طوفان الأقصى المقدّس وجرائم العدو أيقظا وعي وضمير العالم
معركة طوفان الأقصى المبارك والتضحيات العظيمة أيقظت الضمير الجمعي لأحرار الأمتين العربية والإسلامية، وأحرار العالم أجمع.
اليوم هو الأحد الموافق 17 آذار/مارس 2024، وهو اليوم الـ 163 لبدء العدوان الصهيوني، أو لنقُل لبداية أيام العدوان الصهيوني على شعبنا وأهلنا في قطاع غزة من فلسطين، وقد بلغ عدد الشهداء (31272) شهيداً وشهيدة، جلُّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وبلغ عدد الجرحى أكثر من (72000) جريح وجريحة، وبلغ عدد المفقودين الساكنين تحت أنقاض المنازل المهدّمة على رؤوس ساكنيها ما يفوق (14000) إنسان، وبلغ حجم النازحين داخل القطاع 1.8 مليون نازح ونازحة من أصل 2.3 مليون هم إجمالي سكان قطاع غزة، وبلغ حجم الدمار لمدن قطاع غزة أزيد من 65% من مبانيها وبنيتها التحتية.
أمام كلّ هذه الجرائم البشعة المرتكبة بحقّ الشعب الفلسطيني من قِبل الكيان الصهيوني الإسرائيلي، والمدعومة علناً من قِبل حكومة الولايات المتحدة الأميركية ومعظم دول أوروبا الغربية، وبمعاونة علنية وخفية من مُعظم حكومات الدول الخليجية العربية المتصهينة.
ومقابل ذلك الجرم البشع هناك استيقاظ واسع للضمير الإنساني الحيّ حول العالم، ذلك الاستيقاظ شمل الرأي العام العالمي في الدول الغربية ذاتها، حيث يخرج مئات الآلاف بل ويصل عددهم إلى الملايين في شوارع واشنطن، وبقية المدن الأميركية، وباريس، ولندن، وبرلين، وروما، وستوكهولم، ومدريد وبقية المدن الكبيرة والصغيرة في أوروبا، يخرجون في نهاية كلّ أسبوع يتظاهرون ويحتجّون على بشاعة الجرائم الصهيونية التي اقتربت من جرائم النازية الألمانية والفاشية الإيطالية و"العسكرتارية" اليابانية في الحرب العالمية الثانية.
وبلغ الاحتجاج والسخط العالمي ذروته ضدّ كلّ تلك الجرائم المروّعة بحق المواطن الفلسطيني المجرّد من أي سلاح أو سكن يقيه من هول سقوط أحدث الأسلحة الأميركية والأطلسية الأوروبية على رؤوس أطفاله ونسائه، وأمام كلّ تلك الجرائم سحبت عدد من الدول في أميركا اللاتينية اعترافها الدبلوماسي بالكيان الصهيوني، ورفعت عدد من الدول الأفريقية واللاتينية دعاوى قانونية ضدّ الكيان الصهيوني لارتكابه جرائم حرب وحشية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ورفعت عدد من المنظمات الحقوقية المدنية ملفات دعاوى قانونية في المحاكم والمؤسسات الدولية ضد ما يرتكبه الكيان النازي الصهيوني الإسرائيلي من جرائم موثّقة بالصوت والصورة ضد أهلنا الفلسطينيين العُزّل، وممارسة الكيان الصهيوني مع أميركا USA حرب التجويع المعلن على قطاع غزة، والذي راح ضحيته العشرات من الأطفال والنساء والشيوخ في مستشفيات وشوارع أحياء القطاع.
وحتى لحظة كتابة مقالنا هذا ما زالت عواصم الغرب الأوروبي الأميركي من واشنطن وبرلين ولندن وباريس تمد وتبعث الجنود المرتزقة مع الأسلحة وذخائرها عبر أسطول جوي وبحري بين تلك العواصم و"تل أبيب"، في رحلات شبه يومية كي تقتل ببشاعة ووحشية أطفال ونساء وشيوخ فلسطين، وتحديداً في قطاع غزة. وأظهرت التقارير الاستخبارية والإعلامية بأن واشنطن أبرمت مع "تل أبيب" ما يزيد عن 100 اتفاقية عسكرية لتزويد الكيان باحتياجاته من العتاد العسكري.
