"نيويورك تايمز": بايدن أعلن انتهاء الحرب، لكن حروب أميركا مستمرة

كلام بايدن بأن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب لأول مرة منذ 20 عاماً، يتجاهل الصراعات الأميركية المستمرة على نطاق أصغر في أماكن أخرى في العالم.

  • بايدن خلال خطابه أمام الأمم المتحدة.
    بايدن خلال خطابه أمام الأمم المتحدة.

كتب الصحافي الأميركي مارك مازيتي تحليلاً في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تناول فيه إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن من على منصة الأمم المتحدة الثلاثاء أن "الولايات المتحدة ليست في حالة حرب لأول مرة منذ 20 عاماً". وقال الكاتب إن الوقائع تكذّب كلام بايدن إذ قبل ذلك بيوم واحد فقط من خطابه، أضرم صاروخ أطلقته طائرة أميركية بدون طيار سيارة كانت تسير على طريق بعيد في شمال غرب سوريا، في غارة استهدفت عنصراً يشتبه في أنه في تنظيم القاعدة. وقبل ذلك بثلاثة أسابيع، شنّ الجيش الأميركي غارة جوية في الصومال استهدفت عناصر من "حركة الشباب" المسلحة في إطار حملة جوية أميركية اشتدت في الأشهر الأخيرة.

وأضاف الكاتب: لم يعد هناك جنود أميركيون في أفغانستان، لكن حروب أميركا مستمرة. كان تأكيد بايدن في الأمم المتحدة يهدف إلى إظهار أنه أوفى بوعده بإنهاء أطول حرب في أميركا، وجاء خطابه في اليوم نفسه، الذي دُفن فيه آخر جندي قتل قبل الانسحاب الأميركي من أفغانستان، في مقبرة أرلينغتون الوطنية.

وأوضح مازيتي أن زعم بايدن هو آخر محاولة قام بها رئيس أميركي في العقدين الماضيين منذ هجمات 11 أيلول / سبتمبر لإخفاء حقيقة غير مريحة وهي أن أميركا لا تزال منخرطة في صراعات مسلحة في جميع أنحاء العالم.

ففي رسالة وجّهها إلى الكونغرس في حزيران / يونيو الماضي، قام بايدن بتعداد جميع الدول التي تعمل فيها القوات الأميركية ضد مجموعات مسلحة مختلفة من العراق وسوريا إلى اليمن إلى الفلبين إلى النيجر. فهناك أكثر من 40 ألف جندي أميركي يتمركزون حول الشرق الأوسط، بمن في ذلك 2500 جندي في العراق بعد أكثر من 18 عاماً من أمر الرئيس جورج بوش الإبن بغزو ذلك البلد. كما يوجد نحو 900 جندي في سوريا في مهمة بدأها الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2015، وقال بايدن إنه سيوجه الجيش لتنفيذ عمليات مستقبلية في أفغانستان ضد التهديدات الإرهابية الناشئة، حتى لو تم إطلاقها من قواعد خارج البلاد.

وقال النائب الديمقراطي توم مالينوفسكي، خلال شهادة وزير الخارجية أنتوني بلينكن أمام الكونغرس هذا الشهر، "قواتنا لن تعود إلى الوطن. إنهم ينتقلون فقط إلى قواعد أخرى في نفس المنطقة للقيام بنفس مهام مكافحة الإرهاب، بما في ذلك في أفغانستان".

وأوضح الكاتب أن انقسام تنظيم "داعش" وظهور منتسبين للتنظيم في شمال إفريقيا وآسيا وأماكن أخرى، قد أدى إلى إعطاء مبرر للمخططين العسكريين لمواصلة بعض العمليات التي وصفها بايدن في رسالته إلى الكونغرس. وجاء في الرسالة أن غالبية عمليات الانتشار هذه لا تنطوي على "اشتباك روتيني في القتال"، ولكن في العديد من الأماكن "قد يُطلب من القوات الأميركية الدفاع عن نفسها ضد التهديدات أو الهجمات".

وتُظهر بيانات وزارة الدفاع الأميركية - البنتاغون الصادرة في الأشهر الأخيرة ضربات مستمرة، وإن قليلة، ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا كل شهر.

وأضاف الكاتب أن حروب الظل التي خاضتها الطائرات بدون طيار وقوات العمليات الخاصة كانت جزءاً من تاريخ ما بعد 11 أيلول / سبتمبر 2001، عصر الصراعات في العراق وأفغانستان. لكن الرؤساء الأميركيين روّجوا بطرق مختلفة لمزاياهم أمام الجمهور الأميركي من خلال تصوير أنفسهم لأنهم أنظف بطريقة ما وأكثر تطهراً كما يقول خبير الأمن القومي ميكا زينكو.

فقد قال أوباما مراراً إنه يعارض وجود "الجنود الأميركيين على الأرض" في الأجزاء النائية من العالم، ومع ذلك، فقد قامت إدارته باستثناءات لقوات العمليات الخاصة التي أدت في بعض الأحيان إلى قيام المسؤولين الأميركيين بإجراء تحريفات لغوية للتقليل من أهمية الدور القتالي الذي تلعبه هذه القوات.

