"نيويورك تايمز": ترامب يُضاعف جهوده في التجارب النووية
يُرسل ترامب وأحد كبار مسؤوليه رسائل مُتضاربة حول كيفية تعامل الحكومة مع أكثر الأسلحة تدميراً في العالم.
-
"نيويورك تايمز": ترامب يُضاعف جهوده في التجارب النووية
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول جدلاً داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول احتمال استئناف التجارب النووية التفجيرية التي توقفت منذ أكثر من ثلاثة عقود، وما أثاره هذا الجدل من ارتباك رسمي ومخاوف دولية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
يعتمد الرئيس ترامب في أغلب الأحيان على الغموض، ما يدل على رغبته العميقة في الالتزام بالتفاصيل والتخلي عن أقصى قدر من الحرية في التصرف في المستقبل. إلا أن هناك مجالًا واحدًا تكتسب فيها الدقة أهمية بالغة وهو عندما يتحدث الرؤساء عن خططهم المتعلقة بالأسلحة النووية الأميركية. وفي نهاية هذا الأسبوع، اختلف الرئيس ووزير الطاقة، الذي يشرف على تطوير المخزون النووي وصيانته، بشأن السؤال الحاسم حول ما إذا كانت الولايات المتحدة توشك على كسر الحظر الذي دام 3 عقود على تجارب تفجير الأسلحة النووية.
باختصار، عزز ترامب فكرة أنه أمر باستئناف التجارب النووية المتفجرة، التي امتنعت الولايات المتحدة عنها لمدة 33 عامًا، لمضاهاة ما يزعم أنها تفجيرات نووية سرية تحت الأرض يُرجح أن روسيا والصين ودولاً أخرى مسلحة نوويًا تقوم بها. إلا أنّ هذا الادعاء رفضه الكثير من الخبراء النوويين ومرشح ترامب نفسه للقيادة الاستراتيجية الأميركية، المسؤولة عن الأسلحة النووية الأميركية الأرضية وتحت الماء والتي تطلقها القاذفات.
وخلال مقابلة سُجلت يوم الجمعة مع برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس"، قال ترامب: "إنهم يُجرون اختباراتهم في أماكن سرية، حيث لا يعلم الناس تمامًا ما يحدث. هم يُجرون الاختبارات، ونحن لا. لذا، يتعين علينا إجراءها". وأشار ترامب إلى أن روسيا والصين وكوريا الشمالية ودولاً أخرى تُجري اختبارات غير مُحددة.
في المقابل، بدا أن كريس رايت، وزير الطاقة في حكومة ترامب، معارِضًا لما قاله الرئيس عندما أشار إلى أن الولايات المتحدة ليس لديها أي نية لإجراء اختبارات تفجيرية جديدة، وأنها ستواصل ببساطة اختباراتها المنتظمة للمكونات والأنظمة النووية لضمان عملها بشكل صحيح. وخلال مشاركته في برنامج "The Sunday Briefing" على قناة "فوكس نيوز، قال رايت: "ستكون هذه تفجيرات غير نووية. إنهم ببساطة يطورون أنظمة معقّدة، بحيث تصبح أسلحتنا النووية البديلة أفضل من تلك التي كانت لدينا سابقًا".
وقد أدت الرسائل المختلطة إلى وضع استثنائي حيث لم يتمكن الرئيس، الذي يتبعه في كل مكان مساعد يحمل "كرة القدم النووية" التي تحتوي على شيفرات وخيارات نووية، من الاتفاق مع أحد كبار المسؤولين في حكومته بشأن كيفية تعامل الحكومة الأميركية مع أحد أكثر الأسلحة تدميرًا في العالم.
لقد كانت اختبارات تفجير الرؤوس الحربية النووية سمة متكررة خلال الحرب الباردة، بدايةً في التجارب فوق الأرض في الخمسينيات والستينيات، ثم في التفجيرات تحت الأرض. لكنها لم تعد شائعة، وقد التزمت جميع القوى العظمى الكبرى إلى حد كبير بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، على الرغم من أنه لم يتم التصديق عليها رسميًا ولم تدخل حيز التنفيذ.
