"الميادين إنغلش": حرب أكتوبر.. الكثير تغير لكن لا يزال هناك الكثير
بعد 50 عاماً من حرب أكتوبر، أصبحت الولايات المتحدة ضعيفة داخلياً وكقوة إقليمية، في حين أصبحت الصين وسيطاً وقوة اقتصادية وضامنة تقف وراء الاتفاقيات الإقليمية.
مقال للدبلوماسي البريطاني السابق، ومؤسِّس ومدير منتدى النزاعات، أليستر كروك على موقع "الميادين إنغلش"، يتحدث فيه عن التحولات الاستراتيجية بعد مرور 50 عاماً على حرب أكتوبر، أهمها صعود الصين مقابل تراجع هيمنة الولايات المتحدة الأميركية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
انتهت حرب العام 1973 التي تم فيها التنسيق بين القوات المصرية والسورية بهدف شن هجوم مفاجئ على "إسرائيل"، التي خُدعت من قبل مصدر مصري رفيع المستوى خلال الفترة التي سبقت الحرب.
البعض اعتبر أنّ "إسرائيل"، سجّلت في حرب أكتوبر نصراً، لكن بتكلفة كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، إذ جعلتها أقرب إلى المواجهة النووية مع الاتحاد السوفياتي مقارنة بأي وقت مضى منذ أزمة الصواريخ الكوبية.
لقد شنّت الحرب في الأساس لإجبار "إسرائيل" على إعادة الأراضي التي استولت عليها في الحرب العربية الإسرائيلية السابقة عام 1967، بما في ذلك سيناء والجولان، وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 242. ورفضت "إسرائيل" هذه الشروط - ومآلات الصراع التي يستمر وقعها حتى اليوم.
وفي نهاية المطاف، توصلت مصر إلى السلام مع "إسرائيل"، ولكن سوريا ولبنان لم تفعلا ذلك، وتظل سوريا بمثابة الخط الأمامي للحرب.
بالعودة إلى الوراء، نلاحظ تحولات حصلت بعد ذلك الحين، حيث أنّ إيران حلّت مكان مصر، وروسيا عادت إلى الساحة، وسوريا تخضع لحرب قاسية مستمرة منذ 12 عاماً دمّرت اقتصادها، من أجل كسر رفضها التنازل عن الجولان الذي لا يزال محتلاً من قبل "إسرائيل".
هناك تحولان استراتجيان بارزان، يتمثلان بضعف الولايات المتحدة، كقوة في حد ذاتها، أو باعتبارها قوة إقليمية، وظهور الصين كوسيط وقوة اقتصادية وضامن يقف وراء الاتفاقيات الإقليمية.
أيضاً، لقد غيرت المصالحة الصينية بين المملكة العربية السعودية وإيران المشهد الاستراتيجي، وتبع ذلك أشياء كثيرة، إذ حققت محادثات السلام في اليمن تقدماً، وتم الاحتفاء بالرئيس بشار الأسد في جامعة الدول العربية بعد غياب طويل.
من الواضح أنّ مبادرة الصين الأخيرة نحو سوريا تعادل استراتيجياً الاتفاق الإيراني السعودي. كما أنّ الاستقبال المبهر والملكي الذي حظي به الرئيس السوري بشار الأسد في الصين، وإحياء الحياة الاقتصادية من جديد، أنهى العزلة السورية بشكل قاطع. لكن تم التلميح إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير: إعادة الإعمار، ومبادرة الطريق والحزام، واستعادة الحكم الذاتي الكامل في نهاية المطاف على الأراضي السورية الحالية بالتعاون مع موسكو وطهران.
وقال الخبير الاستراتيجي العسكري الإسرائيلي، إيهود يعاري، إنّ "إسرائيل خرجت من الحرب التي دامت 12 عاماً في سوريا باعتبارها الخاسر الأكبر"، وإنّ "بقاء الأسد، المتحالف بشكل وثيق مع إيران، لا يعد أقل من فشل استراتيجي إسرائيلي".
