"فورين بوليسي": ما هي الجذور العميقة للعنف على الحدود الأفغانية الباكستانية؟
لا تقتصر المخاوف المتعلّقة بالإرهاب على إثارة التوترات بين أفغانستان وباكستان. ماذا أيضاً؟
-
"فورين بوليسي": ما هي الجذور العميقة للعنف على الحدود الأفغانية الباكستانية؟
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يتناول التوترات الحدودية والأمنية بين أفغانستان وباكستان، ووقف إطلاق النار الأخير بينهما، في سياق تاريخي وسياسي.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
توصّلت أفغانستان وباكستان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، الأحد، مما أنهى أكثر من أسبوع من القتال بين البلدين، بعد محادثات توسّطت فيها قطر وتركيا.
كان العنف الأسوأ بين البلدين منذ عودة طالبان إلى السلطة عام 2021، إذ أسفرت ضربات مكافحة الإرهاب الباكستانية والردّ الأفغاني على القوات الباكستانية على الحدود عن مقتل العشرات. وتقول أفغانستان إنّ الضربات الباكستانية قتلت مدنيين، بينهم ثلاثة لاعبي كريكيت، بينما تقول إسلام آباد إنها استهدفت المسلحين فقط.
ومن وجهة النظر الباكستانية، سرعان ما أفسد إعلان مرتبط بالأمر الأخبار الجيدة بشأن وقف إطلاق النار، إذ قامت حكومة قطر، ربما تحت ضغط من طالبان، بمراجعة بيانها العامّ بشأن الهدنة لإزالة الإشارة إلى تخفيف التوترات على الحدود بين أفغانستان وباكستان.
لم يكن هذا مجرّد تعديل لغوي، بل استغلّ اختلافات عميقة بين تفسيرات البلدين لحدودهما الوعرة، المعروفة بخط دوراند. لا شك أنّ الإرهاب العابر للحدود كان منذ زمن طويل السبب المباشر للتوترات بين أفغانستان وباكستان، بما في ذلك الأزمة الأخيرة. لكن من المهم ألا نغفل مسألة الحدود نفسها، والتي يُقال إنها أكثر تعقيداً.
رُسِّم خط دوراند عام 1893، بعد مفاوضات بين هنري مورتيمر دوراند، وزير خارجية الهند الاستعمارية البريطانية، وعبد الرحمن خان، الزعيم الأفغاني الذي عيّنته بريطانيا بعد احتلالها القصير لأفغانستان. مثّل هذا الخط الحدود بين أفغانستان والهند. وبعد تقسيم الهند عام 1947، أصبح هذا الخط الفاصل بين أفغانستان ودولة باكستان الناشئة.
لطالما قبلت باكستان بالحدود، وكذلك المجتمع الدولي. ومع ذلك، لم تعترف بها أيّ حكومة أفغانية قط، بما في ذلك نظام طالبان الحالي، رافضةً إياها باعتبارها قراراً فرضه البريطانيون على الأفغان. في السنوات الأخيرة، تجلى هذا التباين بأشكال مختلفة، بدءاً من مهاجمة المسلحين الأفغان للجنود الباكستانيين الذين يبنون سياجاً حدودياً، وصولاً إلى مخاوف باكستان من النزعة الوحدوية.
يُقسّم خط دوراند أيضاً المجتمعات البشتونية العرقية، وقد ألهم حركاتٍ من أجل "باشتونستان" مستقلة، والتي يقول مسؤولون باكستانيون وبعض الباحثين إنها برعاية الاستخبارات الأفغانية. واليوم، لا يزال العديد من الأفغان يُطالبون بمناطق البشتون الباكستانية. (وهذا أحد أسباب عدم ثقة المؤسسة الأمنية الباكستانية بناشطي حقوق البشتون، حتى مع تركيزهم على التمييز والعنف الذي ترعاه الدولة والمظالم الداخلية).
قد لا يصمد وقف إطلاق النار. فحركة طالبان لا تنقضّ على أقرب حلفائها المسلحين، حتى تحت الضغط. ومن بينهم حركة طالبان باكستان، التي صعّدت هجماتها على باكستان انطلاقاً من قواعدها في أفغانستان. وإذا استمرت حركة طالبان باكستان وجماعات إرهابية أخرى متمركزة عبر الحدود في استهداف قوات الأمن الباكستانية، فمن المرجّح أنها لن تتردّد في شنّ هجمات جديدة.
وتزيد قضية الحدود من تعقيد التحدّي، إذ تؤدّي إلى توليد انعدام الثقة العميق، الأمر الذي سيجعل من الصعب على أفغانستان وباكستان التوصّل إلى تفاهمات بشأن مسائل حسّاسة أخرى، بما في ذلك الإرهاب عبر الحدود.
علاوة على ذلك، لن يُنهي استئصال الإرهاب النزاع الحدودي، وهو واقعٌ مُقلقٌ لكلا البلدين. إنّ حتمية التوتر الثنائي طويل الأمد ستُقوّض المصالح الاقتصادية لأفغانستان؛ فباكستان مصدرٌ رئيسيٌّ للوظائف والتعليم والرعاية الصحية. في غضون ذلك، ستواصل إسلام آباد مواجهة تحدٍّ حدوديٍّ على ثلاث جبهات: أفغانستان شمالاً غرباً، والهند شرقاً، وإيران غرباً.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.