"الغارديان": تقرب لندن من ترامب في اليمن لن ينتهي بخير

بدلاً من استخدام حكومة ستارمر نفوذها المحدود لكبح جماح نتنياهو، تزيد دعمها العسكري لترامب، وتتورّط أكثر فأكثر في صراع مثير للجدل.

0:00
  • يمنيون يشيّعيون أحبائهم الذين قتلوا من جراء قصف أميركي وبريطاني
    يمنيون يشيّعيون أحباءهم الذين قتلوا من جرّاء قصف أميركي وبريطاني

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقال رأي تناول تصاعد انخراط المملكة المتحدة في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضدّ الحوثيين في اليمن، بالتوازي مع دعمها العسكري المستمر لـ"إسرائيل" في حرب غزة، وما يترتّب على ذلك من تبعات سياسية محلية ودولية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

كان هجوم سلاح الجو الملكي البريطاني هذا الأسبوع على الحوثيين في اليمن أول هجوم تُوافق عليه حكومة حزب العمال. وانضمّ الهجوم إلى عملية عسكرية أميركية كبرى بدأت في آذار/مارس، واستمرت 45 يوماً من الغارات الجوية.

تُعدّ عملية "راف رايدر" دليلاً واضحاً من إدارة ترامب على عزمها شنّ حرب شرسة أشدّ وطأة مما كانت عليه في عهد جو بايدن، وقد شهدت، وفقاً للولايات المتحدة، قصف أكثر من 1000 هدف.

وتشير التقارير إلى أنّ عملية سلاح الجو الملكي البريطاني استهدفت مصنعاً لتصنيع طائرات من دون طيار مسلحة تستخدم في هجمات الحوثيين على السفن العابرة للبحر الأحمر، وأظهرت أنّ كير ستارمر قرّر أن يكون أقرب حليف عسكري لدونالد ترامب.

منذ بدء الحرب الحالية في غزة بفترة وجيزة، دأب الحوثيون على مهاجمة السفن التجارية المرتبطة بـ "إسرائيل"، بدافع معلن هو دعم الفلسطينيين. كان الردّ الأميركي الرئيسي هو الغارات الجوية، التي بدأت في عهد بايدن في كانون الثاني/يناير 2024، وشمل خمس سلاسل من الغارات الجوية شنّها سلاح الجو الملكي البريطاني في وقت مبكر من ذلك العام، وجميعها بموافقة حكومة ريشي سوناك المحافظة.

ما يحدث الآن بوتيرة أسرع، لكنه لم يجذب اهتماماً إعلامياً يُذكر. قد يتغيّر هذا الوضع الآن، إذ تُثير التقارير عن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين قلقاً بالغاً.

وتشمل هذه الهجمات هجوماً أميركياً في وقت سابق من هذا الأسبوع، عندما قُتل ما يقرب من 70 مهاجراً أفريقياً عندما تمّ قصف مركز احتجاز، وفقاً للحوثيين.

منذ بدء هذه الحرب مع الحوثيين، ضُربت آلاف الأهداف، أغلبها من قِبل وحدات القوات الجوية والبحرية الأميركية. لكن مشاركة المملكة المتحدة لم تكن رمزية فحسب. قبل ستة أسابيع، على سبيل المثال، دعمت طائرة وقود بريطانية، انطلاقاً من قاعدة أكروتيري الجوية الملكية في قبرص، طائرات القوات الجوية الأميركية خلال غارات جوية أسفرت عن مقتل 53 شخصاً، بينهم نساء وأطفال.

قد تكون قاعدة أكروتيري مرتبطة بشكل خاص بالحرب الأميركية ضد الحوثيين، لكن أهميتها في حرب غزة الأوسع تتجاوز ذلك بكثير، فهي بمثابة مركز للجيشين الأميركي والبريطاني حيث يدعمان "إسرائيل" بطرق متنوّعة.

على سبيل المثال، أجرت طائرات الاستطلاع التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني أكثر من 500 طلعة جوية فوق غزة منذ بدء الحرب. ورغم أنّ مهمتها الرسمية هي البحث عن الرهائن، إلا أنها تزداد كثافةً عندما يخوض "الجيش" الإسرائيلي هجماتٍ كبرى، وفي إحدى المرات، هبطت طائرة تجسس تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني على الأرجح في قاعدة داخل "إسرائيل" نفسها.