ولم تُجرِ الولايات المتحدة أيّ تجربة نووية منذ عام 1992، وباستثناء حالات قليلة - مثل الهند وباكستان في عام 1998 - التزمت دول أخرى أيضًا بحظر التجارب النووية. وربما كان ترامب يشير إلى جدال مستمر، وإن كان لا يزال سريًا، داخل وكالات الاستخبارات والمختبرات الوطنية حول ما إذا كانت الصين وروسيا قد أجرتا ما يرقى إلى الاختبارات الصغيرة. ووفقًا لبعض التفسيرات، تضمنت هذه الاختبارات تفاعلات نووية ذاتية الاستدامة - تُعرف في العالم النووي بالاختبارات "الحاسمة". إلا أنّ الأدلة غامضة، ويختلف الخبراء حول جودتها. وقد أشار البعض إلى أنه يتعين على الولايات المتحدة إجراء اختبارات مماثلة.
وقد نشر جون راتكليف، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في مواقع التواصل الاجتماعي أن ترامب "كان مُحقًا" في ادعاءاته بشأن التجارب النووية الروسية والصينية. وأشار منشور السيد راتكليف إلى مقال نُشر في صحيفة "وول ستريت جورنال" عام 2020 حول التجارب النووية الصينية المُشتبه فيها على نطاق ضيق، وتعليقات من خطاب ألقاه مدير وكالة استخبارات الدفاع الأميركية عام 2019، مفادها أن روسيا "على الأرجح لا تلتزم بوقف التجارب النووية"، وأن التجارب الروسية قد أنتجت "قوة نووية".
ورفض مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية التعليق على منشور راتكليف. إلا أنّ إشارة رايت إلى "التفجيرات غير النووية" و"التفجيرات غير الحاسمة" بدت وكأنها تستبعد احتمال تخطيط الولايات المتحدة لإجراء تجارب مماثلة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الدولة الوحيدة التي أجرت تجارب نووية كاملة التفجير خلال ربع القرن الماضي هي كوريا الشمالية، وكان آخرها في أيلول/ سبتمبر 2017.
وكان ترامب قد أعلن، حتى قبل مقابلته مع برنامج "60 دقيقة"، أثناء زيارته الدبلوماسية لآسيا، عبر منصة "تروث سوشيال" أنه أمر "وزارة الحرب" باستئناف الاختبارات. وقد فاجأ هذا الإعلان مساعديه، وفقًا لمسؤولين مُطلعين. وكان توقيت نشر هذا المنشور في وسائل التواصل الاجتماعي مثيرًا للاهتمام، إذ جاء قبل دقائق فقط من اجتماعه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وخلال مقابلة مع شبكة "سي بي إس" يوم الجمعة، أشار ترامب مرة جديدة إلى أن الولايات المتحدة ستقوم بتفجير الرؤوس النووية كجزء من الاختبارات للمرة الأولى منذ عقود. وسألت نورا أودونيل، المراسلة والمذيعة المخضرمة في شبكة "سي بي إس": "هل تقول إنه بعد أكثر من 30 عامًا، ستبدأ الولايات المتحدة في تفجير الأسلحة النووية للاختبار؟" فأجاب ترامب: "نعم، أقول إننا سنختبر أسلحة نووية كما تفعل دول أخرى". ثم ذكّرت السيدة أودونيل ترامب بأن الدولة الوحيدة التي اختبرت رأسًا نوويًا مؤخرًا كانت كوريا الشمالية. أما روسيا، فقد اختبرت مؤخرًا أنظمة إطلاق، لكنها لم تختبر الرؤوس الحربية نفسها.
ورفض ترامب هذا الادعاء زاعمًا أن روسيا والصين كانتا تجريان اختبارات سرية للأسلحة النووية من دون علم الشبكة العالمية من الخبراء النوويين والعلماء والحلفاء الذين سيكتشفون هذه الخطوة المثيرة. وقال: "أنتِ لا تعرفين شيئًا عن هذا الأمر".
