"فورين بوليسي": نتنياهو يفضل ترامب لكنه قد يندم على ذلك
بغضّ النظر عمن سيفوز، فمن المرجّح أن تكون السنوات الأربع المقبلة للعلاقات الإسرائيلية الأميركية أكثر اضطراباً من تلك التي شهدتها رئاسة بايدن.
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب ديفيد روزنبرغ، يتحدّث فيه عن كيف يمكن أن تكون سياسة دونالد ترامب مع "إسرائيل" في حال فاز بالرئاسة، استناداً إلى فترة رئاسته الأولى.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
أظهرت استطلاعات الرأي الحديثة في الولايات المتّحدة، عشية الانتخابات الرئاسية المقرّرة يوم الثلاثاء المقبل، أنّ أرقام المتنافسَين، نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب، مُتَقاربة. ولكن، في حال اقتصر التصويت على الإسرائيليين، قد يبدأ ترامب في كتابة خطاب تنصيبه فوراً. فـ "إسرائيل" هي بلد ترامب، والمؤيّد الأوّل له مع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.
مع ذلك، لا يُخفي سجلّ ترامب شخصيته المتقلّبة، وتصريحاته العلنية عن "إسرائيل" خلال الحملة الانتخابية لا تُقدّم الكثير لتبرير كل هذا الحماس الإسرائيلي له. خاصّة، وأنّ الحرب التي تخوضها "إسرائيل" مُنذ أكثر من عام، جعلت منها تعتمد على الولايات المتّحدة أكثر من أيّ وقت مضى مُنذ حرب "يوم الغفران" عام 1973. وسوف تحتاج "إسرائيل" في المستقبل إلى الدعم الكامل من الرئيس الأميركي المقبل، بغضّ النظر عمّن يكون، لا كما يفعل نتنياهو بتجاهل مُرشّح والرهان على مرشّحٍ آخر بكلّ أوراق غريزته السياسية التي تتعارض في الغالب مع مصالح "إسرائيل". قد يُبَرّر نتنياهو ذلك بشعوره دائماً براحة أكبر بين الجمهوريين منه بين الديمقراطيين.
وفي انتخابات عام 2012، أعلن نتنياهو عن تفضيله للمرشّح ميت رومني، على الرئيس باراك أوباما. وقد استقبل رومني كرئيس دولة في زيارة قام بها لـ "تلّ أبيب" في ذلك العام. وهذه المرّة يعود نتنياهو للعبة المفاضلة مجدّداً، وبدأ الأمر بمصالحة من نوع ما بين نتنياهو وترامب المستاء منه، بسبب تهنئته للرئيس جو بايدن على فوزه في انتخابات العام 2020. وعلى مدار السنوات الأربع التي تلت لم يتحدّث الرجلان معاً. وفي مقابلة مع مجلّة "تايم" هذا العام، ألقى ترامب باللوم على نتنياهو في الإخفاقات التي مكّنت حركة حماس من شنّ هجوم في السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر العام الماضي. وقد كان ذلك انتقاداً لاذعاً لزعيم إسرائيلي رفض تحمّل أيّ مسؤولية عن الفشل الأمني. لكن، لقد كسر نتنياهو الجليد مع ترامب بزيارته في مُنتصف العام الجاري في منتجع مار إيه لاغو. ومُنذ ذلك الحين تهاتفا عدّة مرّات. وبغضّ النظر عن رأي الرجلين في بعضهما البعض، فهما يجدان أنّه من المفيد سياسياً أن ينظر إليهما باعتبارهما صديقين وحليفين.
كذلك، يبرز الإسرائيليون بين دول "الديمقراطيات الغربية" كداعمين لترامب، بحسب استطلاع رأي أجرته مُؤخّراً "القناة 12" الإسرائيلية، أظهر أنّ 66% يُفضّلون ترامب على هاريس التي حازت 17% فقط. وللمقارنة، أظهر استطلاع آخر أجرته مؤسسة "غالوب" الدولية في 43 دولة ما عدا "إسرائيل"، أنّ 54% من المشاركين يفضّلون هاريس، وهو أكثر من ضعف مستوى التأييد لترامب. حتّى في صربيا وهنغاريا الدولتين الأكثر دعماً لترامب، لم يحظ بتأييد كبير وتراوحت النسب بين 49 و59% من المشاركين في أكثر من استطلاع على التوالي.
