"فورين أفيرز": عودة ملايين اللاجئين والنازحين تفرض تحديات كبيرة على سوريا
إنّ الفشل في تنسيق عودة اللاجئين السوريين سيفرض عواقب وخيمة على سوريا والدول المُضيفة المجاورة واللاجئين السوريين أنفسهم.
-
سوريون يغادرون تركيا ويعودون إلى بلادهم بعد سقوط النظام السوري
مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر تقريراً حول عودة ملايين اللاجئين والنازحين السوريين بعد سقوط النظام السوري، والتحدّيات التي تفرضها هذه القضية على الإدارة السورية الجديدة، والدور الذي يترتّب على المجتمع الدولي للمساعدة في حلّها.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
أثار سقوط نظام بشار الأسد على يد الجماعات المتمرّدة بقيادة "هيئة تحرير الشام"، موجة من التفاؤل المحلي والدولي. لكنّ مستقبل سوريا ما بعد الأسد أصبح فعلياً على المحكّ. والعقبات التي تعترض إعادة إعمار البلاد هائلة، وأهمها مسألة اللاجئين الذين أُجبروا على مغادرة البلاد خلال الحرب الأهلية التي استمرت عقداً من الزمن في سوريا. وقد تصبح عودة هؤلاء اللاجئين أكبر عملية عودة إلى الوطن منذ عقود، مع وجود أكثر من 6 ملايين لاجئ سوري في الخارج و7 ملايين نازح داخل سوريا. وبالفعل، عاد مئات الآلاف من السوريين إلى وطنهم، مدفوعين برغبة في تفقّد ممتلكاتهم التي خلّفوها وراءهم، أو الهروب من الفقر والاضطهاد في البلدان المضيفة، أو لمّ شملهم مع أسرهم، أو المشاركة في كتابة الفصل التالي من تاريخ بلادهم.
ومع ذلك، فإنّ البلد الذي يعودون إليه يختلف اختلافاً عميقاً عن البلد الذي غادروه. فتدمير المنازل والبنية التحتية الحيوية، وفقد الأحبّة، وانتشار الفقر، وخطر تجدّد العنف، وعدم اليقين بشأن قادة البلاد الجدد عديمي الخبرة، بالإضافة إلى الأزمة الإنسانية التي طال أمدها في العقد الماضي، جعلت الحياة لا تطاق بالنسبة للملايين الذين بقُوا في سوريا. ومن المحتمل أن يعود مئات الآلاف من السوريين خلال الأشهر المقبلة، وبهذه الطريقة، هم يخاطرون بتفاقم الوضع المتردّي أصلاً. وبالتالي، فإنّ سوء إدارة العودة الجماعية سيضغط على الموارد المحدودة أصلاً في البلاد ويفرض ضغوطاً هائلة على السلطات السورية الانتقالية ووكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني السوري للاستجابة لاحتياجات مواطني البلاد بطريقة تعزّز الاستقرار والتعافي.
يعتمد مستقبل سوريا على عملية تاريخية تتمثّل في تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم في بلد غارق في الاضطرابات مع تلبية احتياجات السوريين الذين لم يغادروا البلاد. ويتعيّن على الدول المجاورة والمنظمات الدولية والحكومة الانتقالية السورية الجديدة أن تتعاون لوضع برنامج لإعادة اللاجئين قادر على إدارة عودة السوريين، وحماية حقوق الفئات الضعيفة، وحلّ النزاعات القانونية حول الأراضي، وإعادة تشكيل المجتمع السوري بعد الحرب. في الوقت عينه، يتوجّب على الحكومة الانتقالية والمنظّمات غير الحكومية المحلية والدولية العمل معاً، على الرغم من الشكوك السائدة في ما بينها، لتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحّة للسوريين الذين لم يغادروا البلاد قطّ. وعليه، فإنّ التركيز على الهدف الأول من دون إعطاء الهدف الثاني الاهتمام اللازم من شأنه أن يخلق الظروف التي قد تغرق البلاد مرة أخرى في أزمة قبل أن تتاح لها فرصة إعادة البناء. إنها مرحلة واعدة بالنسبة لسوريا، لكنّ العمل الحقيقي لإعادة البناء ما زال في بدايته.
