"ذا إنترسبت": صحافي فلسطيني من غزّة يقاضي صحيفة ألمانية.. لماذا؟

رفع الصحافي الفلسطيني أنس زايد فتيحة دعوى قضائية ضد شركة "أكسل شبرينغر"، التي زعمت أنّ صوره تبالغ في تصوير المجاعة في غزة.

  • المصور الصحفي أنس زايد فتيحة
    المصور الصحافي أنس زايد فتيحة

موقع "ذا إنترسبت" الأميركي ينشر تقريراً يتناول قضية رفع المصوّر الصحافي الفلسطيني أنس زايد فتيحة دعوى قضائية ضد مؤسسة "أكسل شبرينغر" الألمانية، المالكة لصحيفة "بيلد"، بتهمة التشهير وتشويه سمعته عبر اتهامه زوراً بفبركة صور عن المجاعة في غزة والترويج لحركة حماس.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

رفع أنس زايد فتيحة، وهو مصور صحافي فلسطيني في قطاع غزة، دعوى قضائية ضد شركة النشر العالمية العملاقة "أكسل شبرينغر"، التي يتهمها بانتهاك حقوقه الدستورية من خلال تصويره زوراً على أنه مروّج لحركة حماس في صحيفة "بيلد"، أكبر صحيفة شعبية في ألمانيا. 

وتُعد الدعوى المرفوعة ضد مؤسسة إخبارية أوروبية استراتيجية قانونية استثنائية بالنسبة إلى صحافي يعمل في فلسطين. وخلال حديثه إلى موقع "ذا إنترسبت"، قال فتيحة: "أريد أن أثبت أن الحقيقة لا يمكن محوها بادعاءات كاذبة". وتأتي هذه الدعوى القانونية التي رفعها فتيحة أمام المحكمة الإقليمية في فرانكفورت (أم ماين) نتيجة مقال نشرته صحيفة "بيلد" في 5 آب/ أغسطس بعنوان "هذا المصور الغزّي يروّج لحماس". 

وخصّت صحيفة "بيلد" فتيحة بالذكر، متهمةً إياه بفبركة صور لفلسطينيين يتضورون جوعاً للترويج لسردية حماس. ولتأكيد هذه التهمة، نشرت الصحيفة صورةً تُظهر فتيحة راكعاً لتصوير سكان غزة وهم يحملون أواني فارغة أمام حاجز معدني. وصوّرت المشهد على أنه محاولة لتضخيم مستويات الجوع في غزة. وفي وقتٍ لاحق من آب/ أغسطس، أعلنت هيئةٌ مدعومةٌ من الأمم المتحدة عن وجود مجاعة في غزة.

ويزعم المقال أنّ فتيحة هو من قام بفبركة الصورة، ووصفه بأنه "صحافي" 3 مرات، ودائماً بين علامتي اقتباس. في المقابل، قال فتيحة لموقع "ذا إنترسبت": "في الواقع، كانت لحظة حقيقية من المعاناة الإنسانية". كان فتيحة موجوداً في موقع توزيع الطعام بصفته صحافياً مستقلاً يعمل لصالح وكالة الأناضول التركية للأنباء، ونشر مجموعة من الصور على الإنترنت من ذلك اليوم. وأشار إلى أنّ تقارير "بيلد" تُعد جزءاً من حملة تشويه تستهدف سمعة الصحافيين الفلسطينيين. وقال: "إنّ اتهامي زوراً بفبركة دعاية يُعرّضني للتهديدات ويُقوّض الحماية المفترضة للصحافيين. وهذا يعني أنه من الممكن أن أصبح هدفاً لمجرد نشر تقارير كاذبة عني".

ويسعى فتيحة إلى الحصول على أمر قضائي، وهو إجراء طارئ يهدف إلى التوصل إلى حل أسرع من الدعاوى القضائية التقليدية. وفي حال موافقة المحكمة، سيُلزم الأمر القضائي شركة " أكسل شبرينغر" بتصحيح البيانات الواردة في مقالها التي يقول إنها كاذبة، وسيُلزم الناشر بتغطية تكاليف الدعوى التي رفعها فتيحة.

