"الغارديان": بمهاجمة إيران.. "إسرائيل" تسعى لاستعادة سمعتها المدمّرة
لقد فقد نتنياهو مصداقيته، ويحاول استعادة الدعم من حلفائه من خلال العمل على تقليص نفوذ إيران.
-
"الغارديان": بمهاجمة إيران.. نتنياهو يسعى لاستعادة سمعة "إسرائيل" المدمّرة
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقال رأي يرى فيه الكاتب أنّ "إسرائيل" تستخدم الحرب وتوسيع جبهات الصراع كأداة داخلية لتعزيز أجندتها السياسية، بينما تتآكل مصداقيتها وتدفع المنطقة نحو مزيد من اللااستقرار.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
هناك طريقتان للنظر إلى الأحداث في الشرق الأوسط خلال العام ونصف العام الماضيين. الأولى هي أنّ نهج الاستجابة لحدث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 كانت انفصالاً عن الماضي، حيث أثار هجوم حركة "حماس" ردّا إسرائيلياً انتقامياً يستحيل أن يتناسب مع حدود القوانين الدولية في الإبادة الجماعية في غزّة، وغزو جنوب لبنان، واحتلال المنطقة العازلة في جنوب غرب سوريا والغارات الجوّية في جميع أنحاء ذلك البلد، والآن الهجوم ضدّ إيران.
ثمّ هناك تفسير لهذه الأحداث على أنّها سلسلة تاريخية متّصلة، وما السلام الإقليمي سوى نتيجة للوضع الراهن المتقلّب الذي كان دائماً عرضة للاضطراب. ولم يبد هذا السلام قابلاً للاستمرار إلّا لأنّه اعتمد على عوامل متنوّعة، تضافرت لتبدو وكأنّها تسوية. وقد زعزع هذا التوازن الدقيق الحكومة الإسرائيلية المنهمكة الآن في تحقيق أجندتها الخاصة، معيدة صياغة مستقبل المنطقة بمفردها بطرق لا تستطيع تفسيرها.
لقد كان وجود دول الخليج كوسطاء أحد عوامل هذا السلام الهشّ، ولم يكن تقاربه مع إيران مدفوعاً بالتجارة أو بالتعاطف، بل بالحاجة العملية للاستقرار. كما تجاوزت بعض دول الخليج الخط الأحمر التاريخي باعترافها بـ "إسرائيل" بتوقيع "اتفاقيات أبراهام". والآن، تجد هذه الدول نفسها عالقة بين طرفين متصارعين، ومعرّضة لخطر عزلة الحليف الرئيسي لـ "إسرائيل" الولايات المتحدة، التي تربطها بها علاقات عسكرية واقتصادية وثيقة.
كما اعتمد الوضع الراهن على قمع الحقوق الفلسطينية إلى درجة "مرضية للجميع"، باستثناء الفلسطينيين بالطبع. وإلى حدّ ما، تمّ أَيضا تحييد القضية الفلسطينية. وعندما بدأ الهجوم على غزّة كشفت "إسرائيل" عن أهدافها ونواياها أمام العالم، مثيرة شبح نكبة جديدة. كما أنّها جعلت إيران وحلفاءها مثل "حزب الله" و"الحوثيين" أن يضطلعوا بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية. وبمجرّد دخول إيران الإطار، شعرت "إسرائيل" بأنّها قادرة على التصرّف باستمرار بلا لوم أو عودة.
لقد انكسر شيء آخر، وامتدّ تبرير تصرّفات "إسرائيل" إلى ما هو أبعد من المعقول، بحجّة سلامة الشعب اليهودي كتبرير للدعم الجامح، ولأهمّية "إسرائيل" كشريك وثيق في منطقة استراتيجية، توفّر لها الولايات المتحدة وحلفاء آخرون تفويضاً مطلقاً في المنطقة للدفاع عن نفسها. لكنّ هذا يتطلّب أن يكون ردّ "إسرائيل" على أيّ تهديدات بطريقة متناسبة، حتّى لا تخلق المزيد من عدم الاستقرار. وفي النهاية لم تردّ "إسرائيل" على التهديدات بشكل غير لائق فحسب، بل صعدتها لدرجة أنّها أصبحت عاملاً رئيسياً في انعدام الأمن لها أوّلاً، ولبقية دول المنطقة ثانياً.
