بدلاً من النائبة رشيدة طليب. وعلى الرغم من الأدلة الساحقة، لم تتمكن حملتها من رؤية أنّ استثناء فلسطين لم يعد مقبولاً بين الناخبين التقدميين.

إن الديمقراطيين الذين يزعمون احترام المساواة بين البشر والقانون الدولي لا بد أن يبدأوا في مواءمة سياساتهم بشأن "إسرائيل" وفلسطين مع هذه المبادئ الأوسع نطاقاً. وفي هذا العصر الجديد، حيث أصبح دعم الحرية الفلسطينية يشكل أهمية مركزية لما يعنيه أن تكون تقدمياً، فإن الاستثناء الفلسطيني ليس غير أخلاقي فحسب، بل إنه كارثي سياسياً.

لفترة طويلة، كان الفلسطينيون في غزة وخارجها يدفعون ثمن هذا الاستثناء بحياتهم. والآن يدفع الأميركيون الثمن أيضاً، وقد يكلفنا ذلك حريتنا.

نقلته إلى العربية: بتول دياب