"فورين بوليسي": على نتنياهو أن يخفّض توقّعاته من اجتماعه مع ترامب
سيعود نتنياهو من واشنطن بمظهر جيّد، لكنّ جيوبه فارغة نسبيّاً، وخلف الأبواب المغلقة، ستكون الرسالة واضحة بأنّه من الحكمة أن لا تتجاوز "إسرائيل" الرئيس الأميركي.
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً تحدّثت فيه عن التوقّعات لنتائج اللقاء الذي سيجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو اليوم في الولايات المتحدة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
سيكون بنيامين نتنياهو أوّل رئيس وزراء يستضيفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الثانية. وهي زيارة بمثابة نعمة لمكانة نتنياهو المتصدّعة بين الإسرائيليين. ويأتي اللقاء على خلفيّة اتّفاق الهدنة، مع أنّها هشّة في غزّة ولبنان، وبعد نجاح ترامب في دفع الأطراف كافة للتوصّل إلى الاتّفاق المذكور وصفقة تبادل الأسرى في غزّة، وفي الحصول على تمديد انسحاب "الجيش" الإسرائيلي من جنوب لبنان، والمسألتان أصبحتا في عهدة الرئيس وتحت إشرافه.
ورغم أنّ أجواء الزيارة ستكون إيجابية بكلّ تأكيد، فإنّها تخفي خلفها علاقة بين مسؤولين لا تربطهما علاقة طيّبة، ولا يثقان ببعضهما البعض، ولا ينسى كلاهما الأحداث المتوتّرة التي أحاطت بالأشهر الأخيرة من ولاية ترامب الرئاسية الأوّلى، حين قام نتنياهو وبتشجيع من السفير الأميركي آنذاك، بمحاولة ضمّ أجزاء من الضفّة الغربية معتقداً أنّ ذلك يتماشى مع ما يسمّى بصفقة القرن التي طرحها ترامب، والذي لم يناسبه توجّه نتنياهو خاصّة في تلك الفترة التي تسبق حملته الانتخابية لولاية ثانية. وممّا زاد الطين بلّة بين الرجلين، حين غضب ترامب بشدّة من تهنئة نتنياهو للرئيس جو بايدن بعد فوزه عليه في الانتخابات الرئاسية في العام 2020، وعدم استعداد نتنياهو لتبنّي رواية ترامب الكاذبة حول تزوير الانتخابات.
لكن، وبغضّ النظر عن انعدام الثقة بين الرجلين، فهما يحتاجان بعضهما البعض حالياً، ولديهما مصلحة في عقد اجتماع جيّد. وترامب، الذي يصف نفسه بأنّه الرئيس الأكثر تأييداً لـ"إسرائيل" في تاريخ الولايات المتّحدة، خاض الانتخابات على أساس برنامج يقوم على الدعم الثابت لها. ومن بين أوّل قراراته الرئاسية، رفع العقوبات التي فرضها بايدن على المستوطنين الإسرائيليين المتطرّفين، وإعادة شحن القنابل الأميركية الضخمة إلى "الجيش" الإسرائيلي، التي سبق وأن علّقها بايدن.
من جانب آخر، يواصل نتنياهو مواجهة الضغوط من الجهات كافة، فهو يخضع للمحاكمة في قضية فساد، ويتعرّض للضغط من ائتلافه اليميني لاستئناف الحرب في غزّة، ويواجه مطالب الأحزاب الدينية في الائتلاف بإعفاء ناخبيهم من الخدمة العسكرية، وعائلات الأسرى الإسرائيليين في غزّة يطالبونه بإعطاء الأولوية لإطلاق سراح ذويهم. ومع أنّ زيارة البيت الأبيض لا تشكّل حلّاً لمحنة نتنياهو، إلّا أنّها توفّر له منصّة لإثبات أنّه لا غنى عنه. ولكن، ليس كلّ شيء على ما يرام في عالم الرجلين. وبين الحاجة إلى الحفاظ على ائتلافه الحكومي اليميني ورغبة دونالد ترامب في تنفيذ وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، يواجه نتنياهو مهمّة تبدو مستحيلة في تحقيق التوازن بين الاتّجاهين.
والمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار، تلزم حركة "حماس" الإفراج عن بقية الأسرى لديها، في مقابل انسحاب "الجيش" الإسرائيلي من غزّة وإنهاء الحرب. وكان قد انسحب من ائتلاف نتنياهو أحد الأحزاب اليمنية احتجاجاً على موافقة الكنيست على الصفقة، وهدّد حزب آخر بإسقاط الحكومة إذا لم يستأنف نتنياهو الحرب بعد تنفيذ المرحلة الأولى من الاتّفاق. ومن غير الواضح كيف سيتمكّن نتنياهو من الخروج من هذه المآزق. بالطبع، سيحاول كسب الوقت، مذكّراً ائتلافه بأنّ الاتّفاق ينصّ على استمرار وقف إطلاق النار إذا استمرّت المفاوضات بشأن المرحلة الثانية التي تبدأ اليوم، وسوف يذكّر الرئيس الجديد في البيت الأبيض أيضاً، برسالة التأكيد التي يزعم أنّه حصل عليها من بايدن، ويبدو أنّ إدارة ترامب أيّدتها، بأنّه يستطيع مواصلة الحرب لحرمان حركة "حماس" من الفوز السياسي. وقد يسعى نتنياهو للحصول على موافقة ترامب على استمرار القتال لمدّة متّفق عليها. لكن، ترامب بالفعل يريد إنهاء الحروب، وليس إطلاقها أو الاستمرار فيها. وبالتالي، فمن غير المرجّح أن يمنح نتنياهو مساحة كبيرة للمناورة. فكلّ محتال لديه فهم بديهي للمحتال الآخر، لذا لن تكون هناك شيكات على بياض. وفي الواقع، لن يستغرق الأمر الكثير من الوقت، حتّى يفقد ترامب صبره مع نتنياهو.
