"ذي إيكونوميست": محاولة الولايات المتحدة لاغتيال شركة "هواوي" جاءت بنتائج عكسية
عزل شركة "هواوي" عن التكنولوجيا الغربية لم يخنقها، بل زاد بدلاً من ذلك من حوافزها للإبداع.
مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية تنشر تقريراً شرحت فيه بشكل مفصّل كيف قامت شركة "هواوي" بالنهوض بعد أن فرضت الولايات المتحدة الأميركية عليها عقوبات وقيوداً حالت دون وصولها إلى التكنولوجيا الغربية.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
كثيراً ما يتحدث رن تشنغ فاي، مؤسس شركة "هواوي"، عن الصدامات بين شركته وأميركا بلغة عسكرية. وقال في اجتماع داخلي في عام 2018 إنّه "حان الوقت لالتقاط الأسلحة وامتطاء الخيول والذهاب إلى المعركة". وفي مذكّرة في العام التالي، شجّع الموظفين على ربط الحبال بالدبابات التصويرية لشركة هواوي والمساعدة في جرّها إلى ساحة المعركة.
إنّ هذا الحديث العسكري مفهوم؛ فقد تعرضت شركة هواوي لهجوم من أميركا لأكثر من عقد من الزمان. وفي عام 2012، زعمت السلطات الأميركية أنّ الصين قد تستخدم الشركة للتجسس، كما اتهمت المدير المالي للشركة وابنة رن في عام 2018 بانتهاك العقوبات المفروضة على إيران. وبحلول عام 2020، انزلقت المساعي الأميركية إلى حرب شاملة، مع منع معظم الشركات الأميركية من التعامل مع شركة "هواوي"، ومنع الشركات الأجنبية من بيع رقائقها أو غيرها من المعدات التي تستخدم التكنولوجيا الأميركية. كما سعت أميركا إلى ثني الدول الأخرى عن استخدام معدات "هواوي" في شبكات هواتفها المحمولة.
ضرب هذا الهجوم شركة "هواوي". واضطرت إلى بيع علامتها التجارية الرئيسية للهواتف الذكية بسبب نقص الرقائق. وقد استبعدتها أكثر من 12 دولة غنية من عقود الجيل الخامس. وتراجعت الإيرادات بنسبة 30% في عام 2021؛ وانهار صافي الأرباح بنسبة 70% في عام 2022. وفي مذكرة في ذلك العام، كان رن واضحاً أن شركة "هواوي" كانت تقاتل من أجل حياتها: "أول هدف هو البقاء على قيد الحياة.. لدينا مستقبل إذا بقينا على قيد الحياة".
الهجوم الأميركي مستمر. في شهر أيار/مايو، على سبيل المثال، ألغى المنظمون تصريحاً خاصاً يسمح لشركتَي "إنتل" و"كوالكوم"، وهما مجموعتان تقنيتان أميركيتان، ببيع شرائح "هواوي" لأجهزة الكمبيوتر المحمولة. ومع ذلك، لم تتمكّن شركة "هواوي" من البقاء على قيد الحياة فحسب؛ بل تزدهر مرة أخرى. وفي الربع الأول من هذا العام، ارتفع صافي الأرباح بنسبة 564% على أساس سنوي إلى 19.7 مليار يوان (2.7 مليار دولار). لقد دخلت مرة أخرى في مجال صناعة الهواتف. وبدأت مبيعات معدات الاتصالات في الارتفاع مرة أخرى. وقد حققت ذلك إلى حد كبير من خلال استبدال التكنولوجيا الأجنبية في بضاعتها بأجزاء وبرامج محلية، ما يجعلها أقل عرضة للعداء الأميركي في المستقبل.
فشل العم سام في القضاء على شركة "هواوي"، وهجماته جعلا الشركة أقوى. ولم يكن رن قط أقل طموحاً بالنسبة إلى شركة "هواوي" واسمها هو اختصار لعبارة "الصين الواعدة".
أنشأ رن، وهو جندي سابق، شركة "هواوي" في عام 1987 في شقته في شنتشن، حيث كان يستورد معدات الاتصالات الأجنبية لبيعها للعملاء الصينيين. كمهندس بالتدريب، بدأ بسرعة في صنع معداته الخاصة. ومع نمو سوق الاتصالات في الصين، نمت شركة "هواوي". وبحلول عام 2020، لم تصبح أكبر صانع للهواتف الذكية في العالم فحسب، بل أصبحت أيضاً المزود الرائد لمعدات شبكات الهاتف المحمول، بحصة سوقية تبلغ 30%.
