"972+": إذلال النساء الفلسطينيات أداة إسرائيلية للردع الجماعي
في "إسرائيل"، الاعتقالات السياسية للنساء الفلسطينيات، اللاتي يتعرضن لعمليات تفتيش عن طريق تجريدهن من ملابسهن وتعصيب أعينهن وفضح بياناتهم الشخصية، هدفها إيصال رسالة واضحة للمجتمع.
مجلة "972+" الإسرائيلية تنشر تقريراً للصحافية الفلسطينية من حيفا، مريم فرح، تتحدث فيه عن ممارسات التعذيب والإذلال التي تمارسها القوات والسلطات الإسرائيلية ضد النساء الفلسطينيات، والتي تهدف من خلالها إلى كي الوعي الجماعي وتتخذها أداة للردع وللقمع.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
تعرّضت الممثلة الفلسطينية ميساء عبد الهادي للاعتقال على يد الشرطة الإسرائيلية للمرة الأولى بعد أيام قليلة من وقوع هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وعند الساعة 11 صباحاً، وصلت الشرطة إلى منزلها في الناصرة، وصادرت هاتفها بشكل غير قانوني، وشرعت في نقلها إلى مركز الشرطة المركزي في المدينة.
وهناك، أدركت أنها تخضع للتحقيق بسبب منشورين لها على "إنستغرام" كانت قد نشرتهما في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقد أظهر المنشور الأول صورة لأشخاص مدنيين بالقرب من جرافة عند سياج غزة، مرفقة بنص يشبّه ما حدث بسقوط جدار برلين. وأوضحت أنّه "لم يكن هناك أي مسلحين في الصورة". أما المنشور الثاني، فيتضمن صورة يافا أدار، وهي امرأة إسرائيلية مسنّة اختطفت في ذلك اليوم، مع تعليق: "هذه السيدة تخوض مغامرة حياتها".
وفي معرض تعليقها على المنشور الثاني، قالت ميساء: "لقد شاركت هذه القصة في وقت مبكر من الصباح من دون أن أفهم حقاً ما كان يحدث أو مدى خطورة الوضع. وعندما علمت لاحقاً بالسياق الكامل وشاهدت مقاطع الفيديو التي تمت مشاركتها في ذلك اليوم، قمت بحذف المنشور على الفور". إلا أنّه بحلول هذا الوقت، كان الأوان قد فات.
وفي مركز الشرطة، أمرت شرطيةٌ ميساء بخلع ملابسها وأجرت تفتيشاً دقيقاً. وتستذكر ميساء قائلةً: "بينما كنت عارية، اعتدت عليّ جسدياً، وتوجهت إليّ بألفاظ نابية ومسيئة، بما في ذلك كلمة إرهابية، وهددتني بشأن الإجراءات الأخرى التي ستتخذها ضدي. وانتظرت ثلاث ساعات لمجيء محقق يتحدث العربية ومحاميَّ، إلا أن الاستجواب الفعلي لم يدم سوى بضع دقائق".
وبعد استجوابها بشأن منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي، قالت ميساء لمجلة "972+" الإسرائيلية إنّ الشرطة رفضت إعادة هاتفها المحمول، وهددتها باحتجازها في حال امتنعت عن إعطائهم رمز المرور. وفي نهاية المطاف، أُطلق سراح ميساء ووُضعت تحت الإقامة الجبرية، ثم بدأت في ما بعد الإجراءات القانونية لاستعادة هاتفها.
إلا أنّه وبعد أسبوعين فقط، أُعيد اعتقال ميساء عبد الهادي مرة جديدة في ساعات الصباح الأولى من يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر. وفي هذا السياق، قالت: "علمتُ لاحقاً أن اعتقالي جاء نتيجة منشور على وسائل التواصل الاجتماعي لممثل إسرائيلي بارز شارك قصتي وشجع أحد متابعيه على تقديم شكوى ضدي. وبمجرد أن علمت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالخبر، تفاقمت الأمور".
ونشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية معلومات خاصة بميساء، بما في ذلك عنوان منزلها والاتهامات الموجهة إليها ومشهد عريّ من فيلمها "صالون هدى"، وهو ما وصفته بحملة تشهير منظمة لتقويض دعمها بين زملائها الفلسطينيين. حتى إنّ موشيه أربيل، وزير الداخلية، تحرك لمحاولة تجريدها من جنسيتها الإسرائيلية وترحيلها.