لم تُجب شركة " أكسل شبرينغر" عن أسئلة موقع "ذا إنترسيبت". وقد صرح متحدث باسم مجموعة "بيلد" للاتصالات بأن الشركة لم تستلم ملف فتيحة بعد، وبالتالي لا يمكنها التعليق عليه.

قد يشكل الإجراء القانوني الذي اتخذه فتيحة اختباراً لمدى استعداد المحاكم الألمانية لمحاسبة إحدى أقوى وسائل الإعلام في البلاد على التغطية المشينة التي يقول المنتقدون إنها غذت نزع صفة الإنسانية عن الفلسطينيين. وبعد أيام قليلة من استهداف فتيحة في مقال آب/ أغسطس، نشرت صحيفة "بيلد" صورة مراسل الجزيرة أنس الشريف، الذي قُتل جرّاء غارة إسرائيلية قبل ساعات بعنوان: "مقتل إرهابي متنكر بزي صحافي في غزة". ثم عُدِّلت الصياغة لاحقاً إلى: "يُزعم أن الصحافي المقتول كان إرهابياً". وقد تم ذكر هذا المقال أيضاً في الملف: "يبدو أن "أكسل شبرينغر" تروّج لروايةٍ تُصوّر الصحافيين في غزة على أنهم متواطئون مع حماس".

رفض ادعاء فتيحة، الذي رفعته محامية الصحافة الألمانية إنغريد يبواه بدعم من المركز الأوروبي للدعم القانوني (European Legal Support Center) ادعاءات "بيلد" بأن فتيحة قام بفبركة صوره أو التلاعب بها وأنه ينتحل صفة صحافي. وتذكر الدعوى أن تقرير "بيلد" يتضمن "تصريحات مشينة وخطيرة ومهددة للحياة"، ما يشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الشخصية لفتيحة بموجب القانون الدستوري الألماني، الذي يحمي الأفراد من التشهير.

لم تطلب "بيلد" تعليق فتيحة قبل نشر مقالها، وفقاً لدعواه، على الرغم من ادعائها خلاف ذلك فيه. وصرح كريستيان سينفت، مدير الاتصالات في الصحيفة، لموقع "ذا إنترسبت": "من حيث المبدأ، لا نعلق على مصادرنا أو على عملياتنا التحريرية". وبحسب ما تضمنه الملف، يشير المقال إلى أن فتيحة أخفى عمداً الصور التي تظهر الرجال في موقع توزيع الطعام من أجل تشويه الواقع وتعزيز "رواية مفبركة" تخدم حماس.

ولكن قبل نشر مقال "بيلد"، كان فتيحة قد نشر بالفعل عدداً من الصور من اليوم المذكور تظهر رجالاً ونساءً وأطفالاً ينتظرون الطعام، وفق تقرير لمجلة "دير شبيغل" الألمانية. وتذكر الدعوى أن صحيفة "بيلد" حجبت هذه الحقيقة عمداً من أجل الحفاظ على روايتها بأن صحافياً مقيماً في غزة كان يروّج لحماس.

بالإضافة إلى ذلك، حاولت صحيفة "بيلد" ربط فتيحة بحماس، وفق ادعائه، من خلال الاستشهاد بصورة نشرها على موقع "إنستغرام" كُتب عليها "فلسطين حرة"، ووصفها بأنها بـ"مهمة" فتيحة، ومن خلال تصوير عمله المستقل لصالح لوكالة الأناضول على أنه "تابع للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كاره إسرائيل". وتقول الدعوى إنّ كلا المثالين تم تقديمهما بشكل خاطئ كدليل على التطرف السياسي الذي يهدف إلى نزع الصفة الشرعية عن فتيحة.

