"Counterpunch": تكريم نتنياهو إهانة لأميركا

تكريم مجرم الحرب بنيامين نتنياهو في الكونغرس ما هو سوى إهانة لأميركا، ويجب إعادة تقييم جدّي للعلاقات الأميركية مع الاحتلال الإسرائيلي.

0:00
  • "Counterpunch": تكريم نتنياهو إهانة أميركا

موقع "Counterpunch" ينشر مقالاً للكاتب مايكل هاغر، وهو أحد مؤسسي المنظّمة الدولية لقانون التنمية في روما ومديرها العام السابق، يتحدّث فيه عن الزيارة المرتقبة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة، وخطابه الذي سيلقيه في الكونغرس.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

يتشارك زعماء المؤسسات السياسية الأميركية بدعوة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى جلسة مشتركة للكونغرس ومجلس النواب الذي بادر رئيسه مايك جونسون إلى هذه الدعوة، ثم انضم إليه زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر وزعيم الأقلية الجمهورية حكيم جيفريز.

هذه ليست الدعوة الأولى لزعيم إسرائيلي لإلقاء كلمة غايتها المعلنة "تعزيز" العلاقات القوية فعلاً بين "إسرائيل" والولايات المتحدة. ولن تكون هذه الدعوة الأولى لنتنياهو كي يقرع الإدارة الديمقراطية للبيت الأبيض. ففي عام 2015، تجاوز نتنياهو كلّ حدّ بانتقاده إدارة باراك أوباما بشدة على المفاوضات الإيجابية في مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران. مع ذلك، تجاهل أوباما إهانة نتنياهو له وكافأ الاحتلال بأكبر منحة في تاريخ المساعدات العسكرية لـ "تل أبيب" بقيمة 38 مليار دولار على مدى 10 سنوات.

ورغم أنّ زيارة نتنياهو المخطّط لها قد تكون غير مستساغة بالنسبة لبعض أعضاء الحزب الديمقراطي، لكنّها لم تفاجئهم على الإطلاق. فلقد تبرّعت منظّمات الضغط المؤيدة لـ "إسرائيل" بمبالغ كبيرة لأعضاء الكونغرس في انتخاباتهم الأخيرة. كذلك فعلت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية "أيباك"، التي تعهّدت بدفع 100 مليون دولار لهزيمة الديمقراطيين التقدّميّين في مجلس النواب الذين دعوا إلى وقف إطلاق النار، وعارضوا نقل الأسلحة الأميركية إلى "إسرائيل" والإبادة الجماعية التي تنفّذها بحقّ الفلسطينيين في غزة، بما فيها هجمات المستوطنين على البلدات والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية.

علاوة على ذلك، لم تقلل الجرائم الإسرائيلية المستمرة بحقّ المدنيين الفلسطينيين، من حماس أعضاء الكونغرس ومجلس النواب للاحتلال. بل إنّ أعضاء الكونغرس المؤيدين لـ "إسرائيل" أدانوا الاحتجاجات الأخيرة التي عمّت معظم جامعات الولايات المتحدة باعتبارها معاداة للسامية. وعلى الرغم من ارتفاع عدد الضحايا من سكان غزّة وتحذيرات محكمة العدل الدولية من الإبادة الجماعية، فإنّ الرواية الإسرائيلية التي تلقي باللوم على حركة "حماس" في سقوط الضحايا الفلسطينيين وتتهم المؤيدين للفلسطينيين بمعاداة السامية ترسّخت بفعل تزوير للحقائق لا مثيل له أبداً.

لا مبالغة في أنّ السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تهيمن عليها "إسرائيل" بالكامل. ويتعاون البيت الأبيض والكونغرس معاً في توفير القنابل والصواريخ التي تغذّي حرب "إسرائيل" الوحشية ضدّ المدنيين الفلسطينيين في غزّة، وما دامت أموال تبرّعات جماعات الضغط مؤمّنة للسياسيين، فمن غير المرجّح أن يتغيّر شيء في العلاقة الحميمة بين واشنطن و"تل أبيب". والحال كما هو، فمن المتوقّع الكثير من التصفيق والهتافات عندما يتحدث نتنياهو أمام الكونغرس. ومن غير المرجّح أن تؤدي المقاطعة المتوقّعة من جانب عدد صغير من الأعضاء إلى تخفيف حرارة العلاقة بين مؤسسة الكونغرس و"إسرائيل" المجرمة.

