الحلقة الرابعة من "الأبطال": من خروج الأسرى إلى إعادة اعتقالهم

الحلقة الرابعة من السلسلة الوثائقية، "الأبطال"، تروي فيها الميادين تفاصيل عملية التحرّر وكيف خرج الأسرى، وإلى أين ذهبوا، وكيف تمّت إعادة توقيفهم؟

  • نفق الحرية
    الحلقة الرابعة من "الأبطال" تفاصيل مثيرة يرويها الأسرى منذ خروجهم وحتى إعادة اعتقالهم

"شعرتُ بأنَّ الدنيا لم تسَعنِي.. أردتُ فقط أن أركضَ في فضاءِ الحرية".

بكلمات البطل زكريا الزبيدي تبدأ الحلقة الرابعة من "الأبطال" الذين قهروا السجان فعلاً، وخرجوا إلى فضاء الحرية، ففي تمام الواحدة وثلاثٍ وأربعين دقيقةً من صباح السادس من أيلول/سبتمبر 2021، خرج الأسرى الـ6 من فُتحة النفق.

أحرار بات الأبطال، كلُ المسارات مفتوحةٌ أمامهم، وشرطة الاحتلال في استنفارٍ، جوّاً، حركةُ طائراتٍ لا تتوقّفُ، أرضاً دورياتٌ وسيّاراتٌ وكلابٌ بوليسيّة.

في الذكرى السنوية الأولى لتحرر الأسرى الستة من نفق سجن "جلبوع"، يروي الأسير محمد العارضة تفاصيل العملية، فيقول: "عبرنا السهل المجاور للسجن، وخلال العبور من الشارع 71 كاد يُدهس أيهم كممجي، وانتبه الأسرى إلى أنّ سائق أجرةٍ رآهم، وأبلغ عنهم".

يُكمل العارضة: "دخلنا حقل قطنٍ مجاوراً، واتجهنا شمالاً إلى قرية الناعورة التي كنّا نعرفها، كانت الطريق إلى الناعورة تستغرقُ ساعتين، لكن استغرقت معنا 3 ساعاتٍ".

وجد الأبطال أنفسهُم في الناعورة قرابة الـ4.30 فجراً، استقرّوا في إسطبل خيلٍ فيما كانت الطائراتُ تبحثُ عنهُم، دخلوا بعدها إلى مسجد القرية واشترَوا بعض ما يحتاجون إليه من مخبزٍ قريبٍ، صَلُّوا الفجر وأجروا اتصالاً تأكّدوا عبره أن الخُطّة (أ) لنَقلهم قد أُلغيت، فقرَّروا اللجوء إلى الخُطة (ب).

تفرَّقوا إلى 3 مجموعات: الأولى تضم الأسيرين محمود العارضة ويعقوب قادري، والثانية تضمّ الأسيرين محمد العارضة وزكريا زبيدي، والثالثة أيهم كممجي ومناضل نفيعات.

اقرأ أيضاً: "الأبطال" على الميادين.. الرواية الكاملة للتحرر من سجن جلبوع 

محمود العارضة ويعقوب قادري.. وحبّات الجوافة 

توجّه محمود العارضة ويعقوب قادري إلى جبل الناعورة الذي تمتد القرية على سفحه، قرّرا النوم صباحاً والتحرّك مساءً، فمكثا في الجبل، لكن اكتشفا أنه ليس غابةً كثيفةً، بل هو حرجٌ مكشوفٌ، فقرّرا التوجه شمالاً إلى قرية طمرة الزعبية، أخطأ محمود ويعقوب الطريق واتّجها (نحو الشَمال الغربي)، عندها دخلا خطأً معسكراً للجيش، فوجدا أمامهُ مجموعة أبقارٍ، حمت هذه الأبقارُ الأسيرين من أن يكتشفهما الجنود.

قرَّر محمود أن يصعد الجبال المُقابلة ليَصل إلى طمرة، لكن يعقوب كان مريضاً جداً، بسبب الحاجة إلى الطعام والماء. عاد البَطلان إلى قرية الناعورة، ولأنهما اختارا سلوك الطُرق السهلة، وجدا نفسيهما على مشارف قريةٍ ظنّا أنّها طمرة، بعدما نزلا إليها تبيَّن لهُما أنها سولم، نام محمودُ ويعقوب صباح اليوم الثاني في سولم، ثم قررا التوجّه إلى قرية إكسال، في محاذاة العفولة وجدا شارعاً مليئاً بالكاميرات، فالتفّا حولهُ عبر الطريق الجبليّة ليجدا نفسَيهما عند قرية نين.

