ضفادع وحيوانات أخرى.. لماذا يرتدي أميركيون أزياء فكاهية في احتجاجاتهم ضد ترامب؟

3 ضفادع وسمكة قرش ووحيد قرن وتيرانوصور ريكس يرقصون أمام صفّ من رجال الشرطة المدرعين بعتاد مكافحة الشغب.

0:00
  • ضفادع وحيوانات أخرى.. لماذا يرتدي أميركيون أزياء فكاهية في احتجاجاتهم ضد ترامب؟
    ضفادع وحيوانات أخرى... لماذا يرتدي أميركيون أزياء فكاهية في احتجاجاتهم ضد ترامب؟

موقع "The Conversation" الأميركي ينشر مقالاً يقدم قراءة ثقافية وسياسية للفكاهة كأداة احتجاجية، مستنداً إلى ظاهرة احتجاجية غير تقليدية في الولايات المتحدة، حيث يستخدم الناشطون الأزياء الساخرة والرموز الفكاهية، مثل بدلات الحيوانات القابلة للنفخ، لمعارضة إدارة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE)، وخصوصاً بعد عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة وتجديده سياسات الهجرة القمعية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

خلال الأسابيع القليلة الماضية، ارتدى الناشطون المشاركون في الاحتجاجات ضد إدارة الهجرة والجمارك (ICE) في جميع أنحاء الولايات المتحدة أزياءً على شكل حيوانات قابلة للنفخ. ويهدف ذلك إلى دحض ادعاء إدارة ترامب بأن الاحتجاجات هي عبارة عن تظاهرات عنيفة تدعو إلى "كره أميركا".

وكانت النتيجة مشهداً مثيراً للدهشة، إذ انتشر على نطاق واسع عدد من المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين. وسواءٌ أدركوا ذلك أم لا، فإن هؤلاء الناشطين المتنكرين يسهمون في كتابة تاريخ حافل باستخدام الفكاهة والأزياء للحشد ضد السلطة وتحدّيها.

إجراءات إدارة الهجرة والجمارك القمعية

منذ إنشائها عام 2003، طبقت إدارة الهجرة والجمارك الأميركية قوانين الهجرة والجمارك على أرض الواقع، فقامت باعتقال المهاجرين غير المسجلين المدانين بأنشطة إجرامية واحتجازهم وترحيلهم. وخلال الولاية الأولى لدونالد ترامب كرئيس (2017-2021)، وسّعت الإدارة نطاق عملياتها لاستهداف عدد كبير من الأشخاص ممن ليس لديهم سجل جنائي وترحيلهم.

وقد أشعل هذا التوسع شرارة احتجاجات "احتلوا آيس" في حزيران/ يونيو 2018، المستوحاة من حركة "احتلوا" العالمية الأوسع نطاقاً التي تحدّت قوة الشركات وعدم المساواة الاقتصادية.

انطلقت أولى فعاليات "احتلوا آيس" الكبرى عام 2018 في بورتلاند، وهي مدينة معروفة بإبداعها ومعارضتها. وتطورت من تجمع نظمه تحالف العمل المباشر إلى ما وصفه المسؤولون الفيدراليون بأنه مخيم "سلمي للغاية" يضم خياماً للمطابخ ومساحات مخصصة للأطفال ومراكز إعلامية.

وأُجبر المتظاهرون على إغلاق المنشأة مؤقتاً لمدة 8 أيام تقريباً، قبل أن يقوم الضباط الفيدراليون بإخلاء الموقع وإقامة سياج حول محيطه.

وبعد إعادة انتخاب ترامب هذا العام، كثّفت إدارة الهجرة والجمارك الأميركية عملياتها مجدداً، مع إلغاء سياسات كانت تمنع عمليات إنفاذ القانون في المناطق الحساسة كالمدارس والمستشفيات. وقد أعقبت ذلك احتجاجات. وفي بورتلاند، تصاعدت حدّة التوترات مرة أخرى في أيلول/ سبتمبر الماضي، عندما وصف ترامب المدينة بأنها "تحترق بالكامل" و"مليئة بالإرهابيين المحليين"، معلناً عن خططه لنشر الحرس الوطني فيها. ولكن حتى هذه اللحظة، منع قاضٍ فيدرالي ترامب من القيام بذلك، قائلاً إن الاحتجاجات لا تستوفي شروط التمرد. ومن المرجح أن يواصل محاولته.

تضخيم العملية

لطالما استخدم المتظاهرون في بورتلاند وجميع أنحاء الولايات المتحدة الفكاهة والأزياء في تظاهراتهم. ففي تشرين الأول/ أكتوبر، حصد مقطع فيديو في "تيك توك" يُظهر أحد عناصر إدارة الهجرة والجمارك الأميركية وهو يرش رذاذ الفلفل في فتحة تهوية زيّ ضفدع قابل للنفخ يرتديه ناشط، أكثر من مليوني مشاهدة.