الوضع في حالة تغيّر مستمر
شهد عام 2024 تحوّلاً جذرياً في عدد اللاجئين العائدين إلى سوريا. فمنذ عام 2020، ظلّ عدد السوريين العائدين سنوياً أقلّ من 51 ألفاً، أي أقلّ من 1% من عدد اللاجئين السوريين في العالم البالغ 6.8 ملايين لاجئ، الذي يشمل أكثر من ربع سكان سوريا قبل الحرب. وبحلول آب/أغسطس 2024، عاد ما يقدّر بنحو 34 ألف لاجئ، ولكن بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في تشرين الأول/أكتوبر 2024، فرّ 350 ألف لاجىء إضافيّ من لبنان عائدين إلى سوريا هرباً من الصراع. ومع عودة 125 ألفاً آخرين منذ سقوط الأسد أوائل كانون الأول/ديسمبر، بلغ إجمالي عدد العائدين في عام 2024 ما يقارب النصف مليون. ووفقاً لأرقام الأمم المتحدة، فقد عاد 125 ألف شخص آخرين في عام 2025. ومن الممكن أن ينضمّ إليهم قريباً عشرات الآلاف من السوريين الذين تمّ ترحيلهم قسراً من قبل الدول المجاورة التي قد تستخدم رحيل الأسد ذريعةً لطردهم.
وليس كلّ من عاد باقٍ. فبعض السوريين عاد لتفقّد منزله أو تقييم الظروف الأمنية والاقتصادية في أعقاب انهيار النظام أو جمع شمله مع عائلته. وبالنسبة للآخرين، فإنّ العودة هي الخيار الوحيد للهروب من الظروف المتدهورة في البلدان المضيفة، حيث أدّت الصعوبات الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة والفرص المحدودة إلى جعل الحياة غير محتملة بصورة مطردة. وفي حال استقرّ الوضع في سوريا وتحسّنت ظروفها الاقتصادية في ظلّ حكومتها الجديدة، فقد يتزايد عدد العائدين بصفة دائمة بشكل ملحوظ.
وقد يواجه اللاجئون السوريون في البلدان المجاورة ضغوطاً للعودة قبل الأوان (أو حتى ترحيلهم على الفور) من قبل البلدان المجاورة، التي تقاوم بشكل متزايد استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين بينما تعمل أيضاً على موازنة التدهور الاقتصادي الكبير والضغوط السياسية الداخلية، وفي حالة لبنان، الحرب التي يخوضها. وقد عانى اللاجئون السوريون من ردة فعل عنيفة تجسّدت في قمع الدولة والحرمان من الإقامة القانونية ووضع اللاجئين، والقيود الصارمة على الحقوق والوصول إلى الخدمات الإنسانية الأساسية. وما يزيد المشكلة تعقيداً الانخفاض الكبير في تمويل الجهات المانحة الدولية للبلدان المُضيفة وبرامج إعادة توطين اللاجئين على مدى السنوات الخمس الماضية، مدفوعاً بإرهاق الجهات المانحة والتباطؤ الاقتصادي العالمي بعد جائحة كورونا، ما أدّى إلى تقييد ميزانيات المساعدات الإنسانية العالمية. وقد أدّى الضغط الواقع على الحكومات التي تكافح بالفعل من أجل توفير احتياجات مواطنيها إلى زيادة الدعوات من المجتمعات المضيفة للاجئين للعودة إلى ديارهم. وبالفعل، بدأ كلّ من لبنان وتركيا بترحيل اللاجئين السوريين بشكل جماعي منذ عام 2022، ما أجبرهم على العودة حتى مع احتدام الحرب الأهلية. وعليه، قد تؤدّي عمليات الترحيل الجماعي إلى تقويض الاستقرار الذي سعت الدول المضيفة إلى تحقيقه في سوريا.