ربّما يفضّل الإسرائيليون العاديّون ترامب لسبب أنّ هاريس شخصية غير معروفة، مع أنّها نائبة الرئيس بايدن، الذي لم يصله سوى القليل من التقدير الذي يشعر به الإسرائيليون للمساعدة الهائلة التي قدّمها لهم خلال الحرب على غزّة. وقد تعود شعبية ترامب في الغالب إلى ولايته الرئاسية الأولى، حين قرّر نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بضمّ "إسرائيل" لمرتفعات الجولان السورية، وانسحب من الاتّفاق النووي الإيراني، ونظّم "اتّفاقيات أبراهام" التي طبّعت العلاقات بين تلّ أبيب وعدد من الدول العربية. لكنّ حقيقة أنّ ترامب اقترح أيضاً خطّة سلام تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية، وألغى خطط نتنياهو لضمّ جزء من الضفّة الغربية قد نُسيت.
يميل الإسرائيليون إلى رؤية إيماءات ترامب الإيجابية كدليل على حبّه لـ "إسرائيل"، لكن سجلّه لا يؤكّدُ هذا الأمر، فهو زار مرّة واحدة فقط "إسرائيل" خلال فترة ولايته كرئيس. على النقيض منه، لقد جاء بايدن إلى "إسرائيل" مرّتين، وفي الأيّام الأولى من الحرب على غزّة، حضر في عرض قويّ وشخصي للدعم بعد هجوم تشرين الأول/أكتوبر الشهير. وفي وقت مُبكّر من حملته الانتخابية عام 2016، أخطأ ترامب في نقاط حديثه المؤيّدة لـ "إسرائيل" وقال لمحاوره من شبكة "سي إن إن"، حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إنّه "يودّ أن يكون مُحايداً إذا كان ذلك ممكناً". ثمّ صحّح ذلك بسرعة بعد أن أدرك الخطأ، ولكن من الآمن أن نفترض أنّه يعكس أمنيّات شخصية. وفي حملته الانتخابية الحالية، قدّم ترامب مزيجاً مُختلطاً وغامضاً في كثير من الأحيان من المواقف بشأن "إسرائيل" فيما يتعلّق بالقضايا الأكثر إلحاحاً التي تواجهها، وعن حماس في غزّة، وحزب الله في لبنان، وعن إيران أيضاً.
في الأشهر القليلة الأولى من الحرب بين "إسرائيل" وحماس، تحدّث ترامب عن الحاجة إلى "إنهاء الحرب" و"إنهائها بسرعة". وفي مُناظرة في أيلول/سبتمبر الفائت مع هاريس، قال ترامب: "سأحسم الأمر بسرعة". ومُؤخّراً أضاف: "لا أستطيع أن أُؤكّد ذلك". وتحرّك ترامب قليلاً باتّجاه دعم المجهود الحربي، وقال لنتنياهو في مكالمة هاتفية: "افعل ما يجب عليك فعله". لكنّ ترامب لم يتحدّث عن "النصر المطلق" الذي يقول عنه نتنياهو إنّه هدف "إسرائيل". كذلك، نُقل عن مستشاري ترامب قولهم إنّه من المحتمل جدّاً أن يتبع ترامب نهج بايدن بالضغط على "إسرائيل" للموافقة على وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى. وبما أنّ ترامب يبدو حريصاً على تتويج إنجازه في "اتّفاقيات إبراهام" بعقد اتّفاق تطبيع بين المملكة العربية السعودية و"إسرائيل"، قد يجد نتنياهو نفسه تحت ضغط من إدارته لتلبية المطالب السعودية بالتقدّم نحو إقامة دولة فلسطينية. وفيما يتّصل بإيران، اتّخذ ترامب موقفاً صارماً علنياً، ولكن ليس بقدر رغبة نتنياهو. فقد تحدّث ترامب عن تكثيف حملته "للضغط الأقصى" على طهران، ولكنّ هذا يعني فرض عُقوبات اقتصادية أشدّ صرامة، وليس الحرب. فهو "يكره الحرب بشدّةٍ"، بحسب قول أحد مستشاريه مُؤخّراً لصحيفة "فايننشال تايمز".
كلّ هذا مُؤشّر على تبنّي ترامب نظرة عالمية واسعة، والتي لا تتوافق بشكل جيّد مع المصالح الإسرائيلية. فترامب مُتشكّك في الحلفاء، وخاصّة أولئك الذين لا يدفعون تكاليف الدفاع عن أنفسهم، ومن المؤكّد أنّه لا يحبّ الازدواجية، وهذه مجالات سوف تعرّض "إسرائيل" للخطر في ظلّ إدارته في حال فوزه بالانتخابات. في الماضي، ربّما كانت "إسرائيل" تُعدّ الحليف الذي يُقدّره ترامب، ومن الصحيح أنّها كانت تتلقّى مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الأميركية، ولم تكن تدفع ثمنها إطلاقاً، ولكن على الأقلّ لم تطلب "إسرائيل" قوّات أميركية للدفاع عنها، ولطالما كانت قوّتها العسكرية في خدمة المصالح الأميركية.