وبعد وصولها إلى قسم الشرطة، تم نقل ميساء إلى مكتب قريب من الردهة على يد الشرطية نفسها التي قامت بتفتيشها عارية أثناء اعتقالها الأول. وفي تلك الغرفة، التي كانت متاحة للضباط الذكور، أجبر الضابط ميساء على خلع ملابسها، وقيّد يديها، واعتدى عليها جسدياً، ليتم بعدها تصويرها أمام العلم الإسرائيلي.
تم احتجاز ميساء لمدة يومين، ظلّت خلالهما معزولة تماماً عن العالم الخارجي. وشرحت قائلةً: "نقلوني إلى سجن آخر للمثول أمام المحكمة عبر تطبيق ’Zoom‘، وتعرّضت خلالها لمزيد من الاعتداء الجسدي وعمليات التفتيش الجسدي. وبعد المثول أمام المحكمة، اعتدى عليّ الضابط مرة أخرى، وسحبني من شعري. وتم نقلي أولاً إلى سجن الشارون ومن ثم إلى سجن الدامون قبل أن يطلقوا سراحي".
وفي 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، صدرت لائحة اتهام ضد ميساء، تتهمها بالتعبير عن دعم منظمة إرهابية والتحريض على الإرهاب. وقال مكتب المدعي العام: "في ظل الظروف المحددة، هناك احتمال حقيقي أن تؤدي منشوراتها إلى ارتكاب عمل إرهابي". وبعد صدور لائحة الاتهام، وُضعت ميساء تحت الإقامة الجبرية، ولم يطلق سراحها إلا بعد مرور عام.
وقالت ميساء، التي لا تزال ممنوعة من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بعد إطلاق سراحها: "لقد تركتني هذه التجربة في حالة من الرعب الدائم. شعرتُ أنني أدخل المجهول، وغير متأكدة مما إذا كنت سأتحرر مرة أخرى أم أنني سأواجه الاضطهاد الدائم".
ووفقاً لمركز "عدالة" القانوني الفلسطيني الذي يتخذ من مدينة حيفا مقراً له، فإنّ ميساء هي واحدة من ضمن 127 امرأة فلسطينية – ممثلات بارزات ومعلمات وطالبات – تم اعتقالهن أو استجوابهن من قبل "الشرطة" الإسرائيلية بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و27 آذار/مارس 2024. وتكشف شهاداتهنّ عن المعاناة التي مررن بها أثناء الاعتقال، بما في ذلك عمليات التفتيش المتكررة عن طريق تجريدهن من ملابسهن وتصويرهنّ أمام الأعلام الإسرائيلية وتوزيع صور اعتقالهنّ، عن نمط مثير للقلق يتمثّل في الاستخدام المنهجي للممارسات المهينة ضد المواطنات الفلسطينيات لغرس مفهوم الردع الجماعي.
وصرّحت المحامية ناريمان شحادة زعبي، من مركز "عدالة"، لمجلة "+972" قائلةً: "يتلقى مركزنا باستمرار تقارير من النساء المعتقلات حول الإذلال المنهجي الذي يتعرّضن له، بما في ذلك عمليات التفتيش المتكررة عن طريق التجريد من الملابس في مراكز الشرطة المختلفة، وتكبيل الأيدي المفرط، وعمليات تفتيش الهواتف المحمولة غير المصرح بها. كما أنهنّ يتعرضن للإساءة اللفظية والتعليقات غير اللائقة والسخرية من أجسادهن بهدف إذلالهنّ".
صور الاعتقال وقمع "الدولة"
وبات التصعيد الحاد في وتيرة عمليات اعتقال المواطنين الفلسطينيين في "إسرائيل" على يد الشرطة في الأسابيع التي تلت السابع من تشرين الأول/أكتوبر ممكناً بشكل جزئيّ، بفضل فرقة عمل أنشأها وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير في وقت سابق من عام 2023 وتهدف بشكل خاص إلى ملاحقة التحريض المزعوم على وسائل التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، أصدر المدعي العام الإسرائيلي عميت أيسمان قوانين سهّلت على الشرطة اعتقال مواطنين إسرائيليين يشتبه في قيامهم بالتحريض، وغالبيتهم من الفلسطينيين.
