"ذا ناشونال إنترست": قوة تركيا الإقليمية.. هل تتصاعد؟

احتياجات أوروبا الأمنية وفراغ السلطة في الشرق الأوسط يعنيان مساحةً أوسع لأنقرة، وإردوغان يغتنم الفرصة.

0:00
  • "ذا ناشونال إنترست": قوة تركيا الإقليمية.. هل تتصاعد؟

مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركية تنشر مقالاً يتناول تحليلاً شاملاً لاستراتيجية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في تعزيز مكانة تركيا الإقليمية والدولية، مركّزاً على التحولات العسكرية والدبلوماسية التي تقودها أنقرة، في ظل توترات إقليمية متصاعدة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في خطاب ألقاه في وقت سابق من هذا الشهر: "هدفنا تركيا عظيمة وقوية. مهمتنا هي بناء قرن تركيا بكل مجده. بوصلتنا هي قيمنا العريقة التي تُشكل ما نحن عليه".

في الواقع، تحدّى إردوغان قوى أخرى في الشرق الأوسط، إسرائيل وإيران والمملكة العربية السعودية، تطمح إلى الهيمنة الإقليمية.

هذا الأمر قيد الإعداد منذ فترة. برزت معاداة إردوغان للسامية جليةً عندما كان، في شبابه، رئيساً لفرع الشباب في حزب الخلاص الوطني الإسلامي، بقيادة نجم الدين أربكان، أبو الإسلام السياسي في تركيا. كما كتب وأخرج ومثّل في مسرحية بعنوان "ماس-كوم-ياه" (ماسوني-شيوعي-يهودي).

ينبع دعم إردوغان لحركة حماس، التي وصفها بأنها "ليست منظمة إرهابية، بل جماعة تحرير ومجاهدين يقاتلون لحماية أرضهم ومواطنيهم"، من دعوته الرسمية لزعيمها خالد مشعل لزيارة أنقرة عام 2006.

ألقى إردوغان باللوم في احتجاجات حديقة جيزي عام 2013، والتي كانت أول تهديد جدي لنظامه، على "لوبي أسعار الفائدة". حتى أنّ محكمة تركية حكمت على الناشط عثمان كافالا، العضو المؤسس لمؤسسة المجتمع المفتوح في تركيا، التي أنشأها "اليهودي المجري الشهير" جورج سوروس، بالسجن المؤبد لوقوفه وراء الاحتجاجات.

كما يتحدث إردوغان في فيلم وثائقي مدته ساعتان بعنوان "العقل المدبر"، بُث على قناة موالية للحكومة عام 2015، ويزعم أنّ عقلاً مدبراً، أصله إسرائيلي، يخطط للهيمنة العالمية.

ويوضح مقطع فيديو مدته 4 دقائق بعنوان "التفاحة الحمراء"، نشرته مديرية الاتصالات التركية عام 2020، نوايا تركيا بوضوح. يتلو إردوغان فيه الآيات الأولى من سورة الفتح من القرآن الكريم، وينتهي الفيديو بصورة للمسجد الأقصى في القدس، الذي وعد إردوغان بتحريره من "إسرائيل".

في أواخر آذار/مارس 2025، وفي خطاب عيد الفطر الذي ألقاه أمام المصلين في مسجد تشامليجا بإسطنبول، أكبر مسجد في تركيا بناه حزب العدالة والتنمية، قال إردوغان: "اللهم اجعل إسرائيل الصهيونية خراباً ومدمّرة!".

كما كتب بول إيدون، المساهم في الشؤون الدفاعية، بينما كانت "إسرائيل" وإيران منخرطتين في حرب الأيام الاثني عشر، كان إردوغان منشغلاً بمواصلة تعزيز قواته المسلحة بشكل كبير.

تحذّر أصلي أيدينتاسباس، مديرة مشروع تركيا في معهد "بروكينغز"، من أنّ تركيا وإسرائيل معرضتان لخطر الانزلاق نحو المواجهة مع تصعيد حكومة إردوغان لخطابها الإسلامي السني والقومي، بينما تسعى "إسرائيل" إلى فرض هيمنتها العسكرية في لبنان وغزة وسوريا.

