"Responsible Statecraft": لماذا يتصرف كل من بايدن وبلينكن كمحامييْن عن "إسرائيل"؟
لا يبدو أن الدفاع عمّا لا يمكن الدفاع عنه يصب في مصلحة الولايات المتحدة.
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً للكاتبيْن روبرت رايت وكونور إيكولز يتحدثان فيه عن قيام الولايات المتحدة بدور المحامي عن "إسرائيل"، ويقول الكاتبان إنّ ذلك لا يصبّ في مصلحة الدولة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
خلال خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، وصف الرئيس بايدن كيف بدء الصراع الحالي بين "إسرائيل" وحزب الله بالقول: "لقد انضم حزب الله بشكل غير مبرر إلى هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وأطلق الصواريخ على إسرائيل".
وهذا الكلام مضلل، وبطريقة واضحة تساعد في تفسير فشل بايدن في إنهاء المذبحة في منطقة الشرق الأوسط خلال العام الماضي، وتساعد أيضاً في تفسير فشل الولايات المتحدة في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على مدى العقود القليلة الماضية.
إليكم كيف بدأ الصراع المستمر منذ عام بين "إسرائيل" وحزب الله:
بعد هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، شنّت "إسرائيل" غارات جوية على غزة، ودمرت عدداً من الأهداف من ضمنها مسجد، وقتلت مئات الفلسطينيين.
8 تشرين الأول/ أكتوبر: حزب الله يضرب مواقع عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا، وهي قطعة أرض صغيرة لبنانية تاريخياً وليست جزءاً من "إسرائيل" بموجب القانون الدولي. وترد "إسرائيل" بضربات على لبنان.
وخلال الأسابيع والأشهر اللاحقة، توسعت الهجمات عبر الحدود من كلا الجانبين، واستمرت منذ ذلك الحين.
وقد أعلن حزب الله صراحةً أنّه قصف مزارع شبعا تضامناً مع غزّة. لذا فمن المنطقي أن يربط بايدن بين ذلك وبين السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ومع ذلك، فإنّ القول بأنّ حزب الله "انضم إلى هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر" يجعل الأمر يبدو كما لو أنّ حزب الله ساهم في الهجوم الذي شنّته حماس، في حين أنّه من غير المرجح أن يكون قادة حزب الله على علم بالهجوم مسبقاً، ناهيك بـ"الانضمام" إليه.
هل هذه تفاصيل تافهة؟ في هذه الحالة ليست كذلك:
1. بينما كان بايدن يتحدث بهذه الكلمات، كان يأمل أن يوقع نتنياهو على الاقتراح الأميركي- الفرنسي الذي يقضي بوقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وحزب الله. ويشتهر نتنياهو بمقاومة التعامل الدبلوماسي الجاد مع الخصوم، وعادة ما يبرر هذه المقاومة من خلال تصويرهم على أنهم تجسيد للشر. فإذا كان بايدن يريد فعلًا وقف إطلاق النار، فلماذا يتبنى هذا النوع من الخطاب المبالغ فيه الذي استخدمه نتنياهو لمقاومته؟ ألم يسهّل تعنت نتنياهو من خلال تأييد روايته الداعمة؟
2. يقول نتنياهو إنه صعّد الهجمات على لبنان بشكل كبير خلال الأسبوعين الماضيين لأنه يجب عليه أن يفعل "كل ما يلزم" لوقف إطلاق صواريخ حزب الله حتى يتمكن الإسرائيليون الذين تم إجلاؤهم من الجزء الشمالي من البلاد من العودة إلى منازلهم. ولكن، كما أوضح حزب الله منذ البداية، فإنّ كل ما يتطلبه الأمر لوقف إطلاق الصواريخ على "إسرائيل" هو أن توقف هذه الأخيرة حربها على غزة. كما أنّ وصف بايدن للدوافع وراء هجمات حزب الله يحجب هذه المشروطية؛ وبالتالي، يقلل ولو بشكل بسيط الضغط على نتنياهو لإنهاء حرب غزة، وهو الأمر الذي يدعي بايدن أنّه يريده.
وعلى الرغم من أنّ وقف إطلاق النار مع لبنان الذي اقترحته الولايات المتحدة وفرنسا يستلزم وقف إطلاق النار في غزة، فإن الالتزامات المصاحبة كانت ستستمر ثلاثة أسابيع فقط، ما يعني أنّ أياً من الأسباب المعلنة لـ"إسرائيل" لمقاومة وقف إطلاق النار الأطول في غزة لن يطبق. (فعلى سبيل المثال، لن تضطر "إسرائيل" إلى سحب قواتها من ممر فيلادلفيا، بين مصر وغزة). فلماذا عندما كان لدى بايدن أكبر مكبر صوت متاح لأي شخص هذا الأسبوع - منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة - لم ينقل مدى ضآلة ما تطلبه الولايات المتحدة وفرنسا من "إسرائيل" وممارستهما بعض الضغوط على نتنياهو؟ ولماذا فعل العكس عندما وصف هجمات حزب الله تماماً كما كان يريد نتنياهو؟
قبل عقدين من الزمن، أعرب آرون ديفيد ميلر، المفاوض الأميركي المخضرم، عن أسفه لأنّ المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم هو، وفق اعترافه، اعتادوا على التصرف باعتبارهم "محامي إسرائيل" بدلًا من القيام بدور الوسيط النزيه بينها وبين خصومها. وكان يشير إلى المفاوضات الرسمية مع الفلسطينيين، مثل محادثات كامب ديفيد عام 2000، ولكن الحقيقة هي أنّ هذا الاتجاه الأساسي بقي ثابتاً في التعاملات الأميركية مع "إسرائيل" على نطاق أوسع. وكما اقترح ميلر، فإنّ هذا الأمر لا يخدم مصالح "إسرائيل" على المدى الطويل (ناهيك بمصالح الولايات المتحدة) حتى لو كان يخدم المصالح السياسية لرئيس الوزراء في ذلك الوقت.
