خطة ترامب؛ ثلاثة خيارات أمام نتنياهو، آخرها مُرّ..!

إن أثبتت الولايات المتحدة الأميركية، كما هو الحال حتى الآن، جديّتها في السعي إلى وقف الحرب على غزة، فمن المرجّح أن يؤدّي ذلك إلى تقصير عمر حكومة نتنياهو.

  • خطة ترامب ووقف الحرب على غزة.. ماذا عن نتنياهو؟
    خطة ترامب ووقف الحرب على غزة.. ماذا عن نتنياهو؟

يدرك نتنياهو اليوم، مع وصول نائب الرئيس الأميركي دي جي فانس إلى "إسرائيل"، إضافة إلى تكثيف جولات مبعوثي الرئيس الأميركي، ويتكوف وكوشنر، في المنطقة أنّ هذا الزخم الأميركي يحمل رسالة واضحة مفادها "أنّ الأميركيين يديرون الحدث بكلّ قوتهم"، وأنّ الاستراتيجية الأميركية الحالية هي "أن يعمل فانس وويتكوف وكوشنر على منع نتنياهو من استئناف هجوم شامل على غزة"، فالبيت الأبيض يريد الحفاظ على الاتفاق. 

ومع أنّ نتنياهو كان، وما زال، ينتظر فرصةً ما تلوح في الأفق ليتحلّل من التزامات "إسرائيل" تجاه الخطة، خاصة في مرحلتها الثانية، يتمكّن فيها من قلب موقف الرئيس الأميركي من ضابط لإيقاع الخطة وضامن لتنفيذها إلى مُتبنٍ للمقاربة الإسرائيلية بإدانة حماس بخرق الاتفاق وإعفاء "إسرائيل" من التزاماتها وفق الخطة، إلا أنه يبدو أنّ محافظة الرئيس الأميركي على الشغف والاهتمام بمنع تقويض الاتفاق مع اقتراب انتهاء المرحلة الأولى منه، قَطَعَ الطريق، حتى اللحظة، على رغبات نتنياهو بنسف الاتفاق والعودة إلى الحرب. 

ومن هنا، يمكن أن نفهم أنّ موقف نتنياهو الحالي يقوم، بعد أن تَبدّت له جّدية الموقف الأميركي، على عدم إغضاب الرئيس ترامب بالدخول في صدام مباشر معه، بل احتواء الضغط الأميركي وتجييره والاستفادة منه في مسارين؛ الأول، مرتبط بتسريع إنهاء المرحلة الأولى التي تسير وتيرتها "بالتقطير" وفق التوصيف الإسرائيلي "بذريعة الصعوبات الميدانية". ويبدو أنّ "إسرائيل"، تبني موقفها هذا على ادّعاء "أنّ حماس تعرف مواقع عدد من جثث الرهائن لكنها تواصل تسليمها بوتيرة بطيئة"، لذا تأمل، والحديث عن "إسرائيل"، أن تؤدّي زيارة فانس إلى بدء عمل القوة الدولية للبحث عن جثث الأسرى الإسرائيليين في غزة. 

وإلى جانب اللقاءات التي عُقدت مسبقاً مع ويتكوف وكوشنر، يأمل نتنياهو أن تُسرّع زيارة فانس من بدء عمل القوة الدولية لاستعادة كلّ الجثامين، خاصةً إذا ما استطاع أن يُقنع الأميركيين "أنه من دون ذلك سيكون من الصعب التقدّم للمرحلة التالية"، وقد زوّدت "إسرائيل"، لهذا الغرض، آلية المراقبة الدولية التي ترأسها الولايات المتحدة بمعلومات استخبارية وإحداثيات لتسريع عمليات البحث. 

أما المسار الآخر، الذي يأمل نتنياهو في بلورته، بالتزامن مع زيارة فانس وما تلاها من لقاءات ونقاشات، فهو ضمان استمرار التعاون والتنسيق مع الأميركيين بشكل وثيق بما يتيح "إغلاق الثغرات" التي تُقلق شركاء نتنياهو قبل بدء المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تشمل إدخال قوة عسكرية أجنبية قوامها آلاف الجنود لضمان نزع سلاح حماس وإزالة البنية العسكرية من قطاع غزة. 