إصلاح الإمبراطورية
إذا نظرنا إلى الماضي، فسنجد أنّ الهجوم الأميركي لم يهزّ هذه الإمبراطورية إلّا لفترة وجيزة. مبيعات "هواوي" العام الماضي، التي بلغت نحو 100 مليار دولار، هي ضعف مبيعات شركة "أوراكل"، وهي شركة تكنولوجيا أميركية، ويبلغ حجمها نصف حجم شركة "سامسونغ"، صانعة الهواتف الكورية الجنوبية، لكنها تنفق أكثر على البحث والتطوير. في الواقع، لم يتم تجاوز ميزانية البحث والتطوير البالغة 23 مليار دولار في عام 2023 إلّا من قبل أكبر شركات التكنولوجيا الأميركية: "ألفابيت" (الشركة الأم لشركة غوغل)، و"أمازون"، و"أبل"، و"مايكروسوفت".
أرباح العام الماضي، التي بلغت نحو 12.3 مليار دولار، وضعتها "هواوي" على قدم المساواة مع شركة "سيسكو سيستمز"، وهي مجموعة اتصالات أميركية، وتتجاوز إلى حد كبير أرباح شركتي "إريكسون" و"نوكيا"، المنافستين الرئيسيتين لها في مجال شبكات الهاتف المحمول. وبينما تقوم "إريكسون" و"نوكيا" بتسريح الموظفين، فإنّ عدد موظفي "هواوي" آخذ في الازدياد. لديها الآن 12000 عامل أكثر مما كانت عليه في عام 2021.
وتظل الأعمال الأساسية لشركة "هواوي" معدات شبكات الاتصالات، التي جلبت نحو نصف إيرادات الشركة في العام الماضي. وفي السنوات الأخيرة، قام هذا القسم أيضاً بتشكيل فرق من المهندسين لتولّي مشاريع استشارية، والمساعدة في إعادة توصيل الأسلاك وبالتالي تبسيط جميع أنواع الأعمال، من الموانئ إلى مناجم الفحم. وقد وضعتها هذه المبادرات الجديدة في مواجهة المنافسين الغربيين مثل "سيسكو سيستمز"، و"سيمنز"، و"هانيويل".
من بين الأموات
يقوم قسم المستهلكين، الذي يحقق ثلث المبيعات، بتصنيع جميع أنواع الأجهزة التي يمكنها الاتصال بشبكة الجيل الخامس. لقد بدأت في إطلاق الهواتف الذكية الفاخرة مرة أخرى، ولكنها تصنع أيضاً الساعات وأجهزة التلفزيون والأنظمة التي تتحكم في العديد من السيارات الكهربائية الصينية. ونمت الإيرادات من الأجهزة الاستهلاكية بنحو 17% في عام 2023، ويرجع الفضل في ذلك بشكل أساسي إلى الهواتف الذكية الجديدة.
وتمثّل وحدة الحوسبة السحابية ما يقرب من عُشر الإيرادات. وارتفعت مبيعاتها بنسبة 22% العام الماضي. ومع تقليص "مايكروسوفت" عملياتها في الصين، بسبب العقوبات التكنولوجية الأميركية، يقال إنّ شركة "هواوي" تسعى إلى استقطاب مهندسيها. وتركّز وحدة أخرى سريعة النمو على الطاقة، بما في ذلك شبكات شحن السيارات الكهربائية والعاكسات الكهروضوئية، التي تحوّل التيار المباشر الذي تنتجه الألواح الشمسية إلى الشبكة.
لا يعني ذلك أنّ العقوبات الأميركية لم يكن لها أيّ تأثير على الإطلاق على شركة "هواوي"، بل على العكس من ذلك. وقد أصبحت أعمالها أكثر تركزاً في الصين، حيث أصبحت المبيعات الأجنبية الآن تمثّل ثلث الإجمالي فقط، بعد أن كانت النصف في عام 2017. كما اضطرت إلى التركيز بشكل أكبر على الابتكار، لإيجاد حلول تكنولوجية لمشاكلها السياسية. ويعمل نحو 114 ألف موظف، أي أكثر من نصف العدد الإجمالي، في مجال البحث والتطوير. والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنّها أصبحت أكثر تكاملاً، حيث تسعى إلى تطوير بدائل داخل الشركة للمكونات أو البرامج التي منعها العم سام.