نام الاثنان اليوم الثالث قرب نين، ثم أكملا الطريق إلى سهل إكسال، عندما وصلا شكّ كلاهُما مجدّداً في أنها القريةُ المطلوبة، اختبآ في منطقةٍ شجريّةٍ بين إكسال وقرية دبورية، وقضى الاثنان وقتاً هناك، كانا ينزلان ويحصُلان على الطعام والماء من الناس ثم يصعدان إلى الجبال، بعد ذلك توجَّه البطلان من إكسال إلى منطقة الفاخورة، ثمَّ استدلَّا على جبل القفزة في الناصرة، مكثا في القفزة بعد أن نزلا منهُ جرى اعتقالهُما مصادفةً ومن دون كمينٍ أو إبلاغٍ مُسبّق، وقعَ ذلك مساء الجمعة في العاشر من أيلول/سبتمبر 2021، بعد خمسة أيامٍ من المطاردة.

لحظات لا تُنسى طبعت رحلة الأبطال، فبعد الافتراق دخل محمود ويعقوب منطقةً مليئةً بالأشجار، وكان فيها بقرٌ، فرحةٌ شديدةٌ شعر بها محمود، كما يقولُ في رسائله، فقد فرَّ قسمٌ من الأبقار وبقِيَت واحدةٌ، اقترب منها، نظرت إليه باستِغرابٍ، فراح يُحدّثها، كان يعقوب ينظرُ إليه ويبتسِم.

وفي سفح جبل الناعورة، دخل محمود ويعقوب منطِقةَ زيتونٍ، وكان في الأرض نبات الشومر، أكل منه وكان سعيداً جداً، رأى طائر الشنارة أمامهُ للمرّة الأولى، أكل مندلينا من أرض سولم.

عندما دخل الاثنان إلى طرف إكسال، التقيا بامرأةٍ، يصِفُها محمود بأنّها من أعظم النساء، أدخلَتهُما إلى بيتها، كانت فقيرةً جداً، وحنونةً جداً، زوّدتهما الماء والطعام، وعرضت عليهما الذهاب إلى جنين بعد أيامٍ لإرسال رسالةٍ لأي طرف يريدانه، وبعدما غادرا تفاجأ محمود بأنّها وضعت لهما حبّاتٍ من الجوافة وأكثر ما كان يتمنّاه في السجن هو الجوافة.

اقرأ أيضاً: الحلقة الثالثة من "الأبطال" عبر الميادين: من وسط جلبوع إلى ما بعد الأسوار

زكريا زبيدي ومحمد العارضة.. والقهوة على الحطب

المسار الثاني الذي سلكه زكريا ومحمد هو التوجّه شمالاً أيضاً إلى قرية طمرة الزعبية، كل الأسرى اختاروا هذه القرية لا عن عبث، بل لأنّ فيها عمالاً فلسطينيين يعودون إلى جنين كلَّ يومٍ.

دخل الاثنان خطأً معسكراً للجيش ترعى من حوله الأبقارُ،  قرّرا الاختباء حتى المساء تحت شجرة بُطمٍ فيها شوكٌ كثيرٌ، ووجدا فيها وكراً للأفاعي، بعد المغرب توجَّه زكريا ومحمد إلى جبل طابور قرب قرية دبورية، مكث البطلان في أحراجٍ ومزارع قرب السفح الشرقي للجبل، قرّرا ألَّا يقترِبا مِن أي مكانٍ فيه كاميراتٌ وألا يدخلا أي بلدةٍ أو منزلٍ مأهولٍ، أيضاً قرّرا ألَّا يمشيا إلا في الليل وبين الأشجار فقط، ظلّا كذلكَ حتى اعتُقلا قرب حقلِ زيتونٍ ملاصقٍ لموقف شاحناتٍ في قرية الشبلي أم الغنم، اكتشف مكانهما قصّاصو الأثر من دون أي وشايةٍ أو تبليغٍ، وقع ذلك فجر السبت الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2021 بعد خمسة أيامٍ من المطاردة.

في الحُرج قرب قريةِ طمرة، يَروي محمد العارضة أنه جلس وزكريا تحت شجر الزيتون، وجدا رأس بصلٍ ومنقوشتين جافَّتين، وقهوةً عربيّةً وغلّايةً متروكةً، نظَّفها محمد بالتراب، فشَربا قهوةً على الحطَب، كانت الألذَّ في حياتهما، كما يقول مُحمّد.