يوفّر الغطاء العسكري والاقتصادي والسياسي الهائل على أساس أنّ من يتولّى زمام الأمور في الحكومة الإسرائيلية لا يملك أيّ دوافع للانخراط في الصراعات سوى ضمان سلامة مواطنيه. لكنّ بنيامين نتنياهو زعزع الثقة مع الداعمين، مستغلّاً الحرب لتعزيز الدعم الشعبي لمسيرته السياسية. وهو لا يقلّل من أمن الإسرائيليين فحسب، بل يعزّز أيضاً من الشعور بانعدام الأمن من خلال لعبه دور الحامي.
لقد كانت العلاقات مع حلفاء "إسرائيل" الرئيسيين موضع اختبار بشأن الحرب على غزّة، مع تزايد الاحتجاجات والضغوط الشعبية داخل الدول الغربية، الذي تغذّيها صور الأطفال الجائعين والمستشفيات المدمّرة والجثّامين المتفحّمة والصفوف الطويلة من أكياس الجثث.
بفتح جبهة جديدة والاشتباك مع عدوّ آخر، يتاح للحكومة الإسرائيلية فرصة استعادة بنود اتفاقها مع رعاتها من خلال السردية التاريخية بأنّها الضحية دائماً، وتتصرّف بحسن نية لا غبار عليه. وتظهر مرّة أخرى بحاجة إلى الدعم، وتعاني الضربات والإصابات المدنية على أيدي جار معاد.
ولقد اختفت قضية الفلسطينيين الذين يموتون جوعاً في غزّة أو الجياع الذين يقتلون وهم يصطفّون للحصول على الطعام من عناوين الصحف. كما اختفى عن الأخبار الهجوم الإسرائيلي الذي لا هوادة فيه على الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات غير القانونية، واستبدل الضغط الذي بدأ يتزايد على "إسرائيل" للسماح بدخول المزيد من المساعدات والالتزام بوقف إطلاق النار بنفس الحجج الواهية التي رأيناها في الأيّام الأولى للحرب على غزّة، بالإضافة إلى نفس الهراء الداعي إلى "ضبط النفس"، كما هو المعتاد.
فيما يتعلّق بالضربات على إيران، يبدو أنّ "إسرائيل" استفادت من دروس حرب العراق، مدّعية أنّها تصرّفت دفاعاً عن النفس استناداً إلى معلومات استخباراتية يثق بها العالم، لكن من دون أن يعرف مدى وشيكة التهديد، ومن له الحقّ في تحديده، وكيف تبرّر "الضربة الاستباقية"، ومن له الحقّ في تقرير هجوم أحادي غير قانوني. والمعروف حتّى الآن هو أنّ السياسة العالمية تدار على أساس استثناءات ومعايير مختلفة للسيادة.
كان من الممكن تلطيف هذه الفروقات في الماضي بسهولة أكبر، لأنّ "إسرائيل" والولايات المتحدة تعتبران نفسيهما "الطرفين الصالحين، وإيران كانت جزءا من "محور الشرّ" بالنسبة لهما، لكن، تآكل مصداقية "إسرائيل" والولايات المتحدة كمحاورين صادقين وملتزمين بالقانون الدولي، جعل من روايتهما أقلّ صدقاً.
هذه هي الحرب الحقيقية التي تخوضها "إسرائيل": لا تزال إيران تحتفظ بقدر من الإرادة السياسية والقدرة العسكرية يفوق ما تطمئن إليه "إسرائيل". ومع انحسار مصداقية "إسرائيل"، يزداد إلحاحها على إضعاف مصداقية طهران السياسية وقدراتها العسكرية. ولكن ما هي النهاية؟ هل تتصور "إسرائيل" حملة محدودة المدة، تنسحب بعدها راضية عن النتائج؟ أم أنّ هذا السيناريو غير وارد، بالنظر إلى الضربات المضادة التي أثارتها إيران؟ يبدو الأمر أشبه بغزة: تصعيد بلا نهاية؛ أو تغيير نظام بلا خطة.
تشترك حملتا "إسرائيل" الدعائية والميدانية في أمر واحد، هو اعتبار الشرق الأوسط مسرحاً للسياسة الداخلية الإسرائيلية، لكنّ المنطقة ليست مجرّد فناء خلفي لـ "إسرائيل"، بل هي موطن لشعوب أخرى، لها سياساتها وتاريخها وسكانها واحتياجاتها الأمنية الخاصة، التي يراد إخضاعها بشكل متزايد، لدولة واحدة قرّرت أنّ أجندتها الخاصة هي الأهمّ.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.