"Unherd": الصين مستعدّة للمعركة... ترامب قد يخسر اللعبة
أطلق ترامب حربه التجارية من دون استراتيجية واضحة، مفترضاً على الأرجح أنّ الجميع سيستسلمون بسرعة.
-
التنين الأصفر أو الذهبي في الصين يرمز إلى القوة والثورة والسلطة والازدهار
موقع "Unherd" البريطاني ينشر مقالاً يتناول فيه الحرب التجارية التي شنّها ترامب على عشرات الدول حول العالم، وأبرزها الصين، مستعرضاً تداعيات التعرفات الجمركية على الولايات المتحدة نفسها، مشيراً إلى أنّ الاقتصاد والشعب الصينيين مستعدان للحرب، فيما الاقتصاد والشعب الأميركي على عكس ذلك.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف:
تفاخر دونالد ترامب بأنّ قادة العالم كادوا يُقبّلون يديه وهم يسارعون إلى التفاوض على صفقات تعرفة جمركية مع الولايات المتحدة. وخلال حفل عشاء لجمع التبرّعات في الأسبوع الماضي في واشنطن، سخِر الرئيس من المتملّقين المزعومين: "من فضلك سيدي، سأفعل أيّ شيء مقابل عقد صفقة". ولم يوضح ترامب من يقصد بالضبط أو لمن كان يشير، لكنّ، دولة واحدة على الأقلّ لم تكن معنية بذلك، هي الصين التي ردّت على إعلان واشنطن الحرب التجارية، بتحدٍّ: "هاتوا ما عندكم".
في الأسبوع الماضي علّق ترامب التعرفات الجمركية التي تزيد على 10% لمدّة 90 يوماً، باستثناء الصين، التي بدأ معها الرئيس لعبة محفوفة بالمخاطر. فبعد أن فرضت إدارته رسوماً إضافية بنسبة 34% زيادة على ما كانت فرضته من تصعيد التعرفات الجمركية على الصين، ردّت بكين بالمثل، ورفعت تعرفاتها بوجه ترامب بزيادة 34% وطبّقت النسبة ذاتها. وحتّى مع تعليق التعرفات الجمركية مؤقتاً لبقية دول العالم، أعلن ترامب أنّه سيرفعها على الصين لتصل إلى نسبة 125%.
انتعشت الأسواق استجابة لتعليق التعرفات لمدّة 90 يوماً، ولكن خلال 4 أيام عقب "يوم التحرير" أي زيادة التعرفات الترامبية، شهد الأميركيون تبخّر أكثر من 6 تريليونات دولار من ثرواتهم في سوق الأسهم، وما زالوا يتكبّدون الخسائر، حيث ارتفعت أسعار الفائدة مع تخلّي المستثمرين عن سندات الخزانة الأميركية التي لم يعودوا يعتبرونها آمنة، وانخفضت القوّة الشرائية لدولاراتهم مع سحب الأجانب استثماراتهم وعودتهم إلى بلادهم. إذا كانت هذه هي نتيجة ما يسمّى "فخّ ثوسيديديس"، وهي الفكرة القائلة بأنّ الإمبراطورية المتراجعة ينتهي بها المطاف في حرب مع إمبراطورية صاعدة، خاصّة وأنّ رهان المستثمرين المبكّر هو ضدّ الانتصار الأميركي في هذه المواجهة، وربّما اضطرّ ترامب، على مضض للاعتراف بهذا الواقع.
لا يعني هذا أنّ طرفاً ما سيستفيد من الحرب التجارية. لكن إذا استأنف ترامب التعرفات الجمركية العدوانية، فالمعاناة ستصيب الاقتصاد العالمي بأسره، حيث تشير التقديرات إلى أنّ الانخفاض التراكمي في النموّ الاقتصادي في العالم كلّه في السنوات المقبلة قد يرتفع إلى ما يزيد على 2%. وعلى المدى القصير، فإنّ الاقتصادات الأصغر التي تعتمد بشكل كبير على التجارة مع الولايات المتحدة مثل المكسيك وكندا وفيتنام، وليسوتو الدولة المنسية في جنوب أفريقيا، ستكون الأكثر تضرّراً، ولكنّ معظم دول العالم ستخرج من هذه الأزمة بسوء لا بدّ منه، كما يقول المثل الأفريقي القديم، "عندما يتقاتل فيلان، فإنّ العشب وحده هو الذي يعاني".
ولكن بمجرّد أن ينقشع غبار المعركة قد تكون الرابحة نسبيّاً هي الصين، التي قد تنتعش أكثر من منافستها، لأنّ ترامب استسلم للعيب القاتل الذي يعانيه العديد من الإمبراطوريات وهي الغطرسة، حيث أفرط في تقدير قوّته وأساء تقدير قوّة خصمه.