والغريب في الأمر أنّ هناك دولاً عربية (مسلمة شقيقة وفّرت وأمّنت من خلال خط بري ما تحتاجه "دولة" الكيان الصهيوني من مشتقّات نفطية وغازية وموادّ غذائية أساسية، وفواكه وخضروات ولحوم طازجة وحتى "الأيسكريم" الهندي. يبدأ النقل من ميناء جبل علي في الإمارات العربية المتحدة ويعبر أرض الحرمين الشريفين الطاهرين في (السعودية) ويمرّ عبر أراضي المملكة الأردنية الهاشمية ويصل إلى أرض فلسطين المحتلة، أي إلى كيان العدو الإسرائيلي.
هذا الطريق البري (الآمن) حُدّد بدلاً من الطريق البحري عبر باب المندب والبحر الأحمر للوصول إلى موانئ كيان العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة الذي استطاع الجيش اليمني العظيم وبقرار من العاصمة صنعاء، ومن قائد الثورة اليمنية الحبيب عبد الملك بدر الدين الحوثي إيقافه عن العدو الصهيوني تماماً.
كيف سيتخيّل الرأي العام العربي والمسلم والأجنبي هذا الموقف (العربي) المخزي والجبان والتافه لتلك الحكومات والدول المُطبّعة والعميلة للكيان الصهيوني التي يمر منها طريق الخزي والعار الأسود لتأمين احتياجات كيان "جيش" العدو الإسرائيلي، بينما يمنع أهلنا في قطاع غزة من الحصول على جرعة حليب للأطفال، الذين يتمّ إرضاعهم اليوم بجرعات من التمور والماء بدلاً عن الحليب، ويبحثون عن كيلو طحين ليخبزوا لبطون الجائعين من الأطفال والنساء والشيوخ الذين يتضورون جوعاً من جرّاء الحصار الجائر على قطاع غزة، وكي يحصلوا على شربة ماء نقية بدلاً من تناولهم المياه الملوّثة من جرّاء العدوان، كي يبقى الأهل هناك أحياء يتنفّسون يرزقون فحسب، وحتى يتوقّف العدوان وبالذات في شهر رمضان الفضيل، فقط كي يحيوا بعيداً عن ترف الحياة وملذاتها الطبيعية التي حُرم منها أهلنا في قطاع غزة منذ ستة أشهر تقريباً هي زمن العدوان الإسرائيلي ـــــ الأميركي ـــــ الأوروبي المتوحّش.
تجليات بارزة ظاهره لإيقاظ الوعي الجمعي للشعوب والأمم حول الكرة الأرضية من جرّاء ما يحدث من زلزال أخلاقي وإنساني مفجع نتيجة عدوان الكيان الصهيوني الإسرائيلي ـــــ الأميركي ـــــ الأوروبي الاستعماري القذر:
أولاً: شاهد العالم كلّ العالم تلك المسيرات الشعبية في عواصم ومدن العالم، وتحديداً أميركا وأوروبا وأميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وعبر كلّ وسائل الإعلام، شاهد الناس حجم الغضب وعلامات الألم الظاهرة على وجوه وتصرّفات وشعارات المسيرات الاحتجاجية من حول العالم، وهي حشود بشرية هائلة رفعت شعاراً موحّداً، الحرية لفلسطين ومعاقبة "جيش" العدو الإسرائيلي واللعنة الأبدية على زعماء دول حلف شمال الأطلسي الداعمة لعنصرية الكيان الصهيوني.
ثانياً: إن الجرائم الوحشية لـ "جيش" الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ذكّرت أفريقيا السوداء الحرّة وشعوب أميركا اللاتينية الثائرة بتلك الجرائم التي ارتكبها الأجداد المستعمرون الأوروبيون البيض قبل قرون من الزمان، فالمستعمر الأوروبي العنصري الأبيض مُنذ أن شرع باحتلال الأميركيتين وأفريقيا السوداء الحرة، قام ونفّذ الإبادات الجماعية والقتل الممنهج لتلك الشعوب في مستعمراتها، وهي دروس مؤلمة ومُرّة حاول المستعمر الأوروبي طمسها كي تنسى الشعوب ما حصل لأجدادها الأوائل في تلك البلدان المُستعَمرة من تنكيل وقتل وسحل وتجويع حدّ الموت، ووصل عدد الضحايا إلى مئات الملايين، وأكرّر نعم مئات الملايين من السكان الأصليين للأميركيتين، وأفريقيا وبقية البلدان النامية التي اكتوت بنار الاستعمار البغيض، ومن جرّاء تلك الإبادات الجماعية غير الأخلاقية والإنسانية بحقّ الإنسان .
