"World Politics Review": التهديد الأعظم الذي تواجهه "إسرائيل" الآن هو الحرب الداخلية

على الرغم من التفوق العسكري لـ "إسرائيل" إلا أنّ ذلك لم يؤدِ إلى فوزها بالحرب، وهو غير كافٍ لحسم حرب الاستنزاف الجارية مع محور المقاومة، وإضافة إلى ذلك "إسرائيل" تسير نحو الحرب الداخلية.

  • مئات بينهم جنود وبرلمانيون يحاصرون ويقتحمون قاعدتين إسرائيليتين
    جنود وبرلمانيون يحاصرون قاعدتين إسرائيليتين ويقتحمونهما

موقع "World Politics Review" ينشر مقالاً للكاتب والباحث الإسرائيلي يائير والاش، يتحدث فيه عن الحرب الداخلية التي تسير إليها "إسرائيل".

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف:

على الرغم من التفوق العسكري الإسرائيلي الذي أثبتته "إسرائيل" في حربها على غزّة ولبنان، فإنّها لم تفز بالحرب. وكما لم تمنع الميزة العسكرية الإسرائيلية الضربة الهائلة التي تلقتها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فإنها أيضاً غير كافية لحسم حرب الاستنزاف الجارية بين إسرائيل و"محور المقاومة" في لبنان واليمن والعراق وإيران.

وتستمر الهجمات اليومية بالصواريخ والقذائف في إحداث الضرر، وقتل الجنود والمدنيين الإسرائيليين، وتعطيل الاقتصاد الإسرائيلي بشدة. وحتى إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة وجنوبي لبنان قريباً، فمن غير المرجح أن يعيد الاستقرار النسبي، الذي تمتعت به "إسرائيل" بين عامي 2006 و2023.

منذ عام 2009، وفي ظل حكم نتنياهو في الغالب، رفضت "إسرائيل" المفاوضات ذات المغزى نحو إقامة دولة فلسطينية، وبدلاً من ذلك، سعت لـ"إدارة" الصراع في مواجهة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في غزة. ولفترة طويلة، بدا أنّ هذا النهج يعمل. لم تؤثر عمليات التصعيد العسكريةالتي قتلت الآلاف من الفلسطينيين في عامي 2014 و2021 بشكل كبير في الإسرائيليين. وكان اقتصاد "إسرائيل" مزدهراً طوال معظم هذه الفترة، التي أقيمت خلالها علاقات تطبيع مع عدد من الدول العربية الرئيسة. وبدا أنّ "إسرائيل" قادرة على إبقاء الفلسطينيين تحت الاحتلال والحصار إلى أجَل غير مسمى، بينما يتمتع الإسرائيليون بالأمن والازدهار.

لكن هذا الوهم انتهى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. فمنذ هجوم حماس، انغمست "إسرائيل" في حرب بلا نهاية واضحة في الأفق، وتواجه عزلة دولية متزايدة وضغوطاً اقتصادية غير مسبوقة.

ومع ذلك، فإنّ التحدي الوجودي الحقيقي الذي تواجهه "إسرائيل" يكمن في الداخل. كانت الشقوق العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي واضحة بالفعل قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر. والواقع أنّ التوترات القائمة منذ فترة طويلة اشتعلت على مدار السنوات السابقة وتحولت إلى أزمة حقيقية. وفي عام 2021، انتشر مقطع كوميدي، من برنامج ساخر شهير في التلفزيون الإسرائيلي، يدعو إلى حرب أهلية "لترتيب الأمور" أخيراً، وهو ما يعكس الشعور المتزايد بأنّ المواجهة العنيفة داخل المجتمع الإسرائيلي اليهودي لم تعد غير واردة. وتم تحديد خطوط الصدع هذه حول زعيم شعبوي مثير للجدل: رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

في عام 2022، وبعد الانتخابات الخامسة التي شهدتها إسرائيل في أقل من أربعة أعوام، نجح نتنياهو أخيراً في تأمين أغلبية قوية وشكل الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. وسرعان ما أطلق تعديلاً قضائياً واسع النطاق، وصف بأنه "إصلاح" قضائي ــ كان من شأنه أن ينزع سلاح القضاء الإسرائيلي فعلياً كونه فرعاً مستقلاً من السلطة. وقوبل هذا "الانقلاب القضائي" بمقاومة غير مسبوقة فاجأت حتى منظميه. وتدفق مئات الآلاف من المحتجين إلى الشوارع كل عطلة نهاية أسبوع لشهور متتالية. وهدد آلاف الضباط في الوحدات العسكرية النخبوية، بمن في ذلك طيارو القوات الجوية، بالانسحاب من الخدمة الاحتياطية العسكرية، التي من المتوقع أن يقوم بها الضباط الإسرائيليون الذين خدموا في الجيش حتى سن 45 عاما.

وكانت الاحتجاجات بقيادة الطبقة الوسطى اليهودية الإسرائيلية المتعلمة والعلمانية إلى حد كبير، والتي عادة ما تحدد هويتها على أنّها وسطية سياسية. لقد وقفوا ضد الكتل الأساسية في حكومة نتنياهو الائتلافية: الليكود وحلفائه من القوميين اليمينيين المتطرفين، والمستوطنين المتدينين واليهود المتشددين، المعروفين باسم الحريديم، والذين يكنّون جميعاً استياءً عميقاً ضد "النخب الليبرالية" في "إسرائيل".

