"سوق الملح" في صنعاء القديمة قلب التجارة اليمنية

تُعد "سوق الملح" في صنعاء القديمة إحدى أشهر أسواق المدينة التاريخية، وهي سوق تجارية مركزية تباع فيها التوابل والبهارات والمواد الغذائية وكل المنتجات التي تجود بها الأرض اليمنية.

0:00
  • "سوق الملح" في صنعاء القديمة قلب التجارة اليمنية

تُعد الأسواق أحد العناصر الأساسية في تكوين المدن منذ نشأتها في الألفية الرابعة قبل الميلاد وحتى يومنا هذا. وقد تميزت العاصمة اليمنية صنعاء، بأسواقها القديمة التي لعبت دوراً حيوياً عبر العصور كمركز لإنتاج وبيع المنتجات اليمنية الأصيلة، بما في ذلك المنتجات الزراعية، والحرف اليدوية، والمشغولات، والمقتنيات التاريخية.

في قلب صنعاء القديمة، يمكن للزائر أن يستكشف مجموعة من الأسواق التجارية والحرفية المتخصصة التي لا تزال نابضة بالحياة بفضل نشاط وكفاح الإنسان اليمني، وتمثل رمزاً للأصالة والتاريخ العريق. بين باب اليمن جنوباً وباب شعوب شمالاً (من أبواب صنعاء القديمة)، تمتد سلسلة من أكثر من 30 سوقاً متخصصاً، تتخللها مئات الدكاكين الصغيرة والسماسر التجارية. هذه الدكاكين، التي يتجاوز عددها 1900 محل تجاري، توجد في الأدوار السفلى للبيوت التقليدية القديمة أو أمامها، مما يضفي على المدينة طابعاً مميزاً يعكس عمق حضارتها وتاريخها.

"سوق الملح" أشهر الأسواق

وتُعد "سوق الملح" إحدى أشهر أسواق المدينة التاريخية، وهي سوق تجارية مركزية تباع فيها التوابل والبهارات والمواد الغذائية وكل المنتجات التي تجود بها الأرض اليمنية، وتتكون من أسواق فرعية عدة اكتسبت أسماءها من أسماء البضائع التي تُباع فيها كسوق الزبيب، وسوق النجارين، وسوق الجنابي، وسوق الممدارة، وسوق المعطارة.

ومن الناحية التصميمية صُممت السوق في قلب المدينة، وتمتد من الجنوب نحو الشمال على هيئة دكاكين وحوانيت صغيرة.

وفي ما يتعلق بتسمية "سوق الملح"، أوضح الباحث في الآثار اليمنية، الدكتور سامي شرف الشهاب، أنّ "الملح كان أحد أبرز السلع التي كانت تصل إلى السوق من مأرب، الواقعة في المناطق الشرقية الشمالية من اليمن. وكان هذا الملح صخرياً، ويتم توزيعه من صنعاء إلى المدن الداخلية ومناطق الهضبة الجنوبية والجنوبية الغربية. نتيجة لذلك، اكتسب القسم الخاص ببيع الملح شهرة كبيرة، مما جعل اسم السوق يرتبط بهذه السلعة على وجه التحديد".

من ناحية أخرى، يشير البعض إلى أن اسم "سوق الملح" قد يكون مشتقاً من كلمة "المُلح"، التي تعني الأشياء الجميلة أو المليحة، في إشارة إلى البضائع القيمة التي كانت تباع وما زالت في هذه السوق.

وتتمتع "سوق الملح" بتقاليد وأعراف تجارية خاصة تحكم عمليات البيع والشراء فيه. على سبيل المثال، إذا احتكر أحد التجار سلعة معينة، يتم أخذها منها وتوزيعها على بقية التجار لضمان توافرها للجميع بأسعار عادلة.

