"Responsible Statecraft": بعد غزّة.. الإسرائيليون يوجّهون الدبابات والأسلحة نحو الضفة الغربية

رفعت إدارة ترامب العقوبات المفروضة على المستوطنين المتطرّفين هذا الأسبوع، مما أثار تساؤلات حول سياساته المقبلة.

0:00
  • جثمان الطفلة ليلى الخطيب البالغة من العمر عامين ملفوفة بالعلم الفلسطيني بعد أن قتلت في إثر غارة عسكرية إسرائيلية على جنين بالضفة الغربية المحتلة (أ ف ب)
    جثمان الطفلة ليلى الخطيب البالغة من العمر عامين ملفوفة بالعلم الفلسطيني بعد أن قتلت في إثر غارة عسكرية إسرائيلية على جنين بالضفة الغربية المحتلة (أ ف ب)

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب والباحث الأميركي بول بيلار، يتحدّث عن عمليات "الجيش" الإسرائيلي في الضفة الغربية، بعد وقف إطلاق النار في غزة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

لقد ركّزت أغلب الأنظار على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية على قطاع غزة، وذلك في ضوء الهجوم الإسرائيلي المدمّر الذي حوّل معظم تلك المنطقة إلى أنقاض.

ولكنّ الأراضي الفلسطينية المحتلة الأكبر حجماً؛ الضفة الغربية، إلى جانب ما حدّدته "إسرائيل" بالقدس الشرقية، لم تتوقّف قطّ عن كونها على خط المواجهة في الصراع. فخلال تلك الأشهر الخمسة عشر نفسها، قُتل أكثر من 800 فلسطيني في الضفة الغربية إمّا على يد "الجيش" الإسرائيلي أو المستوطنين اليهود، وفقاً لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

وقد تزايد العنف الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ بدء وقف إطلاق النار الأخير في غزة. وكانت أحدث غارة من سلسلة الغارات التي شنّها "الجيش" الإسرائيلي تركّزت على مدينة جنين، ووصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنها "واسعة النطاق وذات مغزى". وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية بمقتل ثمانية أشخاص وإصابة ما لا يقلّ عن 35 آخرين في الساعات القليلة الأولى من العملية.

وفي الوقت نفسه، ارتفعت أعمال العنف التي يمارسها المستوطنون الإسرائيليون ضدّ الفلسطينيين وممتلكاتهم بشكل حادّ. وفي العام الذي أعقب شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، سجّل مكتب الأمم المتحدة أكثر من 1400 حادثة من هذا النوع من العنف في الضفة الغربية.

إنّ التصعيد الأخير للعنف الإسرائيلي في الضفة الغربية مرتبط بوقف إطلاق النار في غزة بعدة طرق. فقد كان نتنياهو يسير على حبل مشدود سياسياً في الموافقة على وقف إطلاق النار في حين كان يسترضي العناصر اليمينية في ائتلافه والتي تريد استمرار الحرب. وتصعيد العمليات العسكرية في الضفة الغربية هو أحد السبل لإرضاء تلك العناصر في حين تنتظر استئناف التدمير في قطاع غزة.

كما تساعد زيادة العمل العسكري في الضفة الغربية نتنياهو على تحويل الانتباه عن الفشل في تحقيق هدفه المعلن المتمثّل في تدمير حماس.

وهناك صلة أخرى تتمثّل في توفّر الموارد العسكرية. فقد تعرّض "الجيش" الإسرائيلي لضغوط بسبب أكثر من عام من العمليات المكثّفة ضدّ غزة، ناهيك عن الهجمات الإسرائيلية خلال العام الماضي في لبنان وسوريا. والتوقّف في غزة يمكّن من إعادة نشر بعض هذه الموارد إلى الضفة الغربية. ومن الجدير بالذكر أنّ ضعف "إسرائيل" في مواجهة هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 ربما كان مرتبطاً بإعادة نشر سابقة لبعض قوات الأمن من جنوب "إسرائيل" إلى الضفة الغربية.

إنّ الضفة الغربية كانت دوماً أكثر أهمية من قطاع غزة، وخاصةً من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية. فقد كانت غزة بمثابة السجن المفتوح الذي كان من الممكن أن يحتجز فيه قسم كبير من السكان الفلسطينيين، ولكن الضفة الغربية تشكّل جزءاً مركزياً ثميناً من التوسّع الإسرائيلي. والآن يعيش أكثر من 600 ألف مستوطن إسرائيلي يهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو ما يجسّد التوسّع الإسرائيلي في حدّ ذاته وعزم "إسرائيل" على جعل إقامة دولة فلسطينية أمراً مستحيلاً.

خلال فترة ولايته الأولى، عكس ترامب عقوداً من السياسة الأميركية من خلال التصريح بأنّ المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تنتهك القانون الدولي. ومن خلال تعييناته وخطاباته، أشار ترامب إلى أنّ إدارته الثانية ستكون على الأقل محترمة للحكومة الإسرائيلية في هذه المسائل كما كانت إدارته الأولى.

