"فورين بوليسي": ماذا ستكسب وتخسر "تسلا" إذا فاز ترامب بالرئاسة؟
من المحتمل أن تؤدي زيادة الرسوم الجمركية وتقليل الحوافز الفيدرالية إلى تباطؤ نمو السوق بالنسبة لشركة "تسلا" لتصنيع السيارات الكهربائية.
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر تقريراً كتبه الباحث باتريك شرودر، تحدّث فيه عن مكاسب وخسائر شركات تصنيع السيارات الكهربائية، أوّلها شركة "تسلا" التي يملكها إيلون ماسك، في حال فاز دونالد ترامب بالرئاسة.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
عندما أعلن الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"، إيلون ماسك، تأييده الرئيس السابق دونالد ترامب، ودعم حملة إعادة انتخابه مالياً وحضر التجمّعات الحاشدة في الولايات المتأرجحة، قلب الكثير من السياسات المتعلقة بالسيارات الكهربائية رأساً على عقب. وكان من السهل جداً التمييز بين الديمقراطيين المهتمين بالمناخ الذين يشترون السيارات الكهربائية وسياسة الحزب الديمقراطي المشجعة على استخدام هذه السيارات وبين الجمهوريين المعارضين لاستخدامها. (في عام 2023، كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" أنّ نحو 71% من الجمهوريين لن يفكّروا في شراء سيارة كهربائية، مقارنة بـ 17% من الديمقراطيين). إلا أنّ المشهد السياسي والخطاب حول السيارات الكهربائية بدأ في التحوّل.
ومنذ تأييد ماسك له، خفّف ترامب من لهجته معلناً تأييده للسيارات الكهربائية لأن إيلون أيّد إعادة ترشّحه بقوة. في الماضي، عارض ترامب بشكل علني السيارات الكهربائية والدعم الفيدرالي لهذا القطاع والحوافز المقدّمة له، قائلاً إنه سيتراجع عن السياسات الداعمة مثل برنامج الائتمان الضريبي لمشتريات السيارات الكهربائية حتى 7500 دولار للسيارات الجديدة. وقد تم تنفيذ هذا البرنامج منذ عام 2008 كجزء من قانون تحسين الطاقة وتوسيع نطاقها في عهد الرئيس جورج دبليو بوش؛ وقام قانون خفض التضخّم لعام 2022 بتعديل هذا الائتمان وتوسيع نطاقه.
وكثيراً ما صرّح ماسك عن معارضته لهذه الإعانات، على الرغم من أنّ "تسلا" تلقّت مبلغ 2.9 مليار دولار من إعانات الدولة والحكومات الفيدرالية على شكل منح وإعفاءات ضريبية مع إطلاق أولى سياراتها في عام 2008. كما حصلت على نحو 9 مليارات دولار من مبيعات الائتمان الكربوني منذ عام 2009، بحيث تداولت هذه الائتمانات التنظيمية مع شركات تصنيع السيارات الأخرى التي تحتاج إلى الامتثال لمعايير الانبعاثات التي حدّدتها الجهات التنظيمية.
وعلى الرغم من مكانتها القوية كشركة رائدة في قطاع السيارات الكهربائية الأميركية - بلغت حصة "تسلا" في السوق الأميركية 48% في الربع الثالث من عام 2024، تليها شركة "جنرال موتورز" بنسبة 9.3% وشركة "فورد" بنسبة 8.6%، فإن إلغاء الحوافز الفيدرالية للمركبات الكهربائية ستظل تؤثّر على مبيعات "تسلا"، ولا سيما بين المستهلكين الحساسين للسعر. وسيبقى اعتماد السيارات الكهربائية مرتبطاً بالإعانات لسد الفجوة في التكلفة مع السيارات التقليدية.
في الواقع، توجد أدلة مباشرة من أوروبا على أن إلغاء الحوافز المقدّمة للمستهلكين في وقت مبكر للغاية، قبل تطوير السوق، سيؤدي إلى انخفاض مشتريات السيارات الكهربائية. فبسبب قيود الميزانية الفيدرالية، خفضت ألمانيا الدعم الوطني للسيارات الكهربائية في كانون الأول/ديسمبر 2023، واستمرت أرقام المبيعات في الانخفاض بنسبة 37% في تموز/يوليو 2024 و69% في آب/أغسطس. ومن المرجّح أن تواجه الشركات المصنّعة الأميركية الأخرى، مثل "فورد" و"جي إم" و"ريفيان" (التي تلقت استثماراً تصل قيمته إلى 5 مليارات دولار من شركة صناعة السيارات الألمانية "فولكس فاغن")، تحديات أكثر صرامة في الحفاظ على عروض السيارات الكهربائية الخاصة بها من دون هذه الحوافز. ولكن حتى شركة "تسلا" الرائدة في هذا القطاع لن تسلم من هذه التغييرات في السياسة.
