العدوان على اليمن وأكاذيب الدفاع عن النفس (1)
ينما يبقى الحصار البحري اليمني للكيان مبرراً قانونياً، لمعارضته الاحتلال الإسرائيلي وحصاره شعب فلسطين، فإن الهجمات الأميركية على اليمن غير مبررة وغير قانونية على الإطلاق بموجب القانون الدولي.
-
واشنطن وأكاذيب العدوان على اليمن!
في موازاة كل مشروع إمبريالي رأسمالي عنصري فاشي، كانت هناك دائما حملات من الأكاذيب والتضليل رافقت مختلف مراحله من تمدد واستيطان ونهب استعماري، وواكبت جرائمه من اختطاف الأفارقة بعشرات الملايين واستعبادهم في مزارع القطن والتبغ وقصب السكر، وتسخير الشعوب الأصلية في المستعمرات في المناجم حتى الموت وإبادتها بشراً وتاريخاً وثقافة.
غالباً ما كان يجري ذلك تحت شعارات مثل "أرض الميعاد" و"ميثاق يهوه" و"عبء الرجل الأبيض"، ومبدأ "الحرب العادلة"، و"مكافحة القرصنة"، وإقرار "حرية الملاحة الدولية"، وإحلال السلام البريطاني Pax Britannica أو السلام الأميركي Pax Americana اقتداءً بالسلام الروماني Pax Romana، والارتقاء بالشعوب "البدائية" وتمدين "الهمَج" و"الأوباش"، وتحرير العبيد، والعالم الحر، وإحلال الديمقراطية والحكم الرشيد.
وقد انطلقت تلك الممارسات من رؤية معرفية إمبريالية دمجت أفكار الصراع والنفي بأساطير الإبادة التوراتية والحداثة والنيتشوية والداروينية. فقد تضافرت مختلف آليات التاريخ والاجتماع وروافد الثقافة والدين والفلسفة في التجربة الغربية بالقرون الخمسة الأخيرة، باتجاه صياغة رؤية كونية تواكب وتخدم المشروع الإمبريالي الاستيطاني الرأسمالي العنصري الغربي، وتتماهى مع منطلقاته وفرضياته الكامنة والصريحة وآليات عمله ومآلاته الكارثية عالمياً.
انتهاك قواعد القانون الدولي
مؤخراً، تحاول إدارة ترامب التذرع بمبدأ "الدفاع عن النفس"– في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة – لتبرير هجماتها على اليمن. وتزعم الولايات المتحدة أن هجماتها على اليمن مجرد دفاع عن النفس؛ وتستند إلى دعم مجلس الأمن الدولي وقراره الرقم 2722. وكلاهما كذب. إن خروج الولايات المتحدة عن القانون، دعماً لإبادة جماعية ترتكبها إسرائيل في غزة، ينبغي أن يدق ناقوس الخطر في جميع أنحاء العالم.
وقد انبرى مؤخراً محامي حقوق الإنسان المخضرم والمسؤول الأممي السابق، كريغ مخيبر، لتفنيد هذه الأكاذيب ببراعة تامة، أسقطت ورقة التوت عنها وعن السياسات الخارجية الإمبريالية. فالولايات المتحدة (كالكيان الصهيوني الذي تتعاون معه عن كثب) تحب استخدام "كلمة الدفاع السحرية". وعندما تتصرف خارج نطاق وسلطة القانون الدولي والأخلاق الإنسانية، فإنها تُطلق مصطلحات "الإرهاب" أو "الدفاع عن النفس"، كما لو أن هذه التعاويذ تمنحها درعاً منيعاً ضد المساءلة القانونية عن أفعالها.
وغني عن القول، إن هذه المصطلحات لا تفعل ذلك. ولن نعرف ذلك من الطرق التي تُردد بها شركات الإعلام الغربية هذه الروايات الأميركية الرسمية. لذا، يجدر التذكير بأن لا القانون ولا الأخلاق في صف الحكومة الأميركية عندما يتعلق الأمر بهجماتها المسلحة على اليمن. فالولايات المتحدة تهاجم اليمن لأن اليمنيين تجرّأوا على فرض حصار على السفن المتجهة لإعادة إمداد الكيان الصهيوني واحتلاله غير القانوني لفلسطين وإبادة شعبها.
وهكذا، بينما يبقى الحصار البحري اليمني للكيان مبررًا تمامًا قانونيًا، لمعارضته الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني وحصاره وإبادته شعب فلسطين، فإن الهجمات الأميركية على اليمن غير مبررة وغير قانونية على الإطلاق بموجب القانون الدولي.
في الواقع، تنتهك الولايات المتحدة بهجماتها على اليمن قوانينها الذاتية التي تتطلب إذنًا من الكونغرس، والقانون الدولي على ثلاثة مستويات: ارتكاب جريمة العدوان؛ والتواطؤ في الإبادة الجماعية في فلسطين؛ وانتهاك قواعد الضرورة والتناسب والتمييز بالقانون الإنساني الدولي.