وفي ظلّ هذا التفكير المتعجرف، أطلق ترامب حربه التجارية من دون استراتيجية واضحة، مفترضاً على الأرجح أنّ الجميع سيستسلمون بسرعة.
كذلك، كانت غاية ترامب النهائية ليست أكثر من مجرّد هدف غامض، في منع العالم من "سرقة الولايات المتحدة أو نهبها". لكن مهما كان مقياس ترامب، فإنّ هذا التوجّه لن يدع أميركا مستعدّة لنزاع تجاري قد يطول مع الصين، حيث يمكن أن تكون في وضع غير مؤات. ومن خلال فتح بضع مئات من جبهات الحروب التجارية دفعة واحدة، عرّض ترامب أكثر من عُشر الاقتصاد الأميركي للخطر. وبقيامه بذلك، فقد صنع أعداءً في كلّ مكان، بمقابل تركيز الصين حواجزها التجارية الجديدة على الولايات المتحدة فقط، والتي تمثّل نحو 2.5% من ناتجها المحلي الإجمالي، أو ما يقرب من 4%، إذا ما أدرجنا الدول "الوسيطة" مثل فيتنام.
وبمعنى آخر، وبعد أن أعلنت أنّها "ستقاتل حتّى النهاية إذا كان الجانب الأميركي عازماً على السير في الطريق الخطأ"، فإنّ بكين مستعدّة لتحمّل الضربة، وهي بلا جدال على يقين من أنّها تتحمّل مخاطرة اقتصادية أصغر بكثير من تلك التي تتحمّلها الولايات المتحدة.
براعة الصين تقوم على استراتيجية واضحة، على عكس الولايات المتحدة، وهدفها هو الحفاظ على نظام تجاري عالمي مفتوح يخدمها جيداً كسوق لتطوير صناعات التصدير عالية القيمة التي تعتقد أنّها ستحدّد مستقبل البلاد. مثل الطاقة المتجدّدة، والمركبات الكهربائية، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي. كما أنّ الصين ستستغلّ ببهجة علاقات الولايات المتحدة المتوتّرة حديثا مع الدول الأخرى، وتقدّم نفسها كضامن جديد لنظام التجارة العالمي الذي تخلّت عنه الولايات المتحدة، وتضمن أسواقاً متنامية في العالم مع الدول الصاعدة وإدارة علاقات ناجحة مع أوروبا كذلك.
كلّ هذا يجعل من الصين، تتمتّع بتفوّق على الولايات المتحدة في القوّة السياسية والاقتصادية. قد تبدو هذه النتيجة مستهجنة، لأنّ الاقتصاد الأميركي أكبر من نظيره الصيني، ودخل الفرد فيه أعلى بكثير، وأقلّ تأثّراً بالتجارة مع الصين من الفرد الصيني، لكن، هذه الحسابات المبسّطة مضلّلة، لأنّ المسألة لا تقتصر على مقدار العقوبة التي يمكن لكلّ دولة فرضها، بل على مقدار الألم الذي يمكنها أن تتحمّله.
في حين أنّ القيادة الصينية تستطيع تبرير مواقفها أمام مواطنيها بأنّها لم تكن وراء هذه الحرب، فمن غير المرجّح أن يحتفل المواطن الأميركي الذي ترتفع تكاليف معيشته بشدة، لمجرّد أنّ شخصاً ما في الصين يعاني وضعاً أسوأ. بينما من الناحية السياسية، لم تهيّئ الإدارة الأميركية الأمّة لأكثر من أنّ المرحلة ستكون مناوشات قصيرة الأمد، في ظلّ تفاخر ترامب بأنّ الحروب التجارية سهلة الفوز.
لقد جاء الرئيس إلى منصبه بناءً على تعهّده بخفض التضخّم وتعزيز الاقتصاد، والآن، أدّى الانهيار المالي إلى انخفاض في شعبيته.
كما أنّ الإصرار على أنّ الألم سيكون قصير المدى لتحقيق مكاسب طويلة الأجل، لن يساعد قضية ترامب كثيراً. وقد يحافظ الرئيس على قاعدته الشعبية حالياً، لكنّ الناخبين المتأرجحين بدأوا بالتخلي عن "الجمهوريين"، كما أظهرت الانتخابات الخاصّة الأخيرة. وكلّما طال أمد هذا الصراع ساءت الأمور، بحسب ما قال المستشار التجاري لترامب بيتر نافارو هذا الأسبوع، إنّ سوق الأسهم "قد وصل إلى أدنى مستوياته، وإنّ متوسط داو جونز الصناعي سيصل قريباً إلى 50 ألفاً"، وإذا استمر في الهبوط بدلاً من ذلك، أو إذا خرج التضخم عن السيطرة، فإنّ المعاملة الناعمة للإدارة من قبل المصفّقين اليمينيين قد تتلاشى قريباً.