ومن المعروف أنّ أشدّ المؤيدين لـ "إسرائيل" صخباً يتلقون أكبر قدر من المال من جماعات الضغط الصهيونية، كما يلحظ تزايد تبرعات جماعات الضغط لأعضاء الكونغرس منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة قبل نحو 9 شهور. كذلك، من المعلوم أنّ المرشحين لمقاعد مجلس النواب أو مجلس الشيوخ يواجهون خيارات صعبة، في قبول أموال جماعات الضغط أو أنّها ستذهب إلى خصومهم. ولا عجب أن يتبع أعضاء مجلس الشيوخ والنواب من كلا الحزبين بلا تفكير قيادة الرئيس جو بايدن في إعطاء "جيش" العدوان الصهيوني كل الأسلحة الفتّاكة التي يريدها لحربه المستمرة على الأبرياء في غزة.

لقد استخدمت الولايات المتحدة حقّ النقض "الفيتو"، ضدّ قرارات متكرّرة لمجلس الأمن الأممي بوقف إطلاق النار في غزة. وحين طلب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكّرات اعتقال لنتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت لارتكابهما جرائم حرب، دعا بعض أعضاء الكونغرس إلى فرض عقوبات على المدّعي العام. وعندما أعلن بايدن مؤخراً عن خطة من 3 مراحل لإنهاء الحرب وإعادة المحتجزين في غزة، ودعمه بقرار مجلس الأمن بهذا المعنى، استمر نتنياهو في الإصرار على أنّ هجومه على غزة لن ينتهي حتى تتحقّق جميع أهداف حربه. لقد أصبحت الولايات المتحدة الآن خلف "إسرائيل" لا أمامها، في حين أنّ نتنياهو خلف أعضاء حكومته الحربية من الفاشيين. فمن أو ما الذي يستطيع أن يكسر هذه العقدة المستعصية؟

في كانون الثاني/يناير، أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً أولياً ينص على ضرورة اتخاذ "جميع التدابير" لمنع أعمال الإبادة الجماعية في غزة. ومن المتوقّع أن تحكم المحكمة في نهاية المطاف بأنّ جرائم الحرب العديدة التي ارتكبتها "إسرائيل"، بما في ذلك استخدام التجويع كتكتيك حربي، تشكّل في الواقع هذه الجريمة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948. ومن خلال تجاهل وازدراء محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، تعمل الولايات المتحدة على تقويض كلتا المؤسستين وسيادة القانون الدولي، وتفرض تحدياً على كلّ من يسعى لكسر هذه العقدة المتشابكة.

ينبغي النظر إلى كلمة نتنياهو أمام الكونغرس باعتبارها نقطة تحوّل في العلاقات بين الولايات المتحدة والاحتلال. ومع انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، فقد حان الوقت للمرشّحين المحتملين للدعوة إلى إعادة ضبط علاقات أميركا مع "تل أبيب". والأمر الأكثر ضرورة الانتباه إليه الآن، هو أنّ الفشل في التوصّل إلى وقف إطلاق النار في غزة يهدّد باندلاع حرب كبرى مع حزب الله في لبنان، والتي من المرجّح أن تورّط الولايات المتحدة نفسها في صراع لا تريده.

من الواضح أنّ الولايات المتحدة لا يمكن أن تكسب شيئاً من التعاون مع نظام متطرّف يرتكب جرائم إبادة جماعية في غزة وتطهيراً عرقياً في الضفة الغربية. هذا هو الوقت المناسب لصنّاع القرار السياسي في الولايات المتحدة لتوسيع آفاقهم والتفكير خارج صندوق الدولة الأمنية، التي لا يهمها سوى نشر مئات القواعد العسكرية ووكلاء الهيمنة الإمبريالية على امتداد العالم.

إنّ زيارة نتنياهو لا بدّ وأن تدفع إلى تقييم جدّي للعلاقات الأميركية مع الاحتلال الإسرائيلي. كما لا بدّ وأن تدفع المواطنين إلى التشكيك في تمويل الانتخابات الأميركية من قِبَل جماعات الضغط الصهيونية والشركات والأثرياء، الذين يفسدون الديمقراطية بأموالهم. وما تكريم مجرم الحرب نتنياهو في الكونغرس سوى إهانة لأميركا.

نقله إلى العربية: حسين قطايا