"972+": كيف شقّت الكاهانية طريقها إلى التيار السياسي السائد في "إسرائيل"؟

إنّ خطاب الإبادة الجماعية ليس جديدًا على السياسة الإسرائيلية. لكن تدمير غزة يعكس الأسلوب المروّع الذي ينتهجه الكنيست، المؤسسة التي استوعبت تدريجياً أعضاء من جماعة إرهابية سابقة. 

  • "972+": كيف شقّت الكاهانية طريقها إلى التيار السياسي السائد في "إسرائيل"؟

مجلة "972+" الإسرائيلية تنشر تقريراً مطولاً يتناول صعود المتطرفين اليمينيين في إسرائيل واندماجهم المتزايد في التيار السياسي الإسرائيلي الرسمي. 

النص يسلّط الضوء على عملية تطبيع وتبني الفكر المتطرف اليميني الإسرائيلي داخل مؤسسات الدولة، خصوصاً من خلال تعيينات سياسية وتحالفات انتخابية، ما أدى إلى تحول جذري في الخطاب والممارسة السياسية في "إسرائيل" باتجاه المزيد من التطرف والعنف والعنصرية، خصوصاً تجاه الفلسطينيين.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

في نهاية كانون الثاني/يناير، وصل سفير "إسرائيل" لدى الولايات المتحدة إلى واشنطن لتولي منصبه الجديد. وبطريقة ما، تُعدّ السيرة الذاتية ليحيئيل ليتر نموذجية بالنسبة لشخص تم تعيينه في أحد أرقى المناصب الدبلوماسية على الإطلاق.

وُلد ليتر في الولايات المتحدة وهاجر إلى "إسرائيل"، وشغل عدداً من المناصب الحكومية العليا، بما في ذلك منصب رئيس مكتب وزير المالية آنذاك بنيامين نتنياهو، قبل أن يعمل باحثاً بارزاً في منتدى "كوهيليت" السياسي اليميني، ثم انتقل إلى القطاع الخاص بعد فشله في الترشح لمنصب مع حزب "الليكود" الحاكم في "إسرائيل".

لكن هناك أجزاء أخرى من سيرة ليتر أكثر غرابة بالنسبة لدبلوماسي رفيع المستوى، وأهمها عضويته السابقة في منظمة صنّفها بلده الأم وبلده بالتبنّي على أنها جماعة إرهابية.

وخلال وجوده في الولايات المتحدة، كان ليتر عضواً في عصبة الدفاع اليهودية اليمينية المتطرفة، وهي جماعة أهلية عنيفة أسسها الحاخام الأميركي المتطرف مائير كاهانا. في سبعينيات القرن العشرين، وبعد انتقاله إلى "إسرائيل"، انضم ليتر إلى حزب "كاخ"، وهو الحزب السياسي والحركة الفاشية التي أسسها كاهانا بعد هجرته. نشأت حركة "كاخ" في البداية كفرع دولي لعصبة الدفاع اليهودية، ثم تحولت في النهاية إلى منظمة إسرائيلية أصيلة، أنتجت عقيدتها السياسية الخاصة: الكاهانيّة. وفي وقت لاحق، رُشّح ليتر كزعيم للاستيطان اليهودي المتطرف في الخليل، قبل أن يصبح زعيماً في حركة الاستيطان الأوسع.

في عام 1994، بعد أن ارتكب باروخ غولدشتاين، وهو عضو في حركة "كاخ" وأحد أتباع كاهانا ومهاجر أميركي آخر إلى "إسرائيل"، مذبحة راح ضحيتها 29 فلسطينياً أثناء الصلاة في الحرم الإبراهيمي بالخليل، صنّفت كلٌّ من الحكومتين الإسرائيلية والأميركية حركة "كاخ" منظمةً إرهابية. (ألغت وزارة الخارجية الأميركية هذا التصنيف في عام 2022).