ومن أجل البقاء على قيد الحياة بسبب العقوبات الأميركية الحالية والمحتملة في المستقبل، كانت شركة "هواوي" تبحث بشكل منهجي عن بدائل للملكية الفكرية الأميركية في منتجاتها وأنظمتها الداخلية. ويقول رن إنّ الشركة استبدلت 13 ألف قطعة غيار أجنبية الصنع بأجزاء صينية. لقد كان هذا مكلفاً للغاية. ومن خلال إجبار شركة "هواوي" على التركيز على هذه المهمة، فإنّ العقوبات الأميركية منعتها بلا شك من الاستثمار في مجالات أخرى. لكن العقوبات حفّزت أيضاً التطوّر السريع للملكية الفكرية الخاصة بشركة "هواوي" ودفعتها إلى التنويع في خطوط أعمال جديدة. فقد تمكّنت من إحياء مبيعات الهواتف الذكية، على سبيل المثال، من خلال التعاون مع مورد صيني لتطوير رقائق مناسبة، والتي اعتادت شراء معظمها من شركات أجنبية.
ولا تزال صناعة أشباه الموصلات في الصين تفتقر إلى العديد من المكونات والأدوات اللازمة للانفصال الكامل عن الغرب. ويُعتقد أنّ بعض الرقائق المحلية التي تستخدمها "هواوي" تكلّف عدة مرات أكثر من نظيراتها الأجنبية ولا تزال تعاني من نقص في المعروض. لكن تمكّن "هواوي" من الالتفاف على العقوبات في مثل هذا الوقت القصير يعدّ مفاجأة. وباعتبارها شركة خاصة تتوافق أهدافها بشكل جيد مع أهداف الحكومة الصينية، فقد أصبحت نموذجاً لكيفية تفكير الصين في الإبداع.
إنّ نحو 70% من المكونات (من حيث القيمة) لهاتف "Mate60 Pro+"، وهو الهاتف الذكي الذي أطلقته "هواوي" في أيلول/سبتمبر الماضي، مصنوعة في الصين، وفقاً لتقدير من بنك الاستثمار "Jefferies". وساعد ذلك في منح "هواوي" حصة 15.5% من مبيعات الهواتف الذكية في الصين في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، ارتفاعاً من نحو 9% خلال الفترة نفسها من عام 2023 وعلى قدم المساواة مع شركة "آبل". لقد كان هذا النجاح عاملاً كبيراً في تعافي شركة "هواوي".
ويستخدم الهاتف شريحة من صنع شركة "smic"، وهي شركة مملوكة للدولة وواحدة من شبكة الشركات في صناعة أشباه الموصلات التي تتعاون معها "هواوي". وفي الوقت نفسه الذي أصدرت فيه أميركا أول قيود على التصدير، أنشأت شركة "هواوي" وحدة استثمارية أو شركة تسمى "هابل". ومنذ ذلك الحين، قامت بما لا يقل عن 107 استثمارات.
كانت استراتيجية "هابل" تتمثّل في الاستحواذ على حصص صغيرة في عشرات الموردين الذين يعملون على تقنيات قد تساعد في تخفيف اعتماد "هواوي" على الموردين الأجانب. لنأخذ على سبيل المثال آلات الطباعة الحجرية، التي تحوّل أصغر الدوائر إلى رقائق، وتشكل أكبر تحد للصين فيما يتعلق بالاعتماد على الذات في صناعة الرقائق. قامت "هابل" بعدة استثمارات في الليزرات الحجرية. على سبيل المثال، تقوم شركة "Focuslight Technologies" بتوريد مكونات الليزر لشركة "asml"، الشركة الرائدة عالمياً في مجال الطباعة الحجرية، وشركة "tsmc"، مسبك الرقائق الأكثر تقدماً في العالم. استثمرت "هابل" فيها في عام 2020. وقد ساعد النظام الذي أنشأته لإزالة العيوب من المواد التي تُطبع عليها الدوائر في إنهاء الاحتكار الأجنبي لهذه الوظيفة المحددة داخل سلسلة توريد الليزر.
وهناك مستفيد آخر من أموال "هابل"، وهي شركة "سوتشو إيفربرايت" الضوئية، التي تقوم ببناء أكبر خطوط إنتاج في الصين لرقائق نيتريد الغاليوم، وهي نوع جديد من أشباه الموصلات عالية الأداء المستخدمة في كل شيء بدءاً من معدات الجيل الخامس وحتى شبكات الطاقة. تهيمن الشركات اليابانية على سوق مقاومات الضوء، التي تستخدم لتشكيل نمط على سطح الرقائق في عملية الطباعة الحجرية، لكن إحدى الشركات التابعة لـ "هابل"، والتي تدعى "شوتشو بي آند سي كيميكال"، اقتحمت هذا المجال.
