"المونيتور": ما هي خطة تركيا الكبرى في سوريا؟

مع تخفيف العقوبات على سوريا، تأمل تركيا في تحويل مشاركتها الاقتصادية إلى نفوذ إقليمي وتشجيع عودة اللاجئين.

  • دمار في مدينة حلب
    دمار في مدينة حلب

موقع "المونيتور" الأميركي ينشر تقريراً يتناول دور تركيا في إعادة إعمار سوريا في ضوء تخفيف العقوبات الغربية، مع إبراز الأبعاد الاقتصادية والسياسية والإنسانية المرتبطة بذلك. 

ويظهر التقرير كيف تحاول تركيا تحويل التحدّيات الإقليمية إلى فرص استراتيجية، من خلال تأدية دور مركزي في إعادة إعمار سوريا. إلّا أنّ النجاح يعتمد على توافر التمويل الخارجي، وعلى تحوّلات السياسة الدولية تجاه دمشق.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية: 

مع بدء القوى الغربية في رفع العقوبات عن سوريا، تُرسّخ تركيا مكانتها كلاعب رئيسي في إعادة إعمار البلاد، مُراهنةً على أنّ الانتعاش الاقتصادي في جوارها سيُخفّف الضغوط المحلية ويُعزّز نفوذها الإقليمي.

مع سنوات من الخبرة في إدارة إعادة الإعمار في المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها العسكرية، تسعى أنقرة الآن إلى تكثيف جهودها في جميع أنحاء البلاد. يُجهّز المسؤولون وقادة الأعمال الأتراك خططاً لتوجيه الاستثمار والتجارة إلى القطاعات التي مزّقتها الحرب مثل الطاقة والمياه والإسكان والبنية التحتية. لكن تركيا تفتقر إلى القوة المالية اللازمة للمضي قدماً بمفردها، مما يجعل الشراكات الدولية، ولا سيما مع دول الخليج وربما أوروبا، أمراً بالغ الأهمية لطموحات أنقرة.

عقب إعلان الرئيس دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا واجتماعه مع الشرع في المملكة العربية السعودية في 14 أيار/مايو، أعلن توم باراك، الذي يحمل القبعتين المزدوجتين كسفير للولايات المتحدة لدى تركيا ومبعوث خاص لسوريا، يوم الخميس عن صفقة طاقة بقيمة 7 مليارات دولار في دمشق تضمّ الولايات المتحدة وتركيا وقطر.

مخطط إعادة الإعمار

وفقاً لخبراء تحدّثوا إلى "المونيتور"، فإن القطاعات ذات الأولوية في إعادة إعمار سوريا هي المياه والطاقة، وإنتاج وتوزيع الكهرباء، واستخراج الهيدروكربونات، إلى جانب الزراعة والإسكان والنقل والاتصالات والتعليم والرعاية الصحية.

اكتسبت تركيا خبرة واسعة في إعادة إعمار سوريا بفضل الأراضي الشاسعة التي سيطرت عليها في شمال وشمال غرب البلاد عقب العمليات العسكرية التركية في أعوام 2016 و2018 و2019.

وأشار تقرير صدر في آذار/مارس عن جهود إعادة الإعمار التركية في شمال غرب سوريا من عام 2016 إلى عام 2024 إلى أنّ هذه القطاعات مُنحت الأولوية من أجل "جعل تلك المناطق مكتفية ذاتياً والقضاء على المشكلات الأمنية". نُشر التقرير من قِبل مؤسسة "سيتا" البحثية ومقرها أنقرة، ومركز "حرمون" للدراسات المعاصرة ومقره إسطنبول، والذي يركّز على الشؤون السورية.

وقال مراد أصلان، المؤلف الرئيسي لتقرير "سيتا"، للمونيتور: "لقد نجحت إعادة إعمار شمال غرب سوريا بفضل القيادة التركية وصمود الشعب السوري".

أضاف أصلان، الباحث الأول في مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية (SETA) والأستاذ المشارك في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة حسن كاليونجو في ولاية غازي عنتاب جنوب شرق تركيا، أنه "لتعميم نجاحات شمال غرب سوريا على بقية أنحاء البلاد، لا بدّ من ريادة الأعمال السورية والدعم العام والاستثمار الخاص من الخارج".

ويقدّر التقرير التكلفة المحتملة لإعادة إعمار سوريا بـ 530 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم بالنسبة للبلد الذي مزّقته الحرب. وقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي لسوريا من 67.5 مليار دولار عام 2011 إلى أقل من 30 مليار دولار عام 2024، وفقاً لوكالة الأناضول التركية الحكومية.

غازي عنتاب.. نقطة انطلاق

من المتوقّع أن تؤدّي ولاية غازي عنتاب الحدودية الجنوبية دوراً رائداً في جهود تركيا لإعادة إعمار سوريا. قبل اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، كانت غازي عنتاب مسؤولة عن 60% من الصادرات التركية إلى سوريا، والتي ارتفعت من 266 مليون دولار عام 2000 إلى 1084 مليار دولار عام 2010، وفقاً للوكالات الحكومية التركية. ويعود الفضل في هذا الازدهار التجاري بشكل كبير إلى اتفاقية التجارة الحرة عام 2004 بين البلدين ورفع قيود التأشيرات عام 2007 كما أصبحت غازي عنتاب بوابةً لكثير من تجارة سوريا مع العالم.

