"فورين بوليسي": كيف يمكن للدنمارك الرد على تهديدات ترامب بشأن غرينلاند؟
إنّ كوبنهاغن لديها نفوذ اقتصادي كبير، ويمكنها استخدامه للضغط على الرئيس الأميركي إذا لزم الأمر.
مجلة ""فورين بوليسي" تنشر تقريراً تتحدث فيه عن الاجراءات التي يمكن أن تقوم بها الدنمارك رداً على تهديد ترامب بالاستيلاء على جزيرة غرينلاند.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
خلال ولايته الرئاسية الأولى اقترح دونالد ترامب فكرة شراء جزيرة غرينلاند، لكنّ قلّة فقط من أخذوا تصريحاته تلك على محمل الجدّ. والآن يدعم ترامب اقتراحه بتهديدات ضدّ الدنمارك، والجميع يصغي إلى أقواله بجدّية فائقة، حيث تواجه الدولة الإسكندنافية احتمال أن يستولي حليفها الوثيق على جزء من أراضيها بالقوّة. لكن، على الرغم من أنّ جيش الدنمارك صغير، إلّا أنّ كوبنهاغن لديها نفوذ اقتصادي كبير، ويمكنها استخدامه للضغط على الرئيس الأميركي إذا لزم الأمر. فالدنمارك لديها العديد من الشركات المتعدّدة الجنسيات، المؤثّرَة في الأسواق الأميركية التي بدون وجودها سيشعر الأميركيون بالألم الفوري
وكانت صحيفة "فايننشال تايمز " قد كشفت عن تفاصيل مكالمة هاتفية منذ أيّام بين الرئيس دونالد ترامب ورئيسة وزراء الدنمارك ميتي فريدريكسن، لمدّة 45 دقيقة نارية، وكان ترامب خلالها "عدوانياً" في مواجهة رفض فريدريكسن بيع جزيرة غرينلاند في القطب الشمالي إلى الولايات المتّحدة.
الدنمارك عضو ملتزم ومحبوب في حلف شمال الأطلسي، لكنّها في الحقيقة دولة صغيرة، عدد سكانها 6 ملايين نسمة وقوّاتها المسلّحة مؤلّفة من نحو 20,000 جندي. وإذا كان ترامب جادّاً في الاستحواذ على غرينلاند، فلن تكون الدنمارك قادرة على خوض الكثير من المعارك ضدّ حليفتها في "الناتو" حتّى لو أرادت ذلك، على الرغم من أنّ أسطول واشنطن الهزيل من كاسحات الجليد سيواجه تحدّيات في أي عمليات بحرية في القطب الشمالي، بينما تعتبر واشنطن أنّ رأي وإرادة مواطني غرينلاند هي أمر ثانوي.
مع ذلك، الدنمارك ليست عاجزة تماماً، بل على العكس ولديها العديد من الأوراق الرابحة في جعبتها. فالدولة الاسكندنافية هي موطن شركة "ميرسك" ثاني أكبر شركة شحن حاويات في العالم في السعة والحجم. مثلاً في عام 2023، نقل خطّ الشحن الدنماركي نحو 24 مليون حاوية على متن سفنها البالغ عددها 672. والشركة المذكورة كبيرة جدّاً لدرجة أنّ عدد سفنها تقدّر بنحو 14.3% من أسطول شحن الحاويات العالمي.
تنقل ميرسك البضائع من وإلى بالتيمور وتشارلستون وهيوستن وجاكسونفيل ولونغ بيتش ولوس أنجلوس وميامي وموبيل ونيو أورلينز ونيويورك ونيوارك ونورفولك ونورلستون وشمال تشارلستون وأوكلاند وفيلادلفيا وبورت إيفرغليدز وبورت هيونيم وسافانا وسياتل وتاكوما وتامبا وويلمنغتون. وحسب موقع "ميرسك" على الويب، حيث يمكن لأيّ شخص تتبّع حركة سفنها، يظهر أنّ خطوط الشحن لديها تعمل بكامل طاقتها. وإذا توقّف أيّ خطّ شحن فجأة من وإلى الولايات المتّحدة، فلن تتمكّن شركات النقل الأخرى من سدّ سوى حصّة صغيرة من هذه الفجوة. وإذا منعت الحكومة الدنماركية "ميرسك" من الإبحار إلى موانئ الولايات المتّحدة ستشعر الشركات والمستهلكين الأميركيين بالألم فوراً.
