"ذا ناشونال إنترست": كيف يمكن تحقيق الاستقرار في المرحلة الانتقالية في سوريا؟
على الحكومة السورية المؤقتة أن تمنح الأقليات مزيداً من الاستقلالية إذا أرادت البقاء والنجاح.
-
"ذا ناشونال إنترست": كيف يمكن تحقيق الاستقرار في المرحلة الانتقالية في سوريا؟
مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركية تنشر مقالاً يتناول الوضع السوري بعد الحرب الأهلية وما يواجهه من تحديات مرحلة الانتقال السياسي، مع التركيز على أحداث العنف الأخيرة في السويداء، وكيف تعكس هذه الاشتباكات هشاشة الوضع الأمني والانقسامات الطائفية والعرقية العميقة في البلاد.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
تُعد عمليات انتقال ما بعد الصراع صعبة للغاية بالنسبة إلى المجتمعات التي شهدت حرباً أهلية طويلة الأمد، وهو واقعٌ تدركه سوريا والسوريون اليوم، للأسف، بشكل مباشر. بعد أيام من الاقتتال الطائفي الذي ألقى جنوب البلاد في حالة من الفوضى، يُعيد الكثيرون التشكيك في قدرات ومصالح السلطات المؤقتة الجديدة في دمشق، والمخاوف المحيطة بالسلطات المؤقتة البعيدة كل البعد عن أن تكون واعدة للمستقبل.
لحسن الحظ، هدأ الوضع في محافظة السويداء السورية، بعدما اندلع القتال بين الدروز والبدو العرب السنة الرحل. اتفق الطرفان على وقف إطلاق النار في 20 تموز/يوليو، وأشرفت قوات الأمن الداخلي في دمشق على انسحاب المقاتلين البدو، وضبطت مداخل المحافظة، وأدخلت بعض القوات لتتولى الأمن المحلي إلى جانب الفصائل الدرزية.
يشكل الدروز أكبر مجموعة عرقية في المحافظة، ويشكلون نحو 3% من إجمالي سكان سوريا. ويُعد كل من الدروز والبدو من أبرز المجتمعات في السويداء، ولهما تاريخ من السلام والصراع. وأفادت التقارير بأنّ عدم الاستقرار أدى إلى نزوح ما لا يقل عن 93,000 مدني من كلا المجتمعين وتسبب بأزمة إنسانية.
في الواقع، يُعدّ انتهاء العنف، للأسف، الخبر الإيجابي الوحيد من هذه التطورات. ومع استمرار التحقق من الأرقام الرسمية، يبدو أنّ المئات لقوا حتفهم، بمن فيهم النساء والأطفال والشيوخ. ومن المرجح أن الفصائل الرئيسية من كلا الجانبين ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان، إذ نشر بعض المقاتلين أفعالهم على الإنترنت. لا يمكن لأي طرف أن يدّعي التفوق الأخلاقي.
أضعفت الجهات الفاعلة السيئة والمفسدة جهود وقف القتال والسيطرة على الوضع. وسوريا لا مثيل لها في مجال التضليل الإعلامي. وقد برزت هذه الديناميكية من جديد، مع حملات تأثير سافرة تُروج للطائفية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتدفع المزيد من المقاتلين إلى القتال، وخصوصاً من المكونات القبلية العربية السنيّة في سوريا.
والحقيقة هي أنه مع رحيل الأسد، تُقيّم الكتل السياسية والعسكرية الرئيسية الوضع الميداني لضمان حصول معسكرها على أفضل نتيجة ممكنة. بالنسبة إلى الأقليات السورية، يعني هذا البقاء في ظل أغلبية عربية سنية يشعرون أنهم لا يستطيعون الوثوق بها. تُشكّل التجربة المؤلمة والصادمة هذا الموقف، تماماً كما تُشكّله لدى قادة سوريا الجدد وأغلبية السكان العرب السنة السوريين الذين يدعمونهم. الفرق هو أنّ هذه المجموعة الأخيرة تشعر بالرضا عن انتصارها في الحرب، وتتوقع أن تكون للدولة التي يديرونها الآن سيطرة مركزية على البلاد. في هذا السياق، للأسف، لا ينبغي أن يكون عنف السويداء مفاجئاً.
بعد ما يقارب أربعة عشر عاماً من القتال، من المفهوم أن قادة البلاد وفصائلها المختلفة لا يتحدون فوراً، لكن يجب أن تتغير هذه الديناميكية حتى تتعافى سوريا وتشهد انتقالاً ناجحاً لما بعد الصراع، وهذا يتطلب تنازلات جادة من جميع الأطراف.
