"سي جي تي أن": معضلة بايدن في جنوب المحيط الهادئ.. الوعود والمزالق

موقع "سي جي تي إن" الصيني ينشر مقالاً للكاتب عمران خالد يقول فيها إن الوعود الأميركية براقة من الخارج والشيطان يتخفى في تفاصيلها.

  • معضلة بايدن في جنوب المحيط الهادئ: الوعود والمزالق
    الرئيس الأميركي جو بايدن

نشر موقع "سي جي تي إن" الصيني، اليوم الأربعاء، مقالاً للكاتب عمران خالد يتحدث فيه عن القمة الثانية مع قادة جزر المحيط الهادئ في البيت الأبيض التي عقدت الشهر الفائت. ويقول إن الهدف الأساسي للولايات المتحدة إحباط وتقليص شراكات الصين المزدهرة مع دول الجزر المذكورة.

وفيما يلي نص المقال منقولاً  إلى العربية:

في إشارة علنية فظة تُظهر الولايات المتحدة الأميركية نيتها الانخراط في صراع على النفوذ في جنوب المحيط الهادئ، والهيمنة على كل جزرالمنطقة، من خلال ما رتبته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بعقد قمة ثانية مع قادة جزر المحيط الهادئ في البيت الأبيض في الشهر الفائت.

كان الهدف الأساسي للولايات المتحدة في هذه القمة، إحباط وتقليص شراكات الصين المزدهرة مع دول الجزر المذكورة.

مرة أخرى، تؤكد إدارة جو بايدن على أجندة و رؤى ضيقة، ومدفوعة بنزعة الولايات المتحدة التقليدية في ممارسة دور المهيمن، و ينم عن عدم احترام مقلق للدول ذات السيادة في جنوب المحيط الهادئ.

ومن المفارقات، أنّ وسائل الإعلام الغربية وصفت القمة المذكورة بصراحة، بأنها مناورة استراتيجية في الحملة الأميركية المستمرة للحد من الوجود الصيني المتزايد في منطقة تعتبر تاريخياً فناءها الخلفي.

حين استدعى بايدن قادة المحيط الهادئ إلى البيت الأبيض لحضور القمة، إمعاناً منه بممارسة الدبلوماسية العدوانية ضد الصين، بالتخفي بإعلان شراكة إقليمية بين الولايات المتحدة ودول جزر المحيط الهادئ، لكنها مليئة بالوعود الجوفاء، التي اعتادت الولايات المتحدة بممارستها طويلاً.

خلال قمة بايدن الأولى مع دول جزرالمحيط الهادئ، شهدنا عدداً كبيراً من التصريحات الرنانة، من الجهود المتزايدة لمكافحة تغير المناخ إلى الوعد المشكوك فيه بتعزيز الأمن البحري. كذلك تعهدت الولايات المتحدة، في استعراض متفاخر للسخاء، بتقديم 810 ملايين دولار إضافية إلى المنطقة.

يخصص منها 130 مليون دولار لمكافحة عواقب تغير المناخ في المنطقة والتخفيف من حدتها.

مع ذلك، وحلال العام الماضي، لم نشهد سوى تقدم ضئيل للغاية في كل هذا التفاخر من قبل إدارة بايدن. والالتزام بتقديم 810 ملايين دولار "المثيرللإعجاب"، لا يزال ينتظر موافقة الكونغرس الأميركي بعد مرور عام كامل. فالوعود الأميركية براقة من الخارج والشيطان يتخفى في تفاصيلها.

علاوة على ذلك، تحتفظ السفارات الأميركية التي أعيد فتحها حديثاً في جزر سليمان وتونغا بعدد كبير من الموظفين، في حين أن موافقة الكونغرس على اتفاقيات الارتباط الحر التي أعيد التفاوض بشأنها، والتي تنطوي على تمويل كبير بقيمة 7.1 مليار دولار، معلقة في طي النسيان.

كما دفعت واشنطن بـ"مبادرة شركاء في المحيط الهادئ الأزرق"، وهو تحالف لما يسمى بشركاء التنمية الذين " يفكرون بنفس الطريقة"، وهذه خدعة تريد منها إدارة بايدن، أنّ تكرس دول الجزر جهودها في شراكات فضفاضة بدل النهوض بمصالحهم الوطنية، تحت ستار التنمية الإقليمية.

