"ذي ناشونال إنترست": عمليات اليمن في البحر الأحمر تلقّن الغرب دروساً قاسية
عدد السفن الحربية لم يعد دليلاً لتقييم قدرة أي بلد على السيطرة على الممرات البحرية، وتأثير عمليات اليمن في البحر الأحمر سيظل قائماً حتى لو توقفت.
مجلة "ذي ناشونال إنترست" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب رامون ماركس، الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس منظمة "مديري الأعمال من أجل الأمن القومي"، يتحدث فيه عن تأثير عمليات اليمن في البحر الأحمر ضد السفن التجارية الأميركية والإسرائيلية وتلك المتوجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة نصرةً لغزّة ودعماً لمقاومتها.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
البحرية الأميركية مشغولة في البحر الأحمر بسبب مواصلة اليمنيين عملياتهم التي تربك حركة المرور البحرية وتخنقها، على الرغم من الهجمات المتكررة التي شنتها مجموعة من القوات البحرية الأميركية بهدف القضاء على التهديد.
منذ يناير/كانون الثاني 2024، ضربت البحرية الأميركية أهدافاً لليمنيين مراراً وتكراراً بالصواريخ والطائرات من دون طيار وطائرات "أف-18 سوبر هورنتس"، وأشار الأدميرال براد كوبر، نائب قائد القيادة المركزية الأميركية، في شباط/فبراير إلى أنّ على المرء العودة إلى الحرب العالمية الثانية للعثور على معارك بحرية ذات حجم ونطاق مماثل، مشيراً إلى أنّ 7000 بحار يشاركون في القتال حالياً.
على الرغم من القوة النارية البحرية الأميركية، لا يزال اليمنيون متماسكين، ولا يزالون يهاجمون بانتظام السفن التجارية في البحر الأحمر والسفن الحربية الأميركية. وفي آذار/مارس، أطلق اليمنيون صاروخاً مضاداً للسفن على السفينة الحربية "يو إس إس لابون"، وهي سفينة حربية من طراز "آرلي بيرك" يقال إنّ بناءها يكلف ما يقارب مليار دولار.
إنّ ما يحدث في البحر الأحمر يُظهر كيف أحدث تطوير الصواريخ الأرضية المتنقلة والمضادة للسفن والطائرات من دون طيار الرخيصة ثورة في الحرب البحرية، تماماً كما فعلت حاملات الطائرات في القرن الماضي. لم تعد السفن القتالية السطحية، بما في ذلك حاملات الطائرات، قادرة على السيطرة المطلقة على البحار.
الدرس الاستراتيجي المستفاد من حال العمليات في البحر الأحمر الآن هو أنّ عدد السفن الحربية لم يعد الدليل الأفضل لتقييم قدرة أي دولة على إيقاف حركة الممرات البحرية والسيطرة عليها، إذ يمكن للصواريخ والطائرات من دون طيار غير القابلة للغرق والمنطلقة من الشاطئ، والقادرة على ضرب أهداف على بعد مئات أو حتى آلاف الأميال في البحر، أن تحمل الآن تهديداً كبيراً أو أكثر مثل السفن الحربية السطحية.
في المقلب الآخر، تمتلك الصين صواريخ متنقلة مضادة للسفن وطائرات من دون طيار منتشرة على طول ساحلها الساحلي الذي يبلغ طوله نحو 19000 ميل (بما في ذلك الجزر). إنّ مواجهة أنظمة الصواريخ والطائرات من دون طيار الصينية الأرضية غير القابلة للغرق ستكون أكثر صعوبة بالنسبة إلى البحرية الأميركية من قتال اليمنيين.
إحدى النتائج الأخرى لهجمات اليمنيين في البحر الأحمر هي إدخال ما قد يكون تغييراً دائماً في أنماط التجارة والنقل العالمية. تقليدياً، 40% من التجارة بين آسيا وأوروبا تمر عبر البحر الأحمر. وقد اضطرت التجارة البحرية بالفعل إلى إعادة توجيه جزء كبير من تلك الحركة بسبب عمليات اليمنيين المستمرة، ما أدّى إلى القيام برحلة أطول وأكثر تكلفة حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنّ روسيا تستفيد أيضاً من عمليات اليمن في البحر الأحمر، إذ أدّت إلى خلق أعمال متنامية لخطوط السكك الحديدية البرية الروسية بين الصين وأوروبا. ومن عجيب المفارقات أنّ العقوبات الغربية المفروضة على روسيا لا تمنع مثل هذه الأعمال المتعلقة بنقل الشحنات عبر السكك الحديدية. ومن المشكوك فيه أيضاً أن ترغب ديمقراطيات الاتحاد الأوروبي في التضحية بالأعمال التجارية مع الصين من خلال فرض عقوبات على حركة المرور العابرة، ما يؤدي إلى خسارة استخدام خدمة الشحن بالسكك الحديدية الروسية التي تتسم بالكفاءة اقتصادياً.
لقد أجبرت العقوبات الغربية على أوكرانيا روسيا بالفعل على الابتعاد عن أوروبا والانخراط بشكل أكبر مع الشرق؛ ففي العامين الماضيين، منذ أن فرض حلفاء الناتو والاتحاد الأوروبي العقوبات، ارتفعت الواردات الروسية من الصين إلى مستويات تبيّن على نحو مدهش أنها أكبر حتى من واردات الاتحاد الأوروبي إلى روسيا قبل دخول العقوبات الغربية حيز التنفيذ، وتسعى روسيا إلى تعزيز العلاقات مع الهند ودول الخليج من خلال تطوير خطوط نقل جديدة، وتقوم موسكو ببناء خط سكة حديد يصل إلى الموانئ في إيران، ما يقلل وقت الشحن بين الهند ودول الخليج العربي. علاوة على هذه التحولات في الطرق التجارية، خلقت هجمات اليمينين على الشحن البحري في البحر الأحمر فرصاً جديدة لموسكو للاستفادة من موقعها البري المركزي في أوراسيا والاستحواذ على المزيد من حركة الشحن التجاري من ممرات المحيط.
ليس هناك احتمال كبير في أن تتمكن البحرية الأميركية، التي انضم إليها الحلفاء الأوروبيون في إطار عملية "أسبيدس"، من ابتكار حل عسكري نهائي للقضاء على هجمات اليمنيين بالصواريخ والطائرات من دون طيار. ونظراً إلى عدم وجود حل عسكري حقيقي، بدأت واشنطن بالفعل بالبحث عن صيغة دبلوماسية، حتى إنها تواصلت مع طهران للحصول على المساعدة في مفاوضات القنوات الخلفية.
قد يتعين لإنهاء عمليات اليمن انتظار السلام في غزة. وحتى عندما يأتي ذلك اليوم، فإنّ التداعيات طويلة المدى لما حدث في البحر الأحمر لن تنتهي، وسوف تستمر شرايين النقل التجاري الجديدة في روسيا بالالتحام، ما يؤدي إلى تحويل أنماط التجارة العالمية، كما ستستمر المناقشة بشأن كيفية قدرة القوات البحرية الحديثة على التكيف مع الطائرات بدون طيار والصواريخ المضادة للسفن. وستظل هذه التحديات التي يواجهها الغرب قائمة بعدما توقفت هجمات اليميين نهائياً إلى الأبد.
نقلته إلى العربية: بتول دياب