لقد أدّت الحرب مع حركة حماس والصراعات الموازية مع حزب الله وإيران إلى تغيير هذه الديناميكية. فقد أنفقت الولايات المتّحدة ما لا يقلّ عن 22.7 مليار دولار على المساعدات العسكرية المباشرة لـ "إسرائيل" والعمليات الأميركية ذات الصلة في المنطقة حتّى 30 أيلول/سبتمبر الفائت. وبحسب دراسة أجراها "معهد واتسون للشؤون الدولية والعامّة" التابع لجامعة براون، فإنّ التكلفة ارتفعت مُنذ ذلك الحين، حيث قدّمت واشنطن المزيد من المساعدات خلال هجمات مُتبادلة بين "إسرائيل" وإيران. وبعيداً عن المال، أرسلت الولايات المتّحدة في أوقات مختلفة حاملات طائرات إضافية وطائرات مقاتلة وقوات عسكرية إلى المنطقة.
وفي وقت سابق من الشهر الماضي، أرسلت الولايات المتّحدة إلى "إسرائيل" نظام الدفاع الصاروخي "ثاد"، مع 100 جندي أميركي لتشغيله، في سبيل إغلاق الثغرات في الدفاعات الجوّية الإسرائيلية. كذلك، كانت الولايات المتّحدة بشكل دائم من يُزوّد "إسرائيل" بكمّيات هائلة من الأسلحة التي لا يمكن الحصول عليها من أيّ دولة أخرى أو إنتاجها محلّياً. والرئيس بايدن نظّم مرّتين تحالفات من القوى الغربية والعربية لمساعدة "إسرائيل" عندما شنّت إيران هجمات صاروخية عليها. ومن المؤكّد أن يظلّ اعتماد "إسرائيل" على الولايات المتّحدة مرتفعاً في المستقبل المنظور. ويفترض الإسرائيليون أنّ "إسرائيل" سوف تُضطرّ إلى زيادة الإنفاق الدفاعي إلى حدّ بَعِيدٍ في السنوات المقبلة، والتي قد تجد صعوبة في تغطيتها، خاصّة إذا تباطأ النموّ الاقتصادي. وسوف يردّ المدافعون عن ترامب بأنّ "إسرائيل" تُشكّل حالة خاصّةً عنده. فعلى النقيض من حلفاء آخرين، تتمتّع "إسرائيل" بقاعدة شعبية في الولايات المتّحدة بين المسيحيّين الإنجيليّين والعديد من اليهود. وفي الحزب الجمهوري، يُشكّل دعم "إسرائيل" مبدأ أساسياً، ولكن هل هذا سيكون كافياً؟
لن يضطر ترامب إلى مُواجهة الناخبين مُجدّداً إذا فاز في الأسبوع المقبل، وأصبح بوسعه أن يفعل ما يشاء. وربّما يكون قد تصالح مع نتنياهو الآن لأنّهُما يحتاجان إلى بعضهما البعض سياسياً، لكنّ تْرامب ليس من النوع المتسامح، ولا يتعامل مع التحدّي باستخفاف. وإذا اختلف الطرفان بشأن إيران، أو السياسة حول القضية الفلسطينية، أو شروط التطبيع مع السعودية، فالصَداقة قد تنهار بسهولة. ومن المرجّح أن يضم فريق السياسة الخارجية لترامب عدداً كبيراً من أنصار "أميركا أوّلاً"، الذين قد يحبّونَ "إسرائيل"، ولكنّهم يكرهون توريط الولايات المتّحدة في الحروب الأبديّة في الشرق الأوسط، حتّى عندما تكون "إسرائيل" طرفاً فيها. كذلك، هم الذين يؤيّدون سياسة خارجية أميركية أكثر نشاطاً تُركّز على الصين. ومثل إدارة بايدن، ينظرون إلى إيران باعتبارها ثانوية، ولا يريدون تخصيص الموارد الأميركية لتهديدها.
ومن المفترض أنّ نتنياهو أكثر احتساباً وواقعية من الإسرائيليين العاديّين الذين يبدو دعمهم لترامب قويّاً. ربّما يظنّ نتنياهو أنّه لا يستطيع تحمّل تجاهل ترامب، وإذا فازت هاريس فإنّها ستتصرّف مثل بايدن وتستمرّ في دعم "إسرائيل" على الرغم من أيّ خلافات.
بغضّ النظر عمن سيفوز، فمن المرجّح أن تكون السنوات الأربع المقبلة للعلاقات الإسرائيلية الأميركية أكثر اضطراباً من تلك التي شهدتها رئاسة بايدن، الذي كان صديقاً حقيقياً لـ "إسرائيل"، وكان مُستعدّاً لبذل جهود كبيرة لمساعدتها بثمن سياسي باهظ. ومن غير المرجّح أن يفعل شاغل البيت الأبيض المقبل سواء كان ترامب أو هاريس الشيء نفسه.
نقله إلى العربية: حسين قطايا