وكذلك تدفع إدارة بايدن بهذه المنطقة إلى تجاهل الانفتاح على العالم الملائم لها أكثر مما تقدمه لها الولايات المتحدة من عجن بلا طحين. فغاية الولايات المتحدة في جنوب المحيط الهادئ، هي المزيد من الغطرسة و إحباط الصين، أكثر من كونها التزاماً صادقاً بتعزيز التنمية الإقليمية.

كذلك، لا تزال "مبادرة شركاء في المحيط الهادئ الأزرق"، غامضة، ولا تقدم سوى القليل من الوضوح بشأن ضخ أموال جديدة أو نهج مبتكر تجلبه إلى المنطقة. ولا تزال عمليات التنسيق بين "الشركاء" لغزاً محيراً، مما يترك مجالاً كبيراً للتشكيك في تأثيرها الفعلي على أرض الواقع.

كان إلغاء رحلة الرئيس جو بايدن المقررة إلى بابوا غينيا الجديدة في اللحظة الأخيرة في منتصف العام الجاري، نكسة كبيرة للمبادرات الأميركية في منطقة جنوب المحيط الهادئ. في حين أنه من الصعب تحديد التكلفة الدبلوماسية بدقة، إلا أنها لا تخلو من عواقبها. كانت هذه الزيارة ستشكل معلماً تاريخياً باعتبارها الأولى على الإطلاق التي يقوم بها رئيس أميركي إلى دولة الجزر في المحيط الهادئ. وليس من المستغرب أن يسلط هذا الإلغاء الضوء على شعور دول المنطقة بخذلان واشنطن المعتاد لها والتخلي عنها.

إنّ غياب قادة جزر سليمان وفانواتو عن "قمة هذا العام هو انعكاس لحقيقة أن دول المنطقة لا تزال حذرة للغاية من صدق واشنطن تجاه المنطقة. في العام الماضي، بخلاف فتح سفارتين وتوقيع اتفاقية تعاون دفاعي مع بابوا غينيا الجديدة، على الرغم من الارتباطات الدبلوماسية رفيعة المستوى مع القيادة الإقليمية، لا يوجد شيء يمكن وصفه بأنه دعم "كبير" من قبل الولايات المتحدة للتنمية الإقليمية.

على العكس من  واشنطن، ظلت الصين تعمل بحماس وسخاء على مدى العقود العديدة الماضية من أجل البنية التحتية والتنمية الاقتصادية لدول الجزر في المحيط الهادئ. ولهذا السبب، أشاد رئيس وزراء جزر سليمان ماناسيه سوغافاري، بسلسلة من البرامج المدعومة من الصين، بما في ذلك "مبادرة الحزام والطريق"، ومبادرات: "التنمية العالمية" و"الأمن العالمي. وهذه هي رسالة الصين، بمثابة مثال صارخ على نهجها التعاوني مع الدول "الجزرية"، القائم على الاحترام المتبادل والخالي من أي إملاءات سياسية. 

لما يقرب من ثلاثة عقود، ظل جنوب المحيط الهادئ على هامش الحسابات الجيوسياسية الأميركية. ومع ذلك، تحول هذا المشهد بشكل كبير حيث تولت الصين عباءة الشريك التجاري الرئيسي في المنطقة ولاعب استثماري محوري. ولكن، وفقاً لبعض التقارير الإعلامية، بالإضافة إلى الالتزامات الجديدة في البنية التحتية والكابلات البحرية، تدفع إدارة بايدن بفكرة أنّ دول جزر المحيط الهادئ يجب أن تصبح جزءاً من التضامن الأمني الرباعي بين الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان.

ويجري الآن توسيع نطاق المجموعة الرباعية، التي ينظر إليها على أنها محور "استراتيجي الاحتواء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، التي تنتهجها واشنطن في استهداف الصين، لتشمل جزر المحيط الهادئ، بهدف طموح هو جذب فيتنام وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا إلى هذا التكتل المشين.