ثالثاً: استيقظ الضمير الجمعي الإنساني لعدد من قادة وشعوب أميركا اللاتينية، وقرّروا قطع علاقاتهم الدبلوماسية والتجارية والسياسية مع الكيان الصهيوني الإسرائيلي، شعوراً منهم بالخزي والعار من سلوكيات وممارسات الكيان الصهيوني القذرة وغير الأخلاقية وغير الإنسانية تجاه الإنسان الفلسطيني الأعزل، وتقدّمت دولة نيكاراغوا بقيادة الرئيس دانييل أورتيجا بدعوى قضائية قانونية ضد الكيان الصهيوني لسلوكه المنحرف تجاه الإنسانية.
رابعاً: قدّمت دولة جنوب أفريقيا الحرّة ملفاً قانونياً إجرائياً مدعّماً بكلّ الأدلة والبراهين التي تدين "دولة" الكيان الصهيوني بأنها "دولة" مارقة على القانون الدولي، وأنها مارست التصفية الجسدية الإجرامية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وقدّمتها لمحكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا وما زالت الإجراءات القضائية قيد العمل الإجرائي القانوني، مع أن الأدلة القانونية ضد الكيان كانت ثابتة ونهائية.
جنوب أفريقيا قدّمت الدعوى القضائية ضد الكيان انطلاقاً من تراثها النضالي والكفاحي المعادي للعنصرية البيضاء التي رزحت على كاهل الأفارقة ردحاً طويلاً من الزمن العنصري الأوروبي للإنسان الأبيض، ولذلك قام القائد الوطني العالمي الحرّ نيلسون مانديلا بقيادة الأحرار من جنوب أفريقيا، بل وكلّ الأحرار في القارة الأفريقية وناضلوا بالدماء والدموع والأرواح حتى تحقّق النصر المؤزّر بإزالة نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) عن جنوب أفريقيا.
خامساً: ظاهرتان لفتتا انتباهي الشخصي كمتابع للأحداث، وتلك الظاهرتان قادمتان من أميركا USA، ومن بريطانيا العجوز (العظمى)، إضافة إلى زخم الاحتجاجات الشعبية في مدن تلك الدولتين الاستعماريتين اللتين تسبّبتا في إحداث كوارث مأسَوية دموية كبيرة جداً جداً جداً بحقّ شعوب الكرة الأرضية قاطبة.
الحادثة الأولى: وهي قيام الطيار الأميركي الأبيض آرون بوشنل بالاحتجاج القاسي العنيف أمام سفارة الكيان الصهيوني في العاصمة واشنطن، قام بصبّ مادة مشتعلة حارقة على جسده الحي وهو منتصب القامة بشموخ وكبرياء وأشعل النار بها مردّداً وهاتفاً بشعار [لتبقى فلسطين حرّة]، ولن أشارك بعد اليوم في الإبادة الجماعية بحقّ الشعب الفلسطيني، وبقيت النار مشتعلة في جسده، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة في اليوم التالي للحادثة.
إنه موقف احتجاجي إنساني عظيم من شاب أميركي أبيض لا نعرف ديانته، ولكنه بوعيه وضميره الإنساني الحيّ تضامن تضامناً إنسانياً معنوياً هائلاً مع أطفال ونساء وشيوخ فلسطين، في الوقت الذي نشاهد فيه البعض من حكّام (العرب المنحطين) باستضافة بلدانهم لممثّلي أفلام البورنو الأميركي والجنس الساقط، أو بإقامتهم للحفلات الفنية والرياضية في مدنهم وعواصمهم العربية، دونما حساب لمشاعر الأمة من المحيط إلى الخليج، أو لنقل من جاكرتا شرقاً وحتى طنجة غرباً، هؤلاء القادة العرب المسلمون، من أيّ طينة صُنعوا؟ وما هي بطون أمهاتهم اللاتي أنجبنهم؟ ومن أيّ ثديّ تمّ إرضاعهم؟ فلا ضمير يؤنّبهم، ولا أخلاق تردعهم، ولا رجولة تشفع لهم.
