"Wired": ماذا يعني فوز ترامب لشركات التكنولوجيا الكبرى؟
تأرجح نهج ترامب تُجاه شركات التكنولوجيا الكبرى، بين الدعوات إلى فرض قواعد تنظيمية صارمة على بعض اللاعبين وعدم التدخّل والتجاهل مع لاعبين آخرين، الأمر الذي يفرض التساؤل عن الكيفية التي قد يوجّه فيها سياسة التكنولوجيا خلال ولايته الثانية.
موقع "Wired" الأميركي ينشر تقريراً يتحدّث فيه عن خطط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب حيال عدد من القضايا التي تخصّ مستقبل شركات التكنولوجيا الكبرى.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
لقد هنّأ الرؤساء التنفيذيّون لشركات التكنولوجيا الكبرى ترامب الفائز بالانتخابات، على رأسهم سوندار بيتشاي "ألفابت"، ومارك زوكربرغ "ميتا"، وتيم كوك "آبل"، وآندي غاسي "أمازون"، وساتيا ناديلا "مايكروسوفت"، مع أنّ مُعظم هذه الرساميل الضخمة، سبق أن تشاجرت مع دونالد ترامب من قبل خلال فترته الرئاسية الأولى، والآن سارعوا إلى دعمه لإدراكهم أنّ شركاتهم ستعمل تحت قيادة سياسي أثبت قدرته على التأثير.
مُبكّراً ازدرى ترامب شركات التكنولوجيا الكبرى، وكان صريحاً بشأن متابعة السياسات التي تزيد التكلفة الضريبية عليها، وتُخضعها للوائح أكثر سلبية. وقبل الانتخابات أعرب مُدراء الشركات وأصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية عن قلقهم، من أن تؤدّي الإدارة غير المتوقّعة إلى تقويض استقرار أعمالهم. وفي الوقت نفسه، تعهّد ترامب بالتراجع عن السياسات التي ربّما أعاقت نموّ بعض شركات التكنولوجيا. ويقول المحلّلون إنّ الرئيس المنتخب قد يتبنّى نهجاً أكثر حرصاً على عدم التدخّل عندما يتعلّق الأمر ببعض عمليّات الاندماج والاستحواذ في قطاع التكنولوجيا. الآن، مع وجود إيلون ماسك كأكبر داعم له، "قد تكون هذه لحظة يتمّ فيها اختيار المفضّلين بين كبار اللاعبين في مجال التكنولوجيا"، كما تقول مُديرة "أكاديمية أسبن للسياسة" بيتسي كوبر.
التعريفات الجمركية والتجارة
لطالما تباينت مواقف ترامب وسياسته تجاه الشركات الكبرى في وادي السيلكون. ويظهر في كثير من الأحيان خلال رئاسته الأولى وتعليقاته في أثناء الحملة الانتخابية الجديدة، ما قد تتوقّعه شركات التكنولوجيا الكبرى خلال فترة ولايته الثانية. خاصّةً، حول مقترحاته التي تعني الشركات المعنية، في فرض تعريفات جمركية على الواردات التجارية، والتي قد يكون لها تأثير هائل على كلّ من شركات التكنولوجيا والإنفاق الاستهلاكي. وفي العام الماضي، قدّم الرئيس المنتخب فكرة فرض تعريفة جمركية عالمية بنسبة 10%، ثمّ اقترح في وقت لاحق فرض تعريفة جمركية إضافية بنسبة 60% على الواردات من الصين، وأخرى تصل إلى 100% على واردات السلع من المكسيك.
"الاتّحاد الوطني لتجارة التجزئة" قال إنّ "المتسوّقين في الولايات المتّحدة قد يخسرون ما يصل إلى 78 مليار دولار من القدرة الشرائية السنوية إذا نُفّذت مقترحات ترامب". كذلك، أثار الأمر تساؤلات حول أعمال شركة "أبل"، التي تقوم بتصنيع وتجميع أكثر من 95% من مُنتجاتها من الأجهزة في الصين. فضلاً عن اعتماد تُجّار التجزئة الكبار وشركات التجارة الإلكترونية بشكل كبير على المواد والمكوّنات الصينية. وكانت الشركات الأميركية قد رفعت الأسعار للتعويض عن خسائرها. قالت شركة أبحاث الأسهم "بيرنشتاين" في مُذكّرةٍ أصدرتها الأسبوع الماضي، إنّ شركة "أبل" قد تكون أقلّ عرضة للخطر ممّا قد تُشير إليه القراءة الأوّلية لهذه التعريفات الجمركية، وذلك بسبب قدرة الشركة على استيعابها. كما قامت الشركة أيضاً بتنويع سلسلة التوريد الخاصّة بها من خلال إنتاج سلعها الأكثر شعبية في مناطق مُخْتلفة من العالم منها فيتنام. وَالشركات المصنّعة التي قد عانت بالفعل من انقطاع سلاسل التوريد خلال انتشار جائحة كورونا، واضُطرّت إلى إيجاد طريقة لدعم عملياتها قد تستطيع الاستفادة من هذه التجربة في حالة فرض تعريفات جمركية مُرتفعة.