إنّ تعيين ليتر سفيراً لدى الولايات المتحدة على الرغم من عضويته السابقة في هذه المجموعة أمرٌ جدير بالملاحظة، ويقدم صورة محبطة عن التطرف في السياسة الإسرائيلية والأميركية على حد سواء. وقد تم تأكيد ذلك في أواخر نيسان/أبريل عندما وصل أحد أبرز أعضاء حركة "كاخ"، ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، إلى الولايات المتحدة في أول زيارة رسمية له إلى الخارج بعد مقاطعة إدارة بايدن له. والتقى بن غفير، الذي أدين بدعم منظمة إرهابية، بالكثير من أعضاء الكونغرس الجمهوريين وتحدث إلى الجماهير المرحبة به في منتجع "مار إيه لاغو" في مانهاتن وفي جامعة ييل، وذلك خلال زياراته لسجن ومتجر أسلحة ومدرسة يهودية في فلوريدا.

ويُعد صعود ليتر نافذة على قصة أكبر، وهي الاستيعاب الدائم والمتزايد للجماعات المتطرفة في التيار السياسي السائد في "إسرائيل"، وعادة ما يتم ذلك من خلال تعيين المتخرجين فيها في مناصب عامة أو توظيفهم كمساعدين كبار لأعضاء أقوياء في الكنيست.

لقد أصبح مشهد الكاهانيين وأعضاء "شباب التلال" المتطرفين وهم يمارسون حياتهم اليومية في البرلمان الإسرائيلي أمراً مكرّساً اليوم، وهو يُبرز بوضوح المسار السياسي الإسرائيلي نحو اليمين على مدى العقود القليلة الماضية ــ والذي تسارع إلى سباق نحو القاع منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وبات شائعاً اليوم سماع تصريحات تلائم بسهولة بيان حزب "كاخ" من قبل سياسيين لا يعُتبرون متطرفين بأي حال من الأحوال في الساحة السياسية الإسرائيلية ذات التوجه اليميني.

لننظر مثلاً إلى وزير الدفاع السابق يوآف غالانت وهو يعلن في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أننا "نقاتل حيوانات بشرية، ونحن نتصرف وفقاً لذلك"، بينما يعلن عن فرض حصار كامل على قطاع غزة؛ أو إلى نائب رئيس الكنيست وعضو الكنيست عن حزب "الليكود" نيسيم فاتوري وهو يدعو إلى "محو قطاع غزة من على وجه الأرض"؛ أو إلى عضو الكنيست عن حزب "الليكود" أميت هاليفي وهو يقول إنه "ينبغي ألّا تكون هناك أي أرض إسلامية في أرض إسرائيل.. [و] ينبغي ترك غزة كنصب تذكاري، مثل قرية سدوم"؛ أو إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وهو يذكر تلميحات الكتاب المقدس حول مصير غزة والتي فُهمت على نطاق واسع على أنها إشارة إلى المذبحة الجماعية.

إنّ الخطاب المحرّض على ارتكاب إبادة جماعية ليس جديداً على السياسة الإسرائيلية، أو على الساحة العامة الإسرائيلية ويشارك فيه عدد كبير من الصحافيين. وقد اقترنت الهجمات الإسرائيلية السابقة على قطاع غزة بدعوات "لتدمير" القطاع أو "محوه"، وإن لم تكن موحّدة تماماً بين مختلف الأطياف السياسية. إلا أنّ ما تغيّر هو الفجوة بين الخطاب وما يحدث فعلياً على أرض الواقع. والدمار الشامل الذي يخلّفه الهجوم الحالي يبدو أقرب من أي وقت مضى إلى الأسلوب المروع الذي ينتهجه الكنيست، بحيث سمح الحزب السياسي الأكثر هيمنة في تاريخ البلاد للكاهانيين الحاليين والسابقين الذين يعتنقون الرؤى العنيفة لمؤسسهم بالانضمام إليه. 

من قمم التلال إلى أروقة السلطة

لقد نتج عن انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2022 التي جرّتنا إلى هذا المستنقع، عدد من الأحداث التي تحصل للمرة الأولى: المرة الأولى التي نجح فيها أحد أتباع كاهانا المعلنين في دخول الائتلاف الحاكم ثم مجلس الوزراء؛ والمرة الأولى التي دخل فيها عضو سابق في حركة "شباب التلال" الحكومة وأصبح آخر مساعداً برلمانياً؛ والمرة الأولى التي استحوذت فيها قائمة انتخابية ذات توجه كاهاني على أكثر من 10% من الأصوات الإسرائيلية. وقد أدّت هذه التطورات وغيرها إلى وصف الائتلاف الحاكم الأخير في "إسرائيل"، عندما أدى اليمين الدستورية، بسرعة وبدقة بأنه الأكثر يمينية في تاريخ البلاد.

