كيف تساهم البيانات في ارتفاع حرارة الأرض؟!

انشغل العالم برّمته بحرائق الأمازون الأخيرة، من دون أن تفضي المشاعر السيالة على شبكات التواصل وفي الإعلام العالمي إلى تغيير يُذكر في سياسات الدول الكبرى المساهمة بشكل مباشر في ارتفاع حرارة الأرض.

كيف تساهم البيانات في ارتفاع حرارة الأرض؟! (أ ف ب)

حرائق الأمازون هي محطة إنذار أخرى على طريق دخول الكوكب في تطور مناخي قاسٍ سيؤدي إلى تغيير دراماتيكي في الجغرافيا والديموغرافيا والاقتصاد.

والمقلق تسارع هذا التحول بوتيرة مضاعفة للتوقعات، فعلى سبيل المثال تعيش "استراليا" آخر فصول الشتاء، مع تحديد العام 2050 كموعد أقصى لتبدل مناخي حاد تشهده هذه القارة.

الوضع في قطبي الأرض ليس بأفضل حال أيضا. وبدل أن تؤدي إجراءات الحد من انبعاثات الكربون إلى وقف نزيف ذوبان الجليد، فإنّ الدول التي تصنف أنها في مصاف العالم الأول باتت سبباً رئيسياً في الإضرار مباشرة بما تبقى من جبال جليدية.

نحن هنا لا نتحدث عن الولايات المتحدة، روسيا أو الصين، بل المقصود دول أوروبية "راقية" قريبة من القطب الشمالي، ومنها أيسلندا المعروفة بطبيعتها الخلاّبة.

في زمن قياسي، تحولت هذه الدولة الهادئة إلى مركز عالمي لمراكز البيانات.

مواقع ضخمة تضم آلاف الحواسيب العملاقة والشبكات بهدف تخزين ومعالجة البيانات الناتجة عن نشاطات مستخدمي الإنترنت عبر العالم.

تعمل هذه الحواسيب والشبكات على مدار الساعة طوال اليوم، من دون أي انقطاع. ونظراً لحجم البيانات الهائل، تحتاج الشركات صاحبة هذه المراكز إلى أعداد ضخمة من "مزارع الخوادم"؛ أي صفوف طويلة من الرفوف المعدنية التي تنتشر عليها أجهزة الكومبيوتر المخصصة للتخزين والمعالجة.

تمرّ كل أنواع البيانات المرتبطة بالإنترنت عالمياً بهذه المراكز؛ من تشغيل البريد الإلكتروني إلى المراسلة الفورية والاتصالات عبر الانترنت، فالتخزين السحابي ومعاملات التجارة الإلكترونية وكل ما يمكن أن يحصل على الشبكة العنكبوتية.

وتتبع مراكز البيانات هذه لشركات كـ"غوغل"، "مايكروسوفت"، "أمازون"، "فايسبوك" وغيرها الكثير. بكلمات أخرى، معلومات العالم بأسره تتركز في إيسلندا.

تنتشر هذه المراكز على الأطراف في ايسلندا، حيث تفضّل الشركات إنشاء المواقع في المناطق الأكثر برودة لتخفيض كلفة تبريد الأجهزة التي تصدر حرارة عالية.

حتى ما قبل ثلاثة أعوام، كان متوسط الحرارة في "ريكيافيك" عاصمة ايسلندا  يبلغ  5 درجات مئوية. استغلت الشركات هذا الواقع لإنشاء مراكزها، ما أدى إلى طفرة واسعة في مراكز البيانات عززّها أيضاً "تعدين" العملات الرقمية. وهي عملية تحتاج إلى طاقة كهربائية عالية وينتج عنها حرارة مرتفعة نتيجة عمل جهاز حاسوب ضخم على مدار الساعة لمعالجة عمليات معقدة بهدف تشفير بيانات مرتبطة بطريقة عمل العملات الرقمية.

ولأن كل هذه العمليات تتطلب طاقة كبيرة، فإن بناء المراكز في "ايسلندا" يوفر الكثير؛ إذ يكفي السماح بدخول الهواء النشط تحت القطب الشمالي إلى هذه المراكز بدل دفع أموال طائلة على أنظمة التبريد الصناعية.

في العام 2018 وحده، ارتفع معدل استخدام الكهرباء السنوي في "ايسلندا" إلى الضعف بفعل الطفرة في مراكز البيانات وارتفاع عددها. وفي العام 2019، تشير الأرقام إلى أن استهلاك الكهرباء في ارتفاع مضاعف مرة أخرى.

ليست "ايسلندا" وحدها المعنية بهذا القطاع، فالشركات العملاقة تبحث دوماً عن فرص أفضل وكلفة أقل. السويد أيضاً باتت دولة مستهدفة من قبل شركات كـ"فايسبوك" التي افتتحت مركز بيانات ضخم في العام 2013 شمالا. أما في الدنمارك، فتساهم مراكز البيانات في زيادة نسبتها 85% من استخدام الكهرباء منذ العام 2017.

تجيد مراكز البيانات والشركات المديرة لها الترويج لنفسها على أنها صديقة للبيئة، لكن "الطاقة لا تذهب إلى أي مكان" بحسب قواعد الفيزياء المعروفة، بل هي تنتقل ضمن أشكال أخرى. وفي حالة مراكز البيانات، تساهم كميات الطاقة الهائلة سواء للتبريد أو تشغيل الأجهزة في ارتفاع إضافي لحرارة الأرض.

اخترنا لك