ويعتقدُ إِيّان بريمير، مُؤسس شركة أبحاث المخاطر السياسية "أوراسيا غروب"، أنّ نُباح ترامب قد يكون أسوأ من عضّته، وهو يتوقّع أن يُقدّم ترامب مقترحات مرتفعة بهذا الشأن، ثمّ يُخفضها مُعدّلها بعد جولات من المفاوضات. ويعود السبب في ذلك جزئيّاً إلى أنّ القفزة الكبيرة في مُستوى التعريفات الجمركية على الصين، لن تُؤدّي إلا إلى دفع مصنّعي الأجهزة إلى تحويل سلاسل التوريد الخاصّة بهم إلى دول ثالثة، كما فعلوا خلال إدارة ترامب السابقة. كما يعتبر المحلّلون والاقتصاديّون في كلّ مكان تقريباً أنّ الرسوم الجمركية الانتقامية قد تلحق ضرراً أكبر بالشركات الأميركية من الشركات الصينية.
وكان ترامب قد انتقد قانوناً قدّمه كلّا الحزبين الرئيسين بدعم من إدارة جو بايدن قبل نحو عامين، بهدف تقليل اعتماد الولايات المتّحدة على آسيا في الحصول على الرقائق، وسمح بإنفاق أكثر من 50 مليار دولار لتعزيز الإنتاج المحلّي من أشباه الموصّلات. وقال ترامب عن القانون إنّه، "سيّئ، ويُوجّه الأموال إلى شركات غنيّة بالفعل. وكان ينبغي على الولايات المتّحدة أن تفرض رسوماً جمركية على المورّدين الأجانب عوضاً عن ذلك، الأمر الذي سيجبرهم بدوره على إنفاق أموالهم الخاصّة لبناء مصانع الرقائق في الولايات المتّحدة". وانتقد على نحو خاصّ تايوان موطن شركة "تي إس إم سي"، الشريك الرئيسي لشركة صناعة الرقائق الأميركية "نيفيادا"، وقال: "لقد سرقوا أعمالنا". كذلك، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أنّ الولايات المتّحدة تعتمد بقدر لا يصدّق على تايوان في جميع أنواع الرقائق، إذ يتمّ إنتاج نحو 10% فقط من أشباه الموصلات في العالم داخل الولايات المتّحدة.
الذكاء الاصطناعي
يتناقض ترامب في مواقفه المؤيّدة للتصنيع المحلّي من جهة، والمعارضة للقانون المذكور من جهة أخرى، ومن غير الواضح كيف ستكون تداعيات هذا الأمر. لكن، حين يتعلّق الأمر بالذكاء الاصطناعي، فالأولوية لإدارة ترامب ستكون ضمان قيادة الولايات المتّحدة للسباق نحو تطوير خوارزميات ذكاء اصطناعي أكثر قوّة وقدرة بالمقارنة مع الصين منافستها الجيوسياسية الرئيسية. كذلك، كانت إدارة ترامب في الفترة الرئاسية الأولى قد سعت إلى إلغاء اللوائح التنظيمية التي يُعتقد أنّها تعيق الابتكار التقني المحلّي، ووضعت عُقُوبات تهدف إلى الحدّ من قدرة شركات الذكاء الاصطناعي الصينية، على التعامل مع الولايات المتّحدة والوصول إلى الرقائق المطلوبة لبناء الذكاء الاصطناعي المتطوّر، وهي الضوابط التي شُدّدت في عهد إدارة بايدن.
وقد يُفكّر ترامب أيضاً في توفير الموارد الاتّحادية لتشغيل مشاريع الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق اللازمة للمساعدة على إبقاء أميركا في المقدّمة في هذا المجال. وفي إطار استراتيجية إعاقة المنافس الكبير لأميركا، فقد تشهد فترة ولاية ترامب الثانية جُهوداً لكبح جماح الذكاء الاصطناعي الصيني، وخاصّة إذا اندلعت حرب تجارية أوسع نطاقاً. أحد أوضح التصريحات التي أدلى بها ترامب بشأن مُستقبل الذكاء الاصطناعي هو الوعد بإلغاء الأمر التنفيذي الذي أصدرته إدارة بايدن بشأن الضوابط على صناعة التكنولوجيا المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي.
وكان الأمر التنفيذي الذي أصدره بايدن بشأن الذكاء الاصطناعي في العام الماضي، يهدف لوضع حواجز واقية حول التكنولوجيا التي يبدو أنّها تتسارع مخاطرها، وكان لا بدّ من تدابير تحدّ من تلك الاستخدامات المحتملة وزيادة التدقيق الاتّحادي على النماذج الفائقة القوّة. لكن، ترامب تعهّد بإلغاء أمر بايدن، وقال في تجمّع حاشد في ولاية أيوا في الشهر الماضي إنّهُ في "اليوم الأوّل" لولايته الرئاسية سوف يُلغيه، ويحظر أيضا استخدام الذكاء الاصطناعي للرقابة على خطاب المواطنين الأميركيين. لكن، مُتطلّبات الأمر التنفيذي كانت قد استُوفيت بالفعل من قبل الشركات، وإلغاء الأمر نفسه لن يكون له تأثير يُذكر.