لقد تم تقديم الكثير من الشروحات لسبب وصف كل حكومة إسرائيلية منتخبة حديثاً على مدى العشرين عاماً بهذا الوصف، إلا أنّ هناك آلية أخرى طويلة الأمد تلعب دورها، والحكومة الحالية ليست سوى أحدث مثال على ذلك. ومع استيعاب المؤسسة السياسية تدريجياً لبعض العناصر الأكثر تطرفاً في "المجتمع" الإسرائيلي، بات أصحاب الأيديولوجيات اليمينية في الأمس، الذين كانوا يحتجون ضد الحكومة من الخارج في الماضي، أعضاء في الكنيست ومعاونين وموظفين في الوزارات اليوم.

وقد استمر هذا الأمر بشكل أو بآخر منذ تأسيس الدولة. فالجماعات اليمينية المتطرفة التي فجرت الفنادق والأسواق خلال حقبة ما قبل الدولة، وحرّضت ضد سلطات الانتداب البريطاني والسكان العرب الأصليين في فلسطين ومنافسيها اليهود من التيار السائد، اندمجت بسرعة في مؤسسات الدولة الجديدة، من "الجيش" إلى البرلمان. وعلى الرغم من أن اليمين الإسرائيلي أظهر هدوءاً نسبياً خلال الخمسينات والستينات، فإن هذا الاتجاه برز من جديد بقوة عقب احتلال غزة والضفة الغربية عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، وهذا ما أطلق العنان لحركة الاستيطان وأدى إلى ظهور اليمين المتطرف اليهودي الجديد المشبع بالحماسة المسيحانية، وإن كان له روابط تنظيمية وأيديولوجية مع أسلافه.

ويُعدّ تسلل أتباع الكاهانية إلى الساحة السياسية الإسرائيلية السائدة أبرز جوانب هذا التوجه وأكثرها ثباتاً، نظراً لطول عمر الحركة وأيديولوجيتها الفاشية الواضحة. لكن حركة "كاخ" ليست الجماعة اليمينية المتطرفة الوحيدة في "المجتمع" الإسرائيلي التي وجدت لنفسها مكاناً في الكنيست. فقد وجد أعضاء "غوش إيمونيم"، والتنظيم اليهودي السري، وحركة "جبل الهيكل"، وكما أشرنا أعلاه، "شباب التلال"، طريقهم إلى أروقة السلطة في "إسرائيل"، سواء كمسؤولين منتخبين أو كمساعدين ومستشارين لهم.

وعلى مدى العقود الخمسة الماضية، ظهرت جماعات اليمين المتطرف لتحدي سياسة الحكومة الإسرائيلية، وخاصة في ما يرتبط بالخيانات المزعومة لمشروع الاستيطان اليهودي والتطهير العرقي للفلسطينيين. فاعترضت هذه الجماعات، على سبيل المثال، على اتفاقيات كامب ديفيد في أواخر سبعينات القرن الماضي، واتفاقيات أوسلو في منتصف تسعيناته. والآن، كما كانت الحال آنذاك، تُصرّ على أن الحكومة و"الجيش" لا يبذلان جهوداً كافية لاستيطان الأرض، وحماية اليهود، والقضاء على الفلسطينيين.

وبمرور الوقت، تم دمج أعضاء هذه الجماعات في المؤسسات الحاكمة في البلاد. وقد جرّدت هذه العملية قدرتهم على الضغط على الحكومة من الخارج؛ ولا يزال الاستقطاب إحدى أكثر الطرق فعالية للقضاء على الحركات الاحتجاجية. كما تكشف هذه العملية عن عبثية إصرار الحكومة الإسرائيلية، على إثر العنف القومي اليهودي، على اتخاذ إجراءات ضد "التفاح الفاسد"، فقط لكي ترحب بنظرائها الأيديولوجيين في السلطة في وقت لاحق.