لقد تقوّض دور الولايات المتحدة في المنطقة بسبب انسحابها من الاتفاق النووي وضربات حزيران/يونيو على المنشآت النووية الإيرانية. وهناك أيضاً سؤال حول ما إذا كانت مستعدة لسحب دعمها لحلفائها الأكراد في شمال سوريا.

قبل ست سنوات، قال إردوغان في أكاديمية عسكرية في أنقرة: "إذا لم تكن لديكم القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية الكافية، فاعلموا أنّ أحداً لن يأخذكم على محمل الجد". مع هذا الحشد العسكري الحالي، هناك كل الأسباب للقيام بذلك.

هذا العام، صنّف مؤشر "غلوبال فاير باور" تركيا في المرتبة التاسعة بين أفضل عشر قوى عسكرية عالمية. وفي إحاطة عسكرية، اعتبرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" تركيا عنصراً حيوياً في الأمن الأوروبي. ولا تتردد تركيا في استغلال هذه الفرصة، وتضغط من أجل إبرام صفقتين دفاعيتين رئيسيتين: نظام دفاع صاروخي من طراز "سامب/تي" مُنتج بشكل مشترك مع فرنسا وألمانيا، وشراء طائرات "يوروفايتر تايفون".

لتأمين الصفقة الأولى، سعى إردوغان إلى تجاوز اعتراضات الرئيس الفرنسي ماكرون بسبب خلافات تركيا مع اليونان وقبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط.

يبدو أنّ ألمانيا قد تجاوزت اعتراضاتها على صفقة "يوروفايتر". أما المملكة المتحدة، الحريصة على اتفاقية تجارة حرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهي مستعدة لإضافة بُعد استراتيجي. وقد باءت مبادرة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لتشكيل قوة حفظ سلام "ائتلاف الراغبين" في أوكرانيا بالفشل. ومع ذلك، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن اهتمام تركيا بالانضمام إلى الهيكل الأمني الأوروبي.

في آذار/مارس، قدّم الاتحاد الأوروبي خطته "الاستعداد 2030" (المعروفة سابقاً باسم "إعادة تسليح أوروبا")، لزيادة الإنفاق الدفاعي بنحو 650 مليار يورو وتقديم 150 مليار يورو إضافية على شكل قروض (آلية SAFE). وتسمح آلية "SAFE" للدول الثالثة، بما فيها تركيا كدولة مرشحة، بالانضمام إلى المشتريات المشتركة، وهو أمرٌ لتركيا، بصناعتها الدفاعية المزدهرة، مصلحة واضحة فيه.

مع ذلك، هناك شرطان لمشاركة طرف ثالث. أولاً، لا يجوز لأي دولة تهديد مصالح الاتحاد الأوروبي أو أي من دوله الأعضاء. ثانياً، يتطلب هذا الانضمام موافقة بالإجماع.

أعلنت اليونان أنّ على تركيا التخلي عن تهديدها المستمر منذ 30 عاماً بشن حرب على اليونان للحصول على موافقتها. وقد رفض وزير الدفاع التركي ياسر غولر هذا القلق ووصفه بأنه "إقحام منصات متعددة الأطراف في النزاعات الثنائية".

وبغض النظر عن خطط تركيا لشراء 40 طائرة مقاتلة من طراز "F-16" من الولايات المتحدة، ورغم عقوبات قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات، فإنها لا تزال تأمل في إعادة انضمامها إلى برنامج "F-35". وقد أشار السفير الأمريكي لدى تركيا، توم باراك، إلى إمكانية التوصل إلى حل بحلول نهاية العام.

بالإضافة إلى حاملة الطائرات "TCG Anadolu"، التي دخلت الخدمة بالفعل، تعمل تركيا، بالتعاون مع إسبانيا، على بناء حاملة طائرات ثانية. وبالنظر إلى الاستراتيجية البحرية التركية التوسعية، الموضحة في "الوطن الأزرق"، فإن هذا لا يبشر بالخير لليونان أو قبرص.

ولكن أوروبا مستعدة لإعطاء الأولوية للأمن على المبادئ، على الرغم من وجود شكوك مبررة حول الجانب الذي تقف تركيا فيه حقاً.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.