وذكر يعاري أنّ "الإحجام عن ممارسة السياسة في دولة عربية مجاورة كان بمثابة الدرس المستفاد من الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، والذي كان يهدف إلى تنصيب مسيحي صديق له رئيساً، بشير الجميل. وقد انتهى هذا الأمر بالفشل الذريع. ومنذ ذلك الحين دفعت متلازمة لبنان الزعماء الإسرائيليين عبر الطيف السياسي، إلى تجنب تقديم الإغراءات من أجل رسم الوضع في الجانب الآخر من الحدود".
ومع ذلك، "كانت الولايات المتحدة أكثر اهتماماً بمنع تحقيق نصر واضح للأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، من خلال سياسة تهدف إلى تجميد الوضع في الأراضي التي يسيطر عليها الأسد"، بحسب يعاري.
ورأى الخبير الإسرائيلي أنّ "الخلاصة واضحة: ما دام الأسد في السلطة، فإن التعزيز العسكري الإيراني سوف يتوسع تدريجياً، ويكتسب بمرور الوقت المزيد من الإمكانات، وأنّ الآمال بأن يقدّم الغرب أو الدول العربية للأسد حوافز جذابة للانفصال عن احتضان إيران هي مجرد أمنيات. يعود التحالف الوثيق بين سوريا وإيران إلى السبعينيات، والآن أصبحت طهران سمة دائمة لدمشق بعد الحرب".
بعد حرب أكتوبر عام 1973، وبروز الصين، لم تعد الحرب "حرباً تقليدية"، بل باتت تعتمد على الاستنزاف، كما هي رؤية قاسم سليماني بشأنها، إذ لا حاجة لبناء هيمنة جوية تقليدية، بل نشر سرب من الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز الذكية لتطويق "إسرائيل".
آمن سليماني بأنّ رؤيته هذه، ستوفر ردعاً أفضل من الوسائل التقليدية، وستسمح بمواصلة الاستنزاف البطيء. وقد ترك هذا "إسرائيل" أمام معضلة شبه مستحيلة: إما المخاطرة بحرب متعددة الجبهات، أو الاكتفاء بهجمات جوية دقيقة على سوريا، تحت أعين موسكو.
ماذا عن الآفاق؟ "إسرائيل" مشغولة حالياً بصراع داخلي وجودي حول مستقبلها، ومصير الفلسطينيين في الضفة الغربية. تتراجع الدول الغربية عن التدخل في هذه الحرب الضروس، إذ إن إدخال الأصابع في هذا الصراع الميتافيزيقي المعقد ليس له جاذبية كبيرة بالنسبة لهم.
وفي الوقت نفسه، يخرج الهواء من بالون واشنطن الأبيض الكبير، الذي يسمى بـ "اتفاقيات إبراهام". وما أهمية هذا التحالف في ظل انشغال الصين بمعالجة انقسامات المنطقة؟ لقد تحولت التحالفات المناهضة لإيران إلى مجرد أمنيات.
ومع ذلك، لا يزال يُنظر إلى التطبيع بين المملكة العربية السعودية و"إسرائيل" على أن من شأنه أن يغير شكل المنطقة. هل سيفعل ذلك حقاً؟ هل سيتغير الكثير؟ ربما لا. لا أحد يعتقد أن الولايات المتحدة ستنشر قوات حربية على أرض المملكة.
لكن ما لن يتغير هو الوضع في القدس المحتلة والفلسطينيين. إذا قام ما يسمى بـ "أمناء جبل الهيكل" المتطرفين في حكومة نتنياهو بإشعال الفتيل المؤدي إلى سيطرة "إسرائيل" على الأقصى، فإنّ كل "التطبيع" الذي تقوم به واشنطن سيكون بمثابة "لا شيء". وبينما أصبحت المسيحية ضعيفة، فإن الإسلام لم يصبح كذلك.
نقلتها إلى العربية: بتول دياب.