وعلى الرغم من نجاح الاحتجاجات في البداية في عرقلة التغييرات الدستورية اللازمة للدفع بإصلاح القضاء، فإن حكومة نتنياهو لم تتخلَّ عن أجندتها. ولم يؤد الفشل العسكري المدمر في السابع من أكتوبر إلى انهيار الحكومة، كما افترض الكثيرون. وعلى العكس من ذلك، بعد الصدمة الأولية، عاد ائتلاف نتنياهو بقوة أكبر في عام 2024. وحافظ على مستوى مفاجئ من التماسك، بحيث اجتمعت عناصره المتعددة - القوميون المتطرفون والمستوطنون المتدينون والحريديم - حول برنامج سياسي قائم على الاستبداد والتفوق اليهودي وتوسيع المستوطنات.

وعزز وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير - الذي خرج من حركة كاهانا اليهودية اليمينية المتطرفة - قبضته على الشرطة وحولها إلى أداة سياسية لإسكات المعارضة. وأطلقت الحكومة الآن حملة تشريعية بقوانين جديدة تهدد بطرد "المتعاطفين مع الإرهاب" وحرمانهم من حق التصويت وترحيلهم، وهو مصطلح يستهدف في المقام الأول المواطنين الفلسطينيين في "إسرائيل"، على الرغم من أنه يمكن توسيعه ليشمل اليساريين اليهود الإسرائيليين.

في البداية، حظيت الحرب في غزة بدعم شبه شامل بين الجمهور الإسرائيلي اليهودي. ولم يكن هناك أي معارضة تقريباً رداً على الدمار الذي لحق بغزة وسكانها المدنيين. لكن، في الوقت نفسه، ظلت حكومة نتنياهو غير شعبية على نطاق واسع. لقد أظهرت استطلاعات الرأي باستمرار أن معظم الإسرائيليين، أي 60% على الأقل في الشهر الماضي، لا يثقون بنتنياهو، الذي يحملونه المسؤولية عن هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر وفشله في تأمين إطلاق سراح الأسرى الذين لا يزالون محتجزين لدى حماس في غزة. وإذا دُعي إلى إجراء انتخابات مبكرة، فإنّ أحزاب الائتلاف لن تحقق الأغلبية.

ومع ذلك، لم تتمكن المعارضة من ترجمة هذا الغضب العام والألم إلى حملة فعالة من شأنها أن تجبر الحكومة على الرحيل.

وبين بعض الوسطيين، هناك إدراك متزايد، مفاده أن من المستحيل فصل الاستبداد المتزايد للحكومة عن أجندة اليمين المعادية للفلسطينيين، والتي تشمل عنف المستوطنين وضم الضفة الغربية، وخطط إبدال السكان الفلسطينيين النازحين في غزة بالمستوطنات الإسرائيلية اليهودية.

ولعل أقرب ما وصلت إليه البلاد من حرب أهلية كان في تموز/يوليو 2024، عندما اقتحم حشد مسلح قاعدتين عسكريتين إسرائيليتين في محاولة للإفراج عن جنود يشتبه في اعتدائهم جنسياً على سجناء فلسطينيين محتجزين هناك. وكانت الشرطة غائبة بشكل ملحوظ في وقت الحادث، وهو ما يؤكد انعدام الثقة العميق بين جهاز الأمن الداخلي في البلاد، والذي لا يزال في يدي مؤسسة الأمن القومي والشرطة تحت سيطرة بن غفير.

ولعل القضية الأكثر تفجراً بالنسبة لائتلاف حكومة نتنياهو هي إعفاء الحريديم من التجنيد العسكري. ولطالما كان العدد الكبير من الرجال الحريديم المعفيين من الخدمة العسكرية سبباً للاستياء بين مجموعات أخرى من الإسرائيليين اليهود. لكن، بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أصبح هذا الأمر مصدر قلق مُلحّاَ، بحيث يكافح "الجيش" الإسرائيلي للعثور على الموارد البشرية التي يحتاج إليها الآن في العمليات في غزة والضفة الغربية ولبنان.

ووفقا لصحيفة "هآرتس"، خدم ثلث جنود الاحتياط أكثر من 150 يوماً من الخدمة الفعلية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ويفرض غيابهم أشهراً طويلة ضغوطاً هائلة على أسرهم وعلى أعمالهم وأعمال أصحاب العمل. وحتى عندما تنتهي الحرب، ستستمر "إسرائيل" في طلب جيش نظامي أكبر كثيراً مما كان عليه في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 2023. وفي مثل هذه البيئة، فإنّ استمرار إعفاء الحريديم، والإعانات الحكومية التي يتلقونها، يثير غضباً متزايداً.

لقد أحبطت المحكمة العليا والمدعي العام حتى الآن محاولات نتنياهو استرضاء الحريديم والتوصل إلى "حل وسط" يترك الأمور كما هي، فضلاً عن المعارضة الداخلية داخل الائتلاف. وتظل هذه القضية هي القضية الرئيسة التي قد تؤدي إلى انهيار الحكومة.

لكن، إذا تساوت كل العوامل الأخرى، فإنّ الكتل المتعددة في الائتلاف ليس لديها أي مصلحة في إجراء انتخابات مبكرة أو في إنهاء الحرب. وبينما يشتعل القتال وتتساقط الصواريخ، وجدت الحكومة أن من السهل نسبياً درء الغضب العام. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يتغير هذا عندما يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار. ومع ذلك، حتى مع تدمير غزة وإضعاف حماس بشدة، قاوم نتنياهو الضغوط من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإنهاء الحرب. وأعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب عدة مرات رغبته في رؤية نهاية الحرب، لكن من غير الواضح ما إذا كان هذا سيترجَم ضغوطاً أكبر على إسرائيل عندما يتولى منصبه في كانون الثاني/يناير 2025.

وحتى مع إظهار "إسرائيل" تفوّقها العسكري ضد أعدائها المسلّحين في مختلف أنحاء المنطقة، فإنّها تواصل تنمية تهديد وجودي أعظم داخلها.

نقلته إلى العربية: بتول دياب

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.