"معهد دول الخليج": هل تثير سياسة "إسرائيل" تجاه سوريا قلق دول الخليج؟
إنّ تباين المواقف تجاه سوريا يُعرّض تقييم المصالح المشتركة التي تقوم عليها اتفاقيات التطبيع للخطر، ويهدّد الجهود التي يبذلها أطراف خليجيون آخرون للتطبيع.
-
غارات إسرائيلية استهدفت مقر وزارة الدفاع السورية في دمشق
معهد دول الخليج العربية في واشنطن ينشر مقالاً حول التوترات الإقليمية المتعلقة بسوريا ودور "إسرائيل" ودول الخليج وتركيا فيها، مع التركيز على التداعيات السياسية والعسكرية والاستراتيجية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
ربما تُعتبر سوريا، أكثر من أي مكان آخر، الاختبار الحاسم لدول الخليج التي تحاول تقييم تحرّكات طموحات "إسرائيل" واستعراضها لقوتها في البلاد، وفهم نياتها الأيديولوجية بشأن حدودها المتوقعة وعلاقاتها المستقبلية مع العالم العربي، وهو اختبار أكثر وضوحاً مما تظهره غزة في هذا المجال.
وفي الوقت نفسه، أقنعت المخاوف العميقة من احتمالات فشل الدولة السورية وتفكّكها دول الخليج بالتحرّك بشكل حاسم خلال الأشهر الماضية لدعم الحكومة السورية الضعيفة، ودفع السياسة الأميركية تجاه سوريا وفقاً للرؤية الخليجية، واستكشاف فرص الاستثمار وإعادة الإعمار، في حين تتبع "إسرائيل" أجندة عسكرية عدوانية تظهر اختلافها الجذري عن الرؤية الخليجية.
وقد ترى عواصم دول الخليج أن الافتراق عن "إسرائيل" في سوريا يعزّزه القلق من الطموحات الإسرائيلية للهيمنة على المنطقة، من خلال الحملات العسكرية والخطاب السياسي الإسرائيلي، والمذابح المستمرة والكارثة الإنسانية في غزة.
والاختلاف بين هذه الدول و"إسرائيل" في سوريا عميق إلى درجة أنّه يهدّد بتمزيق تقييم المصالح المشتركة التي تقوم عليها اتفاقيات التطبيع والجهود التي تبذلها دول أخرى في الخليج لإيجاد الظروف والتوقيت المناسبين للانضمام إلى هذه الاتفاقيات.
لقد بدأ التدخل العسكري الإسرائيلي في سوريا فور سقوط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024 تقريباً، عندما سيطرت قوات الرئيس المؤقت أحمد الشرع على دمشق. وفي تموز/يوليو الماضي صعدت "إسرائيل" عملياتها العسكرية بشكل خطير، وقصفت وزارة الدفاع السورية في دمشق. ومؤخراً، شنت القوات الإسرائيلية غارات جوية وغارات برية على قاعدة عسكرية سورية في الكسوة، على مشارف دمشق أسفرت عن سقوط 6 جنود سوريين.
وبحسب ما ورد، فإنّ الهجوم، الذي بدأ بـإنزال جوي، هو أول استخدام معروف للقوات البرية الإسرائيلية بعيداً عن الأراضي التي تحتلها في جنوب سوريا. وشملت الدوافع المزعومة للهجوم على الكسوة، تصميم "إسرائيل" المستمر على القيام بعمل عسكري لدعم السكان الدروز في جنوب سوريا، والمخاوف التكتيكية بشأن احتمال تعرض قدرات الاستخبارات الإسرائيلية للخطر في المنطقة، والمخاوف الإسرائيلية الأوسع نطاقاً بشأن الجهود التركية لإعادة بناء القوات العسكرية السورية وممارسة النفوذ في سوريا، ومنذ سقوط نظام الأسد، شنّت "إسرائيل" أكثر من 400 توغل بري ونحو 1000 غارة جوية في سوريا.
ولقد أثار هجوم أواخر الشهر الماضي على سوريا بحسب ما كان متوقعاً، انتقادات لاذعة من وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وكذلك من دول الخليج الرئيسية، من ضمنها السعودية والإمارات الموقعة على "اتفاقيات أبراهام". وقد أدانت الدولتان الهجوم الإسرائيلي على الكسوة، ووصفتاه بأنّه تصعيد خطير وانتهاك للسيادة السورية، كما أعرب البيان السعودي عن "رفض المملكة القاطع للدعوات الانفصالية إلى تقسيم سوريا".
الخطاب الإسرائيلي جزء من المشكلة
وبالتوازي مع العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة، كانت هناك أيضاً تصريحات دورية لمسؤولين إسرائيليين ومقالات تحليلية تشير إلى المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية في سوريا وبلاد الشام الأوسع، والتي صيغت في مزاعم الأمن الإقليمية ودعم الأقليات. وقد ربط المحللون والسياسيون الإسرائيليون في السنوات الأخيرة الجهود الإسرائيلية لبناء علاقات مع الأقليات في سوريا والمنطقة الأوسع على سبيل المثال، بالمبادئ الاستراتيجية التأسيسية للدولة اليهودية، مثل "عقيدة الأطراف" التي صاغها قبل عقود أول رئيس وزراء إسرائيلي هو ديفيد بن غوريون.