كذلك إنّ ملايين الأميركيين سيشعرون بذلك في "محيط الخصر"، في حال منعت رئيس الوزارء الدنماركية مته فريدركسن عملاق الشركات الطبّيةِ الدنماركية "نوفو نورديسك"، من تصدير منتجاتها الدوائية التي أحدثت ثورة في مكافحة السمنة وعلاج مرض السكّري في الولايات المتّحدة
وعلى الرغم من المحاولات العديدة لتقليد أدوية هذه الشركة، يظهر أنّ المحاولات جميعها باءت بالفشل، ولا يمكن تصنيعه من الصفر في الولايات المتّحدة. وبين عامي 2021 و 2023، قفز عدد وصفات الدواء الدنماركي في الولايات المتّحدة بنحو 400% تقريباً، وفقاً لدراسة أكاديمية. وبلغ العدد الإجمالي للوصفات الطبية للأدوية التي تحتوي على "السيماغلوتايد" 2.6 مليون أميركي بنهاية عام 2023. وقدر استطلاع أجرته "باركليز ريسرش"، أنّ أكثر من نصف مليون أميركي كانوا يتناولون الدواء الدنماركي.
مِثل "ميرسك"، تجني "نوفو نورديسك" مبالغ كبيرة من المال من أميركا. وكانت أسهم الشركة قد ارتفعت بأكثر من 7% في الأسبوع الماضي، على خلفية أنباء عن تجارب إيجابية لعقار إنقاص سمنة جديد، مع أنّ الطلب على الدواء الحالي قوي جداً لدرجة أنّ الشركة استثمرت 4.1 مليار دولار في منشأة في ولاية كارولينا الشمالية لإنتاج المكوّن الرئيسي للدواء.
ولكن إذا خلصت الحكومة الدنماركية إلى أنّ أمن البلاد القومي معرّض للخطر بسبب تهديدات ترامب، فقد تأمر شركة "نوفو نورديسك"، بالتوقّف عن ممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة، حيث سيلاحظ العديد من الأميركيين فوراً بثقل غيابها.
وإذا قرّرَت الدنمارك الردّ، فقد يلاحظ المستهلكون الأميركيون فجأة أيضاً غياب الأثاث الدنماركي الفاخر، وقد يحزن أطفالهم فقدان جديد لعبة "ليغو"، التي تصنع في الدنمارك والمكسيك وهنغاريا وجمهورية التشيك والصين، على الرغم من أنّ شركة الألعاب الدنماركية تبني مصنعاً في ولاية فرجينيا ستكون منتوجاته خاصّة بالسوق الأميركي ومن المتوقع أن يوظّف أكثر من 1,700 شخص.
إنّ منشأة "ليغو" في الولايات المتحدة هي شكل من أشكال تعزيز الصداقة الذي دعا إليه ترامب، حين قال لقادة العالم في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الأسبوع الماضي: "تعال واصنع منتجك في أميركا، وسنقدّم لك أقلّ الضرائب من أيّ دولة على وجه الأرض".
سيكون الحصار الدنماركي خطوة دراماتيكية، ولن تتردّد فريدريكسن في اتّخاذها. ويتعين عليها أن تتذكر أنّ العلامة التجارية لترامب هي إصدار التهديدات، وعليها الرد عليه باللغة التي يفهمها.
يجب على الدنمارك تذكير نظيرتها الأميركية بأنّ بلادها لديها خيارات يمكن أن تضر بالاقتصاد الأميركي، والقيام بذلك قد يؤدّي فقط إلى تكافؤ الفرص وخفض التوترات، ممّا يمهّد الطريق لمفاوضات أكثر جدّية حول المصالح الأميركية في غرينلاند.
وهذا ما فعلته نائبة رئيس الوزراء الكندي كريستيا فريلاند والمرشحة الآن لخلافة رئيس الوزراء المنتهية ولايته جاستن ترودو، بعد العديد من مبادرات ترامب التي تقترح استيلاء الولايات المتّحدة على بلدها. وكتبت إنّ "التهديدات لن تنجح. لن نصعّد، لكنّنا لن نتراجع. إذا ضربتنا، فسوف نردّ وستكون ضرباتنا هادفة بدقة، نحن أصغر منك، بالتأكيد، لكنّ المخاطر بالنسبة لنا أعلى بما لا يقاس. لا تشكّ في عزمنا".
قد لا يهتم الأميركيون العاديون كثيراً بالدنمارك، لكنّ الأمّة الإسكندنافية منحتهم الكثير للاستفادة منه في حيواتهم، وبالتّأكيد لا يحبّون فقدانها.
نقله إلى العربية: حسين قطايا