وقد شكّل اعتقال رشا كريم حرامي، صاحبة صالون تجميل من بلدة مجد الكروم في الجليل، في أيار/مايو الفائت قضية أخرى أثارت الجدل حول إجراءات الشرطة. واعتُقلت رشا في البداية بتهمة التحريض عبر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد الحرب الإسرائيلية في غزة، واتُهمت لاحقاً بـ"الإخلال بالأمن" بعد أن فشلت الشرطة في الحصول على موافقة مسبقة من مكتب المدعي العام على التهمة الأصلية.
وأثارت قضية اعتقال رشا اهتماماً واسع النطاق بعدما نشرت الشرطة مقطع فيديو من عملية الاعتقال ظهرت فيه رشا وهي مكبلة اليدين بقيود بلاستيكية ومعصوبة العينين بقطعة قماش؛ وهذه معاملة مخصصة عادة للفلسطينيين "المشتبه بهم أمنياً". وتمت مشاركة مقطع الفيديو على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أثار انتقادات أعضاء الكنيست الفلسطينيين ودفع مكتب المدعي العام إلى إصدار رد فعل قاسٍ ينتقد سلوك "الشرطة".
وبعد استجوابها، تم وضع رشا قيد الإقامة الجبرية لمدة خمسة أيام. وأفادت المحامية زعبي لمجلة "972+" بأنه عقب هذه القضية، قدم مركز "عدالة" شكوى رسمية إلى كبار مسؤولي إنفاذ القانون الإسرائيليين تطالب "بالوقف الفوري للممارسات غير القانونية بما في ذلك تعصيب العينين وتكبيل اليدين بشكل مفرط".
وبعيداً من المسائل القانونية، من الواضح أنّ مثل هذه الممارسات يعدّ جزءاً من حملة أوسع ضد المواطنين الفلسطينيين. وتشير الدكتورة هنيدة غانم، وهي باحثة فلسطينية في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا ومديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، إلى أنّ "هذه الصور للمواطنات المعتقلات، مكبلات الأيدي بالقيود البلاستيكية ومعصوبات الأعين بالقماش، تبعث برسالة من "إسرائيل" إلى المجتمع الفلسطيني بأكمله. وتستعرض أدواتها في البطش والقمع والإذلال، وترسم في الوقت نفسه حدوداً لحرية التعبير".
وترى غانم أنّه لا يمكن فصل هذه التصرفات عن السياق الأوسع لحرب الإبادة الجماعية التي تشنّها "إسرائيل" في غزة، حيث تنتشر صور الفلسطينيين القتلى والمشوّهين والمصابين بصدمات نفسية. فـ"هذه الصور مصممة للتأثير في الوعي الجماعي الفلسطيني. وهي تشكل جزءاً من سرد بصري أكبر، صور مجمعة تحاول "إسرائيل" من خلالها إعادة تأكيد سلطتها وردعها، وإظهار قوتها الكاملة من خلال السيطرة والقمع.
علاوة على ذلك، لفتت حالة أخرى الانتباه بسبب تصرفات الشرطة المشكوك فيها، وهي تتعلق بانتصار حجازي، معلمة فلسطينية تبلغ من العمر 41 عاماً من مدينة طمرة في شمال "إسرائيل". اعتُقلت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، لمشاركتها مقطع فيديو لها وهي ترقص على أغنية إنكليزية على وسائل التواصل الاجتماعي. والمقطع الذي تم تصويره في مدرستها بالناصرة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لم يتضمن أي إشارة إلى هجمات حماس في ذلك اليوم.
وقد تحدث المحامي أشرف حجازي، ممثل انتصار، إلى مجلة "972+" حول هذه القضية. وأوضح قائلاً: "عندما وصلنا إلى مركز الشرطة، لم يتمكنوا من إثبات أي تهم تتعلق بالإرهاب، وبدلاً من ذلك وجهوا إليها تهمة تعريض الأمن العام للخطر. في البداية، منحت المحكمة الشرطة تمديداً ليومين آخرين لتقديم أدلة على اتهاماتها، إلا أنه بعد يومين من الاحتجاز، أُطلق سراحها لفشل الشرطة في تقديم أي دليل يدعم ادعاءاتها".