قبل نشر مقال صحيفة "بيلد"، نشرت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" (SZ) الليبرالية مقالاً بعنوان "ما مدى واقعية الصور القادمة من غزة؟". وأشارت "بيلد" إلى المقال الذي شكك في صحة الصور التي التقطها الصحافيون في غزة. وقد استشارت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" خبراء ونشرت الصورة نفسها التي يظهر فيها فتيحة وهو يصور المدنيين خلف حاجز معدني.

وعلى الرغم من أنّ صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" لم تذكر فتيحة بالاسم، إلا أنّ المقال، إلى جانب مقال صحيفة "بيلد" سرعان ما تم تضخيمه على وسائل التواصل الاجتماعي من قِبل وزارة الخارجية الإسرائيلية. وأشارت الوزارة إلى التغطية الإعلامية الألمانية باعتبارها دليلاً على أنّ حماس تتلاعب بالرأي العام العالمي، ووصفت فتيحة بأنه "كاره لإسرائيل واليهود" ويخدم حماس.

وانضمت مؤسسة غزة الإنسانية، المدعومة من الولايات المتحدة و"إسرائيل"، سريعاً إلى هذه الحملة، تلتها وسائل إعلام إسرائيلية كبرى مثل "تايمز أوف إسرائيل" و"واي نت" (Ynet) و"جيروزاليم بوست". وكرر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ هذه الرواية المُلفقة، رافعاً صورة فتيحة في مؤتمر بإستونيا، ومستشهداً بتقارير صحفية ألمانية، ومصرحاً: "كان الأمر كله تمثيلية".

وأشار كريستوفر ريش، المتحدث باسم منظمة "مراسلون بلا حدود" في ألمانيا، إلى أن وسائل الإعلام الألمانية تبدو حريصة على تضخيم حملة "إسرائيل" لنزع الشرعية عن صحافي فلسطيني. وفي هذا السياق، قال: "يجب على غرف الأخبار دائماً، ولا سيّما في ما يتعلق بتغطية الحروب، تطبيق أعلى المعايير المهنية والأخلاقية، وعدم الاستهتار في التغطية. وإذا كان من الممكن استخدام التقارير الإعلامية لتبرير القرارات الإجرامية التي يتخذها الجيش الإسرائيلي، يمكننا أن نفترض أنه سيتم استخدامها".

وجاء الإجراء القانوني الذي اتخذه فتيحة في أعقاب طلب للحصول على أمر منع وحجب تقدمت به المحامية يبواه في 1 ايلول/سبتمبر مطالباً صحيفة "بيلد" بسحب البيانات المتنازع عليها وتغطية التكاليف القانونية لفتيحة، مع الاحتفاظ بالحق في طلب المزيد من التعويضات. وفي 4 أيلول/ سبتمبر، رفض محامي "أكسل شبرينغر"، فيليكس سيدل، هذا الطلب في رسالة رسمية بحجة أنه "بعد مراجعة الحقائق والوضع القانوني، نود إبلاغكم بأننا لا نعتزم الامتثال لمطالب موكلكم".

ووفقاً لما تضمنه الملف، انتهك مقال صحيفة "بيلد" معايير متعددة لقانون الصحافة الألماني. وتذكر الدعوى أن التقرير تضمن ادعاءات كاذبة، منها أن فتيحة لم ينشر الصور المعنية، وأنه كان ينتحل صفة صحافي فحسب. كما تشير إلى أنه بموجب القانون الألماني، لا يُسمح بالإبلاغ عن الشك إلا إذا كان مدعوماً ببحث دقيق، وأساس واقعي بسيط، وإشارة واضحة إلى عدم ثبوت الادعاءات. وتشير أيضاً إلى ضرورة منح الشخص المعني فرصة التعليق قبل النشر، وهي جميعها متطلبات تجاهلتها صحيفة "بيلد"، وفقاً للملف.

يواصل فتيحة عمله في غزة على الرغم من القصف الإسرائيلي العنيف والاجتياح البري الوشيك لمدينة غزة. ويقول: "أؤمن بأن دوري كصحافي يتمثل بأن أشهد على ما يحدث، وأن أنقل الحقيقة إلى العالم مهما كلّف الأمر".

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.