الحادثة الثانية: شاهد العالم أو جزء منه عبر منصة التيك توك العالمية صورة لشابة بريطانية بيضاء محتجة على قادة بلادها، وهنا دعوني أؤكّد (بياض البشرة الأوروبية)، شاهد العالم هذه الفتاة وهي تطلي وجه المدعو بلفور، وتمزّق بيمينها الطاهر صورة المجرم المرتشي آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا الأسبق، وصاحب وعد بلفور المشؤوم، الذي منح وطناً لليهود في أرض فلسطين.
بريطانيا العجوز الشمطاء التي ليس لها الحقّ في الوعد والتصرّف بأرض الأحرار المسلمين فلسطين كي تمنحها لشراذم المشرّدين اليهود والذين تمّ جمعهم من كلّ أنحاء العالم، هذا المدعو المرتشي بلفور أصدر كتابه المشؤوم (الوعد) مقابل رشوة مالية رخيصة قدّمتها له عائلة روتشيلد اليهودية البريطانية.
وهنا أود تسجيل استغرابي الشديد من شجاعتها وبطولتها وفدائيّتها تجاه تمزيق وتلطيخ صورة المجرم المرتشي آرثر بلفور، في الوقت الذي لو أحصينا فيه كم هو عدد القادة العرب والمسلمين والنشطاء والناشطات والمثقّفين والمثقّفات، وحتى من الفلسطينيين أنفسهم، كم مرّ منهم أمام هذه اللوحة المخزية المركونة في جامعة كامبردج، ولوحة أخرى له موضوعة بالطابق الثاني للبرلمان البريطاني الحالي؟ وأنا متيقنٌ أنهم قاموا بالتقاط صور تذكارية من أمام بورتريه وصورة بلفور المرتشي.
أين وعي وضمير قادتنا العرب والمسلمين الغائب، وأين وعي وضمير قادة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي الغائب، وربما المُغيّب أو ربما النائم؟
سادساً: يقول المطران الفلسطيني المسيحي المجاهد عطالله حنا إنّ القضية الفلسطينية ومقاومتها المسلحة هي أنبل عمل تحرّري ومقاوم على مدى كلّ تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين، وإن المسيحيين الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والأردنيين والعراقيين والمصريين هم جزء أصيل من نسيج المجتمع العربي المقاوم للاحتلال، وإنهم لا يشعرون بأنهم غرباء على المنطقة، بل هم جزء فاعل وأصيل في النسيج الاجتماعي العربي، وإنهم يشعرون بأنهم أهل الأرض وليسوا وافدين لا من الشرق ولا من الغرب. إن هذا الشعور بالانتماء إلى القضية العربية الفلسطينية هو قمّة صحوة الوعي والضمير الإنساني تجاه القضية المركزية الفلسطينية برمّتها.
سابعاً: دماء وأرواح الفلسطينيين العزيزة والغالية قد وحّدت صفّ المجاهدين المقاومين العرب والمسلمين، ووحّدت قرار صف المقاومة العربية الإسلامية، وكذلك وحّدت واختلطت دماء الشهداء الفلسطينيين بدماء اليمنيين الأحرار واللبنانيين الأبطال والسوريين الأماجد، والعراقيين العظماء، والإيرانيين المجاهدين.
ومن خلال ما أريق من دماء شهداء المقاومة نستطيع الجزم بأن قضية الشعب الفلسطيني ستبقى حية خالدة طالما أنّ أحرار الأمة قد حملوها في أعناقهم ورفعوها على عاتقهم وثبّتوها في حدقات عيونهم، ووطّدوها في ضمائرهم الحية إلى يوم الدين.
الخلاصة: إن معركة طوفان الأقصى المبارك والتضحيات العظيمة قد أيقظت الضمير الجمعي لأحرار الأمتين العربية والإسلامية، وأحرار العالم أجمع، وإن زوال الكيان الإسرائيلي العنصري البغيض من على أرض فلسطين أصبح قاب قوسين أو أدنى، وإن الله على كلّ شيءٍ قدير.