"فورين بوليسي": هل لدى "إسرائيل" استراتيجية خروج من حربها على إيران؟
ربّما يكون نتنياهو متورّطاً في حرب استنزاف مع إيران، فهل ستتمكن "إسرائيل" من الصمود؟
-
"فورين بوليسي": هل ستتمكن "إسرائيل" من الصمود في حرب استنزاف تتضمّن استهداف المدن السكنية؟
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يناقش العدوان الإسرائيلي على إيران من منظور استراتيجي وسياسي وعسكري، ويركز على خلفياته، أهدافه، التحديات التي يواجهها، وآفاقه المستقبلية، مع التشكيك في قدرة "إسرائيل" على تحقيق نصر حاسم أو تحمّل تبعات حرب استنزاف طويلة.
المقال يشكك في فعالية الخيار العسكري الإسرائيلي ضد إيران، ويرى أنه مقامرة محفوفة بالمخاطر، خاصة إذا تحولت إلى حرب طويلة الأمد لا تضمن الانتصار.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
من وجهة نظر "إسرائيل"، لم يكن من الممكن أن يكون توقيت هجومها على إيران الذي بدأ الأسبوع الماضي أن يكون أفضل. وليس من الممكن التحقق من صحة ادّعاء بنيامين نتنياهو بأنّه لم يكن أمامه خيار سوى التحرّك الآن، لأنّ إيران تخطو "لتحويل اليورانيوم المخصّب إلى سلاح نووي" و"قادرة على صنع قنبلة في وقت قصير جداً". مع ذلك من المؤكّد أنّ إيران اليوم تتعرض للهجوم الذي فكّرت "إسرائيل" في شنّه قبل نحو 15 عاماً.
تراجع أداء الدفاعات الجوية الإيرانية بقوة، جراء غارتين إسرائيليتين في العام الماضي. كذلك، كاد محور المقاومة الذي بنته طهران بعناية من المفترض أن يساهم بالدفاع عن إيران في حال تعرّضها لهجوم إسرائيلي أن يتفكّك. وفي خضمّ خوضها حرباً ضروساً، لم تكن روسيا في وضع يسمح لها بمساعدة حليفتها على إعادة التسلّح. ويبدو أنّ تحذيرات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لـ"إسرائيل" بعدم مهاجمة إيران في أثناء المحادثات النووية لم تكن جدّية، بل ربّما هدفت إلى خداع طهران وإيهامها بعدم وجود هجوم وشيك.
بعد 4 أيام من بدء القتال، يزداد الغموض حول كيفية انتهائه. في بيان عامّ صدر بعد الهجوم قال نتنياهو إنّ العملية ستستمرّ "لعدد أيام"، لكنّ قادة "الجيش" الإسرائيلي أقلّ تفاؤلاً، وتحدّثوا عن أسابيع بدلاً من أيام، لكن لا يبدو أنّهم تصوّروا حرب استنزاف كما يبدو أنّها تتطور وتتجه. هل يمكن أن يصبح نتنياهو قائداً مقتنعاً بأنّ قواته المتفوقة قادرة على هزيمة العدو بسرعة وكفاءة، ليكتشف لاحقاً أنّ العدو لن يخضع.
من غير المرجّح أن تتبادل "إسرائيل" وإيران الضربات بالصواريخ والطائرات المسيرة والقنابل بعد 3 سنوات من الآن. ف "إسرائيل"، على الأقلّ، ليست في وضع يسمح لها بخوض حرب استنزاف مفتوحة، وهي صغيرة جغرافياً جداً، وسكّانها متركزون بكثافة في منطقة محدودة حول تلّ أبيب، ممّا يحيلها من دون قدرة على تحمّل القصف المتواصل.
وكما أظهر هجومها على إيران بوضوح، فإنّ "الجيش" الإسرائيلي قادر على تحقيق إنجازات ملحوظة. ومنذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، يخوض "الجيش" الإسرائيلي حرباً شبه متواصلة في غزّة ولبنان وسوريا، بالإضافة إلى التصدّي لضربات صاروخية منتظمة من الحوثيين في اليمن.
"إسرائيل" أغنى وأقوى عسكرياً الآن من أيّ وقت مضى في تاريخها، ولم تعد مضطرّة للاعتماد على الانتصارات السريعة كما كانت في الماضي، لكنّها أيضاً لا تملك موارد لا نهاية لها. ويظهر أنّ الهجوم على إيران استند إلى التدمير السريع لثلاثة أهداف كبيرة، وأكثرها تحقّق، من إضعاف الدفاعات الجوية، واغتيال عدد كبير من هيكل القيادة العسكرية والعلماء النوويين البارزين، إلى النجاح العملياتي، على الرغم من أنّه لا يزال يتعين رؤية ما إذا كانت هذه الاغتيالات ستقوّض بشكل كبير قدرة إيران على القتال أو الاستمرار في برنامجها النووي.