وقد لوحظت هذه الاستراتيجية بدعم الأقليات أيضاً في تصريحات أدلى بها مسؤولون إسرائيليون حاليون، مثل وزير الخارجية جدعون ساعر. وإضافة إلى تأكيد التحالفات الطبيعية مع الأقليات في المنطقة، كوسيلة لـ"إسرائيل" لضمان مستقبلها، استغلّ ساعر أيضاً التركيز الإسرائيلي على الأقليات للإصرار على أنّ سوريا الموحدة ذات السيادة أمر غير واقعي. وقد أقلقت هذه الآراء مجموعة متزايدة من الخليجيين، وفي المنطقة الأوسع، حيث يتضح أنّ الهدف الإسرائيلي الاستراتيجي هو أن تكون سوريا مجزّأة.
وفي الآونة الأخيرة، ربط وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إصراره على تقسيم سوريا أو "تفكيكها" كدولة من خلال الحرب الإسرائيلية على غزّة والجهود العسكرية الأوسع لإعادة تشكيل البيئة الأمنية الإقليمية لمصلحة "إسرائيل". وأضاف اليميني المتطرف سموتريتش أنّ هذه الأهداف المترابطة ليست مجرد سياسات لحكومة إسرائيلية معينة، بل إنّها إجماع استراتيجي للإسرائيليين كلّهم.
لقد كانت اللغة الأخيرة التي استخدمها بنيامين نتنياهو أقلّ وضوحاً، ولكنّها أكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى القادة الإقليميين في إشارة إلى دعمه القوي لفكرة "إسرائيل الكبرى"، وهو مصطلح يُفهم على نطاق واسع على أنّه يشمل أجزاء من الأردن وسوريا ولبنان ومصر. ولكنّ سموتريتش وقادة المستوطنين يوضحون بشكل روتيني أنّهم ينظرون إلى الأراضي الممتدة من النيل إلى الفرات على أنّها تشكل الحدود المستقبلية لـ "إسرائيل" الكبرى.
وكانت الإمارات قد أصدرت بياناً أدانت فيه تأييد نتنياهو للمفهوم. كما أصدرت دول خليجية أخرى من ضمنها السعودية وعمان وقطر والكويت إدانات مماثلة، في حين وقعت البحرين ومجلس التعاون الخليجي مع مجموعة من 31 دولة ومنظمة عربية وإسلامية بياناً تدين فيه تصريحات سموتريتش عن خطط لضمّ معظم مناطق الضفّة الغربية التي تحتلها "إسرائيل".
مخاوف الخليج من قوة إقليمية غير مقيدة
تمتزج مخاوف دول الخليج المتعددة مع قلقها بشأن الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزّة، حيث عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين والدمار الهائل والهجوم العسكري الأخير للحكومة الإسرائيلية فضلاً عن المخاوف من أنّ "إسرائيل" بنجاحاتها العسكرية والاستخبارية الأخيرة، أصبحت قوة إقليمية جامحة في مواجهة منطقة أضعف. والمقلق الأساسي في أنّ "إسرائيل" بحملاتها العسكرية الأخيرة على لبنان وسوريا وإيران، على وشك الهيمنة على المنطقة بطرق قد تزعزع الاستقرار الإقليمي.
تقييم تركيا المختلف
تتحرّك "إسرائيل" والخليج أيضاً في اتجاهين متعاكسين فيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا، القوة الإقليمية المحورية. وبعد عقد من العلاقات المتوترة والمنافسة المزعزعة للاستقرار، والفرص الاقتصادية الضائعة، طوى الخليج صفحة مع تركيا، تكللت بزيارات ثنائية وقمم رئاسية في السنوات القليلة الماضية، أدت إلى تراجع عميق للمشروع الإسلامي الإقليمي الذي دعمته تركيا سابقاً، وبدلاً من ذلك طوّرت قائمة طويلة من الاحتمالات لفرص التجارة والاستثمار ذات المنفعة المتبادلة، بما في ذلك في سوريا، حيث تعزّزت العلاقات بين دول الخليج وتركيا بشكل كبير وما تزال تتطوّر.
وفيما يتعلق بدور تركيا في سوريا، يبدو أنّ التقييم الخليجي المتّفق عليه ينظر إلى أنقرة كقوة استقرار، في الظروف الحالية، بينما أوضح المسؤولون الإسرائيليون أنّهم ينظرون إلى نفوذ تركيا المتزايد في سوريا وطموحاتها بقلق بالغ، وأنّ "إسرائيل" ستتخذ إجراءات حاسمة بما في ذلك الجهود العسكرية، لوضع حدود للنفوذ التركي في سوريا.
ويبدو أنّ الإسرائيليين لا يشتركون مع دول الخليج في القلق بشأن مخاطر فشل الدولة في سوريا، والتي قد تساعد أنقرة في تخفيفها. وبالنسبة إلى "إسرائيل"، فإن القلق من المساعدات التركية لسوريا يفوق بكثير القلق من خطر فشل الدولة وعدم الاستقرار فيها.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.