لا تؤدي هذه الاستثمارات إلى إنشاء معدات الطباعة الحجرية الأكثر تقدماً في العالم. قليلون يتوقعون أن تحقق شركة "هواوي" خطوات واسعة في مجال آلات الطباعة الحجرية العميقة التي تعمل بالأشعة فوق البنفسجية، وهي أحدث التقنيات التي يتم إنتاجها بواسطة "ASML" فقط. لكن أنشطة "هابل" تؤدي إلى تآكل جيوب الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية. جزء من هذا الاعتماد هو ببساطة خدمة الآلات الأجنبية الصنع. منذ بداية العام، كان مسؤولو التجارة الأميركيون يطلبون من الحلفاء التوقف عن تقديم المساعدة للحفاظ على تشغيل آلات الطباعة الحجرية المتقدمة. ويعتقد المحللون أنّ بعض استثمارات "هابل" يهدف إلى بناء قدرة "هواوي" على خدمة المكوّنات وتعديلها بحيث تعمل مع الأنظمة المصنوعة محلياً.
إنّ استراتيجية "هابل" الاستثمارية لها بالفعل تأثير في الأسواق العالمية. في ما يخص رقائق كربيد السيليكون "SiC"، تُستخدم أشباه الموصلات هذه بشكل أساسي في المركبات الكهربائية وأنظمة الطاقة الخضراء، نظراً إلى قدرتها على العمل في درجات حرارة عالية. وقد سيطرت شركة "Infineon" الألمانية على سوق هذه المنتجات منذ فترة طويلة. ومع تحرك "هواوي" بسرعة نحو توفير التكنولوجيا للمركبات الكهربائية وإدارة الطاقة، استثمرت "هابل" في أربع شركات صينية على الأقل تنتج المواد اللازمة لرقائق "SiC"، والتي تشكل أكبر تكلفة في إنتاجها. وسرعان ما استحوذت على حصة قدرها 32% من سوق رقائق "SiC"، بعد أن كانت لا شيء تقريباً قبل بضع سنوات. كانت مشاركة "هواوي" في السوق أحد العوامل التي ساهمت في انخفاض الأسعار العالمية لهذا النوع من الأجهزة، كما يقول بوشون تشيو، من شركة "Yole Group"، وهي شركة متخصصة في استخبارات الرقائق.
لا توجد عقوبات أميركية على رقائق "SiC"؛ إنّ شركة "هواوي" ببساطة تتصرف بشكل استباقي، نظراً إلى خطر تطبيق العقوبات في المستقبل. ويسود هذا النهج في جميع أنحاء الشركة. يجب على المديرين التنفيذيين التفكير في فرض قيود على معظم المكونات. وكان إلغاء تراخيص "إنتل" و"كوالكوم" لبيع رقائق الكمبيوتر الأساسية في شهر أيار/مايو قد أثبت صحة هذا التفكير.
النهوض
لا تمثّل الأجهزة سوى نصف المعركة بالنسبة إلى شركة "هواوي"، فمنذ عام 2019، مُنعت الشركات الأميركية أيضاً من بيع برمجياتها، ما أجبر الشركة على تطوير بدائل لتلك المشتريات أيضاً. فقد زودت شركة "أوراكل"، على سبيل المثال، شركة "هواوي" ببرنامج لإدارة أنظمتها الداخلية. وأجبرت القيود شركة "هواوي" على بناء نظام جديد تماماً خاص بها، يسمى "Metaerp". عند إطلاقه العام الماضي، ابتهج أحد المسؤولين التنفيذيين قائلاً: "لقد اخترقنا الحصار. لقد نجونا". ويتكهن البعض بأنّ "هواوي" قد تحاول في نهاية المطاف بيع النظام في منافسة مع شركات مثل "أوراكل" و"ساب"، وهي شركة ألمانية.
وكانت العقبة الأكبر هي نظام التشغيل (OS) للإلكترونيات الاستهلاكية. قامت شركة "Huawei" ببناء أعمالها في مجال الهواتف الذكية على نظام "Android" من "Google". كان فقدان الوصول إلى نظام "Android" الذي تعمل عليه العديد من التطبيقات، أحد الأسباب التي اضطرت الشركة إلى التخلي عن معظم أعمالها في مجال الهواتف الذكية.
منذ عام 2012، تعمل شركة "هواوي" على تطوير نظام تشغيل يسمى "Harmony" لساعاتها وأدواتها الأخرى. أجبرتها العقوبات الأميركية على البرمجيات على دمج "Harmony" في هواتفها أيضاً. وقد دفعت شعبية نماذجها الجديدة بدورها المطورين إلى إنشاء المزيد من التطبيقات التي تعمل على "Harmony". تم إنشاء الإصدار الحالي من نظام التشغيل باستخدام كود "Android" مفتوح المصدر، ويقال إنّ لدى النظام 700 مليون مستخدم و2.2 مليون مطور.