في المقابل، لن يكون لدى معظم العائدين مساكن يأوون إليها، ولن يكون لديهم سوى موارد محدودة لإعادة بنائها. إذ لا تزال مساحات واسعة من البلاد غير صالحة للسكن بسبب الدمار الذي خلّفته الحرب، حيث لا تزال أحياء بأكملها في المدن الكبرى مثل حلب ودمشق والرقة في حالة خراب. كما شهد الاقتصاد السوري انكماشاً بنسبة تزيد عن 80% منذ بدء الحرب في عام 2011. وأدى انتشار البطالة والتضخّم الهائل إلى تسجيل معدل فقر وصل إلى 90%. ويؤدّي انعدام البنية التحتية الأساسية والنقص في المياه النظيفة والكهرباء والرعاية الصحية والمدارس إلى تعقيد إمكانية الاندماج الشامل. وقد وجد الكثير من العائدين منازلهم محتلّة من قبل آخرين أو مدمّرة بالكامل، ما أدّى إلى نشوب نزاعات حول السكن والأراضي والممتلكات. وفي ظلّ غياب هيئات وساطة رسمية، فإنّ هذه الشكاوى التي لم يتمّ حلّها تخاطر في إثارة التوترات وتقويض الاستقرار الهشّ الذي نشأ في أعقاب سقوط الأسد.
اليد الواحدة لا تصفّق
في سوريا، كما هو الحال في أيّ بلد خارج من الصراع، تكون العودة الطوعيّة للاجئين أكثر أهمية من عودتهم الجسدية. فهي تتطلّب تحسيناً شاملاً للأبعاد السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية المتشابكة للعودة. وعلى الرغم من أنّ عملية العودة إلى الوطن هي عملية جوهرية ومستمرة، إلا أنها غالباً ما تُحال إلى مرتبة ثانوية من قبل الجهات الحكومية التي تعطي الأولوية لبناء الدولة، وتحقيق الاستقرار، والتعافي المبكر، وإعادة الإعمار. ونتيجة لذلك، يمكن أن تحدث عمليات العودة بشكل فوضوي من دون أيّ هيكل أو تنظيم، ما يترك العائدين عرضة للخطر ومنقطعين عن جهود التعافي الأوسع التي تستهدف السكان الحاليين.
ولتجنّب الوقوع في هذا الفخ، تحتاج سوريا إلى خطة متماسكة للعودة في وقت مبكر لضمان دمج العائدين في التنمية طويلة المدى للبلاد وعدم تقويض عملية التعافي. ويمكن للحكومة الانتقالية السورية إنشاء إطار للتعاون من خلال التعامل مع وكالة الأمم المتحدة للاجئين، وهي الوكالة الرائدة في المفوّضية لإدارة عودة اللاجئين، والدول المجاورة، بما في ذلك الأردن ولبنان وتركيا، لإدارة عمليات العودة المستمرة بشكل فعّال وضمان وفاء أصحاب المصلحة الإقليميين بالتزاماتهم بمنع العودة القسرية. كما يتوجّب على الدول المُضيفة التعهّد بعدم دفع اللاجئين إلى العودة، والسماح للمفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بقيادة عملية عودة طوعيّة تدريجيّة ومنظّمة، والسماح للسوريين الذين يختارون العودة مؤقتاً إلى سوريا بتقييم ظروف حقّ العودة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي للمفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمجتمع الدولي تحفيز الدول على دعم هذه الالتزامات من خلال ربط المساعدات الإنسانية والتنموية بالامتثال. ويمكن استخدام حزمة المساعدات التنموية للبنان لعام 2024 التي يقدّمها الاتحاد الأوروبي ومبلغ 1.2 مليار دولار أميركي من المساعدات الإنسانية والتنموية التي يتلقّاها الأردن من الولايات المتحدة سنوياً كوسيلة ضغط قيّمة بشكل خاص.