في نهاية المطاف، تقع المسؤولية على عاتق قائد سوريا: الرئيس المؤقت أحمد الشرع. ورغم أن مطالبته بسيطرة الحكومة المركزية على البلاد بأكملها أمر مفهوم، بل ومعقول، فإنّ نهجه مهم؛ فبدلة وربطة عنق وبضع كلمات لطيفة لا تكفي لبناء الثقة فوراً مع مختلف المجموعات العرقية والدينية في سوريا. على الشرع أن يُظهر حسن نيته بدلاً من عدم ثقته بهذه المجموعات. لا يمكنه تكرار نموذج إدلب، أي استخدام القوة المفرطة للدفع نحو الاستسلام، على المستوى الوطني.
بدلاً من ذلك، ينبغي للشرع العمل مع الأقليات العرقية الرئيسية في سوريا من خلال السماح لها بالسيطرة على ديناميكيات الأمن المحلي. وينبغي لحكومته كبح جماح الفصائل العربية السنية، وخصوصاً تلك المنخرطة الآن في القوات المسلحة. يتطلب هذا النهج عناية ومهارة، فهناك سبب لعدم قدرة الشرع على الالتزام الكامل بجهود العدالة الانتقالية التي من شأنها توريط هذه الفصائل.
انضم العديد من الفصائل العربية السنية السابقة إلى الجيش السوري الجديد ككتل كاملة. تشمل هذه المجموعات لواء سليمان شاه وفرقة حمزة، الخاضعين لعقوبات أميركية، وهما وحشيان ومتطرفان وخارجان عن السيطرة. في الواقع، تُشكل هذه المجموعات التهديد الأكبر للحكومة المؤقتة، وليس الأقليات. لا يستطيع الشرع اليوم كبح جماح قوتهم أو محاسبتهم على وحشيتهم من دون المخاطرة باندلاع انتفاضة، فهو يفتقر إلى القوة البشرية والشرعية.
لكن المشكلة تكمن في أن الشرع يخشى أيضاً بلقنة سوريا إذا انسحبت فصائل الأقليات العرقية. هذا القلق مبرر تماماً، إذ تسعى دول مثل "إسرائيل" إلى سحق أي جزء من سوريا لمصلحة مخططاتها الإقليمية، لكن عليه أن ينظر إلى هذه المجموعات كحلفاء محتملين يمكنهم مساعدته في موازنة قوة الفصائل العربية السنية. في الواقع، من خلال القيام بذلك، يمكنه في الوقت نفسه إضعاف عناصر النظام السابق والمفسدين الذين يسعون إلى إضعاف العملية الانتقالية في سوريا.
مع ذلك، فإن أي تحول من هذا القبيل سيتطلب قفزة إيمانية تسمح للفصائل الأقلية بالانضمام إلى الجيش ككتل كاملة، تماماً كما هو الحال مع الجماعات العربية السنية. هذه القفزة الإيمانية هي بالضبط الخطوة اللازمة لكسب ثقة الأقليات السورية ومواجهة التهديد الرئيسي لسلطته. ومن هنا، يمكنه إطلاق حملة عدالة انتقالية فعالة تُظهر للسوريين جديته في بناء سوريا جديدة، وليس المزيد من الكابوس نفسه الذي ابتليت به البلاد لعقود.
من دون تدخل كبير، يمكن للدول الإقليمية والدولية مساعدة الشرع على إعادة التوازن للوضع الأمني في سوريا. فلديها مصلحة في ذلك، نظراً إلى الوضع الجيوسياسي المتردي في الشرق الأوسط وأهمية الاستقرار السوري في منطقة أكثر هدوءاً.
يمكن لعلاقات قطر مع الفصائل العربية السنية، التي بُنيت على مدى سنوات من دفع رواتبها وتوفير الأسلحة لها، أن تُسهم في كبح جماح الفصائل التي كان من المستحيل السيطرة عليها. يمكن للولايات المتحدة تقديم حوافز اقتصادية إضافية، بما في ذلك تخفيف العقوبات بشكل أكبر، وشطبها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإلغاء قانون قيصر بالكامل. كما يمكن لواشنطن حثّ فصائل الأقليات الرئيسية، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية تحديداً، على الوصول إلى منتصف الطريق في مفاوضاتها لإعادة شمال شرق سوريا إلى حضن دمشق. ويبدو أنّ المبعوث الأميركي الخاص توماس بارّاك يعمل بالفعل عبر القنوات الدبلوماسية واضعاً هذا الهدف نصب عينيه.
وللتوضيح: على إدارة ترامب ألا تتبنى سياسة مفرطة في التوجيه لبناء الدولة. لقد فشل هذا النهج فشلاً ذريعاً في الماضي، وهو يتناقض تماماً مع رؤيته للعالم. ومع ذلك، إذا كانت واشنطن تعتبر الانتقال السياسي في سوريا جوهرياً لسياستها الإقليمية - وهو ما يبدو عليه الأمر بشكل متزايد - فعليها أن تواصل مواءمة ملف سوريا وتفاعلاتها مع حكومة الشرع مع مصالحها، وهذا يعني دعم السلطة المؤقتة خلال المرحلة الانتقالية بما يُسهم في نجاحها، دعماً للهدف الأساسي والطويل الأمد المتمثل في الانسحاب العسكري.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.