صرّح حسن باران أوجانر، الأمين العام لغرفة تجارة غازي عنتاب، لموقع المونيتور: "لا تؤدّي غازي عنتاب دوراً رائداً في تجارة تركيا مع سوريا فحسب، بل إنها أيضاً مستثمر رئيسي في السوق السورية". وأضاف: "بالإضافة إلى ذلك، قبل اندلاع الأزمة، كانت سوريا طريقاً لوجستياً رئيسياً للتجارة البرية التركية مع الشرق الأوسط". أشار أوجانر إلى أنّ التجارة استمرت حتى خلال الحرب الأهلية، وأنّ غازي عنتاب كانت بمثابة طريق تجاري مهم لسوريا، ووفّرت سلعاً أساسية مثل السلع الاستهلاكية لوكالات الأمم المتحدة المشاركة في الجهود الإنسانية في البلاد.

وأضاف أوجانر أنّ الأمور تبدو في طريقها إلى الأفضل. فقد ارتفعت صادرات غازي عنتاب إلى سوريا، التي بلغت 151 مليون دولار أميركي خلال الفترة من كانون الثاني/يناير إلى نيسان/أبريل عام 2024، بنسبة 23% لتصل إلى 187 مليون دولار أميركي، معظمها في مواد البناء والحديد والصلب والمواد الغذائية والملابس، وفقاً لغرفة تجارة غازي عنتاب.

وأضاف أوجانر أنه مع استمرار أعضاء مجتمع الأعمال في غازي عنتاب في زيارة سوريا، فإنهم يرون أن بعض القطاعات - الاستثمارات في السلع الأساسية والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية - تتمتع بإمكانات نمو.

ونظراً لأنّ غازي عنتاب موطن لنصف مليون سوري، فمن المتوقّع أن تتصدّر التجارة مع سوريا. أشار أوجانر إلى أنّ من بين أعضاء غرفته البالغ عددهم 40 ألف عضو، هناك 4 آلاف منهم سوريون (نحو 10%). سيؤدّي روّاد الأعمال هؤلاء دوراً حاسماً في توسيع العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين والتنمية المستقبلية لسوريا.

وأكد أوجانر أنّ منظمته ستواصل تنسيق جهودها مع اتحاد الغرف والبورصات السلعية التركي (TOBB)، أكبر اتحاد للقطاع الخاص في البلاد، وكذلك مع الوزارات الحكومية. ولتسريع نمو التجارة التركية السورية، أشار أيضاً إلى ضرورة مراجعة وتحديث اتفاقية التجارة الحرة لعام 2004 وإعادة فتح القنصلية العامة السورية في غازي عنتاب.

سيُضفي ذلك بُعداً جديداً على فكرة عودة السوريين المقيمين في تركيا إلى ديارهم، مما سيوفّر للاقتصاد السوري مستثمرين وعمالاً ومستهلكين، مع تخفيف الضغط على سوق العمل التركي. وكثيراً ما قبل السوريون غير المسجّلين في تركيا وظائف بأجور أقلّ من الحد الأدنى للأجور، مما أدى إلى توترات بين المجموعتين. أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، يوم الأربعاء، أنّ نحو مليون سوري في تركيا عادوا إلى ديارهم منذ العملية العسكرية التركية الأولى في سوريا عام 2016. ولا تزال تركيا تستضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ موثّق فرّوا من الحرب الأهلية، بينما لا يزال عدد السوريين غير الموثّقين مجهولاً. وقد كلّفت استضافة هؤلاء أنقرة عشرات المليارات من الدولارات، وفقاً لمسؤولين أتراك.

القيود

للمساعدة في إعادة إعمار سوريا البالغة تكلفتها 530 مليار دولار، ستحتاج تركيا إلى أصدقاء، لأنها ليست دولة غنية برأس المال، فضعف الليرة وانخفاض معدلات الادخار لا يُساعدان.

وبالمثل، لا تستطيع سوريا سداد هذه الفاتورة (على الأقل في البداية). فعلى عكس العراق المجاور، الذي أنعش قطاعه النفطي العملاق بسرعة بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وحافظ عليه خلال هجوم "داعش" في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، فإنّ سوريا ليست غنية بالهيدروكربونات.

على أيّ حال، فإنّ العديد من حقول النفط والغاز السورية إما في حالة من الفوضى بسبب الحرب الأهلية أو تحت سيطرة الكرد في شمال شرق البلاد.

ولا تزال دول الخليج العربية، وخاصة قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الجهات الفاعلة الرئيسية في إعادة إعمار سوريا.

كما ترى سيمون ثولنز، أستاذة العلاقات الدولية ذات التعيينات المشتركة في معهد الجامعة الأوروبية وجامعة جون كابوت في إيطاليا، الدول الأوروبية شركاء محتملين بالإضافة إلى دول الخليج، مع بعض المحاذير. قالت ثولنز، التي تُركّز أبحاثها الحالية على إعادة إعمار سوريا، لموقع المونيتور: "أظن أنّ الشركات الأوروبية ستشارك بالفعل، على الأقل في قطاع النقل والبنية التحتية، وربما الطاقة".

وأشارت ثولنز أيضاً إلى أنّ المجلس الأوروبي "يتحرّك بنشاط كبير نحو تخفيف العقوبات".

لكنها حذّرت من أنّ نهج الشركات الأوروبية تجاه سوريا سيعتمد على ما إذا كانت عقوبات الاتحاد الأوروبي ستُرفع تدريجياً ومؤقتاً أم سريعاً ودائماً. وأضافت: "إذا رفع الاتحاد الأوروبي جميع العقوبات من دون بند مؤقت، فقد نتوقّع عودة الشركات، وعقد تحالفات اقتصادية جديدة".

وأضافت: "أعتقد أن أوروبا ستحتاج إلى المشاركة بشكل أكثر فاعلية في تشكيل الدولة والمجتمع السوري بعد الحرب، وهو أمر لم تسمح به صكوك التفاهم". "لكن أوروبا أيضاً منغلقة على نفسها في الوقت الحالي، لذا فإن هذه القفزة في الثقة لم تتحقّق بعد".

نقلته إلى العربية: بتول دياب.