وفي حال فكّرت أي شركة في اقتحام ساحة "تسلا" من خلال الإجراءات الفيدرالية، فإن أول ما سيواجهها هي السياسات التي وضعتها إدارة بايدن لدعم الشركات المصنّعة لقطع غيار السيارات القائمة للتحوّل إلى مركبات كهربائية. وفي خلال زيارتها إلى ديترويت في أيار/مايو 2024، أعلنت نائبة الرئيس كامالا هاريس عن استثمار في صندوق بقيمة 100 مليون دولار للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم المصنّعة لقطع غيار السيارات لتطوير المرافق التي يمكنها بعد ذلك إنتاج قطع الغيار اللازمة للسيارات الكهربائية. (تملك أغلبية صغار الموردين مرافق لإنتاج سيارات محركات الاحتراق الداخلي فحسب).
والأهم من ذلك، يتوافر برنامج جديد لمِنح تحويل صناعة السيارات المحلية بقيمة 2 مليار دولار من وزارة الطاقة الأميركية لتصنيع السيارات المحلية في ولايات مثل ميشيغان وأوهايو وبنسلفانيا والولايات المتأرجحة الأخرى. وسيكون هذا البرنامج معرّضاً لخطر الإلغاء في حال لم تتمكّن تلك المصانع من إجراء هذا التحوّل إلى تصنيع السيارات الكهربائية. ويهدف الصندوق إلى دعم تلك الشركات المصنّعة الصغيرة وعمالها وسيمتد من هذا العام حتى أيلول/سبتمبر 2031.
وقد تعهّد ترامب أن يقوم في اليوم الأول بإلغاء ما يسمى بتفويض السيارات الكهربائية، في إشارة إلى معايير انبعاثات السيارات النظيفة التي وضعتها وكالة حماية البيئة وهدف إدارة بايدن المتمثل في أن تكون نصف مبيعات السيارات الجديدة كهربائية بحلول عام 2030. وفي حين أنّ هذه التدابير ليست ملزمة قانوناً، فإن إلغاء معايير الانبعاثات ستكون له آثار سلبية على تطوير السيارات الكهربائية، نظراً لأن الشك في مجال الاستثمار سينتج عن ذلك، وإنتاج السيارات الكهربائية من قبل شركات تصنيع السيارات القائمة سيتباطأ، وسيتلقّى المستهلكون إشارة لمواصلة شراء السيارات التي تعمل بالغاز.
وفي حال أُعيد انتخاب ترامب، فسيسمح لماسك بتولي دور استشاري في الحكومة. وعندما كشف النقاب عن خططه الاقتصادية في أيلول/سبتمبر، أعلن ترامب أيضاً عن إنشاء لجنة كفاءة الحكومة سيرأسها ماسك. وهذا يعني الكثير من التضارب في المصالح المحتملة. فشركتا ماسك، "تسلا" و"سبايس إكس"، تشاركان في ما لا يقل عن 20 تحقيقاً أو مراجعة حديثة من مختلف الإدارات الحكومية الأميركية والوكالات الأميركية، بما في ذلك وزارات النقل والعدل والعمل والداخلية.
وبغض النظر عن القضايا التي قد تشوّه المنافسة المحلية، فإنّ العامل الآخر المؤثّر هو المنافسة من الشركات الصينية المصنّعة للسيارات الكهربائية مثل "BYD"، التي تخطّت مبيعاتها مبيعات "تسلا" في الربع الأخير من عام 2023، من 526 ألفاً إلى 484 ألفاً. وهناك رسوم جمركية بنسبة 100% مفروضة على السيارات الكهربائية الصينية الآتية إلى الولايات المتحدة، فرضتها إدارة بايدن في أيار/مايو 2024، ومن المؤكد أن ترامب سيحافظ على هذه الرسوم لإبعاد شركة " BYD" عن السوق الأميركية، وقد يزيد من نسبتها بما أن هناك اتفاقاً واضحاً بين الحزبين على ضرورة حماية القطاعات المحلية وقطاع البطاريات الأميركية. في المقابل، انتقد ماسك الرسوم الجمركية المفروضة على السيارات الكهربائية الصينية عندما تمّ عرضها، ونادى بالأسواق الحرة مع الحد الأدنى من التدخّل الحكومي.