علاوة على ذلك، يمكن الاستفادة من الجهات المانحة غير التقليدية، ولا سيّما دول الخليج، لتوفير موارد إضافية لتحفيز الدول المُضيفة على الامتثال. ويمكن توسيع إطار العودة إلى الوطن لاحقاً ليشمل الاتحاد الأوروبي والدول المضيفة الأخرى للاجئين خارج منطقة الشرق الأوسط، بحيث يمكن إدارة العودة الطوعية من أوروبا بشكل مستدام مع المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمجرّد تحسّن الظروف الاقتصادية والأمنية في سوريا. وفي حال انزلقت سوريا مرة أخرى إلى الصراع، فإنّ العودة المبكرة أو القسرية لن تؤدّي إلا إلى نزوح جديد للعائدين، الذين قد يفرّون مرة أخرى إلى البلدان المجاورة بحثاً عن الأمان. وبالتالي، فإنّ إنشاء نهج واضح ومنسّق سيساعد على تجنّب الدفع الخطير نحو العودة الجماعية قبل أن تكون البلاد مستعدّة.
وستكون حكومة تصريف الأعمال في سوريا مسؤولة عن إدارة عمليات العودة على نطاق واسع، لكنها تحتاج إلى تعزيز قدرتها المؤسسية للقيام بذلك بفعّالية. إذ إنّ إعادة بناء مؤسسات الدولة يُعدّ أمراً بالغ الأهمية لاستئناف تقديم الخدمات العامّة، وإعادة بناء البنية التحتية، واستعادة الخدمات المدنية الأساسية، على الرغم من أنّ إعادة بناء القطاع العامّ الذي يمكنه التعامل مع هذه المهام سيستغرق وقتاً. كذلك، ستكون الحكومة المؤقتة مسؤولة عن معالجة التحدّيات التي سيواجهها العائدون، بما في ذلك ضمان حمايتهم ودعم إعادة إدماجهم في المجتمعات المحلية واستعادة حقوقهم في السكن والأراضي والملكية وبناء مساكن ومجتمعات جديدة للسوريين العائدين إلى ديارهم ليجدوا أنّ الحياة التي تركوها وراءهم قد دمّرتها الحرب. وستحتاج الحكومة إلى تنظيم التوثيق المدني وإنشاء آليات قانونية شفّافة لحلّ النزاعات حول الأراضي والممتلكات وتوفير الحماية والدعم للفئات الضعيفة، بمن في ذلك الأقليات والنساء والأطفال والمعوّقون. كما سيتعيّن عليها توفير السكن والمساعدة المالية للسوريين النازحين عندما يستعيد العائدون ممتلكاتهم وحلّ التوترات التي قد تنجم عن عمليات الاستصلاح هذه.
ولا تستطيع الحكومة ولا ينبغي لها أن تقوم بهذا الجهد الضخم بمفردها. وستكون المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في وضع أفضل لتسهيل العودة الطوعيّة للاجئين بمجرّد تحسّن الظروف في سوريا، ولكن يجب على الوكالة أن تبدأ في توسيع نطاق مراقبتها لنوايا اللاجئين، وتوثيق تدفّقات العودة، وضمان حصول العائدين على الخدمات في مناطق عودتهم. ويمكن للوكالة أن تدعم جهود الحكومة المؤقتة وتقدّم المشورة لصياغة وتعديل القوانين الوطنية التي تتماشى مع الحماية القانونية الدولية للنازحين. كما يمكنها دعم جهود الحكومة لتحسين إصدار الوثائق المدنية للنازحين السوريين داخل سوريا وخارجها، كما حدث خلال أزمتي اللاجئين في العراق وأفغانستان.
خدمات مدارة محلياً
ستعتمد إدارة عملية العودة إلى الوطن على تحقيق الحكومة الانتقالية السورية لمستوى أساسي من الاستقرار وقدرة محلية على مواجهة التحديات الإنسانية الكثيرة الموجودة أصلاً. هناك احتمال كبير لتجدّد الصراع، وقد استمر النزوح الداخلي منذ سقوط الأسد، نتيجة للاشتباكات المستمرة بين الجماعات المتحالفة مع تركيا وقوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة والتي يهيمن عليها الكرد في شمال شرق سوريا. وقد يؤدي الانسحاب الأميركي المحتمل من سوريا إلى تفاقم هذه التحدّيات، كما أن تجميد إدارة ترامب للمساعدات الخارجية الأميركية وإلغاء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يعرّض البرامج الإنسانية والتنموية في جميع أنحاء البلاد للخطر، بما في ذلك تمويل المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتحديداً في الوقت الذي لا يزال ملايين السوريين يعتمدون على المساعدات الإنسانية. إن الحفاظ على الاستجابة الإنسانية في سوريا وتعزيزها، جزئياً من خلال توسيع دور مجموعات المجتمع المدني التي تقودها حالياً، أمر بالغ الأهمية لتحسين الظروف على الأرض وجعل عودة السوريين على نطاق واسع ممكنة.