وقبل صدور أي بيان رسمي للشرطة، نشر بن غفير صوراً لانتصار حجازي أثناء اعتقالها، معصوبة العينين في سيارة للشرطة. كما تم تداول صورة أخرى غير مصرح بها على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهرها مكبلة اليدين أمام العلم الإسرائيلي. وقال حجازي: "اكتشفنا لاحقاً أنّ بن غفير طلب شخصياً اعتقالها بتهم الإرهاب".
وعلى نحو مماثل، شارك بن غفير صوراً للممثلة ميساء عبد الهادي وهي تقف أمام العلم الإسرائيلي أثناء احتجازها لدى الشرطة. وشنّ هجوماً علنياً على القاضي عرفات طه الذي أمر بالإفراج عنها، واصفاً إياه بـ"عدو الداخل".
وتوضح الدكتورة مرام مصاروة، المحاضرة والباحثة في كلية القاسمي للعلوم التربوية وجامعة "تل أبيب"، أنّ توزيع صور الاعتقال هذه، لا سيّما لشخصيات معروفة، يمثل شكلاً من أشكال الإساءة المجتمعية. ورسالة "إسرائيل" واضحة للغاية: يمكننا الوصول إلى أي شخص وإسكات أي صوت، حتى الفنانات البارزات أمثال دلال أبو آمنة. ولا يجوز لأي صوت أن يعلو فوق صوت السلطات الإسرائيلية".
وتابعت مصاروة قائلة: "عندما نرى شخصاً تم تصويره تحت العلم في وضع مهين، فإننا نستوعب من دون وعي ديناميكية السلطة هذه. إذ لا يتمتع الجميع بالحصانة أو القدرة على مواجهة هذه القوة، ما يدفع معظمهم إلى ممارسة سياسة الحفاظ على الذات من خلال تجنب الكثير من الأنشطة. فيصبح هذا القمع متجذراً من دون وعي في نفسيتنا الجماعية كمجتمع".
وخلال مقابلة لها مع مجلة "972+"، أشارت عبير بكر، محامية ميساء عبد الهادي، إلى أنها لاحظت زيادة في لوائح الاتهام الموجهة ضد النساء الفلسطينيات بشكل خاص خلال العام الفائت. وقالت: "هذا الأمر ليس عبثياً. فاعتقال النساء، ولا سيّما الطالبات والشخصيات المعروفة، من شأنه أن يثير قلقاً اجتماعياً ويخيف النساء الأخريات. وفي حال كنت ترغب في زيادة الضغط على مجتمع ما، عليك أن تستهدف نساءه. فالنساء أكثر عرضة للعنف أثناء التحقيقات بسبب أشكال الابتزاز المختلفة، وخاصة انتهاكات الخصوصية مثل التفتيش في الهاتف. وهناك أيضاً عنصر الانتقام المرتبط بالعنف الجنسي الذي وقع في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، حيث يتم التعامل مع النساء الفلسطينيات على أنهن مشاركات في هذا الهجوم".
"شبح الخوف يلازمني"
في آب/أغسطس، نشرت المنظمة الحقوقية الإسرائيلية "بتسيلم" تقريراً ثورياً بعنوان "مرحباً بكم في الجحيم" يعرض بالتفصيل الانتهاكات الإسرائيلية المنهجية التي تطال حقوق الفلسطينيين والظروف اللاإنسانية التي يقاسيها المعتقلون داخل السجون الإسرائيلية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، والتي تصفها المنظمة بـ "شبكة من معسكرات التعذيب".
ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من اختلاف وضعهم القانوني، فإنّ المئات من المواطنين الفلسطينيين في "إسرائيل" الذين تم اعتقالهم "تعرضوا للظروف نفسها في السجون على غرار نظرائهم في الضفة الغربية وعانوا من انتهاكات مماثلة"، بما في ذلك الاعتداء الجسدي الشديد والإذلال الجنسي والحرمان من الحقوق الأساسية.
ومن ضمن الشهادات التي جمعها التقرير شهادة لطالبة جامعية فلسطينية- إسرائيلية في العشرينيات من عمرها، تم اعتقالها في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 بسبب منشور على وسائل التواصل الاجتماعي. وروت أنّها تعرضت للسخرية بشكل متواصل من قبل الضباط وحراس السجن بسبب مظهرها وأُجبرت على الخضوع لعمليات تفتيش عن طريق تجريدها من ثيابها أمام الحراس الذكور. وقالت: "لقد سخرت الحارسة من ملابسي وشكل جسدي وشعره. وأظهرت اشمئزازها منه".