لا تفويض أمميًا ولا دفاع مشروعًا
يؤكد مخيبر أن هذه ليست قضية قابلة للنقاش. فميثاق الأمم المتحدة، وهو معاهدة ملزمة تفرض التزامات قانونية على جميع الدول، لا يسمح باستخدام القوة المسلحة من قبل دولة إلا في حالتين: (1) عندما يكون استخدام القوة مصرّحًا به صراحةً من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو (2) مؤقتًا، كعمل من أعمال الدفاع عن النفس، في حالة وقوع هجوم مسلح ضد دولة عضو في الأمم المتحدة، حتى يتمكن مجلس الأمن من التصرف.
لذا، عندما فشلت الولايات المتحدة (وبريطانيا) في كانون الثاني/ يناير 2024 في الحصول على إذن من مجلس الأمن لاستخدام القوة المسلحة ضد اليمن دعماً للإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في فلسطين، فقد اعتمدت تكتيكين: الكذب بشأن القرار؛ وادعاء الدفاع عن النفس. لكن هذه التكتيكات لا يمكن أن تخفي النتيجة الحتمية بأن هجماتهما على اليمن غير قانونية بقدر استهجانها أخلاقياً.
للتوضيح، ورغم جهود الولايات المتحدة وبريطانيا، فإن القرار الذي تذرعت به الولايات المتحدة وحلفاؤها لتبرير هجماتهما، وهو القرار 2722 الذي اعتمده مجلس الأمن في 10 يناير/ كانون الثاني 2024، لا يُجيز استخدام القوة على الإطلاق.
كان مجلس الأمن قد فرض بالفعل عقوبات على جماعة أنصار الله في اليمن، على خلفية الحرب الأهلية، وأدان لاحقًا حصار البحر الأحمر، لكنه لم يُجِز أبدًا استخدام القوة العسكرية من قِبل الدول الأعضاء. لكن نظرًا لعدم تضمينه عبارات تُجيز استخدام القوة، سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تضمين عبارات مُبهمة في القرار لتوفير غطاء لروايتها الكاذبة.
غطاء لأعمال العدوان
بكلمة أخرى، يلفت مخيبر إلى كون النص المُشوّش المُتفاوض عليه مُحرجًا للمجلس. فبينما ينفي بحق، أي تفويض باستخدام القوة، فإنه يُشوّه القانون الدولي ويُتيح للولايات المتحدة وحلفائها غطاءً لأعمال العدوان على اليمن. يتجلى تحريفه للقانون الدولي في وضعه معياراً "مزعوماً" لحرية الملاحة فوق القواعد الآمرة (الحاكمة) وقواعد حق منع الإبادة الجماعية، وحق تقرير المصير، والتزامات دول ثالثة بعدم المساعدة في الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
هو معيار "مزعومً" لأنه قانونياً، لا يمكن لقرارات مجلس الأمن التغلب على القواعد الآمرة وقواعد الحق في منع الإبادة الجماعية بالقانون الدولي. فلا يملك المجلس هذه السلطة. وأي ادعاء من هذا القبيل من جانب المجلس سيكون باطلاً ولاغيًا. فمجلس الأمن الدولي يستمد ولايته وصلاحياته من ميثاق الأمم المتحدة. والميثاق معاهدة تُعدّ جزءًا من القانون الدولي، ولا يعلو على القانون الدولي.
والتزامات منع الإبادة الجماعية والفصل العنصري والاحتلال غير المشروع جميعها سابقة لاعتماد قرار مجلس الأمن 2722، وتُلزم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بجميع الظروف. هذه الالتزامات مُدوّنة بوضوح في ميثاق الأمم المتحدة، واتفاقية الإبادة الجماعية واتفاقيات جنيف، وفي القانون الدولي العُرفي. ولتوضيح الأمور أكثر، بعد أسبوعين فقط من اعتماد القرار 2722 (في 26 كانون الثاني/ يناير 2024)، وجدت محكمة العدل الدولية أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في فلسطين على نحوٍ مُحتمل، وأخطرت جميع الدول الأخرى بالتزامها بالكف عن دعم جرائمها.
وبعد بضعة أشهر فقط (في 19 تموز/ يوليو 2024)، أخطرت محكمة العدل الدولية الدول صراحةً بالتزامها بقطع جميع المساعدات عن نظام الاحتلال الإسرائيلي. وهذا لا يترك مجالاً للشك. إن احتلال "إسرائيل" ونظامها العنصري وجرائم الإبادة الجماعية تنتهك أعلى مستويات قواعد القانون الدولي، وتفرض على جميع الدول التزامات ببذل كل ما في وسعها لوقف هذه الجرائم.
لذلك، كان حصار اليمن البحري لـ "إسرائيل" مبرراً في القانون الدولي. أما مهاجمة اليمن فلم تكن كذلك. لكن هذا لم يمنع الولايات المتحدة وحلفاءها من محاولة التذرع بقرار مجلس الأمن الدولي الصادر في كانون الثاني/ يناير 2024 كمبرر لشن هجمات مسلحة على اليمن، حتى بعد مختلف نتائج محكمة العدل الدولية بشأن جرائم "إسرائيل" في فلسطين منذ اعتماد القرار.