فإلى جانب، توجس "إسرائيل" من وفاء حماس بالتزاماتها بإعادة جثث الأسرى المتبقّين، فإنها تربط بدء إعادة إعمار القطاع بتسليم الجثث كاملة، وكذلك استعداد حماس للتخلّي عن سلاحها. كما تُبدي "إسرائيل" قلقاً بشأن "الأنفاق التي لا تزال قائمة في أجزاء كبيرة من القطاع"، وتطالب بأن تضمن القوة الدولية تدميرها أو إغلاقها. 

والأمر الأهمّ، أنّ نتنياهو يعارض بشدة دخول قوات تركية أو قطرية إلى قطاع غزة وفقاً لخطة النقاط العشرين التي وضعها الرئيس ترامب، حيث يُفترض أنّ تركيا هي إحدى الدول التي ستشارك في قوة الاستقرار الدولية (ISF)، غير أنّ نتنياهو يعتبر إشراكها "خطاً أحمر". كما أنّ نتنياهو يعارض أيضاً مشاركة شركات تركية في إعادة إعمار قطاع غزة وهو أمر يُبدي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان اهتماماً كبيراً به، ولذلك، تُجرى في هذا الشأن محادثات إسرائيلية حثيثة مع الأميركيين.

ويبدو أنّ "التهديدات الجديدة" التي ألمح إليها نتنياهو في خطابه أمام كنيست الاحتلال، تُشير إلى محاولات تركيا وقطر، اللتين تؤيّدان، وفق الفهم الإسرائيلي "الإخوان المسلمين وحركة حماس"، توسيع نفوذهما الإقليمي، وتبديان رغبة متزايدة في أن تكون لهما مشاركة واسعة في إدارة قطاع غزة مستقبلاً. والمؤكّد، أنّ المشاورات الأميركية الإسرائيلية تتمحور حول حلّ الخلافات في الرأي بشأن مدى المشاركة المطلوبة لهاتين الدولتين. فترامب نفسه يُبدي إعجاباً بإردوغان ويُقدّر قطر كثيراً، بينما يُنظر في "إسرائيل" إلى الدولتين على أنهما "خطيرتان وتزعزعان الاستقرار". 

لذا يرى نتنياهو الآن، أنّ مهمّته هي تحجيم دور هاتين الدولتين عبر تخفيف الاندفاع الأميركي نحوهما، خاصة مع تزايد الانتقادات داخل ائتلاف نتنياهو لمثل هذا الدور، ولغيره من بنود الاتفاق التي يرى فيها شركاؤه تقييداً لحرية "إسرائيل" في الحركة في القطاع مستقبلاً فيما يخصّ تدمير الأنفاق ونزع السلاح وملاحقة عناصر حماس وإدارة القطاع بشكل عام.

ومن هنا، يُصرّ أعضاء ائتلاف نتنياهو أنّ اجتماع الكابينت الذي أقرّ الصفقة الأولية الخاصة بالأسرى، لم يتناول خطة ترامب كاملة؛ بل ركّز تحديداً على قضية تبادل الأسرى الإسرائيليين مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين وإعادة انتشار "جيش" الاحتلال داخل القطاع، ولم تُبحث تفاصيل خطة ترامب، المؤلفة من 20 بنداً. ولأنّ بعض وزراء الحكومة يرون أنّ الأمور بدأت تتحرّك قُدماً، وأنّ هناك ضغوطاً أميركية متزايدة لتقييد حرية عمل "الجيش" الإسرائيلي، فإنهم يصرّون على انعقاد الكابينت من جديد لمناقشة الخطوات المقبلة: "ما هي القوات التي ستدخل إلى القطاع؟ وهل سنرى أتراكاً أو قطريين هناك؟ ما هو الموقف من الأنفاق ونزع السلاح؟ وماذا عن حرية عمل الجيش الإسرائيلي؟".