من المتوقع أن يقوم الإصدار التالي من "Harmony" بإسقاط جميع التعليمات البرمجية المرتبطة بنظام "Android". وعندما يحدث ذلك، لن تعمل تطبيقات "Android" على هواتف "Huawei" بعد الآن. وقد يكون ذلك ضاراً بالأعمال. لكن هذا التحول من شأنه أيضاً أن يشير إلى استقلال النظام بالكامل عن الغرب. في الواقع، سيصبح "Harmony" منافساً لنظامَي التشغيل "Android" و"iOS" من Apple، وهي نتيجة أكثر طموحاً بكثير مما خططت له شركة "Huawei" في الأصل للبرنامج.
كما دفعت العقوبات الأميركية شركة "هواوي" إلى التنويع، للتعويض عن الإيرادات المفقودة. وفي حين كان تركيزها الدولي ينصبّ على معدات الشبكات، فإنّها تعمل الآن على توسيع مبيعات البرمجيات لشركات في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية تدير قواعد بيانات في السحابة.
قال مسؤول تنفيذي من "كلارين"، وهي مجموعة إعلامية أرجنتينية، في إحدى فعاليات "هواوي" في شهر أيار/مايو إنّ شركته كانت تستبدل برنامج قاعدة بيانات "أوراكل" باهظ الثمن ببرنامج "غاوس"، من "هواوي". حتى قبل عامين، كانت مثل هذه المفاتيح تتسبب في كثير من الأحيان في حدوث مشكلات في التوافق مع البرامج الغربية الأخرى، ولكن يبدو أنّ الإصلاح الشامل الأخير قد نجح في حل معظم هذه الأخطاء.
وكان صنّاع السياسات الأميركيون يعتقدون أنّ شركة "هواوي" سوف تكافح من أجل إنتاج ما يكفي من رقائق الذكاء الاصطناعي لدعم عملياتها الخاصة. في الواقع، يبدو أنّ لديها رقائق إضافية. كشفت شركة صينية للتعرف على الصوت تدعى "iFlyTech" مؤخراً أنّ نماذجها وتقنياتها تعمل بالكامل على شرائح الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة "Huawei". ويمثّل هذا أول نظام ذكاء اصطناعي محلي في الصين يتمتع "باستقلال سلسلة التوريد" عن الغرب. وهو أيضاً أول نظام للذكاء الاصطناعي تم إنشاؤه بالكامل بواسطة "Huawei" لشركة أخرى.
وكل هذا يناسب الحزب الشيوعي الصيني بشكل جيد. وقد أعرب شي جين بينغ، الزعيم الصيني، عن طموح الشركة، للتغلب على العقوبات الأميركية باستخدام التكنولوجيا المطورة محلياً. كما أنّ الدولة، وهي بالفعل أكبر عميل لشركة "هواوي"، تدعمها بطرق أخرى. ولتحفيز تطوير صناعة أشباه الموصلات، تقدم الإعانات وتستثمر جنباً إلى جنب مع شركة "هواوي".
لكن علاقة "هواوي" بالدولة غالباً ما يساء فهمها. ولا تحاول الشركة توطين سلسلة التوريد الخاصة بها للامتثال للتوجيهات الحكومية. بالنسبة إلى شركة "هواوي" والعديد من الشركات الصينية الأخرى، أصبح الاكتفاء الذاتي ضرورة تجارية لأنه وسيلتها الوحيدة للبقاء. قراراتها الاستثمارية مدفوعة بالسوق، وهذا يفصلها عن الشركات المملوكة للدولة الراكدة، والتي تصوغ خطط أعمالها بناءً على سياسة الدولة فقط. ولم تقترب أي شركة حكومية من مستوى النجاح الذي حققته شركة "هواوي" على مدار العقد الماضي.
ويتعلم صنّاع السياسات في أميركا أيضاً من أخطائهم، والدرس الأكبر المستفاد من قصة "هواوي" لم يستوعب بعد، وهو أنّ عزل الشركة عن التكنولوجيا الغربية لم يخنقها، بل زاد بدلاً من ذلك من حوافزها للإبداع. وإذا كانت شركة "هواوي" مصدر قلق عندما أعلنت أميركا الحرب عليها لأول مرة، فهي مصدر قلق أكبر الآن.
نقلته إلى العربية: بتول دياب