حصاد عام 2021.. الأمن الغذائي السوري "المستهدَف الأول"

تنتقل سوريا، بفعل الحرب، من بلد ينعم بالاكتفاء الذاتي في مجالي الزراعة والغذاء، إلى بلد يعاني نقصاً في كثير من المحاصيل، بالإضافة إلى استيراده بعض المنتوجات التي كان يصدّرها سابقاً.

  • حصاد العام 2021.. الأمن الغذائي السوري
    خسائر عام 2021 في القطاع الزراعي السوري

تُنهي سوريا مع نهاية عام 2021 سنةً من عشرٍ عجاف، طالت فيها آثار الحرب والحصار جميع نواحي الحياة، منها القطاع الزراعي، بعد أن كانت تُعتبر من البلدان المكتفية ذاتياً في مجال إنتاج الغذاء، ولاسيما المحاصيل الزراعية الأساسية، مثل القمح والشعير، وخصوصاً أنها تحوّلت، في فترة ما قبل الحرب، إلى مُصدِّر إقليمي، وأُجبرت على التراجع إلى مستوردٍ صافٍ. فما هي خسائر العام؟

عام البذار المسمومة

مشروع وزارة الزراعة السورية لجعل عام 2021 عاماً للقمح في البلاد، لم يسفر عن النتائج المطلوبة، إذ إن إنتاج المساحات البعلية، بحسب الأرقام الرسمية، لم يتجاوز 300 ألف طن من أصل مليون و200 ألف طن، كانت متوقَّعة.

ويعزو وزير الزراعة، المهندس محمد حسان قطنا، في تصريح لـ"الميادين نت"، أسباب عدم نجاح الخطة، إلى ظروف الجفاف والتغيرات المناخية، من ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض منسوب المياه.

ويوضح أن للأمطار دوراً في عدم نجاح الخطة المرجوة، ويقول "فقدنا 90 في المئة من المساحات البعلية. حوامل المحصول كانت جيدة حتى بداية نيسان/أبريل، لكن كميات الأمطار كانت قليلة جداً في هذا العام، حتى إنه لم تسقط الأمطار أبداً في بعض المحافظات. والمتعارف عليه هو أن أمطار نيسان/أبريل هي التي تحدد إنتاج موسم القمح".

وعلى أعتاب بدء موسم زراعة القمح في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، استغلت الولايات المتحدة الأميركية ظروف فلاحي شمالي شرقي سوريا الصعبة، وعدم توافُر مستلزمات الإنتاج، من محروقات وأسمدة وبذور وغيرها، نتيجة "قانون قيصر" الخانق، والذي تفرضه هي، وقامت عبر الـ"USAID" (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية)، بتقديم بذار مجانية إلى الفلاحين، تحمل آفة النيماتودا، وتتسبب، في حال زراعتها، بخسارة الإنتاج الزراعي لمدة ثلاث سنوات على الأقل، وذلك بحسب نتائج التحاليل التي أُجريت في مخابر وزارة الزراعة السورية.

  • الحسكة
    بذار تحمل آفة النيماتودا التي قدمتها الولايات المتحدة إلى الفلاحين السوريين

ويؤكد وزير الزراعة السوري أن بعض هذه الكميات من البذار زُرع فعلياً في منطقة تل حميس في ريف الحسكة، مشدداً على أن سوريا تمنع استيراد بذار القمح بالمطلق، بحيث تمتلك الوزارة أبحاثاً كثيرة قامت بها هيئة البحوث العلمية الزراعية، على مدى 30 عاماً، وأوجدت أصنافاً عالية الجودة. لذا، فإن إدخال أي بذار مجهولة سيؤدي إلى خلط الأصناف، وهذا خطير جداً.

ولفت إلى أن "سوريا طالبت بإدانة هذا التصرف دولياً، لكنها لم تلقَ أي ردود فعل، علماً بأن هذه التصرفات هي استهداف واضح وممنهج للأمن الغذائي السوري".

وكان المكتب الصحافي في محافظة الحسكة أعلن، منذ عدة أيام في صفحته الرسمية في "فيسبوك"، أنّ "منظمة غير شرعية قامت، مرة أخرى، بإدخال بذار قمح مجهولة المصدر، عن طريق معبر الوليد غير الشرعي، لتوزيعها على المزارعين في قرى منطقة المالكية، عن طريق مجالس ما يسمى الإدارة الذاتية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية".

الجزيرة السورية تشتهي ماء الفرات

لم يكن هذا العام أفضل حالاً بالنسبة إلى المياه في بلادٍ تتُقاسَم الأنهار الرئيسة فيها مع دول الجوار، وتعتمد إلى حدٍّ كبير على تدفق المياه من تركيا عبر نهر الفرات وروافده، والتي لم توفر فرصةً في خنق جيرانها، مُعرّضةً حياة أكثر من 3 ملايين مواطن سوري للخطر، بسبب قطعها مياه الري والشرب، بالتزامن مع انقطاعات في التيار الكهربائي، وذلك عبر خفضها الكميات المتدفقة من حصة سوريا القانونية من نهر الفرات.