وقد قدرّت إحدى الدراسات أنّ حرب الرسوم الجمركية الأوسع نطاقاً من شأنها أن تخفّض النمو الاقتصادي الأميركي بنسبة 2% تقريباً، وترفع الأسعار بنسبة تصل إلى 7%. وخلافاً للقيادة الصينية، تواجه الولايات المتّحدة انتخابات التجديد النصفي في العام المقبل، وبينما تستمرّ أسعار المواد الغذائية في الارتفاع، فقد يخسر ترامب مؤيّديه.
وفي الوقت نفسه، تمتلك الصين الكثير ممّا يمكن تسميته بالعمق الاستراتيجي الاقتصادي، مثلاً تعيش الصين في مستوى أقلّ من إمكانياتها، وتخفّض الأجور للحفاظ على تنافسية أسعار الصادرات، بينما تعيش الولايات المتحدة فوق إمكانياتها. وفي مواجهة خسارة الأسواق الخارجية، تقوم القيادة الصينية الآن بإعادة توجيه الاقتصاد نحو الاستهلاك المحلّي للحدّ من الركود، ما سيقلّل من تأثير الحرب التجارية على المواطنين العاديين، ومن ثم لديها الكثير من القدرة على تعويض خسائرها من المبيعات للأسواق الأميركية.
على عكس الولايات المتحدة، لقد كانت الصين على استعداد تامّ للردّ. على سبيل المثال، لا يزال بإمكانها تقييد صادرات المعادن الأساسية إلى الولايات المتحدة أو استهداف الشركات الأميركية متعدّدة الجنسيات التي تعمل في الصين. ومع ارتفاع معدّل الادّخار المحلّي، تتمتّع بكين بمساحة مالية واسعة لتخفيف وطأة حرب طويلة الأمد. في المقابل، تعتمد الولايات المتحدة في تمويل عجزها على الدائنين الذين، بالنظر إلى انخفاض أسعار السندات الأميركية هذا الأسبوع، بدأ صبرهم ينفد تجاه سياسات ترامب.
كما أنّه ينبغي أن لا نستغرب نبرة بكين المتحدّية والحازمة. فقبل إعلان ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 125%، كانت الصين قد ردّت على رفع ترامب السابق للرسوم الجمركية بالمثل، تاركة الصادرات الأميركية إلى الصين تواجه رسوماً جمركية بنسبة 84%. وبينما تخوض القيادة الأميركية حرباً مع نفسها، حيث يصف إيلون ماسك نافارو، المشتبه به في وضع جدول الرسوم، علناً بأنّه "أحمق" و"أغبى من كيس من الطوب"، ومع إعلان عدد من أعضاء الإدارة علناً عدم مسؤوليتهم عن هذه السياسة، لا تزال القيادة الصينية موحّدة.
وبينما يطالب الرؤساء التنفيذيون ومديرو الصناديق في الولايات المتحدة بتغيير الاتّجاه الذي تقوم به إدارة ترامب، فإنّ الشركات الصينية الكبرى تخبر المتعاملين أنّه يجب أن يكونوا قادرين على إدارة التحدّي. في حين من المتوقّع أن ترتفع فواتير البقالة في الولايات المتحدة، يقول منتجو الأغذية الصينيون إنّه يجب أن يكونوا قادرين على إبقاء ارتفاع الأسعار محدوداً.
ولا يزال مؤشّر الثقة عند كبار الاقتصاديين الصينيين إيجابياً، والحكومة تدعم أسعار الأسهم، وتحسّن حركة وحجم السيولة في النظام المصرفي، ومن المتوقّع أن يكون قطاع الطاقة الجديد سريع النموّ بِمنأى إلى حدّ كبير عن تأثير الضربة الأميركية. هذا ليس مفاجئاً، نظراً لأنّ جُزءاً كبيراً من سوق تصدير الصين لمنتجات هذا القطاع يقع في العالم النامي، وبينما انخفض سعر سهم "تيسلا" بمقدار النصف، ارتفع سعر سهم منافستها الصينية "بي واي دي" بنسبة 20% هذا العام.
لا شكّ في أنّ هناك جانباً من المبالغة في الخطاب الصيني الحازم. لكنّ جميع الدلائل تشير إلى أنّ البلاد مستعدة لهذه المعركة، يبقى أن نرى إذا ما كان تعليق ترامب للتعرفات لمدّة 90 يوماً بمنزلة وقف لإطلاق النار مؤقّت أم أنّه استسلام.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.