في أواخر عام 2015، عندما ضغط عليه أحد المراسلين حول ما إذا كان قرار نشر القوات في العراق وسوريا بمثابة نقض لتعهده "بعدم وجود جنود على الأرض"، أجاب أوباما قائلاً إن الشعب الأميركي يعرف ما يعنيه بهذا التعهد بأنه هذا لن نقوم بغزو العراق أو سوريا على غرار غزو العراق من خلال الكتائب التي تتحرك عبر الصحراء". ونشر البنتاغون المجموعة الأولى المكونة من 200 جندي "كقوة استهداف سريعة متخصصة".

وعندما أعطى بوش أمراً سرياً في عام 2008 لشن حملة بطائرات بدون طيار ضد "القاعدة" في باكستان، لم يضطر أبداً إلى التحدث علناً عن هذه العمليات لأنها تمت في ظل سلطة العمل السري لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

وعندما كان مرشحاً رئاسياً في عام 2016، تحدث دونالد ترامب عن شكوك حول الحروب الكبيرة والمكلفة في العراق وأفغانستان، لكنه استخدم لغة قوية حول كيفية قصف أهداف تنظيم "داعش". قال زينكو إن "ترامب قام في النهاية بقصف كل بلد كان أوباما قد قصفه".

تولى بايدن منصبه متعهداً بإنهاء "الحروب الأبدية" - ودافع بحزم عن قراره بسحب القوات الأميركية من أفغانستان في مواجهة انتقادات لاذعة من المشرّعين من كلا الحزبين. لكن المسؤولين في إدارته أوضحوا أن المهمات القتالية في بلدان أخرى ستستمر، وبالتحديد تلك التي لا تنطوي على انتشار كبير للقوات الأميركية أو تخضع لتدقيق وسائل الإعلام بشكل مكثف.

لا يرى بعض المحاربين القدامى مثل هذه الفروق الدقيقة. قال النائب روبين جاليغو، وهو ديمقراطي من أريزونا ومحارب قديم في حرب العراق: "إن منظور كل شخص للحرب مختلف للغاية. من وجهة نظري، هناك أشخاص يطلقون النار عليك، وهذا يعتبر حرباً".

لقد أمضت إدارة بايدن أشهراً في محاولة صياغة قواعد جديدة تحكم كيفية وتوقيت تنفيذ الضربات المميتة خارج مناطق الحرب المعلنة. لكن الانهيار السريع لحكومة أفغانستان - والرأي السائد بين مسؤولي الإدارة بأن تنظيم القاعدة والجماعات المسلحة الأخرى يمكن أن تكتسب قوة في البلاد في وقت أقرب مما كان متصوراً أصلاً - أدى إلى تعقيد هذه العملية. في حين أن مسؤولي البيت الأبيض كانوا يتصورون أساساً إبقاء رقابة صارمة على الموافقة على الضربات العسكرية، فقد ناقشوا في الأسابيع الأخيرة منح المزيد من الحرية للقادة العسكريين لتنفيذ ضربات في أفغانستان وبعض البلدان الأخرى حيث قد تكون العمليات أكثر تواتراً.

لقد اعتنق أربعة رؤساء أميركيون الطريقة الأميركية الجديدة للحرب، ويرجع ذلك إلى أن الكونغرس وضع قيوداً قليلة جداً على الأماكن التي يمكنهم شنّها فيها. يتم تنفيذ الجزء الأكبر من عمليات "مكافحة الإرهاب" الأميركية في جميع أنحاء العالم باستخدام تفويض عمره 20 عاماً منحه الكونغرس للرئيس بوش للانتقام من هجمات 11 أيلول / سبتمبر. وقد شجّب كبار المشرّعين لسنوات حقيقة أن الرؤساء اللاحقين استمروا في استخدام تفويض عام 2001 باستخدام القوة العسكرية، لتبرير العمليات ضد الجماعات التي لم تكن موجودة حتى عندما وقعت هجمات 11 أيلول / سبتمبر. لكن لم يكن هناك إجماع سياسي كافٍ في الكابيتول هيل لإلغاء أو استبدال التفويض الذي مضى عليه عقود.

وقال الكاتب إن عدداً من الإدارات الأميركية خلص إلى أنه - على عكس الحربين غير الشعبيتين في أفغانستان والعراق - يدعم معظم الرأي العام الأميركي العمليات التي يبدو أنها لا تشكل سوى خطر ضئيل على القوات الأميركية. وكانت الضربة الفاشلة بطائرة بدون طيار الشهر الماضي في كابول، والتي استهدفت خطأً مدنياً برئياً، أحدث مثال على ذلك. 

وختم الكاتب بالقول: لقد غادرت القوات الأميركية أفغانستان، لكن التكنولوجيا التي ولّدتها أطول حرب أميركية ستستمر".

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم

مع بدء الولايات المتحدة تطبيق خطة الانسحاب من أفغانستان، بدأت حركة "طالبان" تسيطر على كل المناطق الأفغانية، وتوجت ذلك بدخولها العاصمة كابول، واستقالة الرئيس أشرف غني ومغادرته البلاد. هذه الأحداث يتوقع أن يكون لها تداعيات كبيرة دولياً وإقليمياً.