اقرأ أيضاً: الحلقة الثانية من "الأبطال" عبر الميادين: "غرفة قاسم سليماني" في جلبوع

أيهم كممجي ومناضل نفيعات.. فداء لجنين

انطلق البطلان باتِّجاه الشمال قاصدين قرية الطيبة الزعبية، فاقتربا مِنها ثمّ اتجها غرباً إلى قرية كفر مصر، وذلك لخبرته السابقة في التحرّر والمُطاردة، اعتمد أيهم على النجوم في تحديد المسارِ، وأرشد مناضل إلى ذلك.

كذلكَ قرر الاثنان السير في الأحراج والطرق الوعرة والابتعاد عن المناطق المأهولة، توجها شرقاً إلى سهل مرج ابن عامر الذي عمل فيه أيهم عندما كان فتًى، وعندما وصلا السهل تبينت لهمُا أضواءُ مدينة جنين البيضاءُ، على عكس أضواء المستوطنات باللون الأحمر أو البرتقالي.

قرر أيهم ومناضل التوجّه جنوباً إلى شارع العفولة-طبريا الرقم 65، غاصا في الوديان التي تنقُل مياه الصَرف الصحي لمدينة العفولة وقراها، الهدف هو الوصول إلى قرية سالم لأنها من أقرب النقاط إلى جدار الفصل ثم إلى جنين، الخطة هي اجتياز الجدار للوصول إلى قرية رمانة من الجهة الشمالية الغربية لجنين.

في حرجٍ صغيرٍ داخل منطقةٍ تُسمى عين كاديِ اكتشفهما جنودٌ وكلابٌ، فافترق الاثنان وركضا، دخل أيهم مع عُمّالٍ عبر قرية سالم رغم أن الجنود طارَدوهُ وأطلقوا النار عليه، وصل إلى قريتِه، كفر دان، لكنَّه لم يتقدّم إلى منزل عائلته المُراقب، ساعده أهالي قريته وبرقين والهاشمية واليامون وغيرها، أمّا مناضل، فبعدما وصل قرية سالم، تسلَّل مع بعض العُمّال، حاول الجنودُ الإسرائيليون إيقافَهم لكنَّه استطاع الإفلات منهُم وصار في قرية رمانة، ثم غادرها ووصل إلى يعبد.

في اليوم الثالث من المطاردة وصل البطلان إلى مخيَّم جنين، والتقيا مجدداً، مكث الاثنان في المخيَّم بحماية "كتيبة جنين" حتّى ازداد ضغط الاحتلال، كان التهديد الإسرائيلي هو اقتحام المخيَّم حتّى لو أدّى ذلك إلى مجزرة، قرّر أيهم ومناضل أن يفديا بحُرِّيتهما أهالي جنين، وكذلك غزة التي هددت بالردّ، بمجرّد أن خرجا من المخيَّم إلى الحيّ الشرقيّ من المدينة، حاصرهما الجيش والشاباك واليمام، سلَّم الاثنان نفسيهما لحماية أفراد العائلة التي آوتهما من هدم البيت فوق رؤوسهم جميعاً، وقع ذلك فجر الأحد التاسع عشر من أيلول/سبتمبر 2021 بعد أربعة عشر يوماً من المطاردة.

انكساراتٌ إسرائيلية.. فتصعيد بالإجراءات

أراد الاحتلال الإسرائيلي تشويه الحاضنة الشعبية للأبطال في القرى والمدن الفلسطينية، فكثرت الشائعات والأخبار المُفَبركة حول عملية الاعتقال، ويروي محمود العارضة أنّ من اعتقله مع يعقوب هو شُرطيّ سيرٍ التحقت به بعد دقائق قواتٌ كلُّها من الشرطة لا من الوحدات الخاصّة غير مدرعةٍ وغيرُ مجهَّزةٍ، وهذا يعني أن الاعتقال جرى عن طريق الصُدفة.

أما المزاعم حول تسليم أهل الناصرة لهما غير صحيحةٍ، والدليلُ الأوّل أنه نُقل عن رجلٍ أنه شاهد شخصين في اليوم الرابع، فيما البطلان لم يدخلا الناصرة إلا في ليلة اليوم السادس، هنا يقول محمود: "الضربة القوية لِي لم تكُن في اعتقالي بعد أيامٍ، بل في الشائعة التي خرجت عن الناصرة.. الأهالي في الداخل احتضنونا، ونحنُ لم نذكُر ذلك في البداية حتى لا نُؤذي أحداً".

