"الأناضول": لماذا نشعر بالتهديد من احتكار "غوغل"؟
إذا تُركت شركة "غوغل" من دون ضوابط في استغلال البيانات الشخصية الشاملة، فسوف تُحكم سيطرتها الكاملة، وتُحوّل الجميع إلى أدوات وسلع في خدمة المنصّة ومصالحها.
وكالة "الأناضول" التركية تنشر مقالاً للكاتبة مليكة تانبيرك، تتحدث فيه عن احتكار شركة "غوغل" للبيانات، وخطر ذلك وعواقبه.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في يوم مشؤوم قبل 3 قرون، وفد إلى قرية إيطالية نائية في وسط الريف ناسك فُضوليّ لا يشبع من البحث وتسجيل الملاحظات بالتفاصيل، أطلق عليه لقب "غوغل"، وكان يُجِيد القراءة والكتابة على عكس القرويين، وهي مهارة نادرة في ذلك الزمن، جعلته يحظى بالاحترام كونه من الرجال العارفين.
وكان سكّانُ القرية، قبل أن يُجاورهم غوغل، يتساعدون في الزراعة والريّ والحصاد، وفي المهمّات التي تتطلّب جُهداً جماعياً.
مع ذلك، كانت حياة القرية روتينية، مع طموحات بسيطة لسكّانها في الشؤون التي تُسهّل عليهم العيش. وكان غوغل مُتأهّباً دوماً للإجابة عن أسئلتهم بصبر وحكمة، منحاه مكانة مرموقة وثقة أهل القرية.
كان لدى غوغل قُدرة مُدهشة على الاستماع، باهتمام بالغ، إلى القصص والمخاوف لكلّ من يلتقيه. حتّى الأطفال الذين بلغوا من العمر 3 أعوام فقط. وبحلول المساء، كان يجلس ويدوّن بدقّة كلّ ما سمعه، ويُغذّي فُضوله الذي لا يشبع أبداً.
صار غوغل المرجع أمام أهل القرية المذهولين بمعرفته الواسعة. وفي أحد الأيّام، قدّم غوغل عرضاً سخياً إلى القرويين، يقضي بحفظ بُذور الزرع بلا مُقابل، في زمن كانت الزراعة ضرورة وجودية. وكانت مساعدة غوغل هذه بمنزلة هبة من الله، لأنّهم يُدركون الجهد المضني الذي ينطوي عليه حفظ البذور، من اختيار أكثرها صحّة، والتمييز بين النباتات البكر والمهجّنة والناضجة، وتجفيفها من أجل منع العفن، إلى الدرس والغربلة والتخزين المتقن. وكلّ هذا سيقدّمه غوغل مجّاناً، بحسب ما وعد.
القرويّون المذهولون بتطوّع غوغل الكريم، أُعجبوا به أكثر حين بدأ عمله بتفانٍ ودقّة لا يُصَدَّقان. لكنّه، استمرّ في الاستماع إلى حكايا الجميع وتدوين التفاصيل كُلّها ليلاً. وخلال أعوام، اعتاد القرويّون سُهولة استخدام البذور الجاهزة للزراعة والتي يُقدّمها إليهم غوغل، من قلعته المهندَسة جيداً، في موقع استراتيجي آمن.
لقد جعلهم غوغل يشعرون براحة بطعم الكسل، أنستهم مهاراتهم في حفظ البذور. وببطء، أصبحوا مُعتمدين عليه في مُعظم شُؤونهم. وهذا ما أيقنه غوغل، بحيث بدأ يطلب مقابلاً للبذور التي يعطيها لأهل القرية. واشترط أن يُسدَّد له الدفعُ قطعةَ أرض صغيرة من كلّ مُزارع. بدا هذا ثمناً زهيداً في مُقابل أعوام من الخدمة المجّانية. في أيّ حال، وافق القرويّون على مضض، انطلاقاً من أنّ الدفع سيكون لمرّة واحدة، لذا فلا ضرر، حتّى تكرّرت المرّات إلى أن أصبح مُعظمهم يعمل في الأراضي التي كانت مملوكة لعائلاتهم ذات يوم.