ويؤكد مدير الزراعة في الحسكة، المهندس رجب السلامة، لـ"الميادين نت"، أن تركيا خرقت على نحو فاضح الاتفاقية الموقَّعة مع سوريا بشأن توزيع مياه نهر الفرات، وسَطَتْ على كميات كبيرة من المياه لاستثمارها في الداخل التركي.

وقال إنَّ "الاتفاقية، التي تم توقيعها عام 1987، تجبر تركيا على تمرير 500 متر مكعب من المياه إلى سوريا، إلاّ أنها لا ترسل اليوم سوى 200 متر مكعب، وهذا النقص أدى إلى جفاف نهر الخابور وروافده بصورة كاملة، وخروج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية من الاستثمار، نتيجة توقف مشاريع الري، على سرير نهر الخابور من مدينة رأس العين حتى ناحية مركدا".

كما أن الكهرباء ليست حالها أفضل أيضاً، بحيث إنه لا يوجد سوى عنفة واحدة تعمل 6 ساعات فقط في اليوم، وذلك أدى إلى توقف مضخة من أصل ثلاث تخدم "مشروع المغلة" الزراعي.

وبشأن ذلك، قال مدير الصيانة والتشغيل في مشروع الفرات الأوسط في المؤسسة العامة للإصلاح الزراعي، صبحي الجاسم، لـ"الميادين نت"، إن "رقعة المساحات المروية من الأراضي في ريف الرقة المحرَّر انحسرت، وتضرر محصول القمح بصورة فادحة، بسبب تأثر محطة الضخ الرئيسة في الرقة التي تروي 5500 هيكتار ينتشر فيها عناصر قوات سوريا الديمقراطية، الذين استنزفوا المخزون المائي لبحيرة الأسد، بحيث قاموا بتعويض قلة الوارد من مخزون المياه الاستراتيجي واستغلوه بصورة جائرة".

الثروة الحيوانية: نقص في الأعداد وعدم القدرة على تأمين الأعلاف

لم تَسْلَم الثروة الحيوانية السورية من الاستهداف، ولعلّ أبرز ما حدث هذا العام في شهر آذار/مارس الفائت، هو استهداف فلول تنظيم داعش لرعاة الأغنام في ناحية الرهجان في ريف حماة الشرقي، الأمر الذي أدّى إلى نُفوق أكثر من 400 رأس غنم، واستشهاد عدد من الرعاة، كجزء من سلسلة اعتداءات إرهابية متكررة.

وتُعَد منطقة البادية، الممتدة في أرياف حلب وحمص وحماه ودير الزور والرقة، أي ما يُعرَف بحوض البادية، أحد أبرز المراعي الطبيعية، وكانت توفر قبل الحرب السلة الغذائية للمواشي، وتُغْني الرعاة عن شراء العلف الصناعي.

ويُرجع مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة، أسامة حمود، سبب تعرض هذا القطاع لخسائر قُدِّرت، بحسب الفاو، بما بين 35-40 في المئة، إلى عدة أسباب، أهمها التهريب والذبح العشوائيان، والاعتداء على المنشآت المخصَّصة. ويضيف لـ"الميادين نت" أن "نسبة فقدان العواس تجاوزت 50 في المئة؛ هذا العرق الموجود في سوريا، ولا يمكن تعويضه إلاّ بالتربية، بحيث إنه لا يمكن استيراد رأس واحد من العواس، لكن يمكن استيراد قطيع من الأبقار مثلاً. لكن قطاع الدواجن هو الخاسر الأكبر، مقارنة بنسبة انخفاض الأبقار التي لم تتجاوز 30 في المئة، والأغنام 40 في المئة".

ويؤكد المهندس حمود أنه لا يوجد إمكان لدى سوريا لتوفير حاجتها إلى الأعلاف، قائلاً "لجأنا إلى تخفيض المساحة المزروعة بالنباتات الصيفية، من 62 ألف هكتار إلى 29 ألف هكتا.، وأغلبيتها كانت تُزرَع بالقطن والذرة، بسبب ضعف الموارد المائية الناتج من العدوانين التركي والأميركي، والتغيرات المناخية، الأمر الذي يرفع تكاليف الإنتاج، بحيث إن إنتاجنا من الذرة لا يتجاوز 300 ألف طن، في حين تبلغ حاجتنا مليونَي طن. ومهما عملنا على تحسين إنتاجنا، عبر إدخال الأصناف الهجينة، فهو لا يتجاوز 20%". 

بعد أن عشنا في عام 2021 الكثير من الأحداث المهمة والمفصلية، يشرف هذا العام على الأفول، ولكنها ليست فقط نهاية عام عادية، هي بداية حقبة في حياة شعوب المنطقة والعالم.

اخترنا لك