"فورين أفيرز": هل ينهي بايدن العسكرة الأميركية؟

ينبغي على بايدن تجديد التزام الولايات المتحدة بميثاق الأمم المتحدة، الذي يطلب من جميع الأعضاء "الامتناع في علاقاتهم الدولية عن التهديد أو استخدام القوة"بأي طريقة لا تتفق مع أغراض الأمم المتحدة.

  • خطاب للرئيس الامريكي جو بايدن في الكونغرس (أرشيف)
    الرئيس الأميركي جو بايدن خلال خطابه أمام الكونغرس (أرشيف)

كتب أندرو جيه باسيفيتش وأنيل شلين مقالة مشتركة في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية السياسة الخارجية والدفاعية للرئيس الأميركي جو بايدن. وقالا إن بايدن يريد أن يعتقد العالم أن الولايات المتحدة تتغير، وبطرق كبيرة. وقد صرح أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول / سبتمبر الماضي بأن الولع الأميركي بالحرب قد انتهى. وقال إنه من الآن فصاعداً، لن تعتبر الولايات المتحدة القوة العسكرية بأنها "الرد على كل مشكلة نراها في جميع أنحاء العالم". 

وأضاف الكاتبان أن محور رسالة الرئيس بايدن كان الاعتراف بأنه في العقود الأخيرة، لم تصنّف الولايات المتحدة القوة على أنها "أداة الملاذ الأخير". بل على العكس من ذلك، أصبح الاستخدام المختلط للقوة سمة مميزة لفن الحكم الأميركي، لدرجة أن عبارات مثل "الحرب التي لا تنتهي" و"الحروب الأبدية" أصبحت من العناصر الأساسية في الخطاب السياسي اليومي.و قال بايدن إن القيادة العالمية للولايات المتحدة تظل مهمة في هذه الحقبة الجديدة، لكن الولايات المتحدة ستقود "ليس فقط بمثال قوتنا" ولكن "بقوة نموذجنا".

وأضاف الكاتبان: افترضوا أن الرئيس يعني ما قاله. افترضوا كذلك أن البنتاغون ووكالات الاستخبارات الأميركية والمجمع العسكري الصناعي (مع حلفائهم في الكونغرس ووسائل الإعلام) يتفقون مع القائد العام أي بايدن. كيف يمكن أن تترجم آراؤه إلى واقع؟ ما الفرق الذي يمكن أن يحدثوه؟ 

ورأى الكاتبان أن إشارة بايدن إلى القوة باعتبارها "أداة الملاذ الأخير" تجيب على أسئلة معينة ولكنها تتجنب البعض الآخر. إنها توفّر إرشادات عامة ولكنها ليست مفيدة بشكل خاص حول وقت استخدام القوة ولا تقول شيئاً إطلاقاً بشأن ما قد يبرر استخدام القوة. وهي تتجنب تماماً السؤال الأكثر أهمية: ما فائدة القوة المسلحة في العصر الحالي؟

وقال الكاتبان إنه إذا كان بايدن يريد تحويل هذه العقيدة المؤقتة إلى شيء ملموس، فإنه يحتاج إلى بناء سياسات إدارته وخيارات الإنفاق - وليس فقط خطاباته - حولها. فعلى سبيل المثال، يجب على الولايات المتحدة أن تلعب بنفس القواعد التي تحكم استخدام القوة كما تتوقع من الدول الأخرى أن تلعب بها. يجب أن تقلل من وجودها العسكري في جميع أنحاء العالم وأن تعيد النظر في مبلغ التريليون دولار الذي تخطط لإنفاقها على ترسانتها النووية على مدى السنوات العديدة المقبلة. هذه بعض الخطوات التي يمكن أن يتخذها بايدن إذا كان يرغب فعلاً في الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قد خرجت من عهد ترامب المتمثل في "أميركا أولاً". ومع ذلك، فإن مجرد العودة إلى الوضع الراهن الذي سبق دونالد ترامب وساعد في تمهيد الطريق له لن يكون كافياً.

وأضافا: إذا كان الرئيس بايدن جاداً بشأن القيادة من خلال الظهور كقدوة، فعليه أن يجعل الولايات المتحدة تمتثل للمعايير الموجودة مسبقاً والتي تستثني نفسها منها بشكل روتيني، وخاصة في السنوات التي أعقبت هجمات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر. وهذا يعني أن على واشنطن التخلي كلياً عن فكرة الحرب الوقائية. في خطابه في ويست بوينت في أيار ، مايو 2002، أعلن الرئيس الأميركي في حينه جورج دبليو بوش (الإبن) أن هجمات 11 أيلول / سبتمبر قد ألغت مبادئ حقبة الحرب الباردة الخاصة بالردع والاحتواء. وحذر بوش من أنه "إذا انتظرنا ظهور التهديدات بشكل كامل، فسننتظر طويلاً".