وفي حين أنّ استقطاب المتطرفين قد يحيد ضغوطهم الخارجية، فإنه يعمل أيضاً على ترسيخ أفكارهم السامة؛ وبالتالي، إدامة الزخم اليميني في البلاد. ففي كل مرة تظهر فيها مجموعة يمينية متطرفة جديدة، غالباً ما تكون أكثر تطرفاً من سابقتها، ومن ثم تُضمّ إلى النسيج الانتخابي الإسرائيلي، فيصبح جمهور الناخبين، إلى جانب قطاعات كبيرة من المعلقين، معتاداً بشكل مُطرد على خطابها العنيف.

بعد انتخابه لعضوية الكنيست لأول مرة كرئيس لحزب "أوتزما يهوديت"، حظي صعود بن غفير السريع عام 2021 بتغطية إعلامية مكثفة لخطاب اليمين المتطرف العنصري والاضطهادي. وقد عززت هذه التغطية الإعلامية من دعمه الجماهيري، ما رسّخ مكانته في المشهد السياسي الإسرائيلي الرسمي. وأضحى بن غفير اليوم مقبولاً على نحو لم يكن عليه كاهانا قط. ولكن حتى عندما كان كاهانا على قيد الحياة، كان أتباعه السابقون يشقون طريقهم بالفعل إلى التيار السائد في السياسة الإسرائيلية.

ومن هذا المنظور، فإنّ الدور الذي لعبه نتنياهو على مدى السنوات القليلة الماضية في محاولة التوسط في صفقات انتخابية لمصلحة حزب كاهانا من أجل ضمان دخوله إلى الكنيست ليس مفاجئاً. فتحالف الليكود – الكاهانية في حدّ ذاته له تاريخ أطول بكثير، وهو تاريخ يضم المجموعة الكبرى من المحرّضين اليمينيين المتطرفين إلى الحكومة والذي يعدّ جزءاً منه - وهو ما أدّى، مع انتخاب بن غفير في عام 2021، إلى عودة الكاهانيين رسمياً إلى كنف الدولة. 

مسار مُعتاد

بدأت القصة في أوائل سبعينات القرن العشرين، عندما وصل كاهانا إلى "إسرائيل" هرباً من مشاكل قانونية في الولايات المتحدة، وسرعان ما سعى رئيس الوزراء المستقبلي التابع لحزب "الليكود" للتودد إليه. وبصفته زعيم حزب "حيروت"، سلف "الليكود"، احتضن مناحيم بيغن كاهانا في البداية اعتقاداً منه بقدرته على تعزيز حظوظ الحزب السياسية. وقدّم بيغن كاهانا للسياسيين وعرض عليه "مقعداً آمناً" في حزبه، وهو ما رفضه كاهانا. كما كانت شولا كوهين، العضو السابق في منظمة "ليحي" - المجموعة اليهودية المتطرفة الرئيسة الأخرى التي تعمل في فلسطين الواقعة تحت الانتداب، إلى جانب منظمة "إرغون" التي كان يتزعمها بيغن - من المعجبين بكاهانا، ووجدت فيه مرشحاً محتملاً قوياً لحزب "حيروت"، الذي كانت على وشك الانضمام إليه أيضاً. مع الإشارة إلى أنّ بيغن وكوهين كانا من بين أول دفعة من الإسرائيليين الذين تخرجوا في منظمة يمينية متطرفة ودخلوا الكنيست.

أمّا كاهانا، فقد سلك اتجاهه الخاص وأسس حزب "كاخ" الفاشي بعد فترة وجيزة. لكن الكثير من معاصريه وأتباعه المستقبليين انتقلوا من عضوية الحركة الكاهانيّة إلى "الليكود"، فخدموا في الكنيست، أو كموظفين في الوزارات، أو كموظفين رسميين في مجالات أخرى.