الانكسارات الإسرائيليّة هذه دفعت بالاحتلال إلى تشديد الإجراءات الانتقامية، فهذه الإجراءات بدأت من داخل المعتقلات ففي الساعات الأولى بعد اكتشاف عملية التحرُّر من بينها إفراغ سجن جلبوع بالكامل من الأسرى الفلسطينيين، ومن ضمنهم أسرى الجهاد الإسلامي وتفكيكُ البِنية التنظيميّة لأسرى الحركة الموجودة منذُ منتَصف الثمانينيّات، هذا إضافةً إلى نقل قادة التنظيم وكوادره من داخل الأقسام، وخصوصاً أعضاء الهيئة القياديّة العُليا، ووضعهم في الزنازين.

ورفضاً للتسليم بقرارات قيادة السُجون التي سحبت حقوقاً تم انتزاعُها عبر نضالاتٍ طويلةٍ كان القرارُ من القيادات الميدانيّة لأسرى حركة الجهاد الإسلامي داخل السُجون بحرق الأقسام والغُرف التي هم فيها، جاء القرارُ بحرق القسم 6 وهذا ما حصل وبدأت سلسلةٌ من النقل والإجراءات المختلفة على مدار 35 يوماً.

وعلى مدى 35 يوماً، بقي هؤلاء الأسرى من الجهاد الإسلامي في القسم المحروق إلى أن نجحوا من خلال خطواتٍ نضاليّةٍ، في فرض إخراجهم من هذا القسم على السجّان.

وبالتزامن مع الإجراءات الإسرائيلية ضد الأسرى حاولت قوات الاحتلال الضغط على العائلات من خلال عمليات الدهم والاعتقال والتهديد في محاولةٍ للوصول إلى أي خيطٍ يقودُها إلى الأسرى الأبطال.

اقرأ أيضاً: الحلقة الأولى من "الأبطال" عبر الميادين: ولادة فكرة التحرر من "جلبوع"

القضاء الإسرائيلي يتماهى مع الاستخبارات والأمن

وجّه الأبطال بحريتهم ضربةً كبرى للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، إذ كشفت عجز الاحتلال في العمل الاستخباري والاستباقي، وخلال التحقيق مع الأسرى كانوا هم أسياد الموقف، وفق روايات المُحامين.

البطل محمود العارضة تحدّث عن أنه هو من قام بالتخطيط ويتحمّل المسؤولية عن كل ما يتعلّق بعمليّة التحرر، في العادة عندما يبدأ تحقيقٌ مع أيّ معتقلٍ أو أسيرٍ هنالك خيوطٌ معيّنةٌ تكون لدى الاستخبارات أو لدى الشرطة التي تتولى العمليّة لكن في حالة الأسرى الستّة كان هنالك لُغزٌ مُبهمٌ، التحقيق كان يعتمد فقط على المعلومات التي يُقررون إعطاءها.

وفي العزل، وُضع الأبطال، هكذا هو الحكم الإسرائيلي على كُل أسيرٍ يحاوِل التحرُّر، إدارة السجون تُصنّفه حينها خطراً، فتنقله إلى غرفةٍ مُظلمةٍ مساحتها 3 أمتارٍ طولاً ومتران عرضاً وأحياناً أصغر تنقصُها كل مقومات الحياة، وأشكالٌ مختلفةٌ من التعذيب تُمارس فيها.

ويصف محامون وخبراءُ قانونيّون القضاء الإسرائيلي بأنّه جُزءٌ من الآلة الإسرائيلية الأمنية والاستخبارية وحتّى السياسية، وبهذه التصرفات ضد الأسرى يرفض الاحتلال العمل وفق اتفاقية جنيف ومحاكمة الأسرى وفق القوانين الدوليّة المتعلّقة بها، لا بل سنّت قوانين خاصّةً للمحاكم العسكريّة.

الرواية لم تنته ما لا يعرفه أحدٌ عنها، يرويه أبطالُها، رسائل خاصّةٌ منهم لنا، تنقُل تفاصيل رحلة التحرّر كُل خُطوةٍ قام بها أبطال نفق الحرية، القرارات، التحدّيات، المُشاهدات، فاكهة أرض فلسطين ورائحة الياسمين، الكلامُ لهُم ترقّبوه.

لمعرفة مزيدٍ من التفاصيل عن عملية سجن "جلبوع"، تابعوا حلقات "الأبطال" المقبلة، الساعة الـ21:00 بتوقيت القدس الشريف، عبر الميادين.

اخترنا لك