تزايد نُفوذ غوغل وهيمنته، بعد أن تخلّص بسهولة من أولئك الذين حاولوا إحياء أساليبهم القديمة في حفظ البذور التي يتذكّرونها. فإمّا يعرض عليهم غوغل أسعاراً مرتفعة لبيع تقنياتهم، وإمّا يُرهبهم بالتهديدات، مُحذّرا الآخرين من أنّهُم لن يتمكّنوا من الزرع هنا، لأنّ الأرض مملوكة له. في الوقت عينه، وبهدوء خبيث، بدأ غوغل يتلاعب بالقرويين، مُسْتغلاً أسرارهم ونقاط ضعفهم. على سبيل المثال، كان يعرف حسد لوسيا لجارتها جوفانا، أو أسلوب لورينزو الرهيب في تربية الحيوانات، وغيرهما من الأسرار.
أَحكم غوغل قبضته على أهل القرية. والآن، أصبح المجتمع الذي كان مُكتفياً ذاتياً نسبياً يعتمد بالكامل على هذا الرجل، الذي بدا خيّراً أوّل وهلة، لكنّه في النهاية ماكر وشرّير، وضع القرية تحت رحمة نزواته وخدمة مصالحه، بحيث لا يستطيع سكانها العيش من دون إرشاده وتوجيهاته.
العواقب المحتملة لسيطرة غوغل على البيانات
إنّ قصّة غوغل "مُنقذ البذور" تحمل أوجه تشابه مُذهلة في تطابقها مع قصّة شركة التكنولوجيا العملاقة غوغل. ولحسن الحظّ، حكمت المحكمة الجزئية الأميركية مؤخّراً بأنّ غوغل شركة احتكارية، وتصرّفت كذلك للمحافظة على مصالحها الاحتكارية. واستند هذا الحكم إلى أنّ غوغل انتهكت المادّة الثانية من قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار، الذي يحظر تملّكَ الاحتكار كقوّة باستمرار من دون تحسين المنتوج.
كان واضحاً، من قبل قرار المحكمة، أنّ غوغل شركة احتكارية مُنذ وقت طويل. مع ذلك، فإنّ قرار المحكمة يُمثّلُ خُطوة نحو الحدّ من هيمنة هذه الشركة ومُحاسبتها على دفع الملايين إلى شركات، مثل أبل وسامسونغ، من أجل جعل غوغل مُحرّك البحث الافتراضي لمنتوجاتها، وهو ما يهدف بدوره إلى السماح للشركة بجمع مزيد من البيانات، الأمر الذي يزيد في قُوّتها.
والسؤال المهمّ الآن، يتمحور حول العواقب المحتملة لتركيز بيانات المستخدمين في أيدي غوغل، في ظلّ العواقب والتداعيات التي لا حصر لها، إذا تُركت من دُون سيطرة، فسوف تستغلّ غوغل قُوّة هذه البيانات لمصلحتها. فنحن "القرويين" نُسلّم بياناتنا من دُون علم منّا إلى هذا العملاق الجشع، ثمّ يتحكّم في كلّ ما يعرفه عنا. وفي النهاية يُحوّل البيانات إلى سلعة، ويستخدمها لتحقيق غاياته، وسوف ينتهي بنا الأمر إلى أن نكون وسيلة لنزوات الشركة الماكرة.
قد يأتي اليوم البائس، الذي نبحث فيه عن التركيبة الكيميائية عبر شبكة غوغل، ونتلقّى إجابات مثل "قم بتنزيل التطبيق لشراء مياه نقية غنية بالمعادن"، أو الأسوأ من ذلك، "ليس لديك المؤهّلات اللازمة للحصول على هذه المعلومات". وقد يُؤدّي مِثْل هذا السيناريو إلى مستقبل ننسى فيه المعرفة الأساسية، الأمر الذي يُضطرنا إلى البدء من الصفر، وربّما حتّى إِعادة اختراع العجلة.
نقله إلى العربية: حسين قطايا