وبعد إطلاق سراحها، عادت صاحبة الشهادة إلى الجامعة، لكنها استمرت في مواجهة بيئة عدائية. وأشارت بالقول: "كنت خائفة حقاً من أن يهاجمني الطلاب اليهود. فالكثير منهم اليوم يحضر معه البنادق والمسدسات إلى الصف. وكثيراً ما أجد نفسي جالسة بجوار شخص مسلح أثناء المحاضرة. إنه وضع مخيف حقاً، خاصة في مواجهة التحريض المستمر ضد الطلاب العرب".
وعلى غرار الشهادات الأخرى التي وردت في التقرير، توضح هذه الشهادة كيف أنّ نظام السجون الإسرائيلي لا يستخدم كأداة للقمع الجسدي فحسب، بل كوسيلة للتسبب بصدمة نفسية دائمة تمتد إلى خارج جدران السجون، بهدف قمع مشاركة المواطنين الفلسطينيين في الحياة المدنية.
ووفقاً للدكتور مروان الدويري، وهو اختصاصي نفسي سريري من الناصرة، فإنه عقب أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، "أعتقد بعض المواطنين الفلسطينيين في ’إسرائيل‘ بأنّهم لا يزالون يملكون مساحة ديمقراطية للتعبير عن مشاعرهم، حتى لو بشكل طفيف أو غير مباشر. وقال إنّ الحرب على غزة "زادت من شعورهم بالإحباط والعجز، وأثارت الخوف على سلامتهم والشعور بالذنب لعدم قدرتهم على مساعدة شعبهم".
لكن في غضون أيام أو أسابيع، وجدوا أنفسهم مضطهدين من قبل جامعاتهم وأماكن عملهم ومحاكمهم. وأشار الدويري إلى إن التأثير النفسي كان عميقاً. فقد أدى تقلص المساحة المتاحة لحرية التعبير، إلى جانب المخاوف المرتبطة بالحرب والخوف من الملاحقة القضائية، إلى "زيادة كبيرة في حالات الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية" بين المواطنين الفلسطينيين.
وبالنسبة إلى ميساء عبد الهادي، فإنّ القلق لم يبارحها خلال العام الذي قضته تحت الإقامة الجبرية، خاصة وأن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيليين هددوها بالاعتداء عليها في منزلها. وقالت لمجلة "972+": "لم أعد أشعر بالأمان مذ علمت أنهم نشروا عنوان منزلي. وكل سيارة كانت تقترب من المنزل جعلتني أشعر بالقلق. كما أنها بدأت تنام بكامل ملابسها مع وجود إمدادات الطوارئ بجوارها خوفاً من الاعتقال مرة أخرى".
وأشارت عبير بكر، محامية ميساء عبد الهادي، إلى أن الشرطة لا تزال تخفي معلومات مهمة في قضيتها، بما في ذلك هوية الضابطين اللذين قاما بتصويرها، وكيف تم تسريب صورها لوسائل الإعلام. وأوضحت أن هذه القضية مهمة لأنها تكشف ممارسات "إسرائيل"، لا سيما ممارسات الشرطة والنيابة العامة، التي يجب أن يكون دورها الإشراف على سلوك الشرطة، ولكنها بدلاً من ذلك أصبحت شريكة في هذه الممارسات غير القانونية. وقالت: "نعمل على تحويل لائحة الاتهام الموجهة ضد ميساء إلى لائحة اتهام موجهة ضد الشرطة بسبب معاملتها للسجينات".
وعلى الرغم من إطلاق سراح ميساء من الإقامة الجبرية الشهر الفائت، فإنها لا تستطيع الهروب من الخسائر النفسية التي ألمّت بها العام الماضي. وقالت: "لا زلت أخشى على حياتي حتى يومنا هذا. فأنا لا أذهب إلا إلى الأماكن المألوفة حيث يوجد أصدقائي وشبح الخوف يلازمني".
اقرأ أيضاً: "CounterPunch": تعذيب وتجويع.. أساليب الاعتقال الإسرائيلية باتت أكثر قساوةً
نقلته إلى العربية: زينب منعم