وتهدف سياسة الحزبين الديمقراطي والجمهوري تجاه الصين إلى منع شركاتها المصنّعة للسيارات الكهربائية من الإنتاج في الولايات المتحدة. وهذا يتعارض مع ما يحدث في أوروبا، حيث تقوم شركة " BYD" ببناء مصنع إنتاج في هنغاريا لتجنّب الرسوم الجمركية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي.
ومن المحتمل أن تنتقم الصين من خلال فرض رسوم جمركية أعلى على الواردات، مع العلم أنها تُعدّ ثاني أكبر سوق لشركة "تسلا". ومع قيام بكين بتعزيز قطاع صناعة السيارات الكهربائية وتطويره، قد تواجه شركة "تسلا" الكثير من العوائق أمام توسّعها هناك، في حال ساءت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وبالتالي، قد تخسر مكانتها لصالح شركات السيارات الكهربائية الصينية مثل "BYD" أو " Xiaomi".
إن العودة إلى الرسوم الجمركية الصارمة على البضائع الصينية تحت إدارة ترامب قد لا تعرقل المبيعات فحسب، بل سلسلة التوريد الخاصة بشركة "تسلا" أيضاً، بما أن الكثير من قطع الغيار والمواد الخام التي تستخدمها مثل البطاريات تصدّرها الصين أو يتمّ صقلها فيها. كما أن نحو 40% من موردي المواد المستخدمة في بطاريات "تسلا" هم شركات صينية. وبالتالي، فإن الرسوم الجمركية المرتفعة على مكوّنات البطاريات المستوردة من الصين ستجبر شركة "تسلا" على تمرير التكاليف إلى المستهلكين أو تقليص هوامش الربح.
هذا وقد بدأت دول الاتحاد الأوروبي الاستعداد لحرب تجارية عالية المخاطر مع ترامب في حال فاز بولاية ثانية. ومن المرجّح أن يستجيب الاتحاد الأوروبي بقوة لإعلان ترامب عن فرض رسوم جمركية عالمية بنسبة 20%، لأنها ستضرّ ببعض أكبر الشركات في أوروبا، بما في ذلك شركات تصنيع السيارات. وسبق أن هدّد ترامب بفرض رسوم جمركية على صادرات السيارات الأوروبية خلال فترة رئاسته الأولى.
ورداً على ذلك، سيفرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية على البضائع الأميركية، ومن المحتمل أن تستهدف القطاعات الأميركية الرئيسة، بما في ذلك الشركات التي تكتسب مكانة في سوق السيارات الكهربائية في أوروبا، مثل "تسلا". وفي حال فرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية مضادة على شركات تصنيع السيارات في الولايات المتحدة، فقد تواجه "تسلا" زيادة في التكاليف أو قيوداً عند بيع السيارات في الاتحاد الأوروبي. وقد تؤدي الرسوم الجمركية الانتقامية إلى تعقيد سلسلة التوريد الأوروبية الخاصة بشركة "تسلا"، أو زيادة تكاليف الإنتاج أو تأخير عمليات التوسّع في الأسواق الرئيسة، بما في ذلك توسعة مصنع "Gigafactory" التابع لها في ألمانيا. وإذا قام الاتحاد الأوروبي بتحويل الحوافز لصالح الشركات المصنّعة المحلية، فقد تتأثر استراتيجية النمو الأوروبية لشركة "تسلا" بشكل مباشر، ما يفرض تحديات حول مكانتها في السوق على المدى الطويل.
لهذه الأسباب مجتمعة، قد لا تكون رئاسة ترامب انتصاراً لشركة "تسلا". وتحافظ اثنتان من شركات ماسك الأخرى، وهما "سبايس إكس" و"ستارلينك"، على شراكات حكومية مهمة، بحيث أصبحت "سبايس إكس" خاصة جزءاً أساسياً من الأمن القومي الأميركي واستكشاف الفضاء. وفي حين أن تأثير ولاية ترامب الثانية على هذه التقنيات الهامة غير واضح، فمن المؤكد تقريباً أنه سيضعف الدعم الفيدرالي للسيارات الكهربائية، ما قد يؤدي إلى تباطؤ نمو السوق وتوسيع البنية التحتية الضرورية لاستيعابها السريع، وكل ذلك ضروري بشكل عاجل للحد من الانبعاثات الصادرة عن وسائل النقل والحد من تغيّر المناخ.
نقلته إلى العربية: زينب منعم