ولعل أشهر من انتقل من حزب "كاخ" إلى حزب "الليكود" هو أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" الحالي، والذي انضم، وفقاً لمسؤولين في حزب "كاخ" كانوا حاضرين آنذاك، إلى الحزب بعد هجرته من الاتحاد السوفياتي في أواخر سبعينات القرن الماضي. (نفى حزب "إسرائيل بيتنا" هذه المعلومات وقت نشرها). وانضم إلى حزب "الليكود" في ثمانينات القرن العشرين وشق طريقه في أجهزة الحزب قبل أن يغادر لتشكيل حزبه الخاص، بينما كان يلمّع صورته باعتباره عنصرياً شرساً بخيالاته العنيفة التي تشبه خيالات كاهانا، كما جاء في تعليقه المُسيء في عام 2015 بأن المواطنين الفلسطينيين "غير الموالين" لـ"إسرائيل" يجب قطع رؤوسهم. وقد رفض المُدّعي العام آنذاك يهودا وينشتاين فتح تحقيق في تحريض ليبرمان.

وانخرط مورتون (مردخاي) دولينسكي، الذي شارك في تأسيس عصبة الدفاع اليهودية مع كاهانا في نيويورك، سياسياً في حزب "حيروت" في سبعينات القرن الماضي بعد هجرته إلى "إسرائيل"، وشغل منصب مستشار أول في الوكالة اليهودية (Jewish Agency). وعيّنه بيغن رئيساً لمكتب الصحافة الحكومي في أوائل الثمانينات.

شموئيل ساكيت، وهو مهاجر أميركي آخر إلى "إسرائيل" انضم إلى حزب "كاخ" بعد أن كان عضواً في عصبة الدفاع اليهودية، اتخذ طريقاً مختلفاً بعض الشيء نحو صفوف حزب "الليكود". فبعد أن شارك في تأسيس حركة "زو أرتسينو" (هذه بلادنا) المناهضة لاتفاقيات أوسلو مع موشيه فيغلين، أطلق هو وفيغلين في عام 1998 حركة "منهيجوت يهوديت" ("القيادة اليهودية") - وهي فصيل يميني متطرف في حزب "الليكود" نجح في ترسيخ موطئ قدم ثابت داخل جهاز الحزب. ولم يبذل ساكيت، الذي أعرب أيضاً عن اهتمامه بمكان في قائمة "الليكود" الانتخابية، أي جهد لإخفاء ولائه المستمر لكاهانا أثناء فترة عمله كمدير دولي لمنظمة "منهيجوت يهوديت". وقال: "بعيداً عن كونهم قوة سلبية يجب تجنبها بأي ثمن، فإنّ الكاهانيين غالباً ما يكونون أفضل أعضاء الفريق".

وعلى الرغم من أنه لم يعد نشطاً في السياسة الإسرائيلية، إلا أن ساكيت لا يزال معلقاً غزير الإنتاج؛ فقبل بضعة أشهر من السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، اقترح في صحيفة "جويش برس" الأرثوذكسية اليمينية المتطرفة ومقرها نيويورك، حيث كان كاهانا ينشر عموداً أسبوعياً، أن يطلق على الهجوم العسكري الإسرائيلي المقبل اسم "الحرب للقضاء على العدو"، ثم بعد هجمات حماس، استشهد بكاهانا في الدعوة إلى "سحق العدو وطرده من أرضنا". والجدير ذكره أنّ مؤسسته "عام إسرائيل حاي"، تتمتع بإعفاء ضريبي في الولايات المتحدة.

وفي الآونة الأخيرة، ترشحت ماي غولان، عضو الكنيست الحالي عن حزب "الليكود" في الائتلاف الحاكم، للكنيست لأول مرة في عام 2013 كجزء من حزب "أوتزما ليسرائيل" (القوة لإسرائيل)، المعروف اليوم باسم "أوتزما يهوديت" (القوة اليهودية)، وهو حزب كاهاني مُعلن. وبعد ترشحها غير الناجح للكنيست مع "الليكود" في عام 2015، وصلت إلى الكنيست كجزء من الحزب الحاكم في نيسان/ أبريل 2019. واكتسبت غولان، التي شاركت في تظاهرات لدعم إعادة إنشاء المستوطنات الإسرائيلية في غزة وتم تعيينها العام الماضي وزيرة للمساواة الاجتماعية وتعزيز مكانة المرأة، شهرة كبيرة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بسبب احتجاجاتها وتعليقاتها العنصرية حول طالبي اللجوء الأفارقة.

