في حال انسحاب واشنطن... هل أوروبا قادرة على سد الفراغ العسكري في أوكرانيا؟

يحذر خبراء ودبلوماسيون من تداعيات انسحاب الولايات المتحدة من دعم أوكرانيا، مشيرين إلى أنّ أوروبا ستواجه تحديات كبيرة في تمويل وتسليح كييف، وسط قيود إنتاجية واعتماد طويل الأمد على القدرات العسكرية والاستخبارية الأميركية.

0:00
  • يبذل الأوروبيون جهودا حثيثة للحصول على الأسلحة لأنفسهم ولأوكرانيا
    تقرير: يبذل الأوروبيون جهوداً حثيثة للحصول على الأسلحة لأنفسهم ولأوكرانيا

تحدث دبلوماسيون وخبراء عن السيناريوهات المحتملة في حال قررت الولايات المتحدة الانسحاب من دعم أوكرانيا، مشيرين إلى أنّ هذه السيناريوهات تراوح بين وقف الولايات المتحدة المساعدات المباشرة لكييف مع السماح للدول الأوروبية بنقل معلومات استخبارية وأسلحة أميركية بالغة الأهمية إلى كييف، وصولاً إلى احتمال حظر نقل أي تكنولوجيا أميركية، بما في ذلك المكونات أو البرمجيات المستخدمة في الأسلحة الأوروبية.

وقال محللون ودبلوماسيون لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية إنّ أي سحب للمساعدات العسكرية الأميركية قد "يُحدث صعوبات بالغة للقارة الأوروبية". إذ ستعتمد قدرة كييف على مواصلة القتال على "الإرادة السياسية الأوروبية لحشد المال والأسلحة، وعلى سرعة سد الثغرات التي تركتها واشنطن".

وأوضح دبلوماسي أوروبي، تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، أنّه "لو كان الأمر سهلاً، لكانت أوروبا قد بدأت بالفعل بالقيام بالأشياء من دون الولايات المتحدة".

ولم يتم حتى الآن إقرار أي حزمة مساعدات أميركية جديدة منذ تولي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب منصبه، على الرغم من أنّ الدول الأوروبية مجتمعة قدّمت مساعدات لأوكرانيا تفوق ما قدمته واشنطن، بحسب معهد "كيل" الألماني، الذي أشار إلى أنّ أوروبا أسهمت بنحو 157 مليار دولار، متجاوزة الولايات المتحدة بنحو 26 مليار دولار، رغم تفوق واشنطن الطفيف عندما يتعلق الأمر بالمساعدات العسكرية.

وفي هذا السياق، شدّد الخبراء على أنّ إيجاد مصادر تمويل إضافية لتمويل أوكرانيا ممكن، عبر وسائل مثل مصادرة الأصول الروسية المجمدة، غير أنّ "المال ليس هو ما تستخدمه لإطلاق الرصاص"، كما قال المستشار الخاص في مؤسسة البحوث الاستراتيجية في باريس فرانسوا هايسبورغ.

بدوره، أشار توماس جومارت، مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إلى أنّ "الخطأ الكبير" الذي ارتكبته أوروبا تمثل في إجراء تخفيضات عسكرية واسعة بعد الحرب الباردة، وفي الافتراض الخاطئ بأن "هذه الحرب بدأت عام 2022 لا في 2014"، عندما ضمّت موسكو شبه جزيرة القرم.

وفي مواجهة هذا الواقع، كثّف الأوروبيون جهودهم لتأمين الأسلحة لأنفسهم ولأوكرانيا، على الرغم من معاناتهم من قيود في القدرة الإنتاجية، وصناعة دفاعية مجزأة، واعتماد طويل الأمد على الولايات المتحدة.

ويرى الخبراء أنّ "بعض الطاقة الإنتاجية الإضافية قد تأتي من أوكرانيا نفسها"، بعد أن "كثّفت تصنيع الذخائر والطائرات المسيّرة منذ بدء الحرب، إلاّ أنّ استبدال الأسلحة الأميركية المتطورة، خصوصاً الدفاعات الجوية، سيكون مهمة أكثر صعوبة"، وفق ما نقل موقع شبكة "abcnews" الأميركي.

وقال دوغلاس باري، الذي يعمل في معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية في لندن، إنّ عدد القتلى الأوكرانيين كان ليكون أعلى من دون أنظمة "باتريوت" الأميركية للدفاع الجوي، التي تحمي سماء أوكرانيا.

وفي المقابل، أشار باري إلى أنّ فرنسا وإيطاليا زودتا كييف بنظام الدفاع الجوي "أستر سامب/تي"، موضحاً أنّ "القضية ليست الجودة، بل الكمية"، بالنظر إلى تفوق القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية والمخزونات العسكرية الكبيرة للولايات المتحدة.

أمّا على صعيد السياسة، فحذر خبراء من أنّ التحولات الحادة في السياسة الخارجية الأميركية قد تعني أن "لا شيء مستبعد"، إذ أشار باري إلى أنّ السيناريو الأسوأ قد يشمل فرض حظر على صادرات الأسلحة الأميركية ونقلها، ما "قد يمنع الدول الأوروبية من شراء أو تقديم معدات تحتوي على مكونات أو برمجيات أميركية لأوكرانيا".

وفي السياق ذاته، حذر هايسبورغ من أنّه "عندما تتوقف الولايات المتحدة عن كونها حليفاً، وتصبح عدواً، فإنّ الأمر مختلف تماماً"، لافتاً إلى أنّ مثل هذه الخطوة قد تُلحق ضرراً كبيراً أيضاً بقطاع الدفاع الأميركي، عبر إثارة الشكوك حول إمكانية الاعتماد على الأسلحة الأميركية.

من جهته، أشار ماثيو كرونيغ، نائب رئيس مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن التابع للمجلس الأطلسي، إلى أنّ قدرات حيوية مثل المراقبة والاستطلاع "الأعلى مستوى"، باستخدام الأقمار الاصطناعية، "لا تستطيع سوى الولايات المتحدة توفيرها".

وعلى الرغم من أنّ مدى تبادل المعلومات الاستخبارية بين واشنطن وكييف ليس واضحاً بالكامل، إلا أنّ الخبراء رجّحوا أن تكون هذه المعلومات "قد مكّنت القوات الأوكرانية من تعزيز انتشارها ورصد تحركات القوات الروسية في الوقت الحقيقي، ما ساعد على توجيه الضربات البعيدة المدى".

في المقابل، لفت الخبراء إلى أنّ سياسة ترامب دفعت الزعماء الأوروبيين إلى إدراك ضرورة تحمل مسؤولياتهم الدفاعية، بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض، ما يستلزم استثماراً أكبر في الدفاع، والعمل المشترك على توسيع الإنتاج العسكري، وبناء الثقة في تبادل المعلومات الاستخبارية.

وختم جومارت بالقول: "هذه المسألة لا تتعلق بالشهرين أو العامين المقبلين، بل بالعقدين المقبلين".

اقرأ أيضاً: عمدة كييف: أوكرانيا قد تضطر إلى التنازل عن الأرض مقابل السلام

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.

اخترنا لك