قد يكون لدى منافسي إيلون ماسك في مجال الذكاء الاصطناعي سبب للقلق أيضاً. فقد كان الملياردير المؤيّد لترامب مُنتقداً مُتكرّراً لشركة "أوبن إيه آي" التي كان أحد مُؤسّسيها، وكذلك "غوغل، مُتّهماً الشركتين بما وصفه بتطوير "ذكاء استيقاظي" مُفرط. فرغبة ماسك في قيادة سباق الذكاء الاصطناعي بشركته الخاصّة، بالاستفادة من النفوذ الهائل الذي قد يتمتع به، ويمارسه داخل إدارة ترامب، قد تجعل كلّاً من الشركتين المذكورتين هدفين له، وربّما يُشكّل ذلك تهديداً لقدرتهما على تأمين عقود حكومية مُربحة في المستقبل
تيك توك
بالنسبة لتيك توك، يُمثّل ترامب بارقة أمل في عدم حظره في الولايات المتّحدة. وفي حين أبدى الكونغرس بالفعل تصميمه على حظر تيك توك ولا يتوقّع من المحاكم منعه، كان ترامب القوة السياسية النادرة التي كانت تنوي صراحة عدم حظر تيك توك. وكان تشارلي كيرك، وهو محافظ ومُؤثّر على مُتابعيه قد قال في بثّ مُباشر إنّ انتخاب ترامب يعني أنّ تيك توك لن يُحظر. ولكنّ الواقع لا يُؤيّد هذا الاتّجاهَ، لأنّ مشروع القانون الذي حظر تطبيق تيك توك قُدّم بدعم من الحزبين في الكونغرس، وَوُقّع عليه بالفعل ليصبح قانوناً، والتراجع عن هذا يعني أنّ ترامب سيضطرّ إلى إقناع مئات الأعضاء الجمهوريّين في الكونغرس بإجراء انقلاب كامل، وسيكون هذا صعباً للغاية، ولكن ليس مُستحيلاً في المشهد السياسي الحالي حيث يتجمّع الجمهوريون حول ترامب كزعيم لهم.
العملات المشفّرة
كان ترامب قد رفض في السابق عُملة البيتكوين باعتبارها "عُملة احتيال". ولكن، منذ أشهر قليلة في ناشفيل بولاية تينيسي، وعد بترسيخ مكانة الولايات المتّحدة كقوّة رائدة في مجال تعدين البيتكوين، وإنشاء مخزون وطني منها، وتعيين مجلس استشاري لها إذا أعيد انتخابه، وأطلق على نفسه لقب "رئيس العملات المشفّرة"، حيث قدّم مجموعة من التعهّدات المصمّمة لجذب رُوّادها. كذلك تصاعدت الهتافات الصاخبة حين وعد ترامب بإقالة رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصة غاري غينسلر، بسبب رفعه بغزارة الدعاوى القضائية ضدّ شركات التشفير في عهد إدارة بايدن.
مكافحة الاحتكار
وفي قضية مكافحة الاحتكار، سيكون أحد المؤشّرات المبكّرة للعلاقة التي تنوي إدارة ترامب إقامتها مع شركات التكنولوجيا الكبرى هو مصير رئيسة لجنة التجارة الاتحادية لينا خان، وهي أصغر رئيسة للجنة التجارة الاتحادية إطلاقاً، وكانت نقطة اشتعال في الحملة الانتخابية بين المانحين الديمقراطيين، فلقد كان نهجها في إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار وقوّة الشركات مُثيراً للجدل بشدّة، من بينها غوغل، وميتا، وأمازون ومايكروسوفت التي واجهت تحديات قانونية في أثناء فترة تولّيها منصبها. وكان أحد كبار المانحين الديمقراطيين قد قال: "لينا خان شخص لا يساعد أميركا". كما أعرب إيلون ماسك عن عدم إعجابه بها، وقال عنها في الأسبوع الماضي: "سيتمّ طردها قريباً". ووصفها دان إيفز، المحلّل في شركة الخدمات المالية ويدبوش، بأنّها "كابوس لقطاع التكنولوجيا"، مُضيفاً أنّ هناك اعتقاداً بين المحلّلين بأنّ رحيلها سيكون بمثابة حافز لمزيد من الصفقات في مجال التكنولوجيا الكبرى. وأضاف أنّ "تأثير ماسك على ترامب قد يُحفّز ويُسرّع خروج خان المحتمل". لكنّ، نائب ترامب جي ديه فانس كان رأيه مُختلفاً، وأشاد بخان لأنّها "قامت بعمل جيّد جداً".
نقله إلى العربية: حسين قطايا