وكان أحد أوائل ترشيحاته بعد الانتخابات هو حاكم أركنساس السابق مايك هاكابي لمنصب السفير لدى "إسرائيل". قال هاكابي، وهو صهيوني، إنّه "لا يوجد حقاً شيء اسمه فلسطين". وقد صرّح مراراً وتكراراً بأنّ الضفة الغربية - وهو الوصف الذي يتجنّبه ويقول "يهودا والسامرة"، تنتمي إلى "إسرائيل" وإنّ "سند الملكيّة أعطاه الله لإبراهيم وورثته".

كذلك، رفضت مرشّحة ترامب لمنصب السفير لدى الأمم المتحدة، إليز ستيفانيك، أن تقول في جلسة تأكيدها ما إذا كان للشعب الفلسطيني الحقّ في تقرير المصير. قالت ستيفانيك إنّها تتفق مع الرأي القائل بأنّ "إسرائيل لها حقّ توراتي في الضفة الغربية بأكملها".

كما هو الحال مع العديد من تصرّفات ترامب الاستفزازية المبكرة، لا توجد أيّ علامة على ردّ فعل من أعضاء حزبه في الكونغرس. في الشهر الماضي، قدّم السيناتور توم كوتون من أركنساس، والذي يرأس الآن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، مشروع قانون يتطلّب الإشارة في الوثائق الرسمية الأميركية إلى "يهودا والسامرة" بدلاً من الضفة الغربية، حيث قال كوتون إنّ "الحقوق القانونية والتاريخية للشعب اليهودي في يهودا والسامرة تعود إلى آلاف السنين".

لقد عزّز ترامب العنف في الضفة الغربية بشكل مباشر من خلال إزالة العقوبات المفروضة على المستوطنين الإسرائيليين الذين ارتكبوا أعمال عنف ضدّ السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، وذلك في إطار إلغائه لعشرات من إجراءات إدارة بايدن في اليوم الأول. وربما كان هذا بالنسبة لترامب مجرّد إجراء انعكاسي آخر لإلغاء ما فعله سلفه الديمقراطي، فضلاً عن القيام بأيّ شيء يمكن أن يصنّفه هو أو أتباعه على أنه "مؤيّد لإسرائيل". لكنّ التأثير العملي هو إعطاء الضوء الأخضر لمرتكبي الأعمال المميتة، التي تتراوح من إطلاق النار إلى الحرق العمد، والتي دمّرت حياة وسبل عيش. وفي معظم الحالات، كانت جريمة الضحايا الوحيدة هي العيش في الأرض التي عاشوا فيها هم وعائلاتهم لقرون.

إنّ كل هذه السياسات الأميركية والإسرائيلية هي وصفة لزيادة العنف الذي لا ينتهي في الضفة الغربية. ولن تؤدّي الغارات العسكرية ولا ترهيب المستوطنين إلى دفع السكان الفلسطينيين في المنطقة إلى الاستسلام وقبول معاملتهم. وسوف يتضخّم الاستياء من القهر والفصل العنصري بسبب الغضب من الموت والدمار.

وكما حدث مع حماس في قطاع غزة، فإنّ العمليات العسكرية الإسرائيلية واسعة النطاق لن تقتل إرادة المقاومة حتى لو استمرّت. فقد دعت حماس نفسها إلى "حشد شعبي" في الضفة الغربية لمعارضة التصعيد العسكري الإسرائيلي هناك، فضلاً عن مقاومة العنف الذي يمارسه المستوطنون. وكما حدث في قطاع غزة، فإنّ إرادة المقاومة سوف تعني تجنيد المزيد من المقاتلين ليحلّوا محلّ أولئك الذين تتمكّن "إسرائيل" من قتلهم.

إنّ العواقب الوخيمة المترتّبة على العنف تشمل المزيد من المعاناة التي تفوق ما يتحمّله سكان الضفة الغربية بالفعل. كما يشكّل العنف عاملاً إضافياً لزعزعة الاستقرار في المنطقة الأوسع نطاقاً، وخاصة في الأردن المجاورة، حيث يعيش عدد كبير من السكان من أصل فلسطيني.

بالنسبة للولايات المتحدة فإنّ العواقب الوخيمة تشمل الاستياء والغضب، اللذين قد يتخذان أشكالاً مختلفة، بما في ذلك الأعمال المناهضة لأميركا، والنابعَين من الارتباط الوثيق بالمعاملة الإسرائيلية اللاإنسانية للفلسطينيين. والولايات المتحدة تدفع بالفعل ثمناً باهظاً في هذا الصدد لارتباطها بالمذبحة في غزة. وسوف يرتفع الثمن كلما انجرفت الضفة الغربية إلى الصورة القبيحة نفسها.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.