عملياً، يُفهم من تصاعد هذا الجدل الداخلي الإسرائيلي مع وصول فانس ومبعوثي ترامب، ويتكوف وكوشنر، أنّ هنالك إدراكاً إسرائيلياً أنّ الهدف من هذا التحرّك الأميركي هو تسريع النقاش حول المرحلة الثانية من خطة ترامب، وهو ما تعتبره الإدارة الأميركية أولوية قصوى في هذه المرحلة، حتى مع وُجود معيقات في تسليم جثامين الأسرى، تتفّهمها الإدارة الأميركية، وحتى لو أخلّت حماس بالاتفاق نسبياً، لأنهم يرون أنه "لا يجوز ترك فراغ في غزة، وأنه ينبغي إدخال قوات دولية في أسرع وقت، والبدء بإعادة إعمار القطاع، وإنشاء كيان مدني لإدارته". 

والخلاصة، أنّ الأميركيين لا يُخفون أنهم من يحدّدون وتيرة الأحداث، فكما قال ترامب "إذا قُلت إنّ الإسرائيليين سيدخلون فسيدخلون"، بمعنى آخر، يعلن الأميركيون صراحة أنهم من يقرّر متى يحدث الأمر ومتى تتوقّف "إسرائيل"!

بالنسبة لنتنياهو الذي يسير في حقل ألغام بين الضغوطات الخارجية والداخلية، ويريد لحكومته أن تستمر حتى نهاية ولايتها الفعلية، فإنه يبحث، في العام الأخير من عمر حكومته وفي ظلّ أجواء انتخابية مشحونة، عن مسار يُنقذه من أزماتٍ ائتلافية خطيرة، قائمة أصلاً أو قد تأتي بها رياح تنفيذ خطة ترامب. 

فعندما لا يكون هناك ضمٌ للضفة الغربية، ولا "تشجيعٌ للهجرة"، ولا بناءٌ للمستوطنات في غزة؛ ولا سيطرة عسكرية أمنية كاملة على القطاع، مع انسحابٍ آخر مُفترض لـ "جيش" الاحتلال من القطاع، ولا حرية عمل لـ "الجيش" في جميع مناطق القطاع في ظلّ وجود قوات دولية، وربما عربية وإسلامية، ووجود إشارة إلى دورٍ ما للسلطة الفلسطينية، وتلميح "لطريق ما نحو دولة فلسطينية"، فإنها وصفة كاملة لحلّ الائتلاف الحاكم. وحين لا يتمكّن بن غفير وسموتريتش، ثُنائيا التخريب والدمار، من تبرير استمرارهما في الحكومة، فإنّ السناريو المرجّح هو انتخابات مبكرة في أوائل عام 2026.

يقدّر مسؤولون كبار في ائتلاف نتنياهو أنّ خطة ترامب، حتى مع بعض التعديلات الإسرائيلية عليها، قد تُؤدّي حتماً إلى انتخابات مُبكرة، في موعد أقصاه آذار/مارس 2026، أي قبل تسعة أشهر من موعدها الأصلي.

فإذا مضى نتنياهو، مُضطراً، قُدماً في مساعيه لإنهاء الحرب، فقد يستقيل شريكاه المتطرفان، سموتريتش وبن غفير، من الحكومة والائتلاف، وفي هذه الحالة، سيخسر نتنياهو الأغلبية الضئيلة التي يتمتع بها. ولا ننسى أنه أصلاً، يواجه أزمة سياسية حادة داخل الائتلاف بعد خسارته أصوات الحريديم، ومن المشكوك فيه أن يتمكّن من منحهم "قانون التهرّب من التجنيد" في مثل هذا التوقيت العاصف. 

فإن أثبتت الولايات المتحدة الأميركية، كما هو الحال حتى الآن، أنها جادّة في سعيها لوقف الحرب على غزة، فمن المرجّح أن يؤدّي ذلك لتقصير عمر حكومة نتنياهو خاصة أنّ بن غفير وسموتريتش يريدان الاستفادة انتخابياً من شعارات استمرار الحرب وهزيمة حماس، والاستيطان والتهجير والضمّ، في ظلّ تراجع الأول في استطلاعات الرأي، وعدم اجتياز الثاني نسبة الحسم.