"الغارديان" تسرد قصصاً عن أيام العنف التي شهدتها السويداء
أدّت الانقسامات الطائفية إلى أسوأ اضطرابات في سوريا منذ آذار/مارس، حيث عانى الدروز في محافظة السويداء من مجازر وإعدامات.
-
جثث ضحايا الاشتباكات الأخيرة معروضة للتعرف عليها في ساحة مستشفى بمدينة السويداء جنوب سوريا (أ ف ب)
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يتناول الأحداث الدموية التي شهدتها محافظة السويداء في جنوب سوريا على مدار أربعة أيام من القتال الطائفي.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف:
لم يكن أمام بهاء خيار سوى مواصلة عمله، حيث كان المرضى يتوافدون على مستشفى السويداء الوطني في جنوب سوريا. كانت إصاباتهم متشابهة تقريباً: جروح ناجمة عن طلقات نارية وجثث ممزقة بشظايا قذائف المدفعية القريبة.
قال بهاء، وهو جراح يتحدث عن أحداث هذا الأسبوع في السويداء تحت اسم مستعار خوفاً من الانتقام: "كان هناك مئات الجرحى، وما لا يقل عن 200 جثة في المستشفى. كثير منهم مصابون برصاصات في الرأس، كما لو كانوا أعدموا".
أظهرت مقاطع فيديو صُوّرت داخل المستشفى ممرات مليئة بالجثث، وغرفاً مليئة بأكياس الجثث، وجثثاً مكدسة في الخارج. وقال طبيب ثانٍ من وحدة العناية المركزة إنّه كان لا بد من وضع الجثث خارج المشرحة لضيق المساحة.
وكانت هذه الإصابات، من مدنيين وعسكريين، من بين ما لا يقل عن 516 مدنياً ومقاتلاً قُتلوا خلال أربعة أيام من الاشتباكات في المحافظة ذات الأغلبية الدرزية، وفقاً لأرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره المملكة المتحدة.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنّ 86 على الأقل من القتلى قضوا نتيجة إعدامات ميدانية لمدنيين دروز على يد مقاتلي الحكومة أو الميليشيات المتحالفة معها، فضلاً عن ثلاثة مدنيين بدو قتلوا على يد مقاتلين دروز.
بدأ القتال بنزاع محلي بين قبائل بدوية ومقاتلين دروز، وسرعان ما تصاعد، ما دفع قوات الحكومة السورية إلى التدخل. قاوم المقاتلون الدروز دخولهم إلى المحافظة، وبدأت الاشتباكات مع قوات الحكومة السورية.
وصف السكان أربعة أيام من الرعب بأنّ القتال سرعان ما اتخذ طابعاً طائفياً، وكان العنف أخطر تهديد لاستقرار سوريا منذ آذار/مارس، عندما قُتل 1500 مدني، معظمهم من العلويين، بعد هجوم فاشل على القوات الحكومية.
تعهّد الرئيس السوري، أحمد الشرع، بحماية أقليات البلاد منذ إطاحة الرئيس السوري السابق بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر. وهو الآن يقود بلداً تمزقه الانقسامات الطائفية بعد 14 عاماً من الحرب الأهلية، من دون الموارد اللازمة للانخراط في العدالة الانتقالية اللازمة لمعالجتها.
وقد لاقى الرئيس، وهو زعيم سابق في تنظيم القاعدة تحوّل إلى رجل دولة، ترحيباً دولياً، لكن هناك شكوكاً عميقة بشأنه بين الأقليات السورية في الداخل.
مع انسحاب الجيش السوري من المدينة يوم الأربعاء، بدأ الناس بالخروج من منازلهم وحصر خسائرهم.
قُتل ما لا يقل عن 15 شخصاً أعزل في قاعة استقبال تابعة لعائلة رضوان المرموقة في مدينة السويداء يوم الثلاثاء، وفقاً لما ذكره ثلاثة أفراد من العائلة لصحيفة "الغارديان". كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بعمليات القتل، وقدّر عدد القتلى بـ 12.
وقال معن رضوان، وهو مقيم في لندن يبلغ من العمر 46 عاماً وقُتل أقاربه في إطلاق النار: "كانوا يجلسون هناك يشربون القهوة عندما دخل مسلحون وبدأوا في إطلاق النار. لا يُسمح بدخول الأسلحة إلى القاعة، فهي ليست قاعدة عسكرية".
ألقى سكان السويداء باللوم على القوات التابعة للحكومة في عمليات القتل، لكن شهود عيان قالوا إنه من المستحيل التمييز بين قوات أمن الدولة والميليشيات المارقة.
