"The Conversation": في سوريا.. وعود بالديمقراطية ثم استبعاد النساء من الانتخابات البرلمانية
إقصاء النساء السوريات من الانتخابات البرلمانية يُطيح وعد الرئيس السوري الجديد بإرساء الديمقراطية.
-
"The Conversation": في سوريا... وعود بالديمقراطية ثم استبعاد النساء والأقليات من الانتخابات البرلمانية
موقع "The Conversation" الأميركي ينشر مقالاً يتناول الانتخابات البرلمانية الأولى في عهد الرئيس الانتقالي في سوريا، أحمد الشرع، والتي وُصفت بأنها "خطوة نحو الديمقراطية" لكنها في الواقع أقصت وهمّشت النساء والأقليات في العملية الانتخابية من خلال نظام تعيين معقّد خاضع للسلطة التنفيذية، حيث لم تُتح المشاركة الشعبية الحقيقية، وفازت النساء بـ6 مقاعد فقط من أصل 210.
كما يشرح أنّ اللجنة القضائية العليا المشرفة على الانتخابات كانت مشكلة بمعظمها من الرجال، وأنّ الهيئات الانتخابية الفرعية اختيرت بطريقة تستبعد المشاركة العامة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
وفي وقت سابق من هذا العام، وصف الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بلاده بأنها تسير في "اتجاه ديمقراطي" بعد سقوط دكتاتورية بشار الأسد أواخر عام 2024. وقال: "إذا كانت الديمقراطية تعني أن الشعب يقرر من سيحكمه ومن يمثله في البرلمان، فنعم سوريا تسير في هذا الاتجاه". ومع ذلك، لم تفُز النساء في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في سوريا سوى بـ6 مقاعد من أصل 210 مقاعد. ولم يقتصر الإقصاء على النتيجة فحسب، بل كان جزءاً لا يتجزأ من هيكل العملية.
تاريخ طويل من التهميش
لقد حكم الأسد سوريا بقبضة من حديد لأكثر من عقدين من الزمن من خلال القمع واسع النطاق وجرائم الحرب والعنف المنهجي ضد المدنيين. واتسمت الانتخابات البرلمانية بالسيطرة الشديدة من خلال هيمنة حزب البعث بزعامة الأسد وحلفائه على جميع الأصوات. وشغلت النساء ما بين 6% و13% من المقاعد منذ عام 1981 وحتى نهاية عهد الأسد، وفقاً لتقديرات منظمة عالمية للبرلمانات الوطنية.
وعلى الرغم من أنّ البرلمان لم يكن يتمتع بسلطة حقيقية كبيرة، فقد عمل على إضفاء الشرعية على حكم الأسد من خلال ظاهر العملية الديمقراطية. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2024، استغلّ تحالف الشرع الذي يقوده الإسلاميون الفراغ في السلطة الناجم عن تراجع النفوذ الإقليمي لإيران وانهيار المجموعات المُسلحة المتحالفة معها لإطاحة الأسد وحل البرلمان الرمزي في سوريا.
في البداية، أُشيد بصعود الشرع كنقطة تحول محتملة نحو الإصلاح السياسي والمصالحة. إلا أن المؤشرات الأولية تدل على أن أنماط التهميش المتجذرة، وخاصةً تهميش النساء، لا تزال تُشكل المشهد السياسي في سوريا.
كيف جرى تهميش النساء وغيرهنّ
لم تُراعِ الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي أُجريت في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر، إرادة الشعب، ولم يُسمح له بالتصويت. ولم يُشارك الشعب في العملية إطلاقاً. وبدلاً من ذلك، أشرفت على الانتخابات هيئة حكومية تُسمى اللجنة القضائية العليا للانتخابات، عيّنها الشرع. وكان تشكيلها واضحاً: 9 رجال وامرأتان فقط.
كانت العملية معقدة وإقصائية بشكل متعمد. وقد كُلِّفت اللجنة القضائية العليا بتشكيل لجان فرعية انتخابية في جميع أنحاء البلاد، والتي قامت بدورها بمراجعة طلبات التعيين في الهيئات الانتخابية. ولم يُسمح إلا لمن تم اختيارهم بالمشاركة في عملية التصويت أو تسمية مرشحين. ولم يكن للمواطنين العاديين دور مباشر في الانتخابات. وفي هذا الإطار، اختارت الهيئات الانتخابية ممثلين لثلثي مقاعد البرلمان، بينما عيّن الشرع الثلث المتبقي.