على صعيدٍ منفصل، استخدمت الطائرات العسكرية الأميركية أكروتيري لأغراضٍ متعددة، مع تردّد السلطات البريطانية الشديد في تقديم معلومات، حتى لأعضاء البرلمان. وتشير مؤشرات غير رسمية إلى أنّ التحرّكات المحتملة للقوات الخاصة الأميركية إلى "إسرائيل"، بالإضافة إلى وسائل النقل العسكرية التي تحمل أسلحة، تمرّ عبر أكروتيري.

تربط سلاح الجو الملكي البريطاني و"الجيش" الإسرائيلي علاقة طويلة ووثيقة، يتبادل فيها كبار المسؤولين زيارات متكرّرة. إضافةً إلى ذلك، وخلال حرب غزة الحالية، هبطت طائرات نقل عسكرية إسرائيلية في قاعدة العمليات الرئيسية لسلاح الجو الملكي البريطاني في برايز نورتون بأكسفوردشاير.

بالنظر إلى هذه الأمثلة وغيرها من الأمثلة على الروابط الوثيقة بين الجيشين البريطاني والإسرائيلي، تترتّب عليها عواقب سياسية جسيمة. أولها يتعلّق بتطوّر الحرب نفسها، حيث تعرّضت "إسرائيل" لانتقادات أشدّ بكثير بسبب عنف سلوكها كلما طال أمد الحرب.

على الرغم من ذلك، فإنها تحظى بدعم ترامب المستمر، مما يسمح لحكومة بنيامين نتنياهو بالتصرّف من دون عقاب. وقد أثار سلوكها بالفعل اهتماماً غير مرغوب فيه من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. كما أصبحت "إسرائيل" دولة منبوذة في معظم أنحاء العالم، بما في ذلك دول كانت تحظى بدعم كبير سابقاً.

منذ أن انتهكت "إسرائيل" وقف إطلاق النار الأخير، زاد فرضها حصاراً على القطاع من حدة الانتقادات اللاذعة، من خلال منعها دخول الغذاء والإمدادات الطبية والوقود والمياه. بل وحتى في حال انتهاء الحرب مبكراً، وهو أمر مستبعد جداً، سيستمر الضرر لسنوات عديدة، إن لم يكن لعقود.

وهنا يأتي العنصر السياسي الثاني، ولا سيما في بريطانيا مع حكومة ستارمر. فبين شريحة كبيرة من الجمهور، وخاصةً في أوساط اليسار السياسي الواسع، أصبح دعم الفلسطينيين راسخاً في الخطاب السياسي.

يتجلّى ذلك في التظاهرات والاجتماعات العديدة في المدن والبلدات، وكثير منها أسبوعي، لكن نادراً ما يُنشر عنها في وسائل الإعلام الرئيسية. يُضاف إلى ذلك حالات اتخاذ إجراءات مباشرة ضد شركات بريطانية تُزوّد "إسرائيل" بالمعدّات العسكرية.

يعود التراجع السريع لحزب العمال في استطلاعات الرأي خلال الأشهر الأخيرة إلى عوامل عديدة، إلا أنّ استمرار دعم حكومة ستارمر لـ "إسرائيل"، رغم ممارساتها في غزة، يؤثّر بشكل مباشر على مؤيّديها المخلصين الذين تعتمد عليهم. وقد ترك العديد من الأعضاء الحزب منذ الانتخابات العامّة في تموز/يوليو الماضي، وكانت غزة القشّة التي قصمت ظهر البعير.

تأتي غارة سلاح الجو الملكي البريطاني هذا الأسبوع في اليمن في إطار حرب ترامب الإقليمية الموسّعة، وفي الوقت الذي تستخدم فيه حكومة نتنياهو، بدعم أميركي، أساليب وحشية متزايدة للسيطرة على غزة. في هذه الأثناء، ربما تستغلّ حكومة ستارمر نفوذها المحدود لكبح جماح نتنياهو. لكنها بدلاً من ذلك، تزيد دعمها العسكري لترامب وتتورّط أكثر فأكثر في صراع مثير للجدل.

نقله إلى العربية: الميادين نت.