لكنّ جميع هذه الأهداف ثانوية مقارنة بالهدف الرئيسي، وهو القضاء على البرنامج النووي الإيراني. وهنا، لا توجد أدلّة تذكر على أنّ "إسرائيل" قد حققت أهدافها. من بين 3 المنشآت النووية الإيرانية يحتمل أنّ "إسرائيل" ألحقت أضراراً بمنشأة نطنز فوق الأرض، لكنّ حجم الضرر الذي ألحقته بأصفهان أقلّ وضوحاً. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرّية، تعرّضت منشأة فوردو لهجوم، لكنّها لم تتكبّد أيّ أضرار ملحوظة.
كذلك يشكك كثيرون في قدرة "إسرائيل" على تدمير منشأة فوردو الواقعة تحت جبل. وقد طرح محلّلون عسكريون عدّة أفكار، منها شنّ غارات جوية إسرائيلية متكرّرة على الموقع نفسه، أو القيام بعملية برية للقوات الخاصة. وقد فعلت "إسرائيل" شيئاً مشابهاً في سوريا في أيلول/سبتمبر الماضي، لكنّ فوردو أكبر بكثير وأكثر أماناً وأبعد بكثير، ونسبة أخطار الفشل هائلة.
يبدو من الصعب تصديق أنّ نتنياهو شنّ هجوماً على إيران على افتراض أنّ الولايات المتحدة ستنضمّ إليه في النهاية، مهما كانت الظروف، لتدمير فوردو إن لم يكن لأيّ سبب آخر. في هذه المرحلة، يبدو البيت الأبيض منقسماً بين الصقور المؤيّدين لـ "إسرائيل" واللملتزمين بشعار "أميركا أوّلا"، لكنّ الكلمة الفصل ستكون لترامب.
وما يجب أن يكون مقلقا للغاية لنتنياهو، أصبح من الواضح بشكل متزايد أنّ استراتيجية طهران هي شنّ حرب استنزاف في محاولة لاستعادة "حرب المدن" التي خاضتها إيران مع العراق في الثمانينيات. ويبدو أنّ بنك الأهداف الإيرانية في "إسرائيل" يشمل منشآت عسكرية ونووية.
لكنّ، صواريخ إيران أصابت عدداً من المباني السكنية، في تلّ أبيب وحولها، وأسفرت الهجمات عن مقتل 24 شخصاً على الأقلّ وإصابة المئات وتدمير عدد كبير من المباني. ومع أنّه تمّ اعتراض غالبية الصواريخ والطائرات بدون طيّار الإيرانية، لكنّ الأمر لا يتطلّب سوى القليل منها لإحداث أضرار جسيمة.
أعداد الضحايا بعيدة البعد كلّه عن أن تجعل المسؤولين الإسرائيليين يتردّدون في مواصلة هجومهم على إيران، لكنّها لا تمثّل سوى 4 أيام من الحرب، وما لم تنجح "إسرائيل" في تدمير منصّات إطلاق الصواريخ ومخزوناتها، فإنّ طهران تمتلك قوة نيران كافية لضربها لمدّة. فهل ستتمكن "إسرائيل" من الصمود في حرب استنزاف تتضمّن استهداف المدن السكنية؟
كذلك لا يثير هوس نتنياهو بالتهديد الإيراني أيّ صدى لدى الرأي العام الإسرائيلي، فقد كانوا على استعداد لتقديم تضحيات شخصية في حربهم مع "حماس" في غزّة، لكنّهم قد لا يكونون مستعدّين لفعل الشيء نفسه لمحاربة إيران.
علاوة على ذلك، تخوض "إسرائيل" قتالاً شبه متواصل منذ 20 شهراً، مُرهقة اقتصادها وقوات الاحتياط التي يعتمد عليها "الجيش" الإسرائيلي. من ناحية أخرى، فإنّ تاريخ قصف المدن كأداة لسحق معنويات العدو ليس جيداً.
يتّضح جلياً أنّ نهاية الحرب الإسرائيلية الإيرانية لن تكون واضحة كبدايتها، ما لم يكن لدى "إسرائيل" حيلة ما لتقنع الولايات المتحدة بالانضمام إلى حربها. ومن غير المرجّح أنّ إنهاء طموحات طهران النووية بالقوة. والسيناريوهات التي سيواجهها نتنياهو أقلّ من مثالية، أو أسوأ من الوضع الراهن قبل الحرب.
كما يكمن الخطر الذي يواجه نتنياهو في أنّ القائد خامنئي قد يعود إلى طاولة المفاوضات مع ترامب ويحصل على تخفيف للعقوبات. وقد تتمكّن إيران حتّى من الاحتفاظ بجزء من برنامجها النووي، وهذه ليست النهاية التي يتصوّرها أو يتمنّاها نتنياهو.
قد يكون الخيار الأكثر ترجيحاً لخامنئي هو مواصلة القتال، لأشهر أو ربّما حتّى سنوات. في هذه الحالة، سيراهن الزعيم الإيراني على قدرة بلاده في نهاية المطاف على الفوز في حرب استنزاف بإنهاك خصمها الأصغر.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.