إنّ إنهاء الحرب على غزّة، له أهمّية عند ترامب لأنّه يصبّ في مساعيه لإحياء احتمالات التوصّل إلى اتّفاق تطبيع سعودي إسرائيلي، مع أنّ ثمن هذه العملية ارتفع كثيراً بالنسبة للسعودية بشكل كبير منذ 7 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، خاصّة بما يتعلّق بالتزامها بالقضية الفلسطينية، حيث من الممكن أن تطلب الرياض من "تلّ أبيب" الالتزام بأفق سياسي يؤدّي إلى حلّ الدولتين أكثر، وهو ما لا يستطيع نتنياهو أن يتحمّله.
وتشكّل إيران القضية الأخرى التي قد يصطدم بشأنها ترامب ونتنياهو. فقد تحدّث نتنياهو جهاراً عن أمله في أن يدعم الأميركيون مهاجمة البرنامج النووي الإيراني. ومع أنّ ترامب ليس لديه أيّ حبّ ضائع للإيرانيين، ويبدو مستعدّاً لزيادة حملته للضغط الأقصى، فليس من المؤكّد أنّه يريد بدء حرب في الوقت الذي يكشف فيه عن سياساته الداخلية والخارجية.
ألمح ترامب على نحو غامض إلى أنّ اهتمامه الوحيد هو البرنامج النووي الإيراني، ممّا يشير إلى أنّه قد يكون مستعداً للدبلوماسية عوضاً عن القوّة. ومن المؤكّد أنّ الدبلوماسية من إيران سوف تناسب مصالح السعودية ودول الخليج أيضاً. وعلى هذا فإنّ القضايا التي قد يتوصّل ترامب ونتنياهو إلى اتّفاق فوري بشأنها قليلة. ذلك أنّ مذكّرة التفاهم التي تبلغ مدّتها 10 سنوات بين الولايات المتّحدة و"إسرائيل" حول المساعدات العسكرية سوف تنتهي في عام 2028، وقد يثير نتنياهو هذه المسألة خلال الاجتماع.
من الممكن أن يعد ترامب بسهولة بضمان حصول "إسرائيل" على الوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها، ولكنّ هجومه على خفض الميزانية يشير إلى أنه سوف يتراجع عن الالتزامات الجديدة أو ربّما يستخدمها كمصدر للضغط. ومن المؤكّد أنّه يريد استمرار وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في مرحلته الثانية، ومن المرجّح أن يخفّف اندفاع نتنياهو لاستئناف الحرب.
نتنياهو يزور اليوم واشنطن في موقف أضعف كثيراً من موقف ترامب، وإذا كان هناك شيء واحد يمكننا أن نقوله بثقة عن ترامب، فهو أنّه سيستغلّ ذلك. ومن الممكن أن يقيّد ترامب أو يفرض شروطاً على المساعدات العسكرية لـ "إسرائيل"، تماماً كما امتنع سلفه بايدن عن القيام بذلك. ولكنّ، عدم القدرة على التكهّن بتصرّفات ترامب ينبغي أن تثير قلق نتنياهو.
دونالد ترامب من الحزب الجمهوري الآن، ولا يستطيع نتنياهو أن يلجأ إلى تكتيكه المألوف المتمثّّل في الوصول إلى رأس رئيس الولايات المتّحدة والحصول على دعم الكونغرس. سيعود نتنياهو من واشنطن بمظهر جيّد، لكنّ جيوبه فارغة نسبيّاً، سواء من حيث الموارد أو الالتزامات. مع ذلك فإنّ الزيارة لن تنتهي بدماء على الأرض أيضاً، فلا يريد أيّ منهما مواجهة مبكّرة. ولكن خلف الأبواب المغلقة، ستكون الرسالة واضحة، الولايات المتّحدة في عهد دونالد ترامب هي الشريك الرئيسي في هذه العلاقة، ومن الحكمة أن لا تتجاوز "إسرائيل" الرئيس. أمّا إذا كان تأثير ترامب فعّالاً مع بنيامين نتنياهو المحاصر والذي لا يزال يبدي استعداداً للمخاطرة، فعلينا أن ننتظر لنرَ.
نقله إلى العربية: حسين قطايا