"فورين أفيرز": ترامب يُدمّر جهاز الاستخبارات الأميركي
إنّ فشل الاستخبارات أمرٌ لا مفر منه حتى في الأنظمة السليمة، لكن تسييس النظام يزيد من احتمالية الفشل الخطير.
-
"فورين أفيرز": ترامب يُدمّر جهاز الاستخبارات الأميركي
مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر تقريراً يتناول أزمة تسييس الاستخبارات الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب، ويبرز كيف أن نمط الحكم الشعبوي والولاء الشخصي يضعف الجهاز الاستخباري ويحوّله من أداة لتقديم المعلومات الموضوعية إلى وسيلة لتبرير قرارات القائد.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
تمتلك الولايات المتحدة مجتمعاً استخبارياً يحسدها العالم عليه. ولكن في عهد الرئيس دونالد ترامب، فإن بعض الأمراض نفسها التي تجعل الأنظمة الاستبدادية عرضة للفشل الاستخباري، تجعل النظام الأميركي عرضة للخطر بالمثل. لقد دفعه أسلوبه الشعبوي والشخصي إلى تجاهل قيمة الاستخبارات وإساءة استخدام الوكالات التي تنتجها.
في أواخر حزيران/يونيو، في اليوم السابق لإرساله قاذفات أميركية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، رفض ترامب شهادة مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد أمام الكونغرس بأنّ إيران لم تكن قريبة من تطوير سلاح نووي. بعد الضربات، أعلن منتصراً أنّ المواقع النووية الإيرانية المستهدفة "دُمّرت تماماً وكاملة"، بينما قدّم تقرير أولي لوكالة استخبارات الدفاع (DIA) تقديراً أكثر تحفظاً للأضرار.
لا تقتصر المشكلة على استخفاف ترامب نفسه بالمعلومات الاستخبارية، بل تُهيئ إدارته أيضاً ظروفاً تُمكّن كبار المسؤولين من تكييف تقييماتهم بما يُرضيه. كرّر وزير الدفاع بيت هيغسيث ادعاءات ترامب المبالغ فيها بالقضاء على النووي الإيراني، مُتجاهلاً تقرير وكالة استخباراته. وقالت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، إنّ "هذا التقييم المزعوم خاطئ تماماً".
سارعت غابارد وجون راتكليف، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، إلى الادعاء بأنهما عثرا على "معلومات استخبارية جديدة" تدعم تفسير ترامب للأحداث، لكنهما رفضا نشرها علناً.
مع تزايد عدد الموالين بدلاً من الخبراء المتمرّسين، تُخاطر وكالات الاستخبارات بأن تُصبح مُسيّسة بشكل مُفرط، مُقدمةً مبررات لقرارات السياسة بدلاً من أن تُقدم لها معلوماتٍ مُفيدة. في غضون ذلك، تُواجه الولايات المتحدة تهديداتٍ أمنيةً وطنيةً خطيرة.
إنّ فشل الاستخبارات أمرٌ لا مفر منه حتى في الأنظمة السليمة. إن كشف الأسرار وتقييمها بشكل صحيح أمر صعب في أفضل الأحوال. لكن التشوهات داخل النظام تزيد من احتمال الفشل. والحالة الكلاسيكية هي نظام استبدادي لا يتسامح فيه الحاكم الواثق من نفسه مع الآراء الأخرى.
يعمل ضباط الاستخبارات في مثل هذه الأنظمة في بيئة لا يُتسامح فيها مع قول الحقيقة للسلطة، ويُفضل فيها الرضوخ على الخبرة، ويتغلب النفاق على البصيرة، ويجب تقديم "حقائق بديلة" للحفاظ على الرواية المفضلة للقائد. يُعتبر تقديم تقييمات حسنة النية تتعارض مع آراء الحاكم خيانةً ويؤدي إلى العقاب. ومن دون مساحة للمعارضة التحليلية وعرض وجهات نظر صريحة، يمكن للقادة تلقي معلومات استخبارية خاطئة والتصرف بناءً عليها.
تواجه الولايات المتحدة اليوم خطراً مماثلاً. تتميز شعبوية ترامب بتشكيك عميق تجاه أصحاب السلطة المعتمدين، وعدم تسامح مع الخبراء الذين يقدمون حقائق أو تحليلات غير ملائمة تتحدى المعتقدات الجوهرية لحركته. وكما يفعل القادة الاستبداديون، أحاط ترامب نفسه بموالين يجتازون اختبارات حاسمة. تعكس ثقافة التحليل المُسيّس، والرقابة الذاتية، وقمع الحقائق غير المرغوب فيها، الظروف السائدة في الأنظمة الاستبدادية التي تُولّد فشلاً استخبارياً.
إنّ أهم شرط لخدمة ترامب هو الولاء الشخصي، لا الكفاءة أو الخبرة ذات الصلة. وبالطبع، ينبغي لرئيس الولايات المتحدة أن يتوقع قدراً من الولاء من الموظفين الفيدراليين. لكن توقعات إدارة ترامب تضع الولاء الشخصي فوق الحقيقة.
نقله إلى العربية: الميادين نت.