لقد تعلّمت الجهات الفاعلة الإنسانية من الصراع السوري أنّ الحفاظ على إمكانية الوصول إلى جميع أنحاء سوريا خلال أوقات الأزمات يتطلّب إبقاء الطرق مفتوحة من البلدان المجاورة. وفي حال استؤنف الصراع، يمكن لوكالات الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الإنسانية الاستمرار في الوصول إلى المحتاجين عبر الحدود. وقد أثبت إطار "سورية بأكملها"، الذي أنشأه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أنه النموذج الأكثر فعّالية لتوصيل المساعدات إلى سوريا. وينبغي الحفاظ على هذا النموذج، الذي يستخدم مجموعة من مكاتب الأمم المتحدة في الأردن وتركيا المجاورتين لتنسيق عمليات تسليم المساعدات عبر الحدود ومراقبة الأوضاع من داخل سوريا وخارجها. ويجب أن تظلّ المراكز الرئيسة لوكالات الأمم المتحدة في عمّان والأردن وغازي عنتاب بتركيا، والتي تمتلك البنية التحتية والقدرة على تسهيل العمليات واسعة النطاق عبر الحدود، مفتوحة وتواصل تقديم المساعدات إلى سوريا وتقوم بمهام المراقبة، ولا سيما في المناطق التي تشتدّ فيها الاحتياجات الإنسانية وحيث من المرجّح أن تتمّ إعادة توطين أعداد كبيرة من العائدين حتى يتمكّنوا من دعم جهود إعادة الإدماج.
علاوة على ذلك، يجب على المنظّمات غير الحكومية التي يترّأسها سوريون أن تضطلع بدور موسّع في تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة ودعم جهود التعافي طويلة المدى. فهي تمتلك معرفة محلية عميقة، وشبكات قائمة قادرة على تسهيل جهود الإغاثة الفورية وإعادة الإدماج والبناء، ومرونة تشغيلية تسمح لها بالعمل بفعّالية في المجالات التي تكون فيها قدرات الدولة ضعيفة. كما تعمل منظّمات المجتمع المدني كجهات محايدة قادرة على توفير جسر بين السوريين والسلطات المؤقتة، ولا سيّما في المجتمعات الحذرة من الحكومة أو المعرّضة لخطر التوترات الطائفية. وتميل المجتمعات المحلية إلى الوثوق بهذه المنظّمات وتقبّلها، ما يخفّف من احتمالية نشوب صراع على المستوى المحلي نتيجة لانعدام الثقة أو سوء الفهم. ومن أجل تحقيق أقصى قدر من الانتشار والفعّالية، يجب على الحكومة المؤقتة أن تضع مبادئ توجيهية قانونية وسياسية واضحة لتوجيه نشاط المنظّمات غير الحكومية نحو سدّ فجوات الخدمات الحيوية، وأن تضمن إمكانية مساءلة هذه المجموعات. وخلال الحرب، اضطلعت المنظّمات غير الحكومية بدور قادة القطاع العامّ الفعليّين في ظل غياب الدولة. ومع تشكيل الحكومة الجديدة، يجب على المنظّمات غير الحكومية نقل إدارة القطاع العامّ الذي تمّ تنشيطه إلى الدولة، مع الاستمرار في تقديم الدعم والخدمات لمجتمعاتها. ويمكن للجان المشتركة المكوّنة من السلطات المحلية والمنظّمات غير الحكومية والقطاع الخاص ضمان أن تكون جهود التعافي شاملة ومتجاوبة مع الاحتياجات الخاصة بالمجتمع.