لم يكن مفاجئاً أن تمثيل المرأة في اللجان الفرعية كان ضئيلاً. فبحسب الأرقام الأولية المنشورة على الموقع الرسمي للانتخابات السورية، لم تشكل النساء سوى نحو 11% من إجمالي أعضاء اللجان الفرعية (18 من أصل 180 عضواً تقريباً على مستوى البلاد). وحتى في الحالات التي حظيت فيها المرأة بتمثيل لائق، لم تُنتخب أي امرأة في البرلمان. ففي دمشق، على سبيل المثال، شكلت النساء نحو ثلث المتقدمين المسجلين (44 من أصل 145) لدى الهيئة الانتخابية، وثلث أعضاء اللجان الفرعية المحلية. ومع ذلك، لم تُنتخب أي امرأة من العاصمة.
إضافة إلى ذلك، كان تمثيل الأقليات محدوداً. فمن بين 119 عضواً انتُخبوا حتى الآن، ينتمي 10 منهم فقط إلى أقليات دينية أو عرقية، بما في ذلك الكرد والعلويون والمسيحيون (الذين فازوا بمقعدين فقط). ويُعتقد بأن المسيحيين يشكلون 10% من سكان سوريا البالغ عددهم 24 مليون نسمة. وقد أظهرت أبحاث سابقة حول الهوية الجنسية والمؤسسات السياسية أن الهياكل الانتخابية الإقصائية تميل إلى تحقيق نتائج إقصائية. وتنطبق حالة سوريا على هذا النمط الأوسع.
وفسّر المسؤولون السوريون إقصاء النساء بأنه مسألة ثقافية. فظهر محمد طه الأحمد، رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات، على التلفزيون ليُعرب عن "دهشته" من انخفاض عدد المرشحات، مُرجعاً ذلك إلى مجتمعٍ ينظر تقليدياً إلى السياسة على أنها حكرٌ على الرجال. وأضاف أن النتائج عكست أيضاً تحالفات (قائمة على شبكات ذكورية راسخة) تشكّلت بين أعضاء اللجان الفرعية. وعلى الرغم من أنّ هذه المواقف تُشكل بلا شك ديناميكيات الهوية الجنسية، إلا أنها لا تستطيع بحد ذاتها تفسير انخفاض مشاركة المرأة في الانتخابات. ومنذ البداية، كانت النساء مقيّدات. وبالتالي، فإنّ الاستعانة بالثقافة تُبعد عن الحواجز المؤسسية.
في نهاية المطاف، لم تكن هذه انتخابات حرة أو نزيهة. فعندما يقتصر دور المرأة على مجرد مشاركة رمزية تحت إشراف الدولة، تتوقف الانتخابات عن كونها أدوات للتمثيل وتُصبح أداءً للشرعية.
ما الذي يمكن فعله؟
يتطلب تغيير هذا النمط أكثر من مجرد خطاب. إذ لا بدّ من إجراء إصلاح مؤسسي يشمل:
· تحديد حصص للجنسين تخصص نسبة من الترشيحات أو المقاعد للنساء، ما يسمح لهن باكتساب الخبرة السياسية والظهور.
· زيادة التمويل والتدريب ومبادرات التواصل المحلية لمساعدة النساء على بناء دوائر انتخابية قائمة على المجتمع.
· إصلاح العمليات الانتخابية للتحرك نحو تصويت أكثر مباشرة وشفافية يحدّ من التحالفات بين النخب والسيطرة الرئاسية.
· وضع مناهج دراسية جديدة وبرامج للمجتمع المدني تعمل على جعل مشاركة المرأة في الحياة العامة أمراً بديهياً، وتحدّي التصوّرات الجندرية للقيادة السياسية.
وإلى حين إقرار مثل هذه الإصلاحات، ستظل الانتخابات السورية تعكس التسلسل الهرمي الراسخ في دولة تحكم من خلال الإقصاء لا من خلال الإرادة الشعبية.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.