علاوة على ذلك، اختيرت غولان لفترة وجيزة قنصلاً عاماً لـ"إسرائيل" في نيويورك، وسط جهود نتنياهو لقمع تمرد اليمين المتطرف داخل حزبه. ولاقت هذه الخطوة انتقادات لاذعة من أعضاء إدارة بايدن والمؤسسات الأميركية - اليهودية الليبرالية، وسُحب ترشيحها على الفور، لكن الحادثة كانت تذكيراً إضافياً بأن حسن نية الكاهانيين لا يعيق تقدّمهم في صفوف "الليكود". وفي العام الفائت، أعلنت غولان أنها "فخورة بتدمير غزة".

نهاية نظام 

ينبغي ألّا تُفهم حقيقة أن الكثير من أتباع كاهانا قد انتهى بهم الأمر، سواء بالانتخاب أو التعيين، إلى أداء أدوار معيّنة في الحزب السياسي الأكثر هيمنة في تاريخ "إسرائيل"، أنه لا يوجد فرق بين المجموعتين. وعلى الرغم من توحيدهما من خلال الرغبة المشتركة في السيطرة على أكبر قدر ممكن من "إسرائيل الكبرى" مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين، وهي الرؤية التي تؤمن بها غالبية الأطياف السياسية في "إسرائيل"، حتى مع وجود اختلافات في المنهجية، تبرز اختلافات حقيقية في الشكل والنهج بين "الليكود" والمجموعات الكاهانية المختلفة. 

وفي حين يظل الجهاز السياسي والعسكري في "إسرائيل" في قبضة جنون الإقصاء، من المهمّ أن نتأمل في الأسباب التي دفعت المتخرجين في مدرسة كاهانا على مدى عقود من الزمن إلى الانجذاب نحو "الليكود"، بما يتجاوز أسباب الطموح السياسي المحض والتقاليد البالية المتمثلة في "اعتدال" المتطرفين من أجل حشد الدعم الانتخابي، وكيف أدى هذا التحالف إلى تحويل جميع الأطياف السياسية الإسرائيلية نحو اليمين.

لقد أصبحت السياسة الإسرائيلية أكثر تطرفاً وعنفاً وإساءة من أي وقت مضى، حتى قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، إذ وجدت باستمرار مساحة للإرهابيين والمحرضين وأولئك الذين لا يخفون أيديولوجية الإبادة الجماعية الخاصة بهم. وبعد هذا التاريخ، تسارعت وتيرة الخطاب التدميري نحو التيار السائد، ما يشكل مواكبة مناسبة للجحيم الذي أنزلته "إسرائيل" على غزة.

فقبل عامين، نفذ مستوطنون إسرائيليون مذبحة في بلدة حوارة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، بعد شهرين من أداء الحكومة الإسرائيلية الحالية اليمين الدستورية. في ذلك الوقت، أثار الدعم العملياتي الذي تلقاه المستوطنون من قوات الأمن الإسرائيلية، والدعم المعنوي الذي تلقوه من قطاعات كبيرة من الائتلاف الحاكم، التساؤل حول إذا ما كان مثيرو الشغب اليوم سيصبحون أعضاء في الكنيست في الغد، ومتى سوف يحدث ذلك.

وبعد 17 شهراً من تاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفي الوقت الذي تتحول فيه غزة إلى أنقاض، ويخطط "الجيش" الإسرائيلي لشن هجوم بري جديد ضخم، وبينما ينخرط المستوطنون و"الجيش" في حملة مشتركة من الأرض المحروقة في مختلف أنحاء الضفة الغربية، باتت الإجابة واضحة: لقد كانت تلك المذبحة نبذة عن المستقبل القريب. وعلى الرغم من أن مرتكبيها لم يترشحوا بعد، إلا أنّ منطقهم ونهجهم ينسجمان مع منطق المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ونهجها. ويبدو أنّ هذا النظام أصبح من الماضي.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.