قال شاهد عيان إنّ المهاجمين كانوا يرتدون زياً عسكرياً، لكنه لم يستطع تحديد ما إذا كانوا من قوات تابعة للحكومة أم ميليشيا. وقال مُعلّم يبلغ من العمر 52 عاماً، وهو قريب لعائلة رضوان في السويداء، لصحيفة "الغارديان" عبر الهاتف: "من المستحيل معرفة من يقتلنا".
أظهر مقطع فيديو لآثار إطلاق النار رجالاً عُزّل متناثرين في غرفة غارقين في برك من الدماء. وقال أفراد العائلة إنّ رجالاً يرتدون زياً عسكرياً منعوا سيارات الإسعاف من الوصول إلى قاعة الاستقبال، التي ظنوا أنها مخصصة لضمان وفاة الجرحى بسبب فقدان الدم.
استلم بهاء جثث قتلى إطلاق النار على رضوان في المستشفى، وكان يعرف بعضهم شخصياً، وقال إنّ جثثهم كانت تحمل إصابات بطلقات نارية من مسافة قريبة.
أصبحت الأوضاع في المستشفى نفسه يائسة مع حصار المقاتلين للمنشأة. اختبأ الأطباء في الممرات بينما كان الرصاص والمدفعية يتطايران، وتعرض المستشفى نفسه للقصف مرة واحدة على الأقل. بدأوا بترشيد توزيع الأدوية والمستلزمات الأساسية الأخرى.
قال طبيب وحدة العناية المركزة: "كنا نحاول تحديد جرعة الترامادول لكل جريح بجرعتين أو ثلاث جرعات، وكنا نخففها حتى تكفي الجميع".
ألقى الشرع كلمة يوم الخميس دان فيها الانتهاكات ضد المدنيين، مؤكداً محاسبة المسؤولين. كما أكدت وزارة الدفاع السورية التزامها "بقواعد الاشتباك لحماية السكان".
وقال الرئيس السوري: "نحن عازمون على محاسبة كل من ظلم أو أذى إخواننا الدروز. إنهم في حماية الدولة ومسؤوليتها، والقانون والعدالة يكفلان حقوق الجميع من دون استثناء".
على حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي اطلعت عليها صحيفة "الغارديان"، نشر عنصران من القوات الحكومية خطاب كراهية طائفياً ضد الدروز.
نشر أحدهما مقطع فيديو له ولجنديين آخرين وهم يقودون سيارتهم في السويداء وهم يضحكون وهو يقول: "نحن في طريقنا لتوزيع المساعدات"، وهو يشهر ساطوراً أمام الكاميرا. صوّر نفسه داخل منزل في السويداء وهو يمزق صورة لقادة روحيين دروز من على جدار ويدوسها بحذائه.
وأضاف: "إن نصركم الله فلا يهزمكم أحد.. باسم العشائر، يا دروز وعلويين، قادمون إليكم بالطائفية".
نشر مقاتل آخر مقطع فيديو له وهو يقود سيارته في بلدة سهوة بلاطة بمحافظة السويداء، متوقفاً ليتفاخر بجثتين على الرصيف أثناء التصوير. "هؤلاء كلابك يا الهجري. كل من يقف ضد الدولة سيُعاقب"، قال في إشارة إلى الشيخ حكمت الهجري، أشدّ القادة الروحيين الدروز الثلاثة معارضةً للحكومة.
تعرّف يوسف على الرجلين في الفيديو، وهما ابن عمه وابن عمه. لم يكن يعلم مسبقاً أنهما ميتان.
قال يوسف، وهو مهندس مدني يبلغ من العمر 25 عاماً من السويداء: "اتصلوا بي الساعة السابعة صباحاً من ذلك اليوم، وكان معظم الأهالي قد فرّوا من القرية. لم يعرفوا ماذا يفعلون، ولم يكن بحوزتهم أي أسلحة على الإطلاق".
رغم وقف إطلاق النار يوم الأربعاء، بدا أنّ أعمال العنف المتقطعة مستمرة. دفعت شائعات عن هجوم بدوي آخر على السويداء إلى نزوح جماعي للسكان يوم الخميس. أرسل يوسف مقطع فيديو له وهو يُجري مقابلات مع أشخاص أثناء فرارهم. كان في إحداها كيسان للجثث في صندوق شاحنته الصغيرة. فتح يوسف سحاب أحد الكيسين، وأظهر للكاميرا جثة امرأة مذبوحة.
تُهدد دورة العنف المتبادل، التي تحمل دلالات طائفية، وحدة الدولة السورية الجديدة، التي كانت السلطات في دمشق تسعى جاهدة للحفاظ عليها. انخفض انعدام الثقة بين الدروز والسلطات الجديدة، والعكس صحيح، إلى أدنى مستوياته على الإطلاق.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.