وحتى خلال العام الفائت، حين قتلت "إسرائيل" واحداً من كل 50 من سكان غزة، وواحداً على الأقل من كل 100 مدني في غزة، وصفت إدارة بايدن، التي تعلن عن نيتها إرساء السلام، وضع "إسرائيل" بطريقة لا تفرض أي ضغط على نتنياهو لتحقيق ذلك. ويتضمن التفاعل المعتاد مع المراسلين من قبل المتحدث باسم الأمن القومي جون كيربي أو المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر تذكيرهم بأنّ حماس هي التي بدأت الحرب وبأنّ لـ "إسرائيل" الحق في الدفاع عن نفسها، والإشارة بطريقة أو اثنتين إلى أنّ حماس أسوأ من "إسرائيل". وفي كثير من الأحيان، هناك طقوس رثاء "للمعاناة" في غزة، وكأنّ "المعاناة" هي قوة ميتافيزيقية مستقلة تزور بشكل غامض أجزاء بائسة من العالم، وليست أمراً ناجماً عن القنابل التي تقدمها الولايات المتحدة لـ"إسرائيل".
وقد استمر هذا النمط الأساسي لعقود من الزمن. فالولايات المتحدة تمد "إسرائيل" بالسلاح، وتقتل من تشاء أينما تشاء، بغض النظر عن العواقب على الاستقرار الإقليمي وبغض النظر عن أي قوانين دولية أو وطنية تُنتهك في هذه العملية. والولايات المتحدة، كأي محامٍ جيد، تصف سياق الهجمات على نحو كأنها تبررها. وبالتالي، فإنّ الضربة الإسرائيلية اليوم التي استهدفت الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والتي تجعل الشرق الأوسط أقرب بشكل ملحوظ إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، هي في جزء منها نتاج سنوات كثيرة من هذا النوع من التعزيز الإيجابي.
وعند الحديث عن القوانين الوطنية التي تتم التضحية بها دفاعاً عن "إسرائيل"، ذكرت صحيفة "ProPublica" هذا الأسبوع أنّه في شهر نيسان/ أبريل، تجاهل وزير الخارجية أنتوني بلينكن تقريرين لإدارة بايدن خلصا إلى أنّ "إسرائيل" تمنع المساعدات الأميركية من الوصول إلى غزّة. وهي النتائج التي، وفقاً للقانون الأميركي، كان يجب أن تدفع واشنطن إلى وقف صادرات الأسلحة إلى "إسرائيل". وهذان التقريران صادران عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) ومكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لوزارة الخارجية، وهما السلطتان الحكوميتان الرائدتان في مجال المساعدات الإنسانية. وعلى الرغم من أنّ بلينكن كان على علم بكلا التقريرين، فإنه اختار التصديق على امتثال "إسرائيل" للقانون، وصرّح أمام أعضاء الكونغرس في أيار/مايو قائلًا: "لا نعتقد حالياً بأنّ الحكومة الإسرائيلية تحظر أو تقيّد نقل أو توصيل المساعدات الإنسانية الأميركية".
ووفقاً لسارة هاريسون، المحامية السابقة في البنتاغون، فإنّ هذا الأمر كان متوقعاً. وكتبت: "هذه خلاصة تجربتي في الحكومة. في حال قرر البيروقراطيون أنّ تصرفات إسرائيل تستدعي تدخل القانون الأميركي الذي يقيّد نقل الأسلحة، فإن القيادة السياسية ستتجاهلها".
وقد أتى قرار بلينكن في لحظة حرجة. إذ كانت القوات الإسرائيلية قد سيطرت للتو على معبر في مدينة رفح الجنوبية، وأغلقت نقطة دخول رئيسة للمساعدات الإنسانية. وكانت إدارة بايدن تأمل في وقف هجوم واسع النطاق على رفح، حيث لجأ الكثير من النازحين الغزيين، لكن بيان بلينكن كان بمنزلة ضوء أخضر لـ"إسرائيل"؛ وبعد أربعة أيام، بدأت القوات الإسرائيلية هجوماً أدّى إلى نزوح مليون شخص من غزة وتدمير أكثر من 40% من المباني في رفح أو إلحاق الضرر بها.
ولم يقم أحد بتشجيع وتعزيز أعمال "إسرائيل" العسكرية أكثر من محامي "إسرائيل" الأميركيين، بمن فيهم أنتوني بلينكن وجو بايدن في الآونة الأخيرة. وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إنّ "بايدن يتباهى بسجله في الأمم المتحدة مع اندلاع أعمال العنف في الشرق الأوسط".
نقلته إلى العربية: زينب منعم