وأشار الباحث التاريخي عدنان البليلي إلى أنه "لا يجوز للبائع رفع الأسعار بشكل عشوائي، وفي حال واجه المشتري أي صعوبة في التعامل مع البائع، يمكنه اللجوء إلى "عاقل السوق"، الذي يتولى تسهيل عملية البيع والشراء، ومراجعة البائع حتى الوصول إلى سعر مناسب أو عادل. كما يتولى "عاقل السوق" معالجة مظالم التجار مع الجهات المختصة، سواء في العصر الحالي أو في الفترات التاريخية السابقة.

ولا تزال الكميات تُقاس بوحدة "النفر"، وهو وعاء يتسع لأقل من كيلوغرام واحد، وما زال هذا المقياس متبعاً حتى يومنا هذا".

إرث وطريق تجاري 

وعلى رغم أنّ صنعاء كانت تُعرَف تاريخياً بأنها "مدينة سوق" أساسية تقع على طريق القوافل التجارية بين مدينة مكة في السعودية ومدينة عدن اليمنية، مما جعلها مركزاً تجارياً مهماً عبر العصور، إلا أنها اليوم تُعتبر المدينة الحاضرة التي لا تزال تحتفظ بجزء من تلك التقاليد التجارية العريقة. 

كانت "صنعاء القديمة" في الماضي تحتوي على نحو خمسين سوقاً متخصصة، لكن مع مرور الزمن تقلّص هذا العدد إلى نحو 35 سوقاً فقط، مما يعكس التحول الطبيعي لهذه التقاليد التجارية القديمة في اليمن.

أسواق صنعاء القديمة الأشهر للعرب منذ الجاهلية

وأوضح الباحث في مجال الآثار اليمنية الدكتور سامي شرف الشهاب أنّ "جميع الإشارات التاريخية تشير إلى أنّ سوق صنعاء كانت إحدى الأسواق الموسمية الشهيرة للعرب في فترة الجاهلية، مثل سوق دومة الجندل، وسوق المشقر، وأنه كان يعقد في النصف من شهر رمضان".

وأضاف: "كان طريق القوافل يمر بعدة أسواق موسمية، منها سوق صنعاء التي كانت تربط الأطراف الجنوبية من اليمن ابتداءً من عدن وصولاً إلى أقصى الأطراف الشمالية، مما كان يُعرف تاريخياً باليمن حتى نجران، ومنها كان الطريق يتفرع شمالاً شرقاً وشمالاً غرباً وصولاً إلى بلاد الشام".

وأشار الباحث اليمني إلى أنّ "صنعاء كانت مدينة تجارية في المقام الأول، وقد شكلت نقطة محورية في الربط بين مدن الهضبة والمدن الواقعة على الأطراف الشمالية والشرقية. وكانت تقام فيها سوق تعقد خلال شهر رمضان، مما جعلها محطة تجارية هامة على طريق التجارة الجبلي، الذي كان بمثابة شريان الحياة لمدن المرتفعات".

وتابع: "قبل الإسلام، لم تكن صنعاء مجرد مدينة لليمنيين، بل كانت إحدى المحطات الرئيسة على الطرق التجارية عبر منطقة الهضبة، وهو الطريق الذي حل محل طريق اللبان في المناطق الشرقية للبلاد".

وأردف: "في القرن الثاني قبل الميلاد، حدث تحول مهم جداً في طرق التجارة العالمية من البر إلى البحر، مما أدى إلى فقدان العديد من المدن اليمنية القديمة في الأطراف الشرقية، مثل عواصم الدولة القتبانية والمعينية ودولة حضرموت، لأهميتها التجارية. ونتيجة لذلك، انتقل الثقل التجاري إلى المناطق الجبلية (مناطق الهضبة). وكان الطريق التجاري الذي يبدأ من عدن عبر صنعاء وصولاً إلى مكة هو نفسه طريق القوافل، والذي كان يمر بمجموعة من الأسواق الموسمية التي اشتهرت في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وكانت سوق صنعاء إحدى هذه الأسواق".

6 سنوات مرت على العدوان السعودي الإماراتي على اليمن، لم تتمكن دول العداون من تحقيق أي انتصار إلا في عدد المجازر وانتهاكات حقوق الإنسان، فيما تعزز صنعاء حضورها العسكري والسياسي يوماً بعد يوم.