وقد بدت تعليقات ترامب حول إجراء تجارب نووية تدميرية مفاجئة للآخرين في إدارته. فقبل يوم واحد فقط من تأكيده أن روسيا والصين تُجريان تفجيرات نووية تحت الأرض، صرّح مرشح ترامب لقيادة القيادة الاستراتيجية الأميركية، نائب الأدميرال البحري ريتشارد كوريل، للكونغرس بأن "الصين وروسيا لم تُجريا أي تجربة تفجيرات نووية". وأشار ماثيو بون، وهو أستاذ يركز على الأسلحة النووية في جامعة هارفرد، إلى أنّه "من المؤسف أن الرجل الذي يضع إصبعه على الزر" لم يكن متوافقًا مع كبار المسؤولين الفيدراليين عندما وصل الأمر إلى التحدث علنًا عن الأسلحة النووية. وقال "إن هذا الأمر يجعل الجميع خائفين عندما يبدو أن الرجل المسؤول عن الأسلحة النووية الأميركية لا يعرف عمّا يتحدث".
ورفضت متحدثة باسم البيت الأبيض يوم الاثنين الإجابة عن أسئلة حول ادعاء ترامب بأن الصين وروسيا تُجريان تفجيرات تحت الأرض، أو حول التباين بين تصريحاته وتصريحات رايت. وأوصت بالرجوع إلى مقابلة ترامب. كما رفض بن ديتريش، المتحدث باسم وزارة الطاقة، الإجابة عن أسئلة محددة بشأن الاختبارات التي أمر بها ترامب، وقال بدلًا من ذلك إن رايت "يتبع بفخر توجيهات الرئيس ترامب لتوسيع نطاق التجارب النووية".
لقد امتنع المسؤولون الأميركيون عن وصف طبيعة المعلومات الاستخبارية الأميركية المتعلقة بالتجارب الصينية أو الروسية، تفاديًا لتقويض قدرة الولايات المتحدة على جمع تلك المعلومات مستقبلًا. إلا أنهم قالوا إن تتبع برامج التجارب السرية، وخاصةً تلك التي تنتهك المعايير الغربية، شكّل دائمًا أولوية قصوى لأجهزة الاستخبارات الأميركية.
ويبرز الجدل حول التجارب في مرحلة حرجة من تجديد الترسانة الأميركية. فمنذ عهد أوباما، تُكافح الحكومة جاهدةً لاستبدال الرؤوس الحربية النووية، ومنظومة الردع الصاروخي النووي الأرضية بأكملها، بأسلحة مُستحدثة. وقد عانت هذه البرامج من التأخير وزيادة في التكاليف. وليس مستغربًا أن تُثير جهود إنشاء نسخ جديدة من الرؤوس الحربية النووية جدلًا حول ضرورة إجراء اختبارات شاملة لضمان عمل الأنظمة المُستحدثة. ويبدو أن تصريح رايت بأن الإدارة ستتمكن من اختبار الأنظمة من دون إجراء تفجيرات نووية كاملة كان جزءًا من هذا النقاش.
من جهته، قال جون إف تيرني، المدير التنفيذي لـ"مركز السيطرة على الأسلحة ومنع الانتشار النووي" (Center for Arms Control and Non-Proliferation)، وعضو الكونغرس الديمقراطي السابق عن ولاية ماساتشوستس: "بدا الأمر وكأنه يحاول تصحيح مسار الأمور والحفاظ على ماء وجه الرئيس في الوقت عينه".
وبحسب تيرني، إنّ ما يثير القلق اليوم هو ما إذا كان ترامب سيواصل مساعيه لتفجير الأسلحة النووية كجزء من التجارب، وما إذا كان ذلك سيحفّز دولًا أخرى على القيام بالمثل. وتساءل: "لماذا نرغب في فتح صندوق باندورا لنمنح الدول النووية الأخرى ذريعةً لإجراء التجارب؟"
نقلته إلى العربية: زينب منعم.