ويكشف هذا المقطع عن المستويات السخيفة لاستخدام الشرطة للقوة ضد المتظاهرين السلميين. وصرّح المتظاهر، سيث تود، بأن نيته كانت دحض رواية "المتطرفين العنيفين"، و"إظهار الرئيس والحكومة الفيدرالية بمظهر الأغبياء". وسرعان ما أصبح ضفدع بورتلاند رمزاً للمقاومة، بحيث ظهر على القمصان واللافتات وفن الشوارع، بما في ذلك محاكاة ساخرة لتصميم الفنان شيبارد فيري الشهير "أطع" - حيث جرى استبدال الوجه الاستبدادي ببرمائي كرتوني مُحاط بكلمات "لا تُطع".

وقد ولّد زيّ الضفدع مقلّدين، إذ تكاثرت هذه المخلوقات في الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك تظاهرات "لا للملوك" الأخيرة. وأطلقت مجموعة من الناشطين موقعاً إلكترونياً باسم " Operation inflation"، يجمع التبرعات لشراء بدلات قابلة للنفخ للمتظاهرين، بهدف جعل المقاومة أكثر وضوحاً ومرحاً وأماناً.

السخافة الاستراتيجية

من الأمثلة التي تُحاكي عرض بورتلاند المتفجر هو جيش المهرجين المتمردين السريين (CIRCA) في لندن. وارتدى أعضاء CIRCA ملابس المهرّجين خلال الاحتجاجات المناهضة للحرب في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ولعبوا لعبة المطاردة حول صفوف الشرطة، وعانقوا الضباط، وساروا في رقصات غريبة.

وكما تشير الباحثة إيف كاليفا، فإن مثل هذه الأفعال تستخدم "العبث الاستراتيجي": أي السخافة أو العبثية بطريقة تُشوّه الحوار بين الشرطة والمتظاهرين. فمن خلال الظهور بمظهر مرح لا مُهدّد، يُواجه الناشطون المُتنكرون مباشرةً الروايات التي تُصوّرهم كتهديدات عنيفة.

ويستخدم ضفدع بورتلاند وأصدقاؤه أساليب السخافة نفسها. فرقصهم وحركاتهم الشبيهة بالرسوم المتحركة تجعل من المستحيل تصويرهم كبلطجية. وتتأرجح أشكالهم الناعمة على عكس فائدة معدات مكافحة الشغب الصلبة.

من أوشحة الناشطات إلى الإماء

إلى جانب التسلية، استخدم الناشطون عبر التاريخ أيضاً الملابس والأزياء لأغراض أكثر جدية. ففي بريطانيا، في أوائل القرن العشرين، ارتدت المطالبات بحق اقتراع المرأة أوشحة متناسقة الألوان، أرجوانية وبيضاء وخضراء، تعبيراً عن الوحدة في النضال من أجل حق المرأة في التصويت.

وفي الولايات المتحدة، لعبت الأزياء والملابس دوراً مهماً في حركات تحرير الأميركيين الأفارقة المتعاقبة. وخلال حركات الحقوق المدنية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، سار الكثيرون مرتدين أفضل بدلاتهم وفساتينهم لتأكيد كرامتهم في مواجهة العنصرية اللاإنسانية.

وكان لحزب الفهود السود (Black Panther Party) زيٌّ غير رسميّ يتألف من نظارات شمسية وقبعات وسترات جلدية سوداء، مُجسّداً بذلك أسلوباً أكثر تحدياً. ومؤخراً، ارتدى المتظاهرون في الولايات المتحدة وإيرلندا الشمالية والأرجنتين العباءات الحمراء والقبعات البيضاء المستوحاة من مسلسل (Handmaid’s Tale) احتجاجاً على حظر الإجهاض.

وعلى نحو مماثل، تُنظّم مجموعة " Extinction Rebellion"، التابعة لحركة " Red Rebel Brigade"، فعالياتٍ مرتدية ملابس حمراء فضفاضة حداداً على الخسائر البيئية. وقد أصبح ارتداء الكوفية الشبكية رمزاً عالمياً للدعم الفلسطيني. 

التضامن المجرّد

في 12 تشرين الأول/ أكتوبر، انضم آلافٌ من راكبي الدراجات العراة إلى متظاهري بورتلاند المناهضين لإدارة الهجرة والجمارك (ICE) - وكان الكثير منهم يرتدي بزته القابلة للنفخ - في سباق الدراجات العالمي الطارئ للعراة. وكما كتبت مصممة الأزياء والمؤرخة كاميل بيندا في كتابها Dressing The Resistance: The Visual Language of Protest (2021), فإن العري في الاحتجاج يكشف عن مدى ضعف الجسد أمام عنف الدولة.

وفي بورتلاند، يُبرز مزيج الجلد العاري والحيوانات الناعمة المنفوخة عبثية المشهد وحساسيته. ويُتيح هؤلاء المتظاهرون آفاقاً جديدة للتحرك المباشر في وقتٍ تُهدد فيه حقوق الكثيرين وحرياتهم. وقد أفادت التقارير بأن إدارة الهجرة والجمارك زادت ميزانية أسلحتها بنسبة 700% عن العام الماضي. ولا يزال من غير الواضح إذا ما كان ترامب سينشر الحرس الوطني في نهاية المطاف. لكن في جميع أنحاء الولايات المتحدة، تواصل الضفادع وأصدقاؤها التكاثر. وتُذكرنا لافتاتهم التي تُعلن "الضفادع معاً قوية" بالقوة التي تُصنع بالوحدة والضحك.