بعد أقل من عام، وضع ما يسمى بمبدأ بوش موضع التنفيذ من خلال غزو العراق، الذي نتجت عنه عواقب وخيمة. في مناسبة عامة كبرى مثل خطابه المقبل عن حالة الاتحاد، يجب على بايدن إلغاء مذهب بوش صراحة، وإعادة الردع بشكل لا لبس فيه باعتباره حجر الزاوية في السياسة العسكرية الأميركية. لفترة طويلة، تصور الإدارات المتعاقبة القوة العسكرية الأميركية كوسيلة مناسبة لحل المشاكل - الإطاحة بالأنظمة التي تعتبر مرفوضة أو صد الإرهابيين المزعومين وغيرهم من الأفراد الذين تعتبرهم واشنطن مصدر تهديد. يجب على بايدن أن يتخلى عن هذا الخيال. إن حقيقة أن الولايات المتحدة اليوم ليس لديها نقص في الأعداء الأجانب ينبع جزئياً على الأقل - وليس كلياً بأي حال من الأحوال - من إساءة استخدامها السابق للقوة العسكرية. مهما كانت الصعوبات الحالية مع طهران وبيونغ يانغ، فمن غير المرجح أن يوفر الصراع المسلح حلاً فعالاً من حيث التكلفة.

ويتابع الكاتبان: كما ينبغي على بايدن تجديد التزام الولايات المتحدة بميثاق الأمم المتحدة، الذي تمت المصادقة عليه بأغلبية 98-2 في مجلس الشيوخ الأميركي في 28 تموز / يوليو 1945. المادة 2 من الميثاق تتطلب من جميع الأعضاء "الامتناع في علاقاتهم الدولية عن التهديد أو استخدام القوة "بأي طريقة لا تتفق مع أغراض الأمم المتحدة". وقد تجاهلت الإدارات الأميركية المتعاقبة هذا الشرط كلما كان ذلك مناسباً لها للقيام بذلك. يجب أن يؤكد بايدن أن المادة 2 تنطبق على الولايات المتحدة بقدر ما تنطبق على أي دولة أخرى عضو في الأمم المتحدة. ولا يجب أن يتوقف عند هذا الحد. تقدم المادة 51 من الميثاق تحفظات قانونية للمادة 2. وهي تعترف "بالحق الطبيعي للدفاع الفردي أو الجماعي عن النفس في حالة وقوع هجوم مسلح". يجب أن يكرس بايدن الدفاع عن النفس - وليس تغيير النظام، أو بناء الدولة، أو شطب الأشرار المفترضين على "قائمة القتل" - باعتباره الأساس المنطقي الشامل لاستخدام القوة العسكرية الأميركية.

وقال الكاتبان إن هناك العديد من الفرص الأخرى لإظهار حسن النية من خلال الإشارة إلى الاستعداد للالتزام بالمعايير التي التزم بها معظم أعضاء المجتمع الدولي. وهذا يشمل احترام شروط اتفاقية جنيف الرابعة، التي صادق عليها مجلس الشيوخ الأميركي في عام 1949، والتي تعرّف العقوبة الجماعية على أنها جريمة حرب. بحسب هذا المعيار، تعتبر العقوبات الاقتصادية الأميركية التي تستهدف كوبا وفنزويلا غير قانونية وغير أخلاقية. لقد ثبت كذلك أنها غير فعالة ويجب رفعها. كما هو الحال مع القوة نفسها، ينبغي أن يصبح الإكراه بوسائل أخرى هو الملاذ الأخير.

كما ينبغي على بايدن أن يؤكد امتثال الولايات المتحدة المتجدد لاتفاقية مناهضة التعذيب، التي صادق عليها مجلس الشيوخ في 1994 ولكن تم تجاهلها إلى حد كبير في السنوات التي تلت هجمات 11 أيلول / سبتمبر. وعليه أن يصادق على المادة 2340 أ من الباب 18 من قانون الولايات المتحدة، والتي تعتبر جريمة فيدرالية تورط المسؤولين العامين في التعذيب خارج الولايات المتحدة. يقدم الإغلاق النهائي لمرفق الاعتقال في خليج غوانتنامو بكوبا طريقة واحدة للإشارة إلى أن الولايات المتحدة تتحرك إلى ما بعد التعذيب. ينبغي على بايدن كذلك الضغط على مجلس الشيوخ للتصديق على العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية الرئيسية، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (1982)، أو معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (1996)، أو معاهدة حظر الألغام، أو معاهدة أوتاوا (1997)، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998). لا شك في أن مجلس الشيوخ الأميركي المنقسم بشدة بقيادة أشخاص مثل ميتش مكونيل وتشاك شومر من غير المرجح أن يتولى هذه الأمور. ومع ذلك، إذا كان بايدن جاداً في مواءمة الولايات المتحدة مع المعايير الدولية الحالية، فإنه على الأقل سيدعو مجلس الشيوخ للتحرك في هذا الصدد. فإن الإيماءة أفضل من الإذعان الصامت.

وختم الكاتبان مقالتهما بالقول إن تصريحات بايدن بشأن "قوة مثالنا" تبدو جوفاء عندما تستمر الولايات المتحدة في رفض التوقيع على الجوانب الرئيسية للقانون الدولي أو احترامها، فواشنطن تميل إلى معارضة أو تجاهل أي اتفاقية دولية تمنع حريتها في الإكراه. فإذا كان بايدن يعني ما قاله للجمعية العامة للأمم المتحدة، فينبغي عليه تغيير ذلك.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم

مع بدء الولايات المتحدة تطبيق خطة الانسحاب من أفغانستان، بدأت حركة "طالبان" تسيطر على كل المناطق الأفغانية، وتوجت ذلك بدخولها العاصمة كابول، واستقالة الرئيس أشرف غني ومغادرته البلاد. هذه الأحداث يتوقع أن يكون لها تداعيات كبيرة دولياً وإقليمياً.