هذا وينظر المجتمع الدولي إلى منظّمات المجتمع المدني السورية بشكل أكثر إيجابية من حكومة تصريف الأعمال، التي تمّ تصنيف وزرائها على أنهم إرهابيون في عدد من البلدان حتى وقت قريب. وعلى الرغم من أنّ الترخيص العام رقم 24 الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية، والذي يجيز مجموعة متنوّعة من المعاملات في سوريا لتسهيل تدفّق المساعدات والخدمات الإنسانية، يوفّر بعض العقوبات المفروضة على الدولة السورية، إلا أنّ المنظمات غير الحكومية تُعدّ قناة مُدقّقة للجهات المانحة الدولية لمواصلة تمويل الاستجابة الإنسانية في سوريا بينما تظلّ العقوبات الأوسع نطاقاً قائمة. إلا أنه لا ينبغي للعالم أن ينظر إلى المنظّمات غير الحكومية كبديل للحكومة بشكل دائم، مهما كانت الخلافات الأيديولوجية بين القادة وهيئة تحرير الشام وغيرها من الفصائل المسلحة. ولكي تستمرّ عملية التعافي بشكل مستدام، يجب أن يُنظر إلى الحكومة على أنها شرعيّة وقادرة على إدارة عملية إعادة الإعمار.
نقطة اللاعودة
إنّ الفشل في تنسيق عودة اللاجئين السوريين سيفرض عواقب وخيمة على سوريا والدول المُضيفة المجاورة واللاجئين السوريين أنفسهم. فاستقرار سوريا يعتمد على التعافي الوطني المستدام، وقد يؤدّي تدفّق العائدين إلى إرباك الحكومة الوليدة ويقوّض الاستقرار الهشّ في الدولة. وقد تعاني الدول المضيفة أيضاً في حال أدّت عمليات العودة الفوضوية إلى إثارة أزمة أخرى في سوريا، الأمر الذي من شأنه أن يدفع الآلاف من اللاجئين الجدد إلى العودة إلى حدودها سعياً للدخول. وبالنسبة للاجئين السوريين، فإنّ العودة غير المنسّقة أو المبكرة قد تعني مرة جديدة تحمّل الفقر المدقع أو خطر المزيد من النزوح أو حتى الموت.
في المقابل، قد تسمح عملية العودة وإعادة الإدماج المنظّمة لسوريا بتحقيق استقرار اقتصادي وسياسي دائم من دون إثقال كاهل مؤسسات الدولة أو المجتمع المدني السوري أو وكالات الإغاثة. ففي أغلب الأحيان تكون عمليات العودة فوضوية، ولكن كما أظهرت التجارب الناجحة في العراق وأفغانستان، فإنّ تنسيق العودة إلى الوطن يمكن أن يعزّز حماية مجتمعات النازحين ويقلّل من احتمال حدوث المزيد من النزوح عند العودة. والدرس الذي يجب أن تستقيه سوريا من هذه التجارب هو أنّ مشاركة البلدان الأصلية، والدول المضيفة، والمفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جهود التعافي لن يزيل بشكل كامل مخاطر وأعباء إعادة اللاجئين إلى وطنهم، ولكنه الطريقة الأكثر فعّالية لإدارة التعقيدات الكثيرة التي قد تنشأ.
في الخلاصة، يتوقّف مستقبل سوريا على العودة الآمنة والكريمة للاجئين الذين سيساعدون في إعادة بناء دولة مزّقتها سنوات من الصراع. ويجب على السوريين، بالتعاون مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، اغتنام هذه الفرصة لإرساء الأساس لسلام دائم. وفي حال لم يفعلوا ذلك، فإنّ سوريا تخاطر بالانزلاق إلى حالة أعمق من عدم الاستقرار وترك الملايين من العائدين عالقين في بلد غير قادر على دعمهم. إنّ نافذة الفرص قد تُغلق، وتكلفة التقاعس عن العمل ستطارد السوريين لأجيال.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.